ـ التجريح باللسان
إن التجريح باللسان يُذهب بالمحبة والود والألفة، ويقلب الحياة العائلية رأساً على عقب، ويؤدي بالمجتمع الصغير إلى ما لا تحمد عقباه.
قال الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: (قال الله تعالى: من أهان لي وليًّا فقد أرصد لمحاربتي)1.
يجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها باعتبارها إنساناً، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها ومزاياها إلى جوار عيوبها وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يفرك ـ أي لا يبغض ـ مؤمن مؤمنةً إن سخط منها خلقاً رضي منها غيره"2.
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذّرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وإن المرأة التي تقول لزوجها: إننا لم نر خيراً في هذه الدار تحبط بقولها ذاك كل أعمالها، وكذا بالنسبة للرجل الذي يقول لزوجته: إنني لم أر منك خيراً مذ تزوجتك.
يجب علينا جميعاً الإنتهاء عن إهانة بعضنا لبعض، وخصوصاً النساء اللواتي تتحين بعضهنّ الفرص لإهانة أزواجهنَّ أمام أخواتهنَّ أو صديقاتهنَّ أو ما شابه ذلك.
إن التجريح والإهانة على قسمين: قسم يزول من القلب سريعاً، وهو ما ينقلب على صاحبه في القبر إلى عقرب ينهش أصابع يده ورجله ثم يزول، وقسم آخر يكون التجريح كالسيف البتّار ضربته عميقة، وهذا ما ينقلب في القبر الى عقرب ينهش جسم الشخص البذيء إلى يوم القيامة، ويقال في الخبر إن مثل هذه العقارب أشد لسعاً من نار جهنم.
رأى أحدهم في المنام عالماً معروفاً كان قد توفي منذ زمن، فسأله عن وضعه؟ فأجاب: الحمد لله، فأنا أمتلك هنا حديقةً غناء، ولي من الحور العين الكثير، وقد بُنِيّ لي قصرٌ لا يمكن أن يحلم به من كان في الحياة الدنيا، وإن الملائكة لتروح وتذهب في قصري وهي لي خادمة، ولكنني حينما أصحو صباحاً، لا أصحو إلاّ على لسعة عقربٍ يأتيني كل صباح فيبقى الألم في رجلي إلى الصباح التالي ليبادرني بلسعةٍ جديدة.
فسأله صاحبنا: ما الذي فعلته في دنياك؟
فأجاب: أسأت إلى أحدهم في القول، واستهانت عليّ المسألة فنسيت أن أستغفر وأتوب من تلك الإساءة، ولو كنت قد إستغفرت وتبت لكنت قتلت هذه العقرب التي ما فتأت تأتيني كل يوم.
إن ماء التوبة يمكن أن يغسل كل شيء وإنه يمكن أن يذهب بالحقد والضغينة من قلب المهان، ولكن الويل لمن لا يتوب ولا يعرف الإستغفار، والأنكى من ذلك أنه يفتخر ويقول: لا أستطيع الجلوس في البيت هادئاً ما لم أسمع زوجتي عبارتين تغيظانها!
هل تعلمون ماذا تعني هاتان العبارتان؟ إنهما عقربان! الأول سيلتقيه في ليلة القبر الأولى، والثاني سيرافقه إلى يوم الحشر الأعظم.
إن البعض من النساء تحاول جاهدة أن تسيء لفظاً لزوجها، وحالما تنتهي من تجريحها له تقول: الآن سكنت عاصفتي، وللتوّ سكن فؤادي!
