وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
المحُبُّة والمعرفة:
حقيقة لا يمكن انكارها؛ وهي ان معرفة الشخص لشيء ما، سبب في حبه أو كراهيته ذلك الشيء.
عندما يرى الإنسان أن شيء ما ينفعه، فإنه يميل إليه ويعشقه، ويبذل قصارى جهده كي يحصل عليه ويكسب رضاه.
فالإنسان يظهر محبّته بالاشياء التي يحتاج إليها كالأطعمة، والألبسة، والمنزل، لأنّه وصل إلى حقيقة أن هذه الاشياء هي مفيدة له ولحياته وفي المقابل، فإن الإنسان يكره بعض الأمور لأنه وصل إلى نتيجة أن هذه الاشياء هي مضرة له.
فعندما يرى الإنسان أشياء وأمور تنفعه فإنه يسعى إلى الحصول عليها، وبالعكس فإنه يتجنّب الأشياء التي تضره.
معرفة الحق سبحانه وتعالى:
يمكنكم مراجعة القرآن الكريم والآثار الإسلامية وعن طريقهما، سوف تجدون أن الله سبحانه وتعالى ـ ذلك الوجود المقدس ـ هو منبع جميع صفات الكمال. صفات كمال لا نهاية لها. وتدركون ان كل شيء في هذا الوجود هو في قبضة يده، وانه هو مبدأ الوجود، وأنّه اعطى كل شيء ما يليق به، ووهب للإنسان أكثر مما يستحقه.
انظروا عن طريق القرآن الكريم واهل البيت (عليهم السلام) إلى لطفه وعنايته بالمحسنين، وإلى كرمه ولطفه وحبه، للمسيئين التائبين، ورحمته وكرمه لمحبيه في يوم القيامة.
انظروا إلى الآيات التي تبين وضع المحسنين في الجنة، وانظروا إلى روايات باب التوبة والمغفرة والشفاعة؛ شاهدوا كيف ان الله سبحانه وتعالى اسبغ محبته للموجودات جميعاً وخصوصاً الإنسان في هذه الدنيا وشاهدوا قوانينه السامية في القرآن الكريم لتأمين سعادة الإنسان، وتأملوا في ارساله الرسل، والأئمة (عليهم السلام) وفي حكمة الحكماء وعرفان العارفين، وكيف ان الله يخاطب خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه رحمة للعالمين وأنّه وعد المحسنين بأجر عظيم، وكيف أنّه يخاطب المذنبين: أيّاً كنت، تُب وكفّر عن سيئاتك؛ فإني غض البصر عن ذنوبك جميعاً؛ إلى أن يتعرف على الله أكثر فأكثر، ويصل بعد هذه المعرفة بعالم الشعق والمحبّة؛ إلى طريق الله سبحانه وتعالى، ويحصل على أكثر من هذه المحبة.
الانسان بمعرفته هذه، يجعل كل عشق مرتبطاً بعشقه لله، والله يغفر له جميع ذنوبه من أجله، فعندما تصله اوامر الله، يطيعها الإنسان بملئ إرادته، وكذلك يجتنب معاصيه ولسان حاله:
يا من هو دواء للمتعبين، يا من ذكره راحة لروح العاشقين.
فمئات آلاف العشاق أملهم بك، ويقولون في صحراء الغم، إنك آت.
واحترقت الصدور لفراقك، وتبكي العيون لألم فراقك.
شرب شيخ الانصار جرعة من شراب الشوق، فأصبح كالمجنون حيراناً حول العالم.
ويقول الخواجة عبد الله الأنصاري: يا عزيزي، كل من لديه عزيمة العشاق فعليه ان يفصل قلبه عن جسده، ومن يقصد ان يسافر إلى حرم الله فعليه ان يرحل إلى البادية، و ان يكون لديه قلباً طاهراً وصدراً متلهفاً وملتهباً.
والعشق نار محرقة، وبحر لا ساحل له، وكلها روح، وهي قصة لا نهاية لها، والعقل والشعور في حيرة من أمره، والقلب عاجز امامه، يحفظ المعلوم ويفشي الاسرار، فالروح روحٌ، والفتوح فتوحٌ، فإذا سكت العاشق فإن قلبه يضطرب وينسى نفسه، وإذا ترك حبّه فحاله ينقلب، وتعلم المدينة بأسرها بخبره، والعشق هو نار وماء في آن واحد، وظلام ونور، والعشق داء لا دواء له، وهو دليل الحياة وسبب الممات، وهو ثروة الراحة وقاتل الآفة.
قلب العاشق عرين الأسد، ولا يقصده إلا من أراد ان يودع الحياة، والحديث عن مغامرات العشق المؤلمة فإنه غير صحيح، و أظهار الشكوى من عذاب العشق خيانة، ومن اصابته أشعة العشق، نال سعادة الدنيا والآخرة.
غاية القلب ومراد الجسم هو العشق، ورأس مال العمر هو العشق الأبدي.
ذلك العشق الذي أبقى خضراً، فالعشق هو الحياة الأبدية([1]).
ومما لا شك فيه أن العشق، دون معرفة المحبوب، ليس له معنى، فالمحبوب لن يحصل على هذا العشق، وبالطبع يمكن كسب هذه المعرفة عن طريق التدقيق في الآيات والآثار الإسلامية.
والآن نذكر هنا، فصلاً من الآثار الإسلامية في معرفة الله سبحانه وتعالى:
صفات الله في الأدعية:
دعاء الجوشن الكبير:
يا سَيِّدَ السّاداتِ، يا مُجِيبَ الدَّعَواتِ، يا رافِعَ الدَّرَجاتِ، يا وَلِيَّ الحَسَناتِ، ياغافِرَ الخَطِيئاتِ، يا مُعْطِيَ المَسْأَلاتِ، يا قابِلَ التَّوْباتِ، يا سامِعَ الاَصْواتِ، يا عالِمَ الخَفِيّاتِ، يا دافِعَ البَلِيّاتِ.
يا خَيْرَ الغافِرِينَ، يا خَيْرَ الفاتِحِينَ، يا خَيْرَ النّاصِرِينَ، يا خَيْرَ الحاكِمِينَ، يا خَيْرَ الرّازِقِينَ، يا خَيْرَ الوارِثِينَ، يا خَيْرَ الحامِدِينَ، يا خَيْرَ الذَّاكِرِينَ، يا خَيْرَ المُنْزِلِينَ، يا خَيْرَ المُحْسِنِينَ.
