تنصيب الإمام علي عليه السلام بأمر من الله في يوم الغدير. تزدحم المناسبات ما بين حج الوداع وبين يوم المباهلة في التقويم الهجري، بحسب أشهر الروايات بأن الخطاب الهام جداً الذي ألقاه رسول الله (ص)، في حجة الوداع قد أشار إنه يترك في هذه الأمة ثقلين، إن تمسكت بهم الأمة لا تضل أبداً، يوصلهم التمسك بهما إلى الله سبحانه وتعالى، كتاب الله وعترتي أهل بيتي..
بعد اليوم التاسع على صعيد عرفات، في اليوم الثامن عشر من تلك السنة يقف رسول الله (ص) في موضع غدير خم، ليبلغ عن الله سبحانه وتعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك، وينصب علي إبن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام إماماً وهادياً وخليفة وقيادة سياسية ودينية للأمة الإسلامية من بعد رسول الله (ص) الذي نعى نفسه في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة.
* نزول بعض الآيات الدالة على الولاية والمباهلة بأهل البيت عليهم السلام ما بين عيد الغدير ويوم المباهلة. في هذه الفترة بعض المفسرين قال أن الآيات التي تعلقت بالتصدق بالخاتم كانت في اليوم الرابع والعشرين في يوم المباهلة أو بين الثامن عشر وبين الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، وأنزل الله سبحانه وتعالى فيها: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، في اليوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة باهل الله سبحانه وتعالى بنبيه نصارى نجران وأنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك قوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)).
هذه الفترة الزمنية الوجيزة جداً سواء صح هذا الترتيب أو أن هذه الآيات والروايات نزلت في أوقات مختلفة ، البعض قال أيضاً بأن حادثة الكساء وآية التطهير نزلتا في هذه الفترة، قبل خروج رسول الله (ص) إلى المباهلة، نجد بأن هناك زخم عالي جداً في مسألة التأكيد على أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام وفي إبراز مكانتهم وفي البدء العملي السريع والشديد إلى توليتهم أمر هذه الأمة، لكونهم أحد الثقلين ولكون علي ابن أبي طالب وصي رسول الله ولكونهم مطهرون، غيرها من الآيات التي دفعت بحسب غيرها من الآيات الأخرى بنفر ممن لم يكن يؤمن بهذه الرسالة وإنما سايرها من أجل محاولة التخلص من رسول الله (ص) بمحاولة أن ينفروا أو يهيجوا ناقته لعلها تسقطه فيتوفى من جراء ذلك فيما يعرف بجماعة العقبة، خوفا من أن يصل الرسول (ص) إلى المدينة فيزيد من تأكيد مكانة هذا البيت وتأكيد مكانة علي ابن أبي طالب (ع). * لو نزلت آية واحدة فقط في غيرهم لقدس من المسلمين من صدر الإسلام إلى يوم القيامة. لو لم تكن كل هذه الآيات والروايات، فقط آية واحدة منها نزلت في غيرهم، آية واحدة نزلت في غيرهم آية التطهير، آية المباهلة، آية إكمال الدين، آية الولاية، فقط آية واحدة نزلت في غيرهم لوضعته في أعلى التقييم من أول صدر الإسلام إلى يوم القيامة، وإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، تترى فيهم آية تلوى الآية وآيات ليست آيات، يعني كل كتاب الله سبحانه وتعالى محكم وكل آية الله سبحانه وتعالى عزيزة وكل آيات الله قيمة، ولكن آية تتكلم عن العصمة وآية تتكلم عن الولاية والقيادة وآية تتكلم عن المواساة وتباهل بها الأقوام الأخرى التي تمثل التحدي العقائدي والفكري والحضاري، كل آية لها درجة عالية من الأهمية والوزن في ما نزلت فيه.
* الاعتزاز والافتخار بعقيدتنا واجب علينا ولا يجوز أن نعيب على بعضنا ذلك وفي نفس الوقت نحترم الآخرين ونقدرهم ولا ننتقص من قدرهم. نخص بالحديث آية المباهلة، ونقدم لها بأن الاعتزاز بالإسلام والاعتزاز بديانتنا وبارتباطنا بمحمد ابن عبد الله (ص)، ونحن جميعاً من المسلمين لا نشعر في أن هذا الاعتزاز هو انتقاص وقدح في الديانات الأخرى، وهكذا يتعامل أهل الديانات الأخرى أيضاً كالمسيح ، اليهود لديهم مشكلة في هذا الاتجاه، ولكن يتعامل المسيح والمسلمين بأنهم موحدين بمعنى لهم ارتباط بالتوحيد ويفتخرون بذلك ولا يعيبون على بعضهم هذا المعنى، نحن كمسلمين لا نعيب على بعضنا انتمائنا وافتخارنا برسول الله (ص)، ونردد في أفضل صورة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
هذه الصورة تنسحب على مسألة الانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، نحن نفتخر ونعتز ونشعر بالكرامة التي حبانا الله سبحانه وتعالى بها، نشعر بهداية إلى الطريق، كما هدانا إلى محمد (ص) هدانا إلى علي وإلى آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم، نفخر بذلك ونشعر بأن هذه قيمة عظمى كما الإسلام، رؤية الإسلام من رؤية أهل البيت قيمة عظمى، في نفس الوقت نحترم الآخر ونقدر الآخرين، لا نريد أن ننتقص منهم، ولكننا نعتز ونفخر ونتمسك إلى أقصى درجات التمسك بأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
هذه الموازنة بين الافتخار والاعتزاز وشدة الارتباط وبين عدم الانتقاص من الآخر وبين عدم توهين الآخر أو تسقيطه هي التي تحتاج إلى الموازنة والحكمة والموعظة الحسنة، الموضوع يصبح دقيق في بعض مصاديقه، ولكن لا يمكن أن يدعوك عاقل إلى أن تتخلى عن انتمائك وعن عقيدتك وفكرك، لا دعاوي الوحدة الإسلامية تريد ذلك، لا من السنة ولا من الشيعة، لا فكر التعايش يرفض ذلك، فكرة الإنتماء وترسيخ الإنسان إلى عقيدته هي محل حريته وحل تعبير عن قناعته، وتنظم مع الحد الآخر بأن هناك عقائد أخرى وديانات أخرى وأفكار أخرى وقناعات أخرى و رؤى أخرى، هذه يجب أن لا تسفه ولا تحتقر منك ويجب أن لا تصادر منك إذا أنت حكمت وكانت لك القوة، ولكن انتماءك هو أمرٌ لا يعيب عليك أحدٌ أن تفتخر به وهذا ما نصر عليه في كل حياتنا أننا أتباع لمذهب أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
* لم يعطى أحد من الفضل ما يقارب أهل البيت ولو بنسبة الواحد إلى العشرة. بين الغدير وبين المباهلة وبين تلك الروايات والآيات التي أعطت هذا البيت فضلاً دينياً من الله سبحانه وتعالى بلغه رسول الله (ص) دنياً وآخرة بما لم يعطى أحد ما يقاربهم في الفضل، يعني النسبة ليست واحد إلى عشرة بين أي مقاربة، النسبة بحسب فهمنا إلى الروايات والآيات فيها بون شاسع.
* من وحي آية المباهلة. (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61))، جميل الآيات كثير وجميل كلام الله سبحانه وتعالى متعدد ولكن (فمن حاجك فيه) وأنت سيد المدينة، ونجران لا يشكلوا في ذلك اليوم (يوم المباهلة) بعد فتح مكة لم يكونوا يشكلوا قوى تذكر، وكان بالإمكان العمل العسكري ينهي أهل نجران، ما كان في أي مشكلة في مسألة أن يناجزهم رسول الله عسكرياً، ولكن جاءوا بمقولة في عيسى(ع)، فقال تعالوا جئتم بحجة أرد عليكم بحجة، جئتم بكلمة أرد عليكم بكلمة لا يحتاج أن أرد عليكم بالقوة ولا بالسيف.
(ما جاءك به من العلم): إشارة إلى أن تنطلق مناجزة ومحاججة ودعاوي ورؤية الطرف وإن كان محق، يجب أن تنطلق من حالة علمية، هذا سيال في الفكر والعقيدة والسياسة، سيال بمعنى أنه يصدق، كما مطلوب الحجة في العقيدة مطلوب الحجة في الموقف الفكري، كما مطلوب الحجة والبرهان والدليل في الموقع الفكري مطلوب في الموقف السياسي ومطلوب في الحركة الميدانية، أعطني علم وحجة ومنطق.
