عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

هل من الأفضل أن تقتل المراهقة في شخصيتك أم.. ؟

يظن بعض الناس خطأ أن الانسان عندما ينمو، فإنه يخلع عن نفسه المرحلة العمرية السابقة بجميع خصائصها، ثم ينخرط في مرحلة عمر تالية لها خصائص جديدة. وبالتالي فإن الشخص الكبير يكون قد تخلص تخلصاً تاماً من المراحل العمرية من طفولة ومراهقة وشباب لدى انخراطه في الكهولة (30 إلى 50 عاماً).
إننا لا نستطيع أن ندعو الشاب إلى أن يسلك بنفس الطريقة التي كان يسلك بها في طفولته ومراهقته، كما أننا لا نستطيع أن نزعم أن من الممكن أن تتعايش المراحل العمرية في داخل شخصية الكبير بنفس القدر من الحيوية والنشاط والاعتمال. والصحيح أن نقول ن مرحلة النمو الحالية التي يمر بها المرء تكون لها الغلبة والسيطرة على مراحل النمو السابقة. ولكن هذا لا يعني في نفس الوقت انمحاء وضياع مراحل العمر السابقة جميعاً.
ولعلنا لا نخطئ إذا ما قلنا إن تكامل الشخصية لا يمكن أن يتحقق للمرء إلا إذا حدث انسجام في سلسلة المراحل العمرية التي يحياها الآن. ولقد كشفت الدراسات النفسية وبخاصة الدراسات التي قامت بها مدرسة التحليل النفسي عن أهمية الخبرات التي ما تزال تحيا في دخيلة المرء منذ طفولته الأولى، وطالما أن تلك الخبرات لا تندثر، فإننا نستطيع أن نقرر أن حياة الطفولة ما تزال نابضة فينا، وأننا يجب أن نقوم برعاية الطفولة والمراهقة لدينا أحسن رعاية، بل وأن نعمل على إعادة تقويمها إن كانت حياتهما قد اعوجت عن الطريق السوي. فما يحاوله فرويد ومدرسة التحليل النفسي هو عقد مصالحة في دخيلة المرء بين مراحل النمو المتباينة فيه. وبتعبير آخر محاولة رأب الصدع الذي حدث بالشخصية نتيجة خبرات رديئة أو مهينة أصابت المرء في أثناء مروره بإحدى المراحل النمائية، أو محاولة تعويض الشخصية عما حرمت منه في الطفولة أو في غيرها من مراحل تالية.
إن الواحد منا بحاجة إلى أن يحن إلى طفولته وإلى مراهقته وإلى شبابه إذا كان قد بلغ الكهولة أو الشيخوخة. ولكن هذا الحنين يختلف عما يسمى بالنكوص، أعني هجران مرحلة النمو الحالية هجراناً تاماً والرجوع إلى مرحلة نمو سابقة والتمسك بها والانحصار في اطارها. إنك عندما تكون صاحب صحة نفسية سليمة، فإنك تستطيع أن تلعب على جميع أوتار حياتك الحالية والماضية بغير أن يكون في ذلك ضياع لمرحلة نمو مررت بها. ألست تحس أحياناً بالرغبة الشديدة في أن تلعب كما كنت تفعل وأنت طفل في الخامسة من العمر؟ ألست تحن أحياناً إلى الخروج في جولة مع بعض رفاقك كما كنت تفعل أيام كنت مشتركاً في فريق الكشافة بالمدرسة الابتدائية؟ ألست معي إنك إذا لعبت كما كنت تلعب وأنت بعد طفل صغير، أو إذا خرجت إلى رحلة فيها مغامرة كما كنت تفعل في المراهقة فإنك بذلك تنعش شخصيتك؟
من المؤكد أن الطفولة التي ما تزال تحيا في أضلعنا تريد أن تطل برأسها وإن تثبت وجودها من وقت لآخر. وصحيح أيضاً أنك وأنت المتزوج منذ ما يزيد عن عشرين عاماً تتمنى أن تصحب زوجتك إلى أول مكان التقيتما فيه ودق الحب هناك باب قلب كل منكما، فاعترف كل واحد منكما لصاحبه وقتئذ بالحب، وبأنه لا يستطيع أن يستغني عن الآخر ولابد أن يربط حياته ومستقبله به. أليس الخضوع لمثل هذه الرغبات مفيداً من الناحية النفسية؟
إنك في الواقع بحاجة إلى أن تنعش ما سبق لك إن عشته عبر حياتك كلها. إنك بمثل ذلك التذكر، بل وبمثل تلك المعايشة المتجددة تستطيع أن تحيي الموات في شخصيتك. إنك بذلك تنعش شخصيتك وتحيي جوانب ماتت أو كادت تموت من قوامك، وبذا فإنك تعيش بامتلاء وعمق. ذلك أن الشخص الذي لا يعيش إلا في اللحظة الحاضرة، إنما يكون في الواقع قد حكم على شخصيته بالذبول. إنك لست حاضراً فحسب. إنك أيضاً ماض يجب أن تحياه، وأنت أيضا؟