يا غافِرَ الخَطايا، يا كاشِفَ البَلايا، يا مُنْتَهى الرَّجايا، يا مُجْزِلَ العَطايا، يا واهِبَ الهَدايا، يا رازِقَ البَرايا، يا قاضِيَ المَنايا، يا سامِعَ الشَّكايا، يا باعِثَ البَرايا، يا مُطْلِقَ الاُسارى.
يا عُدَّتِي عِنْدَ شِدَّتِي، يا رَجائِي عِنْدَ مُصِيبَتِي، يا مُوْنِسِي عِنْدَ وَحْشَتِي، يا صاحِبِي عِنْدَ غُرْبَتِي، يا وَلِيِّي عِنْدَ نِعْمَتِي، يا غِياثِي عِنْدَ كُرْبَتِي، يا دَلِيلِي عِنْدَ حَيْرَتِي، يا غِنائِي عِنْدَ افْتِقارِي، يا مَلْجَأي عِنْدَ اضْطِرارِي، يا مُعِينِي عِنْدَ مَفْزَعِي.
يا دَلِيلِ المُتَحَيِّرِينَ، يا غِياثَ المُسْتَغِيثِينَ، يا صَرِيخَ المُسْتَصْرِخِينَ، يا جارَ المُسْتَجِيرِينَ، يا أَمانَ الخائِفِينَ، يا عَوْنَ المُؤْمِنِينَ، يا راحِمَ المَساكِينَ، يا مَلْجأَ العاصِينَ، يا غافِرَ المُذْنِبِينَ، يا مُجِيبَ دَعْوَةَ المُضْطَرِّينَ.
يا مَنْ إِلَيْهِ يَرْغَبُ الزَّاهِدُونَ، يا مَنْ إِلَيْهِ يَلْجَأُ المُتَحَيِّرُونَ، يا مَنْ بِهِ يَسْتَأْنِسُ المُرِيدُونَ، يا مَنْ بِهِ يَفْتَخِرُ المُحِبُّونَ، يا مَنْ فِي عَفْوِهِ يَطْمَعُ الخاطِئُونَ، يا مَنْ إِلَيْهِ يَسْكُنُ المُوقِنُونَ، يا مَنْ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ.
يا حَبِيبَ الباكِينَ، يا سَيِّدَ المُتَوَكِّلِينَ، يا هادِيَ المُضِلِّينَ، يا وَلِيَّ المُؤْمِنِينَ، يا أَنِيسَ الذَّاكِرِينَ، يا مَفْزَعَ المَلْهُوفِينَ، يا مُنْجِيَ الصَّادِقِينَ، يا أَقْدَرَ القادِرِينَ، يا أَعْلَمَ العالِمِينَ، يا إِلهَ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ([2]).
دعاء كميل
اللّهُمَّ مَوْلايَ كَمْ مِنْ قَبيحٍ سَتَرْتَهُ، وَكَمْ مِنْ فادِحٍ مِنَ البَلاءِ أَقَلْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ عِثارٍ وَقَيْتَهُ، وَكَمْ مِنْ مَكْروُهٍ دَفَعْتَهُ، وَكَمْ مِنْ ثَناءٍ جَمِيلٍ لَسْتُ أَهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.
يامَنْ إِسْمُهُ دَواءٌ، وَذِكْرُهُ شِفاءٌ، وَطاعَتُهُ غِنىً.
ياسَابِغَ النِّعَمِ، يادافِعَ النِّقَمِ، يانُورَ المُسْتَوْحِشِينَ فِي الظُّلَمِ، ياعالِماً لايُعَلَّمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَفْعَلْ بِي ماأَنْتَ أَهْلُهُ.
ياوَلِيَّ المُؤْمِنِينَ، ياغايَةَ آمالِ العارِفِينَ، ياغِياثَ المُسْتَغِيثِينَ ، ياحَبِيبَ قُلوُبِ الصّادِقِينَ، وَيا إِلهَ العالَمينَ.
الدعاء بعد زيارة الإمام الرضا (عليه السلام)
لاتُحْمَدُ ياسَيِّدِي إِلاّ بِتَوْفِيقٍ مِنْكَ يَقْتَضِي حَمْداً وَلا تُشْكَرُ عَلى أَصْغَرِ مِنَّةٍ إِلاّ اسْتَوْجَبْتَ بِها شُكْراً ؛ فَمَتى تُحْصى نَعْماؤُكَ ياإِلهِي وَتُجازى آلاؤُكَ يامَوْلايَ وَتُكافَأُ صَنائِعُكَ ياسَيِّدِي؟ وَمِنْ نِعَمِكَ يَحْمَدُ الحامِدُونَ وَمِنْ شُكْرِكَ يَشْكُرُ الشَّاكِرُونَ وَأَنْتَ المُعْتَمَدُ لِلْذُنُوبِ فِي عَفْوِكَ وَالنَّاشِرُ عَلى الخاطِئِينَ جَناحَ سِتْرِكَ، وَأَنْتَ الكاشِفُ لِلْضُّرِّ بِيَدِكَ، فَكَمْ مِنْ سَيِّئَةٍ أَخْفاها حِلْمُكَ حَتّى دَخِلَتْ وَحَسَنَةٍ ضاعَفَها فَضْلُكَ حَتّى عَظُمَتْ عَلَيْها مُجازاتُكَ.
يامَعْرُوفَ العارِفِينَ يامَعْبُودَ العابِدِينَ يامَشْكُورَ الشَّاكِرِينَ ياجَلِيسَ الذَّاكِرِينَ، يامَحْمُودَ مَنْ حَمِدَهُ يامَوْجُودَ مَنْ طَلَبَهُ يامَوْصُوفَ مَنْ وَحَّدَهُ يامَحْبُوبَ مَنْ أَحَبَّهُ ياغَوْثَ مَنْ أَرادَهُ يامَقْصُودَ مَنْ أَنابَ إِلَيْهِ.
ونكتفي بهذا، لأنه إذا أردنا ان نذكر اسم الآيات والروايات والأدعية فإننا نحتاج إلى تأليف كتاب لوحده.
فهل أنه بعد أن نتمعن إلى المعاني السامية لهذه الأدعية وندقق في محتواها العالية ـ التي تبين لنا جزءاً بسيطاً من صفات الله ـ يمكن لهذا القلب أن لا يرغب في شارياً لهذا العشق؟ وأي قلب هذا لا يريد ان يغوص في بحر هذا العشق بعد ان عرف الحقيقة؟ وكما يقول القرآن الكريم أن هكذا قلب هو كالحجارة أو اشد منها.