(فَقُلْ تَعَالَوْاْ): تعالوا هي إشارة إلى مسألة الحوار ومسألة الغلبة بالرأي ومسألة التدافع السلمي، لا أبتعد كثيراً أو أعطي صورة وإن كان أن الآية هذه صورتها ولكن في نفس الوقت وهذا هو الإسلام وليس شيء آخر، يعني ليس المسيحية أو أطروحة بشرية أخرى، ليست المسيحية بحسب ما حاول أن يقدمها البعض بأنه من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وليست هي الفتوحات التي قادها هولاكوا وقادتها كثير من قيادات العالم العسكري على مر التاريخ التي كانت كل ما زاد عدد الجماجم أرسلت رسلها إلى القوم الآخرين من أجل أن يخافوا فيستسلموا ويعطوهم، لا الإسلام ليس هذا، هل هناك كلمة الإسلام حاضر بالكلمة، ولكن إذا كانت الكلمة تواجه بقتل رسل رسول الله (ص) إلى أعظم إمبراطورية، فالرد هو أن يجهز لها رسول الله ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل، فهو يحارب أعظم إمبراطورية لأنها رفضت كلمته، أن تستمع لها وتجادلها وتحاربها، الكلمة تسبق والدعوى بالحسنى تسبق ولكن سيف الإسلام دائماً حاضر للدفاع عن العقيدة وللشموخ بها، برسول الله أو غيره من الأئمة ومن سار على هديهم، رسول الله (ص) في المواضع التي يسقط الطرف الآخر الكلمة ويلغي ويمنع حرية قولها ينتشر سيفه صلوات الله وسلامه عليه، ولكنها دعوة الكلمة ولكنها الموضوعية التي يحميها بالسيف إذا تعدى الآخر بالسيف.
(تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا): الآية واضحة في أن الحسن والحسين عليهما السلام هما أبناء رسول الله بلفظ هذه الآية الكريمة، وطبعاً الفقهاء عندما يفسرون هذه الآية يذهبون مناحي أخرى في مسألة متعلقات هذا اللفظ.
(وَنِسَاءنَا): والذين خرجوا للمباهلة بإجماع المسلمين، هم رسول الله و علي ابن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة، نساءنا فاطمة سلام الله عليها، ولرسول الله في تلك الفترة تسعُ نساء، ليس انتقاص من أم سلمه أو عائشة أو حفصة أو بقية زوجاته أمهات المسلمين، ولكن فاطمة سلام الله عليها هذه الطاهرة المطهرة موضوع آخر و مسألة أخرى ، قالت أم سلمه في موضوع الكساء: (ألا أدخل يا رسول الله أوَ لست منكم، قال إنك على خير) هذه حالة ربانية وليست من توزيع رسول الله، إضفاء العصمة ليس من رسول الله، الرسول يربي، إضفاء الولاية على علي ابن طالب ليس عطية من رسول الله هو أمر الله سبحانه وتعالى، هذه الكوكبة وهي تخرج إلى مواجهة النصارى بالكلمة ليست اعتباطية لا هذه الكوكبة هي نور خاص.
(وَأَنفُسَنَا) وهذا جميل العبارة ولو لم تكن من الروايات التي وصلت إلى الآلاف والآيات التي بالغ فيها المحب فقال ثلث القرآن في علي بالتأويل أغلبه، ومن النصوص الواضحة عدد كبير جداً من الآيات، لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه اللفظة وأنفسنا، لما في عقيدتي لما جاز لأحد أن ينازع علي ابن أبي طالب في أمرٍ منها، لو لم تكن سوى هذه اللفظة فقط.
رسول الله (ص) في هذه الآية الكريمة يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يحاجج خصمه ويعرض نفسه للهلاك إذا كان من الكاذبين، وهذه طبيعة الرسالي الذي يؤمن برسالته، يقدم أعز ما لديه، أبناءه ونساءه، ونفسه في سبيل العقيدة.