ً مستقبل يجب أن تترقبه وأن تأمل في تحقيقه. عش ماضيك حتى يتسنى لك أن تتخلص من ركاماته الرديئة. لا تظن أن دفن تلك الركامات الرديئة والذكريات المؤلمة يضمن لك الحياة في سعادة في الحاضر، أو في أمل أفضل في المستقبل. يقول لنا علم النفس أن معايشة الآلام والأحزان تقتلها قتلاً وتبيدها إبادة. ولكن الرط المطلوب لتلك المعايشة ألا تكون معايشة اجترارية بأن يسجن الشخص نفسه في اطار الماضي بما يحمله من خبرات غير سارة، بل تكون معايشة واقعية، أعني بنظرة واقعية نقدية إليها. فأنت عندما تقف على ما كان يؤلمك في طفولتك، فإنك بذلك تعمل على إزالة ما كان يحيط بذلك الماضي من مبالغة في التصوير. إنك بذلك تجرد الوهم من خداعه وتعيش في الواقع. ذلك أن الماضي بخبراته المؤلمة يتغلب بأوهام لا أساس لها في الواقع. فعندما تقوم بنزع تلك الأوهام عنك، فإنه لا يثبت في عقلك ووجدانك، بل يذبل ويتلاشى. والموقف هنا شبيه بموقف الجراح الذي يضرب مشرطه في الخراج لكي يخرج ما به من صديد مؤذ. فبرغم ما يحس به المريض من ألم في أثناء اجراء الجراحة، فإنه يتخلص من الألم المستمر الذي يحدثه ذلك الخراج.
فنحن إذن بحاجة ماسة إلى أن نتصفح حياتنا الماضية لكي نغربلها من جهة، ولكي نسعد بجوانبها الجميلة من جهة أخرى. فليس المطلوب منك أن تذكر ما مر بحياتك من أشياء مؤلمة فحسب، بل يجب أن تتذكر أيضاً ما مر بك من أفراح ونجاحات. إننا نطالب بأن تعيش ماضيك المشرق وأن تظل مستمتعاً بما سبق أن لاقيته في حياتك منذ طفولتك الأولى من نجاح.
وفيما يلي بعض التوجيهات التي يؤكد عليها علماء النفس لضمان استمرار حياة الطفل والمراهق في شخصيتك. فعليك بالأخذ بها ومداومة تطبيقها في حياتك لكي تضمن لنفسك السعادة والنجاح في الحياة. وتتلخص هذه التوصيات فيما يلي:
أولاً: لا تطفئ في نفسك روح المرح، ولا تسمح لهموم الحياة بأن تطغى عليك. كن كالطفل والمراهق اللذين سرعان ما ينسيان ما تصيبهما به الحياة من صدمات. انهما ينفضان عنهما ما تصيبهما به الدنيا من أحزان وينخرطان في الحياة بروح اللعب والمرح. ومن المؤسف أن كثيراً من الكبار لا يعرفون إلى البهجة والفرح سبيلاً. انهم يفقدون روح الدعابة ولا يتذوقون النكتة ولا تعرف الابتسامة إلى وجوههم طريقاً. فوجوههم تظل مقطبة عابسة كأن الدنيا قد انقلبت وغطى الطوفان الأرض. لا تتشبه بهؤلاء المهمومين، بل أيقظ الطفل والمراهق بداخلك حتى تفرح وتمرح وتلهو. ولا تخنع تحت وطأة الهموم.
ثانياً: تذوق الجمال من حولك كالمراهق الذي ينبهر بالجمال، وكالطفل الذي يجيل خياله في الأشياء ويضفي عليها من خياله جمالاً على جمال. اعلم يا صديقي أن الإحساس بالجمال، والانبهار بما يحيط بك من أشياء وأشخاص وأحداث يجعل حياتك أروع وأجمل. إن الفنانين العظماء ظلوا يحسون بجمال الحياة حتى شيخوختهم. أما أولئك الذين يتناولون الحياة من الجانب النفعي فحسب وقد انطفأت روعة الواقع في أنظارهم، فإنهم يكونون في الواقع قد قتلوا الطفولة والمراهقة اللتين كانتا تحييان بداخلهم.
ثالثاً: وسع دائرة حياتك. إنك في طفولتك ومراهقتك كنت تتمنى أن تمتطي صهوة جواد وتجوب الأرجاء، أو كنت تتمنى ركوب ظهر باخرة وتسافر إلى قارات العالم كلها، بل وكنت تتمنى أن تركب طائرة وتكون أنت قائدها وتشق بها عباب الجو بأسرع من الصوت، وكنت في مرهقتك نهما في القراءة. كنت تنكب على قراءة سير العظماء والعلماء وتقرأ عن الأقوام التي تعيش بعادات وتقاليد عجيبة كالاسكيمو مثلاً. فلماذا تفقد هذه النزعة التي تفتح أمامك الحياة؟ لماذا تتقوقع في النطاق الضيق الذي توجد به الآن؟ عد إلى طفولتك ومراهقتك واسبر المجهول ووسع آفاقك وارحل مبحراً وطر في هواء الخيال النقي الخالي من هموم وقيود الواقع الراكدة.
رابعاً: لقد كنت في طفولتك ومراهقتك سمحاً غير متكلف في علاقاتك. كنت تصفح بسهولة عمن أساء إليك. ولكنك الآن ربما تتكلف في رسم شخصيتك وربما لا تصفح عن المسيئين إليك. لماذا لا تنشط طفولتك ومراهقتك في شخصيتك حتى ترجع إليك صفة البساطة والوداعة والصفح عن المسيئين إليك؟ حاول وستنجح في محاولتك.


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

و الصحه الصوم
الفاكهـــة و فـــوائدهــــا
السيد محمد قلي اللكهنوي
الألفة والحبّ
عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة
تأثير التلفزيون على الأطفال
ماذا يحب الرجل في المرأه ..

 
user comment