فالقلوب التي عشقت الله سبحانه وتعالى بكل وجودهم، وجودوا هذا الكنز بعد هذه المعرفة، فبدون هذه المعرفة والتي اساسها القرآن الكريم وجذورها آثار محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هل يمكن للإنسان تحصيل العشق؟
نعم، أولئك الذين هكذا عشقوا الله استطاعوا عن طريق مفتاح المعرفة أن يفتحوا في وجوههم باب المحبة والعشق.
فعشاق حضرة المحبوب هكذا يقولون:
القلب الذي يكون عاشقاً لك، كيف يتعلق قلبه بآخر؟
القلب الذي أنت روحه وعقله، فكيف ينسى ذلك ذكرك؟
والذي عرفك هل تستطيع الروح تقييده؟، وماذا يفيده أولاده ونساءه وأمواله؟
وانت جعلته مجنوناً بك في الدارين، ومذا تفيده الدارين إن كان مجنوناً؟
لا نحبُّ ولا نعشق إلا حضرتك، ومن أحبّك فإنّه لا يبالي بأحد.
ليس لأحد في قلبي مكان سواك، والقلب الذي أنت فيه لا يكون لغيرك.
إلهي اسقني كأساً من محبّتك، وأمتني وأحييني في محبّتك([3]).
وأيضاً يتمتمون:
سعادة روحي تكون في رضاك، وقلبي في التوجّه إلى حرمك.
ويكتحل عيناي العالم، من تراب قدمك.
وإن كان رأيك هو فنائي، فعملي يكون وفق مرادك.
فقلبي ضاق في هواك، وقلبي قد ضاق في هواك([4]).
ويتأوّهون ويقولون:
أصبح عاقبة الوطن في ديار العشق، وشربنا الماء من فرات العشق.
وما حاجة العشاق إلى الصباح؟، فخمار العشق ليس فيه آلالام.
دعوت ثلاثين عاماً حتى السحر، وانفتح قلبي كالوردة من نسيم ربيع العشق.
والعقل الفلسفي يفرغ من الآلام، عندما يشرب جرعة من شراب العشق اللذيذ.
ولن تصل إلى هدفك ولن تجد الورود، دون ان تترك النوم وتحمل اشواك العشق.
وكل من أصبح عاشقاً، فليفدي بروحه وجسده للعشق([5]).
المقصود في هذا العالم وفي ذلك العالم وكل شيء، هو رؤية وجه المعشوق هذا فقط.
وإذا لم أجد في العالم قبلة، فقبلتي هي وادي المعشوق فقط([6]).
معرفة الله في العلوم الحديثة:
الاوكسجين
1 ـ يعتبر الاوكسجين مثال ونموذج كامل من آثار معجزة نظام الخلق، فالهواء يتركب من الاوكسجين، النيتروجين، الأرجون، النيون، الزنون، الكربيتون ومقدار من بخار الماء، وثلاثة من عشرة آلاف جزء من ثاني أوكسيد الكاربون.
من وجود هذه الغازات الكاربونية تنعكس الالوان كألاحمر، والازرق، والاخضر؛ على صفحات الاعلانات، أو على الباب والشباك، ومن بركة وجود غاز الأرجون، استطعنا بواسطة الأشعة الالكترونية ان نضيء الدنيا وان نساعد الحضارة الإنسانية على التقدم إلى هذا الحد.
78% من الهواء يشكله النيتروجين و20% من الاوكسجين ويشكل الضغط الجوي تقريباً في كل بوصة مربع، كيلو ونصف. وباقي غاز الاوكسجين يتجمع ويحفظ في القشرة الارضية الذي يتشكل منه مياه العالم.
يعتبر الاوكسجين اساس حياة جميع الكائنات الارضية ولا يمكن الحصول عليه إلا من محيط الأرض.
يجب علينا أن نرى أن هذا العنصر الحياتي مع ما لديه من الخواص الكيميائية ومع وجوده مع العناصر الاخرى، كيف بقي مصوناً بهذا الشكل؟ وكيف انه بقى بالمقدار اللازم لاستمرار حياة الكائنات بصورة نقية في الجو؟
حينما تصل نسبة الاوكسجين في الجو من 21% الى50% فإن كل الكائنات كانت تحترق، على سبيل المثال إذا اصطدم لهب ناري مع شجرة ما، فإن الغاية كلها ستحترق ويؤدي بعد ذلك إلى انفجار مهيب.
وحينما تقل نسبة الاوكسجين10% مع ان أغلب الكائنات تسعى ان تتأقلم مع هذا الجو، لكنه بالطبع فإن أكثر المواد الضرورية للحياة التي تشكل أساس العيش؛ سوف لا يكون بمقدورها التأثير بأي شكل من الأشكال.
وخلاصة الكلام، إذا كان نسبة الاوكسجين الحر، كما ذكرنا سابقاً، قليل في الجو ـ الذي يشكل جزء قليلاً من مكونات الأرض ـ فسوف يكون جذبه مع التأخير، أو ينقرض كلياً، ذلك الوقت الذي لا يكون فيه خبر عن الحياة الدنيا وحياة الكائنات.
هناك تناسب وتعادل دقيق جداً بين الاوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون، ويعتبر هذا من أهم العوامل المساعدة على استمرار الحياة الحيوانية والنباتية على الأرض، وهذا اعجاز الله سبحانه وتعالى في خلقه، الذي جلب اهتمام أغلب العلماء والمفكرين إليه، وإلى الآن لم يُكشف بعد اهمية حامض الكاربونيك الأساسية، وآثاره وفوائده، وخواصه ومميزاته الحياتية.
ثاني أوكسيد الكاربون، غاز ثقيل وغليظ بالقرب من سطح الكرة الارضية، ويسهل تجزئته عن غاز الاوكسجين بكل سهولة. فمثلاً، عندما تُشعل النار في شجرة ما، فإن الخشب تكون تركيبته مكوّنة من الأوكسجين والكاربون والهيدروجين، وعلى اثر الحرارة يتجزأ الخشب كيميائياً، ويتركب الكاربون بسرعة فائقة مع الاوكسجين ويشكل ثاني أوكسيد الكاربون. وكذلك الهيدروجين بنفس سرعة الكاربون يتركب مع الاوكسجين، ويشكل البخار، فالدخان الذي يخرج هو عنصر الكاربون الخالص الذي لم يتركب مع عنصر آخر.
عندما يتنفس الإنسان فإنه يستنشق مقداراً من الاوكسجين، ويقوم الدم بحمله إلى جميع انحاء الجسم. الاوكسجين يحرق المواد الغذائية بحرارة بطيئة في الخلايا المختلفة وينتج ثاني أوكسيد الكاربون وبخار الماء الحاصل منه، فمن اجل هذا عندما يقال مزاحاً ان فلاناً كالتنور يشتعل؛ هي حقيقة، لأن غاز ثاني أوكسيد الكاربون الذي يتكون من احتراق المواد الغذائية في الخلايا المختلفة، يدخل إلى الرئتين ويخرج منها في الشهيق التالي إلى الهواء.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل؛ عندما يعرّف الله له عن طريق آثاره:
من الذي يستطيع ان يخلق رئتين تعمل دون توقف وتأخذ الهواء من الخارج وتوصله إلى جميع انحاء البدن؟ فالرئة إذا توقفت عن العمل ولو لحظة ولم تستطع ان تنقل الهواء النقي من الخارج إلى بدن الإنسان، فإن الإنسان سوف يموت، وهل ممكن ان هذه الأمور التي ورائها مصلحة عظيمة في الوقت الذي تمتلك كل هذا النظم والترتيب تكون دون خالق حكيم قد اوجدت؟
وعلى هذا المنوال فإن جميع الكائنات تستنشق الاوكسجين وتطرح ثاني أوكسيد الكاربون.
من الخواص الاخرى للاوكسجين التي تجعلها ضرورية لحياة الإنسان؛ هي التفاعلات التي توجدها في سائر عناصر الموجودة في الدم.
من ناحية أخرى نعلم بان حياة النباتات تعتمد على النسبة القليلة من ثاني أوكسيد الكاربون الموجود في المحيط التي تتنفسها النباتات، فأوراق النباتات تكون بمثابة رئتين الإنسان التي تقوم بتجزئة ثاني أوكسيد الكاربون تحت حرارة الشمس إلى عنصر الكاربون والاوكسجين، ثم تطرح الاوكسجين إلى الجو وتحتفظ بالكاربون في ساق النباتات. ويتركب مع عنصر الهيدروجين الذي يصل من جذور الساق والأغصان، وعلى اثر هذه التركيبات الكيميائية العجيبة تنتج الطبيعة الكلوكوز والسلولز والآف المواد المعدنية الاخرى والثمار والازهار.
ومن عجائب القرآن الكريم أنه أشار إلى هذا الموضوع قبل أربعة عشر قرناً، والعلم توصل إليه بعد ملايين السنين، قال تعالى:
{وَآيَةٌ لَهُمُ الأَْرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ}([7]).
وينسب القرآن الكريم التمر والعنب إلى تفاعلات جذور الأشجار التي تنتج نوعين من المواد السكرية والسلولز.
والنباتات تتغذى بنفسها وتنتج مقادير كثيرة من الاغذية للكائنات الأخرى الموجودة على سطح الأرض.
النباتات تنتج لنا غاز الاوكسجين الذي نستنشقه ـ وبدونه لا نستطيع ان نعيش حتى خمس دقائق ـ لهذا يجب على البشرية ان تشكر الله على هذه النعمة.
فكما وضحنا سابقاً، فإن جميع النباتات، والغابات، والبراعم، وجميع الموجدات التي تنموا، يكون التركيب الاساسي لبنيتهم هو الكاربون والماء.
فالحيوانات تطرح الكاربون، والنباتات الاوكسجين، وعلى هذا ا لاساس عندما يتوقف عمل هذه الموجوديْن، في ذلك الحين فإما أن تقوم جميع الحيوانات باستنشاق الاوكسجين، أو أن تقوم جميع النباتات باستنشاق الكاربون، حينها يختل نظام هذين الموجودين، وبسرعة فائقة يتعرض نسليهما إلى الانقراض.
اخيراً اكتشف أن ثاني أوكسيد الكاربون هي من ضروريات حياة الحيوانات بنسبة ضئيلة، كما أن الاوكسجين هو من ضروريات النباتات.
غاز الهيدروجين مع أننا لا نستنشقه؛ فإنه من ضروريات الحياة، والدليل على ذلك؛ أن الماء لا يتكون دون غاز الهيدروجين ونعلم جيدا ان الماء يشكل الجزء الاكبر لأعظم المواد المكونة للنباتات والكائنات.
ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله:
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}([8]).
يعتبر غاز الاوكسجين، والهيدروجين وثاني أوكسيد الكاربون والكاربون سواء كان عنصراً لوحده أو مركباً مع آخر، من الأركان الاولية لحياة الكائنات، وإن أساس بناء الحياة في الأرض من هذه الغازات.
من بين ملايين الاحتمالات، لايوجد احتمال واحد ان تتجمع هذه الغازات في لحظة واحدة في كوكب ما؛ وأن تكون بنسبة وتعادل واحد يكفي للحياة.
لا يمكن توضيح رمز هذه الطبيعة بشكل علمي، حتى إذا أردنا ان نقول أن كل هذا النظم والترتيب كان صدفة، يكون قد استدللنا عكس منطق الرياضيات الذي يعني 2+2=4 ، بمعنى آخر؛ أن لكل نظم منظم، ولكل حركة محرك.
فهذه زاوية من الأسرار والمنافع التي لجزء من أجزاء العالم التي لا تحصى وهو عنصر الاوكسجين. وعندما نشاهد كل هذا العناية والحب واللطف والحنان من الله سبحانه وتعالى للإنسان وبه نجتاز طريق المعرفة فهلا حصل لنا العشق لذلك الموجود المقدس؟
في الحقيقة ما اسمى كلام الإمام الصادق (عليه السلام) حول العارفين وعشقهم حيث قال: >وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ<.
الجهاز الهضمي
2 ـ لقد كُتبت إلى الآن مئات بل آلاف الكتب حول جهاز الهضمي وكيفية عمل هذا الجهاز، ولكنه يكتشف العلماء، كل عام ؛ أشياء وأمور جديدة حول هذا الجهاز وعمله، وكأنما يتعاملون مع وجود جديد لم يعرفه قبل، وهذا الأمر هو متجدد ويجذب الإنسان إليه.
إذا شبهنا الجهاز الهضمي بمختبر كيميائي، والمواد الغذائية التي تدخله؛ بالمواد الأولية للمختبر، حينها نشاهد ان عملية الهضم تتم بصورة كاملة وتحلل جميع المواد الغذائية الواردة إليها، إلا المعدة فإنها تبقى سالمة.
عادة نحن نُدخل أنواع مختلفة من الأغذية على شكل مواد أولية إلى هذا المختبر، ولا نفكر أبداً، كيف ان هذا الجهاز يتحرك وكيف أن الجهاز الهضمي يتعامل مع التفاعلات الكيميائية التي تحصل بداخله. فنحن ندفع بأنوا الأكل كالكباب، واللحم، والملفوف، والبقولات، والسمك المشوي، والخبز والخضار، مع عدة اكواب من الماء إلى المعدة. وفي بعض الاحيان نتناول بعض الادوية والمواد الحياتية. بعد ذلك تقوم المعدة باختيار تلك الأغذية التي تنفع الجسم، ثم تقوم بطحنها وعجنها مع المواد الكيميائية التي تفرزها، وبعد ذلك تقوم بطرح فضولات هذه المواد إلى الخارج، وتحول بقية المواد إلى بروتينات لكي تستفيد منها الخلايا الجسمية.
إن الجهاز الهضمي يختار من بين الاغذية، الكبريت، واليود، والحديد، وبقية المواد الأخرى التي تفيد البدن، ثم يقوم بتشخيصها وفصلها عن بعضها الآخر، ويركز الجهاز في الحفاظ على الذرات الاصلية والمفيدة للمواد، وأن تُصرف في إنتاج الهرمونات. على أن تكون المواد الأساسية دائماً متوفرة عند الاحتياج إليها.
تقوم المعدة بخزن الدهون والمواد الضرورية الأخرى، كي لا يتلف البدن من الجوع عند عدم وصول المواد الغذائية إليه،كل هذه الأعمال تقوم بها المعدة دون ان ينتبه أو يفكر الإنسان بها.
نحن نُدخل جميع هذه الأغذية المتنوعة إلى داخل هذا المختبر، بدون ان نراعي منافعها ومضارها واحتياج المعدة لها؛ فكل همّنا فقط؛ ان نشبع غريزة الأكل، ولا نعلم شيئاً عن هضمها والتفاعلات التي تحدث داخل المعدة، و لا نعلم أنه بعد وصول الأغذية إلى المعدة، تقوم المعدة بتهيئتها وإيصالها إلى الخلايا من أجل التغذية.
يجب ان نعلم بأن عدد الخلايا الإنسانية تصل إلى أكثر مليار خلية، وهذا يعني انه أكثر عدداً من نسمة سكان الأرض، فالمواد الغذائية يجب ان تصل إلى الخلايا بشكل منظم ومرتب، وتقوم كل خلية من أعضاء البدن المختلفة كالعظام، والعضلات، والاظافر، والشعر، والعين، والاسنان وغيرها، بجذب المواد الغذائية النافعة لها في نموها وحياتها.
لذا فإن المواد التي تُنتَجُ في هذا المختبر الكيميائي، هي أكثر من المواد التي التي تُنتَجُ في المختبرات الكيميائية التي صنعها الإنسان، فشبكة الارتباطات وطريقة حمل المواد الغذائية وايصالها إلى الخلايا، هو كامل ومنظم لدرجة، أنّه إلى الآن لم يستطع أي نظام حمل ونقل آخر ان يملك مثله بهذه الدقة.
هذا المختبر العجيب؛ لا يرتكب أي خطأ فادح؛ منذ طفولة الإنسان إلى ان يبلغ عمر الخمسين تقريباً، في الوقت الذي أن المواد الغذائية التي تصل لهذا المختبر، يُنتَجُ منها أكثر من ميلون نوع من المواد المختلفة، التي أغلبها تكون سامة وقاتلة.
عندما تصبح مجاري توزيع وحمل المواد الغذائية في البدن ضعيفة، إثر طول مدة الاستعمال، فإن قدرة وطاقة الجسم تهبط تدريجياً ويدخل الإنسان سن الضعف والكهولة.
تقوم كل خلية بحرق المواد الغذائية المجذوبة بواسطة الاحتراق الداخلي، الذي يوفّر الحرارة اللازمة للبدن، لكن كلنا نعلم بأن الاشتعال لا يتم إلا بواسطة الاصطكاك، فأولاً يجب علينا ان نشغل النار حتى تتم عملية الاحتراق، لذا فإن طبيعة جسم الإنسان عن طريق بعض تركيبات الكيميائية للمواد الغذائية؛ ينتج عملية الاحترق وبواسطتها يقوم بحرق المواد الغذائية في الخلايا ويقوم بتجزئة الاوكسجين والهيدروجين وثاني أوكسيد الكاربون عن بعض، وبهذه الطريقة تتم تأمين حرارة البدن وكما نرى في النار العادية، فإنه يتم فصل بخار الماء وثاني أوكسيد الكاربون.
وثاني أوكسيد الكاربون يقوم بحمل الدم إلى الرئتين، وعلى إثرها؛ تُنتج عملية التنفس الذي هو أساس الحياة. فجسم الإنسان يُنتج كيلو واحد من ثاني أوكسيد الكاربون ويقود بدفعه بطريقة عجيبة.
عندما يتعرض جسم الإنسان للهجموم من ميكروب الامراض، يقوم هذا المختبر العجيب بمواجهته بجيشه المجهز والمُعد بالسلاح، بالدفاع عنه، وينقذ الإنسان من الموت وخطر الامراض.
كل هذه القضايا تتم بنظم وترتيب خاص، وكما نشاهد؛ فإن هذا النظم والترتيب يخالف الصدفة والحدث([9]).
فهنا يقول قائد الاحرار الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة
عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ.
على كل، فهذا سرّ صغير ومخفي من أسرار وعجائب الخلق، ليثبت الاهتمام بهذه الحقيقة والحقائق الأخرى التي هي الاعمدة والأسس التي تقوم عليها حياة الإنسان، واستقرارها في طريق التوحيد لله سبحانه وتعالى. الذي لا يخلو قلب منتبه من عشقه. فكيف يظل قلب الإنسان فارغ من عشق الله بعد ان وصل إلى كل هذه الحقائق والخيرات الذي أنعمها الله عليه؟
نعم، ان معرفة العارفين وعلى رأسهم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) قد بدّلت جميع وجودهم تجاه حضرته؛ إلى عشقه، وحرارة هذا العشق؛ أدّت بهم إلى العبادة بصورة كاملة وتحمل أنوع العذاب والمصيبة من أجل الله سبحانه وتعالى.
كل من يطلب منه الرزق، فمكانه يصبح قبلة للذرات.
والعشق الذي مكانه في سوق الأصنام، يكون كمجموعة تلو مجموعة في الطلب.
حرارة العشاق في خرابات العشق، ونار العشق يحرق القلوب كالكباب.
والعشق ليس هو وسواس أو غرض، والعشق ليس بجوهر أو عرض.
قيل لمجنون أن هناك صنم في دمشق، ومن الذي غرق في بحر العشق.
ماذا يعني العشق وما هي مرتبة العشق؟، ومن هما العاشق والمعشوق في هذا الحجاب؟
لا يوجد في هذا الحجاب عشق لآخر، أوله وآخره عشق فقط.
فالعاشق والمعشوق من مصدر واحد، وهما مرآة للآخر.
العشق المجازي للحقيقة قوي، وجمال الوجه هو من الانجذاب الروحي.
المعرفة حقيقة ذُكرت في القرآن الكريم والروايات الإسلامية، تحت عنوان العلم، والفقه، والعرفان، والبصيرة. القوانين الإلهية تقيّم كل شخص في الدنيا والآخرة على أساس معرفته للحقائق.
فقد روى عن الإمام الحسين (عليه السلام) قوله:
سَمِعتُ جَدّى رَسول اللّه يقولُ : المَعْرُوفُ بِقَدرِ المَعْرِفَةِ([10]).
وجاء في القرآن الكريم، بأن درجات العلماء افضل من الآخرين وأهمية كل علم يعتمد على موضوعه؛ وما أسمى واحسن من علم التوحيد؟ والذين حصلوا على المعرفة في هذا الوادي، هم العشاق الحقيقيين. وفي ظل أشعة هذا العشق؛ فقد وصلوا إلى اعلى مقام من الإنسانية، وكان وجودهم للعالم والناس منبع خير وبركة.
المحبّة في القرآن الكريم:
كما أسلفنا سابقاً، فإن الحبّ والعشق هو محصول معرفة الحقائق والاطلاع عليها.
والآن نذكر لكم الآيات والروايات التي لها ترتبط بهذا الموضوع:
{وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}([11]).
فالإيمان هو الخط الذي يربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى. والله يشير في هذه الآية إلى هذا المعنى؛ أنه متى ما وفّقت لمعرفة الحقائق، فإن تلك الحقائق ستصبح محبوبة لديك.
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([12]).
إنّ ادّعاء محبّة الله دون معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واطاعته ـ الذي هو مبلغ الثقافة الإلهية ـ هو ادّعاء واهي.
ومراراً دعا القرآن الكريم الناس إلى معرفة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا الرسول الذي تاريخ حياته قبل بعثته واضحة؛ وكانت لديه دلائل وبراهين واضحة منذ بداية بعثته. ولقد وضع الله سبحانه وتعالى جميع علائم النبوة مع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لا يبقى حجة وعذر لأحد. فالذين رأوا البراهين والدلائل والحجج وتوضح لهم بأن العامل الوحيد لسعادتهم في الدنيا والآخرة هو قبول دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لذا أحبّوه.
وعلامة عشقهم وحبهم لرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو اطاعتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ والذي اصبحوا عن هذا الطريق الطاهر؛ عشاق الله؛ وضحوا في سبيل المحبوب بكل شيء، وعرفوا في تاريخ البشرية بأنهم من افضل عباد الله.
فسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، وياسر، وسمية، وبلال كانوا من هؤلاء الذين عرفوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حق المعرفة وعشقوه. فهؤلاء بواسطة إرشادات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفوا الله سبحانه وتعالى؛ وكانوا في الخط الأول من عشاق حضرة الحق. نعم، ان حب الله هو نتيجة لمعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودين الله؛ وبدون هذه المعرفة فإن ادعاء عشق الإنسان لله سبحانه وتعالى لا يعدوا أن يكون ادعاء واهنٍ وخيالي.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}([13]).
في الحقيقة، كيف يتحلى الإنسان بهذه الصفات المذكورة في الآية دون معرفة الله سبحانه وتعالى؟ فالإنسان مالم يصل إلى المعرفة عن طريق الصراط المستقيم، والفكر والتفكر والعشق؛ فإنه لن يصل إلى ما وصل إليه العارفين من مراتب.
هذا الطريق، طريق الله سبحانه وتعالى. والإنسان بعد التأمل والتدقيق فيه، سوف يعلم بأنه السبيل الوحيد للنجاة، فكيف للإنسان بعد ان عرف الطريق؛ أن لا يعشقه وأن لا يتعلق قلبه به؟
طريق النجاة؛ هو طريق الله الذي يختم إليه، والاجتياز من هذا الطريق يعني المحبة لله، ومحبته من أهم الطرق للوصول إلى عشقه. العشق الذي يختص بدرجات العرفان وبمقام العارفين. لذا كلما تكثر المعرفة، فإن نار عشقه يتأجج أكثر، فلهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَيُحِبُّونَهُ}. يعني اولئك الذين يعشقون الله عشقاً شديداً، وهذا العشق هو العامل المحرك لهم نحو الله ومركب هذا الطريق هو الأوامر المذكورة في الآية الشريفة.
فهؤلاء يبدلون الفراق بينهم وبين الله سبحانه وتعالى إلى وصال بواسطة أداء أفضل الأعمال التي أمر بها حضرة الحق.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}([14]).
لم لا يعشق المؤمنون الله عشقاً دون حدود؟ وهل يملك آخر، غير حضرة الحق هكذا صفات:
الخالق، الباري، المصوّر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الرازق، البديع، المقدّر، المدبّر، الحكيم، المطهّر، المنوّر، الميسّر، المبشّر، المنذر، المقدّم، المؤخّر، العاصم، القائم، الدائم، الراحم، السالم، الحاكم، العالم، القاسم، القابض، الباسط، الغنيّ، الوفيّ، العليّ، المَليّ، الحفيّ، الرضيّ، الزكيّ، البديّ، القويّ، الوليّ، الاحد، الواحد، الشاهد، الماجد، الحامد، الراشد، الباعث، الوارث، الضارّ، النافع، المانع، الدافع، الرافع، الصانع، السامع، الجامع، الشافع، الواسع، الموسع، الجليل، الجميل، الوكيل، الكفيل، الدليل، القبيل، المديل، المنيل، المقيل، المحيل، الغافر، الساتر، القادر، القاهر، الفاطر، الجابر، الذاكر، الناظر، الناصر، العفوّ، الغفور، الصبور، الشكور، الرؤوف، العطوف، المسئول، الودود، السبّوح، القدّوس، الناطق، الصادق، الفالق ، الفارق، الفاتق، الراتق، السابق، السامق، السميع، الرفيع، المنيع، الكبير، القدير، الخبير، المجير.
