عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

حديث من العرفاء:

حديث من العرفاء:

يقول عاشق سالك وعارف إلهي:

حينما سافرت إلى احدى الممالك، رايت طبيباً تظهر عليه آثار العلم والمعرفة وكان مشغول بالعلاج.

وكان هناك جمعاً غفير من الرجال والناس جالسين وينتظرون العلاج، وجلست انتظره، وعندما انتهى الطبيب من معالجة المرضى، ادار وجهه نحوي وقال: قل ما هو مطلبك؟

فقلت: اعاني من مرض منذ سنين، فأرجوا ان تكون باستطاعتك معالجتي.

فقال: ما هي علّتك؟

قلت: هو مرض الذنب، فإن كان عندك له دواء، فصفه لي.

فنظر الطبيب لحظة إلى الأرض وعندئذٍ أخذ القلم وقال: سأكتب لك نسخة ففهمها جيداً واعمل بها.

عندئذ أخذ قلم وورقة وكتب هذه الكلمات: >عليك بورق الفقر، وعروق الصبر، وهليلج الكتمان، وبليلج الرضى، وغاريقون الفكر، وسقمونيا الاحزان، واشربه بماء الاجفان، واغله في طنجير القلق، ودعه تحت نيران الفرق، ثم صفه بمنخل الارق، واشربه على الحرق، فذاك دواك وشفاك، يا عليل<([1]).

 

وعندما سمعت هذه الكلمات من ذلك الطبيب العالم تغير حالي وانا ايضاً اخذت القلم وكتبت له هذه الكلمات:

إنّ لله عباداً ذنوبهم بعدد الأشجار، ويرونها بماء التوبة، وحملها الندم والحسرة، ويقطفون ثمرها دون جنون، ولبسوا ثوب البلادة والبلاهة، من دون عاهة، او صمت في الكلام، هذه المجموعة من العلماء والعارفين بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يشربون من كأس الوحدة الطاهر، ويصبرون على طول البلاء، قلوبهم متحيرة في عالم الملكوت وخائفة، وبين حجب الجبروت تتحرك أفكارهم.

يحتمون بظلال الندم، ويقرأون كتاب ذنوبهم، وأرواحهم مرافقة للصبر والخوف، حتى يصلوا إلى أسمى درجات الزهد، معتنقين سلّم الورع.

يشترون مرارة وعذاب الدنيا بأنفسهم، وينتصرون بحبل الحرية، ويصلون إلى الراحة والسلامة، وتصل أرواحهم إلى أعلى الملكوت، حتى يقيموا في بساتين الراحة الواسعة، يغرقون في الحياة الإلهية، ويحكمون خنادق الصبر، ويعبرون من جسور الأنهر الكبيرة لهوى النفس، ثم بعد ذلك، يستقرّون في أصول تلك السفن وأشرعتها، ويبحرون في بحار المحبوبن، حتى يصلوا إلى سواحل الراحة والجلالة.

يقول اليافعي: وانا أيضاً نظمت نثراً وشعراً يحتوي على المعاني، وهذا جزء منها:

عندما يصل من الله إلى عباد، عنايات والطاف خاصة وترقّيات روحية، عليه أن يبعد عن نفسه كل ما سوى الله، ويرتقي إلى مقامات عالية، ويطلب العون بالكرامة والزهد والتقوى، بتقوى كأنما أجزائه عجنت بطهارة الماء، وخيولهم تتحرك في مزرعة الزعد، وهم يخفونها.

ويلجمون النفس العنيدة بشكل لا تستطيع النظر إلى غير صاحبها، ويردعونها بسوط الخوف، ويحركونها بالمنى، ويضعونها في شروط وحالات صعبة ليصلوا إلى منتهى مناها وهو الحق، عند ذلك فإنّك تصل إلى مكان طاهر عظيم، ومرتبة عالية، ونية نقية، وترتع في حدائق المعارف والراحة.

فهذا الطريق الذي يسير عليه، هو مليء بجيوش الأماني النفسية، ولكن هؤلاء يمنعون تلك الجيوش من الهجوم عليها، ويكسرون أماني النفس، بسيوف هي خلاف ما تريد النفس، ويضربون أصحاب الطبع السيء بأسهم ترك العادات السابقة، ويطهرون بماء العيون ذنوبهم، وجميع الأشياء السيئة، حتى تصبح عبادتهم دون عيب، ويكون احتياجهم فقط لطهارة الروح وأداء الصلاة، ولكي تعالج آلالام الصداقة الخاطئة لقلوبهم، عليهم ان يحرقوا أشجار الطبع السيئة بأنين القلب الحزين، ويعطرونها بماء ورد الأذكار، ويحيون امواتهم بإسم الله([2]).

