بلاغ كوم
إنّ الحديث هنا ليس في حرمة أو حلّية ذلك ، فقد يكون الشيء مباحاً لكنّ الاسراف فيه قد يجعله مكروهاً أو مذموماً ، فكما أنّ الله سبحانه وتعالى خلق كلّ شيء بقدر ، فلا بدّ أن يكون لكلّ شيء في حياتنا وقت محدّد بقدر ، وإلاّ سرقتنا الاسترسالات التي يمكن أن توظّف فيما هو مهم ونافع ، وربّما فيما هو أشدّ أهمّية وأكثر نفعاً ، ولذلك قيل : «شتان بين عملين : عمل تذهب لذّته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره» .
جرّبوا إذاً أن تحسبوا ليوم واحد فقط أوقاتكم المهدورة وسوف تفاجئون بالنتيجة .
ونحن نطالع النتيجة المذهلة ، لنتذكّر مثلاً أنّ هناك سجناء يتمنّون أن يعودوا للحياة الحرّة ليملأوا كلّ دقيقة من دقائق حياتهم علماً وعملاً ، وما ذاك إلاّ لشعورهم بالوقت الفارغ يمضي سُدى ..
ولنتذكّر أنّ من الناس من يتمنّى أن يكون يومه أكثر من أربع وعشرين ساعة ، وأن لو استطاع أن يستقرض الوقت ممّن لا يأبهون بالوقت .
هؤلاء ـ أصحاب الوقت المشحون ـ لهم أوقات يستريحون فيها ، لكنّه الوقت الذي يجدّد النشاط لمواصلة العمل من جديد بروح أكثر إقبالاً وإبداعاً .
إنّنا يمكن أن نستفيد من هذه النظرة لنعتبر أنّ الوقت يأخذ سعته وضيقه من خلال ما نعبّؤه فيه من أعمال ، ونظرة سريعة في حياة العظماء والناجحين تكشف لنا سرّاً مهمّاً من أسرار نجاحهم وهو استثمارهم للوقت على خير وجه ، إذ يندر أن نجد عند أحدهم وقتاً مضيّعاً ، فلقد وصف مخترع المصباح الكهربائي (اديسون) بأ نّه كان لا يصبر على الوقت .. كان يلتهمه التهاماً .. كان يعمل عملاً متصلاً كأ نّما يريد أن يعمل في الساعة الواحدة ما يعمله الناس في عشر ساعات ، كان يكره أن يغيب عنه حل مشكلة عملية ، فتضيّع عليه أسبوعاً واحداً بغير جدوى .
وقد عرف عن العديد من العلماء أ نّهم كانوا لا ينامون من الليل إلاّ قليلاً بغية الاستفادة من ساعات إضافية من يومهم ، هؤلاء هم الذين يتذكّرون دائماً قول الشاعر :
دقّات قلب المرء قائلة له***إنّ الحياة دقائق وثواني
فاحفظ لنفسِك بعد موتِك ذكرها***إنّ الذكر للانسان عمر ثاني
source : البلاغ