فالإنسان بمعرفته كل هذه الصفات ألا يصل إلى هذا المعنى بأن كل شيء الإنسان هو الله، ولا شيء غيره؟ ففي هذه الحالة لم لا يعشق الإنسان حضرة الحق بكل العشق؛ كما قالت الآية.
ولا ننسى أن نقول: بأن اولئك عشقوا حضرة الحق؛ عن طريق المعرفة، فالله يعشقهم أيضاً. وفي الحقيقة هذا العشق هو من طرفين، عشق العبد للرب وعشق الرب لعبده، فقد أبدى الله العظيم العشق والمحبة في القرآن الكريم في عشر مواضع؛ لعباده الاعزاء الذين يحرقون انفسهم في حبه وطاعته.
نماذج من محبة الحق لعباده في القرآن الكريم:
والآن نشير إلى موارد من حب الله لعباده ونذكر شرحه حسب مضمون الآية.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([15]).
في هذه الآية يجب ان ننتبه بأن المقصود من الطهارة، هي الطهارة التي يتم الحصول عليها عن طريق أوامر الله سبحانه وتعالى، وليس الطهارة التي يحصل عليها عن طريق الغسل، حتى يكون مورد محبة الله سبحانه وتعالى.
{فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}([16]).
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([17]).
ففي هذه الآية/ جعل الله سبحانه وتعالى طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سبب حبه لعبده.
{بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}([18]).
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}([19]).
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}([20]).
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}([21]).
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}([22]).
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ}([23]).
المحبة في الروايات الشريفة:
عَنْ رَسُولِ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَنْ عَشَقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ وَماتَ، ماتَ شَهيداً([24]).
قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): أَلا اُنَبِّئُكُمْ بِخياركم قالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللّهِ قالَ: أَحاسِنُكُمْ أَخْلاقاً اَلْمُوَطَّئُونَ أَكْنافاً الَّذينَ يَأْلِفُونَ وَيُؤْلَفُونَ([25]).
وَقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): لَمّا غَرَسَ اللّهُ جَنَّةَ الْفِرْدُوسِ غَرَسَ أَشْجارَها بِيَدِهِ وَفَجَّرَ أَنْهارَها ثُمَّ قالَ لَها تَحْسُني بِحُسْني فَوَ عِزّتي وَجَلالي لا يُجاوِرُني فيكَ بَخِيْلٌ([26]).
فحقاً، فأي بخل أكثر من الإنسان يمنع انعكاس عشق الله في قلبه الذي هو بيت الله، وتجنيب نفسه التحلي بصفات الله سبحانه وتعالى، وأن يمنع دخول الانوار الملكوتية لنفسه، وطيلة حياته يكون كالحيوانات؛ فهمه فقط الشك والشهوة.
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند دعائه:
أَسْأَلُكَ بِحُبِّكَ وَحُبِّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبِّ عَمَل تُقَرِّبُني إِلى حُبِّكَ([27]).
كلام في باب العشق
احد الفضلاء والأكابر، يوضح ويفسر معنى العشق قائلاً:
اقسام العشق:
نستطيع تقسيم العشق إلى خمسة أقسام:
1 ـ العشق الإلهي: هو اعلى واسمى مقام ومرتبة، التي ينالهافقط أهل البصيرة، والتوحيد والحقيقة.
2 ـ العشق العقلي: هو مقام يناله أهل المعرفة ويرتبط بعالم المكاشفة والملكوت.
3 ـ العشق الروحاني: وهو مختص بعباده الخاصين الذين يختارهم الله سبحانه وتعالى، ويمتلكون لطافة وقابلية عالية.
4 ـ العشق الحيواني: هو من صفات أصحاب الرذائل والشهوات النفسانية.
5 ـ العشق الطبيعي: هذا العشق يشترك به جميع الناس، حتى ان اجهل الناس في ابعد المناطق والازمنة يتكلمون عن هذا العشق.
لكل نوع من هذا العشق، توضيح خاص به نتناول الآن:
العشق الحيواني وهو من ارذل الصفات الخلقية. فشرب الخمر، والفساد، والغناء، والفسق وارتكاب المعاصي هي من اطاعة هوى النفس التي تأمر بها النفس الامارة؛ التي تهيج الشهوات المذمومة حتى يصل إلى حد الضعف الحيواني، الذي هو في الأصل شهوة فطرية. بعد أن يأنس ويألف محبوبه لعدة ثوان فإنه يتخلص من نار شهوة النفس الامارة. وفي عالم العقول وعند اهل الشريعة، هو مذموم؛ لأنه خلاف أحكام وأوامر الله سبحانه وتعالى.
العشق الطبيعي هو من لطافة العناصر الأربعة، فمن جهة فهو يحرّك النفس الناطقة، ومن جهة أخرى النفس الامارة، وكذلك فهو يقع تحت تأثير النفس الأم، وتحت تأثير النفس الخادعة. فإذا تغلب العقل والروحانيات على هذا العشق؛ فإنه محمود، وإلا فإن كان ذا طبع وميول جسماني، فإنّه عند أهل العشاق مذموم. ولأن العقل والعلم لا يتدخلان فيه لا تكون نتيجته سوى النار والعذاب، ويحرقون هنا لأن الشهوة حيوانية، وفي ذلك العالم أيضاً؛ لأن النار جسماني.
العشق الروحاني هو الذي يكون لدى خاصة الناس. فجواهر الوجه الظاهر ومعانيه قد اتسمت بصفاء الروح المقدسة، وهُذّبت من عالم العقل، فظاهرهم كباطنهم، وكلما يرون من مستحسنات المعشوق، كلما غرقوا وهاموا في عشقه أكثر. وبما أنهم أحرقوا خبث طبائعهم بنار المجاهدة، ونار شهوة صرصر وانفاس خمود؛ فإنّه يتصل هذا العشق؛ بعش أهل المعرفة، لأنه سلم الأساس للصعود إلى الملكوت؛ ولا سيما هذا العشق هو مستحسن عند أهل مذهب العشق.
وأما العشق العقلي فيظهر من سير العقل بجوار النفس الناطقة في عالم الملكوت، ومن علائم مشاهدة الجبروت. وهو بداية الحب الإلهي واما الحب الإلهي فهو ذروة العلياء في حده الأقصى ولها بدايات، وانبساط ونهايات ولا تقوم إلا بمشاهدة جمال وجلاله سبحانه وتعالى.