 

بُعد وقُرب العارفين:

يقول عارف زاهد:

رأيت شاباً أعرابياً يطوف بالكعبة، كان نحيفاً ومصفّر الوجه، منخور العظام. فاقتربت منه وقلت له: أظنّ أنّك محبّ وقد احترقت في هذا الحبّ، فأجاب: بلى، فقلت: فهل حبيبك قريب أم بعيد منك؟ فقال: بل قريب، فقلت له: هل هو مخالف أم موافق لك؟ فقال: بل موافق ورحمن. فقلت له: >سبحان الله< حبيبك قريب منك وموافق لك، وأنت بهذا الحال نحيف ومصفّر؟ فقال:

يا سفيه! ألم تعلم بأن نار القرب من الحبيب تحرق أكثر من نار البعد والمخالفة؟ ففي قربه خوف الفراق والزوال، وفي بُعده امل اللقاء. فتغيّرت حالتي من كلامه هذا.

هذه الحكاية كأنّما تريد أن تقول: إن الإنسان ـ لا سامح الله ـ ممكن أن تحصل له حالة من الغررو والعجب، بعد الوصول إلى مقامات إلهية سامية، وينحدر نحو السقوط في الهاوية، ويضيع كل ما حصل ووصل إليه!!.

 

يقين العباد:

يقول عاشق تقي:

سمعت من أحد عباد الحق الذي كان في سواحل الشام مشغولاً بالعبادة أنّه يقول:

إنّ لله سبحانه وتعالى عباداً بفضل نوره، قد وصلوا إلى معرفةٍ له، يعبّر عنها باليقين، فشحذوا هممهم لقصده سبحانه وتعالى، أملاً أن يلقي عليهم نظرة محبة، وتحمّلوا الصعوبات بكل همّها وغمّها، ليقضوا أيامهم وحياتهم في غمه، ومع همهم وغمهم الكثير فإنهم يعيشون حالة طمأنينة وراحة قلب، ولا ينظرون إلى الدنيا بعين المحبة، زادهم من الدنيا كزاد المسافر.

في خوف من الإمتحان، ولكنّهم يسيرون إليه بعجلة، يأملون النجاة من المهالك، ولا يستريحون لحظة من المناجاة والتضرّع إليه.

 

أستغفر الله من كل شيء سواه، واستغفر الله من كل شيء مستعار.

فإن قضيت لحظة من دون ذكره، فإنّي مراراً من تلك اللحظة استغفر الله.

واللسان الذي لا يذكر الله كثيراً، احذر من شرّه واستغفر الله.

انتهى العمر وجاءت لحظة الغفلة، ولم انتبه لهذه الغفلة استغفر الله.

انقضى ريعان الشباب ومرت الشيخوخة، ولم اعمل شيئاً مفيداً استغفر الله.

ولم اسجد سجدة واحدة طيلة حياتي، تفيدني استغفر الله.

وكل شيء عملته كان خطئاً، واهرب منها استغفر الله.

واتوب من أعمالي السيئة مائة مرة، ومن أقوالي ألف مرة أستغفر الله.

أصبحت بعيداً عن ديار المحبّ يا فيض، واصبحت مهجوراً أستغفر الله.

 

يضحون بدمائهم من أجل مرضاة الله، ويفكرون دائماً في الآخرة، ويستمعون بأذن القلب، فإنك إن تراهم تقول إن حالتهم ذبلة وأفواههم مكمومة، داخلهم مجروح من غم عشق المحبوب، وقلوبهم محزونة وأبدانهم نحيفة، وعيونهم باكية، خفيفين من متاع الدنيا، لا يحتاجون إلى مرافقة أو مساعدة، قنعوا من الدنيا بأقلها، ومن اللباس بأردئها وأبسطها، يسكنون في بيوت خربة من دون أهل، ويفرّون من منازل الدنيا، ويفضّون العزلة عن معاشرة الناس الذين يكونون السب في البعد عن الله سبحانه وتعالى.

يقتلون الليل بخنجر القيام والعبادة، وباطنهم مجروح من شدة التهجد والعبادة، كأن على رؤوسهم الطير من السهر، مستمرين في المناجاة والدعاء، وسريعي الانتقال من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة.

 

من هو العارف:

سُئل عارف يقظ، وعاشق هائم:

من هو العارف وكيف حاله؟

فقال: العارف هو الرجل الذي يكون منهم ويعيش منزوياً عنهم، كل ساعة يكون اخشع، لأنه في كل ساعة يصبح قريباً من الله سبحانه وتعالى من الأخرى.

وكذلك العارف فحالته لا تكون مستقرة، لأن كل ساعة يُلهم من عالم الغيب وتتغير حالته حتى يصبح ذا حالات مختلفة وليس ذا حالة واحدة.