كلا، يا سيدتي إن فؤادك لم يسكن ويهدأ بعد، كونك هيأت لنفسك ثعباناً يؤذيك في قبرك إلى يوم يبعثون، وإن هذا الثعبان يراه في الدنيا من كانت له عينٌ بصيرة، إنه ملتفٌ حول رقبتك ألا تنظرين إليه؟ إنك على ما يبدو لم تشاهديه بعد، ولا عجب في الأمر فستشاهدينهُ في ليلة القبر الأولى، أو قد تشاهدينه حينما يأتي ملك الموت عزرائيل لقبض روحك، حينها تصبح بصيرتك حديداً بعد أن يكشف الغطاء لك، فالحذر الحذر من التجريح واللمز، وإن من يعيب على الناس إنما يوجه إليهم وخزةً بسيف، أو طعنةً برمح، بل ربما كانت وخزة اللسان أشد وأنكى وقد قيل:
ولا يلتأم ما جرح اللسان جراحات السنان لها التئام
إن الذي يجب أن ينتبه إليه الرجل والمرأة بشدة هو الابتعاد عن التجريح، وتحقير بعضهم البعض، وخاصة أمام الآخرين، لأن الآخرين سوف يخرجانهما من أعينهم، بالإضافة إلى ضربها لعرى المحبة والألفة والانسجام، وإذا ما حدث ذلك انقلب الحب إلى بغض وضغينة، وعندها يبرُز الكره ويصير الدار كالقبر الذي تلتهب فيه النار، لذا أرجو من الجميع أن لا يكونوا حادّين في تعاملهم مع أزواجهم.
طلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منبره يوماً وسأل من كان في مسجده عن أوثق عُرى الإسلام؟ أي ما هي المسائل التي توجب نجاة البشر فقال أحدهم: الصلاة يا رسول الله، وقال آخر: الصوم، وقال ثالث: الزكاة، وأجاب رابع، بأنه الجهاد في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوثق عرى الإسلام أن تحبّ في الله، وتبغض في الله"3.
فالذي يحب امرأته في الله ناجٍ لا محالة، ليس كالذي يحبّها من أجل إرضاء شهوته، لأن مثل هذا الحب ليس من الرجولة في شيء، وإنه حب حيواني، وإن إرضاء الشهوة هو أحد الفوائد الصغيرة في تشكيل الأسرة.
فالرجل عليه أن يحبّ زوجته، هذا إذا اعتبر نفسه مسلماً، وكذا المرأة ينبغي لها أن تحب زوجها في الله إذا كانت تدّعي الإسلام، فالمرأة يجب أن تفتخر إذا كان زوجها مجروحاً بسبب دفاعه عن الإسلام، وتفتخر إذا استشهد في سبيل إعلاء كلمة الله جلّت صفاته، أو استشهد ابن لها على هذا الطريق الصائب.
أما بالنسبة للرجل فيجب عليه أن يفتخر إذا كانت زوجته علوية من نسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو نسل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وإذا كانت تصلّي وتصوم وتنفق في سبيل المولى تعالت أسماؤه.
يقول محمد بن الحكيم ـ وكان شيخاً مسناً متفتح الضمير محنّي الظهر يستند على عصاً له ـ يقول: جئت إلى الإمام الهمام الباقر محمد بن عليّ عليه السلام فسلّمت عليه وطلبت أن أجلس إلى جنبه، فلم يأبَ عليّ ذلك، فجلست إليه وقلت له: يا بن رسول الله أنا من أصحابكم، واعلم أن حلالكم حلال وحرامكم حرام، وإنني أحبكم وأواليكم، وأعادي من يعاديكم فهل أنا من الناجين؟
فقال الإمام عليه السلام بعد أن تفتحت أساريره: لقد قال أحدهم لأبي الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام مثلما قلت لي وسأله مثلما سألتني فأجابه: بأنه سيرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليّ عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والحسن والحسين عليهما السلام حينما تبلغ نفسك هذه ـ وأشار إلى حنجرته ـ وعند الصراط، وعند الحوض.
وما إن سمع محمد بن الحكيم هذا الخبر حتى شرع بالبكاء وطلب من الإمام عليه السلام أن يعيد عليه الخبر، فما كان من الإمام عليه السلام الباقر إلاَّ أن يعيد عليه الخبر، وعندها غُشي عليه، وحينما افاق مدّ يديه إلى الإمام الباقر عليه السلام ليتبرّك بيديه وبجسمه؛ بعد ذلك طلب الرجل من الإمام عليه السلام الإذن بالرحيل ليذهب من حيث أتى فتابعه الإمام عليه السلام بنظره حتى غاب عن الأنظار ثم التفت إلى أصحابه وقال: من أراد منكم أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر لذلك الرجل، ثم قال عليه السلام: "ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشايرهم في الأشياء"4.
فالمتقي والمطيع لله باركت أسماؤه لا ينبغي له أن يكرّه نفسه إلى الآخرين من خلال غضب أو عصبيّة، لأن ذلك يوجب الحقد والضغينة، ويمنع صعود الدعاء إلى السماوات العلى، ويذهب البركة من الدار، ومن المدينة، ومن البلد، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم عسى الله تعالى أن يرحمنا ويرحمكم.
إن من علائم المؤمن أن يحب للآخرين ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لها.
قال الإمام الهمام الباقر محمد بن عليّ عليه السلام:
"قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللعّان السبّاب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ويحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفف"5.
إن الحضانة مسألة ليست بالهيّنة، واذا أردت أن تطمئن لما أقول فلا بأس عليك أيها الرجل أن تجرّب ذلك لمدة ساعة أو ساعتين لترى بنفسك صعوبة القضية.
إنك لا تستطيع أن تقوم بدور الحاضن في البيت لمدة يوم كامل، وإذا ما كانت دارك فيها بعض السلالم فستطلع يوماً مائة مرة لتهيئة الطعام أو لترتيب وضع الأطفال، وهذا ما تفعله زوجتك يومياً.
وإذا كان لا بدّ لنا من قول فسنقول لك: عليكم بمساعدة زوجتك في المنزل، وإذا رفضت ذلك فسنقول لك: هل أنت أفضل من أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليّ عليه السلام الذي كان يعين الزهراء عليها السلام في أعمال المنزل والدليل على ذلك تلك الرواية التي جاء في مقدمتها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل دار أمير المؤمنين عليه السلام فرآه ينظف عدساً، بينما كانت ابنته البتول عليها السلام تمارس عملاً بيتياً آخر.
وكان الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله يحلب الشاة، ويخبز الخبز، ويساهم في أغلب أعمال المنزل، وهذا ما أثبتته الأخبار والروايات المتواترة.
إن المنزل يحتاج إلى من يصرف عليه، وان الرجل يخرج صباحاً إلى عمله ليلتقي بهذا وذاك، ويتعامل مع الناس ويداري نفسياتهم ليحصل في نهاية المطاف على مقدارٍ من المال يصرفه على أسرته، وعند رجوعه في المساء إلى المنزل يتوقع أن يحصل على قدرٍ كاف من الراحة والهدوء، ليديم عمله في اليوم التالي، فإذا ما كنت أيتها السيدة عابسة الوجه، غاضبة، غير متبسّمة، تشكين إليه هذه وتلك، فسوف يزداد تعباً بالإضافة إلى تعبه الذي جاء به إلى البيت.
وأنت أيها الرجل إذا ما رأيت زوجتك على هكذا حال، تبسّم في وجهها بالرغم من مشاكلك وتعبك وعنائك، فمثلما لا تحبّ أن تراها عابسة الوجه، فهي الأخرى تكره أن تراك غير باسم، فما تحبّه من غيرك عليك أن تعمل به ابتداءً حتى تحصل عليه، فإن فعلت ذلك ملأت البركة دارك، وأصابتك رحمةٌ من الله واسعة، وغشتك الرأفة الإلهية في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.
قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: "لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كلّ دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه"6.
ـ العجب
إن إحدى المسائل التي تكدّر صفو الأسرة، وتذهب بالمحبة من البيت العائلي، العجب والمنّة.
فإذا كانت المرأة معجبة بنفسها، أو كان الرجل متكبراً لعُجبٍ فيه، بانت علامات الخطر في أقوالهم وأفعالهم، حتى أن القرآن الكريم حذّر كثيراً من هذه المسألة وعدّ المتكبّرين من الأفراد الذين كانوا يحولون دون أعمال الأنبياء والرسل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾7.
فالمتكبر، والمعجب بقوله وصفاته الوضيعة يصل الأمر به إلى العناد والتمرّد في الدنيا وفي الآخرة، فتراه يواجه الباري تعالى بعناده الذي كان عليه في الحياة الدنيا، ولا يرضى بحكم الله تبارك وتعالى يوم القيامة بالرغم من معرفته لنفسه جيداً، فتراه يحلف لله على أنه إنسان جيّد كما كان يحلف للناس في الحياة الدنيا، ولكن الباري تعالى يبعثه إلى جهنم مع حلفه ذاك ويفضح كذبه وادعائه أمام الخلق جميعاً: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾8.
إن حالة العجب والتكبر تطغى على النفس البشرية فتضحى هوية لها من خلال التصاقها بالذات بعد المداومة على هذه الحالة بعيداً عن الاستغفار والتوبة، لذا أوصي المرأة والرجل بعدم الولوغ في هذه الحالة، وإذا ما رأيا من نفسيهما شيئاً من ذلك فليبادرا إلى الاستغفار والإنابة إلى الله تبارك وتعالى علّه يرحمهم وينجيهم مما هم فيه، وإلاَّ فالأمر خطيرٌ جداً، ولا يحتمل المجاملة.
فالمرأة الحاصلة على شهادة الجامعة، أو على مؤهل علميّ عالي لا ينبغي لها أن تغترّ بما لديها من معلومات، وإذا ما فعلت ذلك أمام زوجها انما تكون قد بالغت في كسر طوق المحبة الذي يربطها به.
وكذا الرجل الغني أو الثري الذي يتكبر على الآخرين أو على زوجته، إعجاباً بما لديه من أموال، يجب عليه أن ينتبه إلى ما يخالط روحه من إعجاب فيحاول أن يسحق هذه الحالة، من خلال المداومة على الذكر، والاعتبار بما آل إليه الآخرون من قبله ممّن ملكوا الثروات والأموال التي فاقت ثروته وأمواله.
أيتها السيدة! إذا كان زوجك فقيراً، وكان أخوك ثريَّا فلا بأس من أن تداري وضعه ونفسيته بعيداً عن الفخر والإعجاب بما لدى أخيك أو أبيكِ، واعلمي بأن الزوج مقدّم على أخيك وينبغي لك أن تقدّميه على أهلك جميعاً إذا كنت ترومين حياة آمنة سعيدة في الدنيا والآخرة.
إن احترام الوالدين واجب وضروري، وإن إبداء العطف والمحبّة للأخ والأخت لازم، ولكن يبقى الزوج مقدّماً عليهم جميعاً، والزوج كذلك عليه أن يعلم بأن زوجته مقدّمة على باقي أفراد أسرته في الاحترام والعون بدون إنكار لحق الوالدين والأخ والأخت.
قال الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام: "العُجب درجات، منها أن يُزين للعبد سوء عمله فيراهُ حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله عزّ وجلّ ولله عليه فيه المن"9.
وقال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "ما لابن آدم وللعجب أوّله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بين ذلك يحمل العذرة!"10.
*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيبضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص167-180.
1- أصول الكافي/ ج4، ص41.
2- صحيح مسلم بن الحجاج ـ باب النكاح.
3- كنز العمال/ خ24656.
4- تحف العقول/ ص216.
5- تحف العقول/ ص220 ط.بيروت.
6- بحار الأنوار/ ج78، ص237.
7- سبأ:34.
8- المجادلة:18.
9- بحار الأنوار/ ج72، ص310.
10- غرر الحكم.
source : http://almaaref.org