فتذكر هذه ا لملاحظة ضروري؛ بأن الإنسان متصف بأنواع عديدة من المحبة، وهذا الأنواع ناشئة من فطرة وطبيعة وحقيقة الإنسان. و محور حياة الإنسان على ذلك. كالمحبّة للنفس، والمحبّة للوالدين، والمحبّة للاقرباء والأولاد والأصدقاء والبيت والعمل، والمحبّة للدنيا. يجب ان ننتبه إلى القرآن المجيد والروايات الشريفة قد أصرّت على ان جميع أنواع المحبّة بالإرتباط مع التربية الإسلامية، يجب أن تكون تابعة لمحبّة وعشق الله سبحانه وتعالى، حتى يكون الإنسان في حركة على طريق الرشد والكمال والوصول إلى المقصود، وإذا طغة أنواع المحبّة الأخرى في داخل الإنسان على محبّة الله سبحانه وتعالى، فبدون شك، إن الإنسان قد وقع في خطر كبير وهلاك ابدي، مثلما يقول القرآن الكريم:
{قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}([28]).
{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([29]).
نعم، فكما قال القرآن الكريم؛ يجب ان نجعل محبّة الله هي الأساس والمحور، وبقية المحبّات الأخرى ظل وتابع لها، وبهذه المناسبة فإنه خُصص باب مهم في كتب الشيعة المعتبرة بإسم >الحب في الله والبغض في الله< التي تعتبر رواياته من الآثار الإسلامية الاصلية وافضل مرشد للإنسان نحو الحب الصحيح.
الحب في الروايات:
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: مَنْ أَحَبَّ لِلّهِ وَأَبْغَضَ لِلّهِ وَأَعْطى لِلّهِ فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَ إِيمانُه([30]) .
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإيمانِ أَنْ تُحِبَّ في اللّهِ وَتُبْغِضَ في اللّهِ وَتُعْطي في اللّهِ وَتَمْنَعَ في اللّهِ([31]) .
عَنَ أَبي جَعْفَر (عليه السلام) قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): وَدُّ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ في اللّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الإيمانِ، أَلا وَمَنْ أَحَبَّ في اللّهِ وَأَبْغَضَ في اللّهِ وَأَعْطى في اللّهِ وَمَنَعَ في اللّهِ فَهُوَ مِنْ أَصْفِياءِ اللّهِ([32]) .
عَنَ أَبي بَصير، عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ الْمُتَحابّينَ في اللّهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُور، قَدْ أَضاءَ نُورُ وُجُوهِهِمْ وَنُورُ أَجْسادِهِمْ وَنُورُ مَنابِرِهِمْ كُلَّ شَىْء حَتّى يُعْرَفُوا بِهِ فَيُقالَ هؤلاءِ الْمُتَحابُّونَ في اللّهِ([33]).
عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسارِ قالَ: سَأَلْتُ أَبا عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) عَنِ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، أَمِنَ الإِيمانِ هُوَ؟ فَقالَ: وَهَلْ الإِيمانُ إِلاّ الحُبُّ وَالْبُغْضُ: «ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ؟ {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}< ([34])([35]) .
عَنَ أَبي عَبْدِاللّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصْحابِهِ أَيُّ عُرَى الإِيمانِ أَوْثَقُ؟ فَقالُوا اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَقالَ بَعْضُهُمْ الصَّلاةُ وَقالَ بَعْضُهُمْ الزَّكاةُ وَقالَ بَعْضُهُمْ الصِّيامُ وَقالَ بَعْضُهُمْ الحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَقالَ بَعْضُهُمْ الجِهادُ، فَقالَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): كُلُّ ما قُلْتُمْ فَضْلٌ وَلَيْسَ بِهِ وَلكِنْ أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ الحُبُّ في اللّهِ وَالْبُغْضُ في اللّهِ وَتَوالي أَوْلِياءِ اللّهِ وَالتَبَرّي مِنْ أَعْداءِ اللّهِ([36]) .
عَنْ عَليّ بن الحُسَيْنِ (عليهما السلام) قالَ: إِذا جَمَعَ اللّهُ عَزَّوَجَلَّ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ قامَ مُناد فَنادى يُسْمِعُ النّاسَ فَيَقُولُ: أَيْنَ الْمُتَحابُّونَ في اللّهِ قالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النّاسِ فَيُقالُ لَهُمْ: إِذْهَبُوا إِلَى الجَنَّةِ بِغَيْرِ حِساب، قالَ: فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فَيَقُولُونَ إِلى أَيْنَ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَحابُّونَ في اللّهِ قالَ: فَيَقُولُونَ وَأَيُّ شَيْء كانَتْ أَعْمالُكُمْ قالُوا: كُنّا نُحِبُّ فِي اللّهِ وَنُبْغِضُ في اللّهِ قالَ: فَيَقُولُونَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ([37]) .
عَنْ جابِرِ الْجُعْفي، عَنْ أَبي جَعْفَر (عليه السلام) قالَ: إِذَا أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلى قَلْبِكَ فَإِنْ كانَ يُحِبُّ أَهْلَ طاعَةِ اللّهِ وَيُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَفيكَ خَيْرٌ، وَاللّهُ يُحِبُّكُ، وَإِنْ كانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طاعَةِ اللّهِ وَيُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ فَلَيْسَ فيكَ خَيْرٌ وَاللّهُ يُبْغِضُكَ وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ([38]) .
عَنْ أَبي عَبْدِاللّهِ (عليه السلام) قالَ: قَدْ يَكُونُ حُبٌّ في اللّهِ وَرَسُولِهِ وَحُبٌّ فى الدُّنْيا فَما كانَ في اللّهِ وَرَسُولِهِ فَثَوابُهُ عَلَى اللّهِ، وَما كانَ في الدُّنْيا فَلَيْسَ بِشَيْء([39]) .
([31]) الكافي: 2/125 ، باب الحب في اللّة ، حديث 2 ، أمالي الشيخ الصدوق، 578، المجلس الخامس والثمانون ، حديث 13 .
([32]) الكافي: 2/125 ، باب الحب في اللّه ، حديث 3 ; وسائل الشيعة : 16/166 ، باب 15 ـ باب وجوب الحب في اللّه ، حديث 21251 .
([33]) وسائل الشيعة: 16/166 ، باب 15 ، حديث 13951 ; بحار الأنوار: 7/195، باب 8 ـ احوال المتقين ، حديث 64 .