العارف افضل من جميع الآداب لأن المعرفة أدّبته، والمعرفة على ثلاثة اقسام:

1ـ معرفة التوحيد وهذه المعرفة تختص بعامة المؤمنين.

2 ـ معرفة الحجج والبيان وهذه المعرفة تختص بالحكماء والعلماء.

3 ـ معرفة الصفات الوحدانية وهذا القسم مختص بأهل الولاية. اولئك هم مجموعة من الذين يملكون قلوباً نقية، يستطيعون بواسطتها مشاهدة الحق وما أخفى الله على العالمين من الأسرار.

فقد نُقل من ذلك العاشق الهائم، مناجاة تبيّن أنس هذه الطائفة مع المحبوب الحقيقي.

فقدكُتب: كلّما كان يتهيء للصلاة، كان يبكي بشدة ويقول: إلهي بأي قدم أخطوا اليك، وبأي وجه أتوجّه إلى قبلتك، وبأي لسان أناجي حضرتك؟ إلهي من لا شيء صنعت رأس مال واتيت اطرق بابك.

الهي أنت تعلم وفضلك وكرمك ورحمتك، الهي إذا اصابني غداً حزناً منك فإلى أين ألتجا وأشكو؟

الهي لا تحجبنا عنك بذل الغشاوة، وارفع غشاوة الغفلة عن بصر بصيرتنا.

الهي إذا عفوتنا عنا بكرمك فأنت أملنا والهنا، وإن عاقبتنا مع كبر سننا فنحن فقراؤك.

الهي حاجتنا هي لعفوك واملنا لرحمتك.

الهي إذا قلت اجعلني مع المحسنين فإني كلما أنظر إلى نفسي، أراها مسيئة، ولم تسلك الطريق المستقيم.

الهي بكرمك احفظني حتى لا اسلك طريق المعصية.

الهي جئت اطرق لحضرتك طارقاً بابك، غير آيس من كرمك ورحمتك([3]).

 

إلهي أنقذني من هوى النفس، وانقذني من محيط البلاء.

حرّرني من نفس ولو للحظه، ونجّني من غمّ ما سواه.

استوحش قلبي من هذا العالم، وخلّني من ديار الفناء.

فالنفس الأمّارة تقصدني، فأنجني من هذا الشبح.

ضيّعت نفسي من أجل هوى النفس، خلّصني من هوى النفس يا ربّ.

فكلام الناس قد آذاني وأحرقني، فنجّني من نار بلا نور([4]).

 

فأول مرتبة المعرفة هو ان الله يرزق العبد يقيناً تطمأن فيه جميع  اعضائه، وتوكلاً تسلم به جميع جوارحه في الدنيا، وحيرة  يسلم بها من حيرة الآخرة، لان الاضطراب في الطلب هو من ضعف اليقين، فإن أصبح لديه يقين بأن الطلب لا يزيد ولا ينقص، فإنه يفرغ من اضطراب الجوارح كما قال المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم):

>واعْلَمْ أَنَّ ما أَصابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخطيَكَ وَأَنَّ ما أَخْطاكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَكَ<([5]).

 

لا مفرّ من واديك أيها المحبوب، كيف أرجع عن واديك أيها الحبيب.

يرمونني في دائرة زلف شعرك، فانخدع بعينيك الساحرتين أيها الحبيب.

فعطّرت زلف شعرك الأسود، ومفتاح عطره إلى روحي أيها الحبيب.

فاظلمني كيف تشاء وكما تحب، فإني لا أتعذّب من طباعك أيها الحبيب.

فغبار الدارين أعمت عيني، لا أرى شيئاً سوى وجهك أيها الحبيب.

 

والعارف هو ذلك الإنسان الذي يبذل قصارى جهده في طاعة الله وعبادته تأدية حقوق الله سبحانه وتعالى، وان يعرف الله حق معرفته وان يؤمن بأن إياب الخلق إليه سبحانه وتعالى، بمعنى أنه كلما كانت معرفة العبد بربه اعمق، كلما كان نشاطه أكثر في خدمته لله جل وعلا.

وينزل إليه  من امر الله سبحانه وتعالى أو منّته، يجب عليه ان يعلم أنّه أمر الله وان يشكره سبحانه وتعالى، والرجوع إلى الله جل وعلا على معنيين:

1 ـ ان يكون مبتلى ويصبر ويرجع إلى المولى عز وجل.

2 ـ ان يكون متنعماً وعليه أن يرجع إلى شكر المولى عز وجل.



([1]) مستدرك الوسائل: 12/171، حديث 13803.

([2]) >نامه دانشوران: 9/28<.

([3]) >نامه دانشوران: 9/67<.

([4]) الفيض الكاشاني.

([5]) بحار الأنوار: 2/154، باب 20، حديث 7.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment