عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

حقوق الزوجة

حقوق الزوجة

لقد دَحض القرآن الحكيم الأفكار الباطلة التي كان الناس يعتقد بها في السابق ، وأقرَّ بأن طبيعة التكوين وأصل الخلقة بين الرجل والمرأة واحد ، فلم يخلق الرجل من جوهرٍ مكرم ، ولا المرأة من جوهر وضيع ، بل خلقهما الله من عنصر واحد وهو التراب ، ومن نفس واحدة ، فيقول تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) النساء : 1 .

وبذلك ارتقى بالمرأة عندما جعلها مثل الرجل تماماً من جهة الطبيعة التكوينية ، ووفر لها من خلال ذلك حقَّ الكرامة الإنسانية ، ثم إن القرآن وحَّد بين الرجل والمرأة في تحمُّل المسؤولية ، فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) .

على أن التساوي بينهما في أصل الخلقة والكرامة والمسؤولية ، لا يعني بتاتا إنكار الاختلاف الفطري والطبيعي الموجود بينهما ، والذي يؤدي إلى الاختلاف في الحقوق والواجبات ، فميزان العدالة السليم هو التسوية بين المرء وواجباته ، وليس التسوية في الحقوق والواجبات بين جنسين مختلفين تكويناً وطبعاً .

ومن هذا المنطلق فليس التفضيل في الإرث اختلالاً في العدالة ، بل هو عين العدالة ، فالرجل عليه الصداق منذ بداية العلقة الزوجية ، وعليه النفقة إلى النهاية .

ومن جانب آخر لا يريد القرآن تحديد حرية المرأة ومكانتها من خلال فرض الحجاب ، بل أراد صيانتها بالحجاب دون تقييدها ، مع الإيحاء باحترام المرأة لدى نفسها ولدى الآخرين .

إذ أراد لها أن تخرج في المجتمع - إذا خرجت - غير مثيرة للغرائز الكامنة في نفوس الرجال ، فتكون محافظة على نفسها ، وغير مضرّة بالآخرين ، كما أقرَّ القرآن للمرأة بحق الاعتقاد والعمل وفق ضوابط محدَّدة ، ومنح المرأة الحقوق المدنية كاملة ، فلها حق التملك ، ولها أن تهب ، أو ترهن ، أو تبيع ، وما إلى ذلك .

كما منحها حق التعليم ، فوصلت إلى مراتب علمية عالية ، وأشاد بنزعة التحرر لدى المرأة من الظلم والطغيان ، فضرب لذلك مثلاً في آسية امرأة فرعون ، الَّتي ظلَّت على الرغم من الأجواء الضاغطة ، محافظة على عقيدة التوحيد ، التي آمنت بها ، فأصبحت مثلاً يُحتَذَى به .

فقال الله تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم : 11 .

فإنه موقف صارم لا هوادة فيه ، ويختلف عن موقف مؤمن آل فرعون الذي وقف بوجه فرعون بلين وبلباقة .

وهكذا يكشف لنا القرآن عن مقدار الصلابة التي يمكن أن تكتسبها المرأة ، إذا امتلكت الإيمان والرؤية السليمة ، ويحدث العكس من ذلك لو حادت عن طريق الهداية كامرأة نوح ( عليه السلام ) ، فسوف تغدو أسيرة لعواطفها وأهوائها ، تحرِّكها أينما شاءت ، فتكون كالريشة في مهب الريح .

حقوق الزوجة في السنّة النبوية :

وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أمّ مَثَار اهتمام السنة النبوية الشريفة ، فيقول النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَا زَالَ جِبرائِيل يُوصِينِي بِالمَرْأةِ ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّه لا يَنْبَغي طَلاقُهَا إلاَّ مِن فَاحِشَةٍ مُبِينَة ) .

ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي : توفير القوت لها ، توفير اللباس اللائق بها ، حسن المعاشرة معها .

وفي ذلك يقول الحديث الشريف : ( حَقُّ المَرْأةِ عَلَى زَوجِهَا : أنْ يَسدَّ جُوعَهَا ، وأنْ يَستُرَ عَورَتَها ، وَلا يُقَبِّحُ لَهَا وَجْهاً ) .

فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يقرن ذلك بحقٍّ معنوي ، هو أن لا يُقبِّح لها وجهاً ، وبتعبير آخر أن يُحسن معاشرتها ، لا سيَّما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في العيش ، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمُتعة ، أو وسيلة للخِدمة ، فيعاملها بطريقة إصدار الأوامر .

وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الإنساني مع الزوجة وحتى استشارتها ، وإن لم يرد الزوج أن يأخذ برأيها في ذلك المورد ، لأن استشارة الزوج لزوجته معناه إجراء حوارٍ مستمرٍّ معها ، وهذا مما يندب إليه العقل والشرع .

إذن لها حقٌّ معنوي مُكمل لحقوقِها المادية ، وهُو حقُّ الاحترام والتقدير ، وانتقاء تعابير مهذَّبة لائقة عند التخاطب معها تشيع أجواء الطمأنينة ، وتوقد شمعة المحبَّة ، فيقول الرسول ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( قَولُ الرَّجل للمرأة : إنِّي أُحِبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبَداً ) .

