لقد تعلم الافراد بالتطبع وبالاكتساب والغريزة التعايشية, منذ أن خلقوا حب التعاون والمعاونة فيما بينهم لا سيما عند الحاجة والشدائد0
وليس لمن يقوم بهذه المعاونة في الاصل مصلحة مادية ظاهرة معينة لازمة التحقيق , فالقادرون على أداء هذه المعاونة مختارون في تقديمها لمن يشاؤن بلا أجبار مادي ولكنهم يقومون بها لوجه الله والخير ظاهراً أو حقيقة في كثير من الاحيان, ولكن قد تسوقهم إليها غايات ومقاصد وأغراض أخرى في نفوسهم0
ولقد دعا الاسلام الى هذا النوع من المعاونة بكل صراحة وجلاء فنادى من أول أيامه : (وتعاونوا على البر والتقوى) وان خير أنواع هذا التعاون هو ما كان في سبيل العيش, وان (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى, واليتامى, والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة) و (بالوالدين احساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل أو ما ملكت أيمانكم)0 وفي ذلك ما فيه من قواعد الترابط الاجتماعي والتكافل الانساني بين الافراد جميعاً0
والى جانب كون الاسلام قررأن المال مال الله وأن ليس حائزة الا وسيطا مستخلفا عليه (آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) أوجب الأنفاق منه بأستمرار على المحتاجين وقرن الامر بالانفاق بالامر بالايمان بالله وبرسوله لما في ذلك من الاهمية الاقتصادية والاجتماعية للناس0
والحقيقة أن الاسلام قد فرض هذا التعاون الاجتماعي فرضا بهذا الامر في الانفاق وبأمره الاغنياء أن يأتوا الفقراء دائما من المال الذي أتاهم به الله (وآتوهم من مال الله الذي أتاكم) والذي نراه نحن من هذه الاية هو أن الاتيان موضوع الامر هنا غير محدد بفرض معين ولا بزمن أو بمقدار أو محل معلوم وانما المقصود منه - المستدل من اللفظ المطلق - هو الانفاق الدائم عند الامكانية والمقدرة على كل محتاج ومسكين بشكل حق يؤدى من الاغنياء وهذامصداق لقوله تعالى : (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وقوله تعالى : (ما العقبة0 فك رقبة او أطعام في يوم ذي مسبغة0 يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) وقوله تعالى : (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين)0
وقد أكد هذا التعاون النبي محمد (ص) باقرار الشركة بينهم, بقوله: " المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلاء والنار" حتى لا ينفرد البعض بملكية هذه الاشياء الضرورية للعيش والحياة دون الاخرين وحتى يتعاونوا جميعا في التمتع بهذه الاشياء0 وبقوله عليه الصلاة والسلام : " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له "0 وعنه (ص) " اطعموا الجائع وفكوا العاني " وعنه (ص) : " أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا, فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى "0
حتى أن الاسلام يقرر هذا التعاون من قبل القادرين عليه الى كل محتاج ومسكين ولو كانت بينهما حزازات وخصومات شخصية بدليل قوله تعالى : " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا0000) وهذا دليل على أن هذه الحقوق حتمية الاداء من قبل الاغنياء الى الفقراء بصرف النظر عن كل الاعتبارات الدنيوية الاخرى التي تمس هذه الحقوق مباشرة كالحزازات الشخصية والبغضاء - لان المدين عليه أن يدفع حقوق الدائنين حتى ولو كانت بينه وبينهم عداوة وبغضاء - باعتبار أن ذي السعة مدين الى الفقراء وعليه أن يدفع حقوقهم من مال الله الذي أتاه والذي هو مستخلف عليه0
ولا يعرف الاسلام في هذه التعاون التفرقة الدينية بل أنه دعا الى تقديم العون والمساعدة الى أي فقير أو محتاج حتى ولو لم يكن مسلما في عقيدته فقد قرر الاسلام في القرأن الكريم : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم او تبروهم وتقسطوا اليهم)0
ولقد أوجب الاسلام أن تعطى هذه الاعانات الفردية الى مستحقيها كحق من حقوقهم وبصورة محترمة لا أذلال فيها ولا امتهان ولا للتباهي والتفاخر أو للمنة قال الله تعالى ( يا آيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق رئاء الناس) و (ان تبدوا الصدقات فنعمَا هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)0 وان خير العطاء ما كان لوجه الله , ومن دون غاية ذاتية معينة (انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)
ويجب أن لا ننسى الوعيد والتهديد اللذين أطلقهما الاسلام للذين لم ينفقوا في سبيل الله او لاؤلئك الذين يكتنزون الاموال ولا ينفقونها على المحتاجين والمعوزين قال الله تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون " (والذين يكتنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم ) وقال تعالى : (لا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لها سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة )0 وقد أقر الاسلام حقيقة طبيعية في الناس وهي أنهم مختلفون بقوة الاكتساب والقدرة على العمل, وأقر حقيقة مرةأخرى في الحياة بصورة أستهجانية استنكارية وهي استحواذ البعض على الاموال دون الآخرين 0 ثم دعاهم الى عكسها وأخذ يذكرهم بأنهم كلهم شركاء سواء في مال الله الذي أتاهم0 وأعتبر هذا التصرف من قبل هؤلاء وجحدهم هذه المساواة في هذه الاموال من قبيل الاجحاد بنعمة الله قال الله تعالى :( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فماالذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم , فهم فيه سواء0 أفبنعمة الله يجحدون)0
ومن هذا كله نستدل على وجوب التعاون الفردي في الاسلام الذي دعا أليه ونظم أحكامه وأوجب تحقيقه بين كافة الناس لكي تشبع حاجات المعوزين منهم0
والى جانب كل ذلك دعا الاسلام الى أعمال البر والاحسان المنظمة الاخرى وأهمها في مجال التعاون الفردي كما نعتقد هي:
1- الاوقاف الذرية0
2- الوصايا التمليكية0
3- الهبات الفردية0
ولكن هذه المعاونة الفردية تفترض وجود أشخاص قادرين على أدائها راغبين في تقديمها من تلقاء أنفسهم, لانه لم يوجد الان الزام دنيوي للمتنعين عن ادائها0 وانها غير ثابتة وتختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف واسلوب العيش وطرازه لذافليس هنا ضمان مؤكد للمعوز في ظل مجرد هذه الاعانة التعاونية الفردية التي ربما يكتنفها شئ من الاهانة والمذلة لكرامة الناس وانهاليست منظمة وغير كافية وقد تستخدم لاستعباد النفوس واستغلالها0
source : البلاغ