فإكرام الزوجة ، والرحمة بها ، والعفو عن زَلاَّتها العادية ، هي الضمان الوحيد والطريق الأمثل لاستمرار العُلقة الزوجية ، وبدون مراعاة هذه الأمور يصبح البناء الأسري هَشّاً كالبناء على الرمل ، فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسبابٍ تافهة .

لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ، وبعدها قال هذه الجملة : إنَّك لتجد التوافه - دائماً - في قرارة كل شقاء زوجي ، فلو تحلَّى الزوجان بالصبر ، وغضّا النظر عن بعض الأخطاء التي تحصل من غير عَمدٍ ، لأمكن صيانة العش الزوجي من الانهيار .

حقوق الزوجة في فكر أهل البيت ( عليهم السلام ) :

يتطرق الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق لحق الزوجة ، ويلقي أضواء إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرحمة والمؤانسة ، فيقول ( عليه السلام ) : ( وَأمَّا حَقّ رَعيَّتك بِملك النِّكاحِ ، فأنْ تَعلَمَ أنَّ اللهَ جعلَهَا سَكناً ومُستَراحاً وأُنساً وَوِاقِية ، وكذلك كُلّ واحدٍ مِنكُما يَجِبُ أنْ يَحمدَ اللهَ عَلَى صَاحِبِه ، ويَعلَمَ أنَّ ذَلِكَ نِعمةً مِنهُ عَلَيه .

وَوَجَبَ أن يُحسِنَ صُحبَة نِعمَةِ اللهِ ، ويُكرمَهَا ، ويرفقَ بِها ، وإنْ كانَ حَقُّك عَلَيها أغْلَظَ ، وطَاعَتُك بِها ألزَمَ ، فِيمَا أحبَبْتَ وكرهْتَ ، ما لَم تَكن مَعصِية فإنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحمَةِ والمُؤَانَسةِ ولا قُوَّة إلاَّ بالله ) .

والتمعُّن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشُّكر اللَّفظي ، بأن يحمد الله تعالى عليها ، وتستوجب الشكر العملي ، بأن يكرم المرء زوجته ، ويرفق بها ، ويعاملها باللطف والرحمة ، ويعقد معها صداقة حقيقية ، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين .

أما لو تصرَّف معها بالعُنف ، وأحصى عليها كلّ شارِدة ووارِدة ، فسوف يقطع شرايينَ الودّ والمحبَّة معها ، ويكون كَسِكِّين حادة تقطع رباط الزوجية المقدَّس .

ولقد بين الإمام الصادق ( عليه السلام ) بكل وضوح السياسة التي يجب على الزوج اتِّباعها لاستِمالة زَوجتِه ، وعدم قَطع حبال الودِّ معها .

فقال ( عليه السلام ) : ( لا غِنَى بالزَّوجِ عَن ثلاثَةِ أشياءٍ فِيمَا بَينَه وبَين زَوجَتِه ، وهي : الموافَقَة ، ليَجتلِبَ بِها مُوافقَتها ومَحبَّتها وهَواهَا ، وحُسن خُلقِه مَعها واسْتِعمَاله استمَالَةَ قَلبِهَا بالهَيئة الحَسَنة في عَينِها ، وتوسِعته عَلَيها ) .

ومن الجدير ذكره أن هذه الأقوال ، ليست - مجرد - كلمات تنشر في الهواء يُطلقها الأئمة ( عليهم السلام ) من أجل الموعظة ، بل جسَّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع .

فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت ( عليهم السلام ) بين الوعي والواقع ، ومن الشواهد الدالة على ذلك : يروي الحسن بن الجهم قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) اختضَب ، فقلت : جُعلت فداك اختضَبْتَ ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( نَعَمْ ، إنَّ التهيِئَة مِمَّا يُزيدُ في عِفَّة النِّسَاء ، ولقَد تَرَك النِّسَاءُ العفَّة بِتَركِ أزواجهنَّ التهيئة ، أيَسُرّكَ أن تَراهَا عَلى مَا تَراكَ عَلَيه إذا كُنتَ عَلى غَيرِ تَهْيئة ؟ ) ، قلت : لا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فَهوَ ذَاكَ ) .

فالإمام ( عليه السلام ) يُدرِكُ أن الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكِلا الزوجين ، لذلك يراعي حقَّ الزوجة ، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلالِ التهيئة ، ولأن عدم التوافق في هذا الجانب يعتبر من الأسباب الأساسية في الإخفاق في الزواج .

صحيح أن الزواج في الإسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس ، فالجنس مجرد وسيلة للوصول إلى الغاية من الزواج ، وهي : رفد الحياة الإنسانية بجيل صالح ، إلاَّ أنَّ ذلك لا يُبرِّر إهمال حقّ الزوجة في المُتعة الجنسية ، لذلك لا يجوِّز الشرع هَجرها أكثر من أربعة أشهر .


source : الشیعه
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لماذا تتغير المرأة بعد الزواج ؟
موقع الأسرة في الإسلام
آية الله الشيخ عبد الحسين الحياوي؛ فقيهاً ...
حجابك وعفتك دليل محبتك لله تعالى
ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
الانسان وباقي المخلوقات
الأخلاق دلیل الشخصيّة
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!

 
user comment