عربي
Sunday 5th of May 2024
0
نفر 0

وصول سبايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى الكوفة

وصول سبايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى الكوفة

الخروج من كربلاء :

تحرَّك موكب سبايا أهل البيت ( عليهم السلام ) من كربلاء المقدّسة نحو مدينة الكوفة ، في الحادي عشر من المحرّم 61 هـ ، وهو يقطع الصحاري ، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة ، التي قضوها على مقربة من مصارع الشهداء ، وهم على جمال بغير وطاء ولا غطاء .

الدخول إلى الكوفة :

دخل الركب الكوفة في اليوم الثاني عشر من المحرَّم 61 هـ ، ففزع أهل الكوفة ، وخرجوا إلى الشوارع ، بين مُتسائل لا يدري لمن السبايا ، وبين عارف يُكفكف أدمعاً ويُضمر ندماً .

وانبت إحدى السيّدات ، فسألت إحدى العلويات ، وقالت لها : من أي الأُسارى أنتن ؟ فأجابتها العلوية : نحن أُسارى أهل البيت .

وكان هذا النبأ عليها كالصاعقة فصرخت ، وصرخت اللاتي كنّ معها ، ودوي صراخهن في أرجاء الكوفة ، وبادرت المرأة إلى بيتها فجمعت ما فيه من اُزر ومقانع ، فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس ، كما بادرت سيّدة أُخرى فجاءت بطعام وتمر ، وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع ، ونادت السيّدة أُمّ كلثوم من خلف الركب : ( إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت ) .

وصارت تأخذ من أيدي الأطفال وأفواههم ، وترمي به الأرض ، وتقول : ( يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم ، وتبكي علينا نساؤكم ، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء ) (1) .

ثمَّ اتَّجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة ، مُخترقاً جموع أهل الكوفة ، وهم يبكون لما حلَّ بالبيت النبوي الكريم .

ولما اكتسبت أيديهم ، وخدعت وعودهم سبط النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإمام المسلمين الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، وها هم يرون أهله ونساءه أُسارى .

وها هو رأس السبط الشهيد يحلِّق في سماء الكوفة ، على رأس رمح طويل ، وقد دعوه ليكون قائداً للأُمّة الإسلامية ، وهادياً لها نحو الرشاد .

فحدَّقت السيّدة زينب ( عليها السلام ) بالجموع المحتشدة ، ومرارة فقدان أخيها تملأ فمها ، وذلّ الأَسر يحيط بموكبها ، فنظرت ( عليها السلام ) إلى أهل الكوفة نظرة غضب واحتقار ، وخطبت بهم خطبة مقرعة ومؤنِّبة .

الدخول إلى قصر الإمارة :

أُدخل رأس الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى القصر ، ووضع بين يدي عبيد الله ابن زياد ـ والي الكوفة ـ ، فأخذ يضرب الرأس الشريف بقضيب كان في يده ، وعليه علامات الفرح والسرور .

وكان الى جانبه زيد بن أرقم ـ وكان شيخاً كبيراً صحابيّاً ـ فلمّا رآه يفعل ذلك بثنايا ابن رسول الله ( صلوات الله عليه ) قال له : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بشفتيه عليها ، ولا أُحصيه كثرة يقبّلهما ، ثمّ انتحب باكياً .

فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، أتبكي لفتح الله ؟ والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وذهب إلى منزله .

ثمّ أُدخل النساء والأطفال ، ومعهم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وكانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) متنكّرة ، وقد انحازت إلى ناحية من القصر ومعها النسوة .

فقال ابن زياد : من هذه التي انحازت ومعها نساؤها ؟ فسأل عنها ثانية وثالثة فلم تجبه ، فقيل له : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله .

فانبرى ابن زياد مخاطباً زينب ( عليها السلام ) وشامتاً بها : الحمدُ لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم .

فردَّت ( عليها السلام ) عليه بلسانِ المرأة الواثقة بأهدافها : ( الحمْدُ لله الذي أكرَمَنا بنبيِّه محمدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ، وطهَّرَنا مِن الرجس تطهيراً ، إنّما يَفتضحُ الفاسِق ، ويكذبُ الفاجِر ، وهو غَيرُنا ) .

فقال ابن زياد : كيف رأيت فِعلَ الله بأهلِ بيتك ؟ فقالت ( عليها السلام ) : ( كتبَ اللهُ عليهم القتل ، فَبَرَزوا إلى مَضاجِعِهم ، وسيجمع اللهُ بَينك وبَينَهُم ، فتحاجُّون إليه ، وتَخْتصِمون عِنده ) .

فغضب ابن زياد واستشاط غضباً ، فقال عمرو بن حريث : إنّها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .

فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المردة من أهل بيتك .

فقالت : ( لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت ) ، فأخذ ابن زياد يفحش في كلامه .

ثمّ جاء الدور بعد ذلك للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، ليقف أمام عبيد الله بن زياد ، فسأله : مَن أنت ؟ فأجاب ( عليه السلام ) : ( أنَا علي بن الحسين ) .

فقال : ألمْ يقتلُ الله علي بن الحسين ؟ قال ( عليه السلام ) : ( كَانَ لي أخٌ يُسمَّى علياً قَتَله الناس ) .

فقال ابن زياد : بل قتله الله ، قال ( عليه السلام ) : ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (2) .

فغضب ابن زياد لرد الإمام ( عليه السلام ) ، فنادى جلاوزته : اِضربوا عنقه .

فتعلَّقت عمَّته زينب ( عليها السلام ) به ، وصاحت : ( يَابن زياد ، حَسْبك مِن دِمائِنا ، والله لا أفارِقُه ، فإن قَتلتَهُ فاقتلني معه ) ، فتراجع عن ذلك .

ثمّ صعد المنبر ، ونال من أهل البيت ، وكذّبهم فافتضح نفاقه ، وبانت أعراقه ، وكان في المجلس شيخ كبير آخر هو عبد الله بن عفيف الأزدي ، فانتفض في وجه ابن زياد السفّاك وخذله ونال منه .

فقال ابن زياد : عليّ به ، فأخذته جلاوزة النفاق والشقاق ، فانتزعه منهم رجال من الأزد ، إلاّ أنّ ابن زياد أرسل عليه ليلاً فأُخرج من بيته ، وجيء به لابن زياد ، فضرب عنقه ، وصلبه على السبخة ، فرحمة الله عليه (3) .

خطبة السيّدة زينب ( عليها السلام ) :

قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذ ، ولم أر خفرة والله أنطق منها ، كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثمّ قالت :

( الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار ، أمّا بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل الختر والغدر والختل والمكر ، ألا فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والنطف ، والصدر الشنف ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون .

أتبكون وتنتحبون ، إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ، ومدرة سنتكم ، ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة .

ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سواء فقماء ، وفي بعضها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ، أو ملاء السماء .

أفعجبتم إن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنّه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإنّ ربّكم لبالمرصاد ) .

ثمّ أنشأت تقول :

ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ** ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُمم

فقال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ( يا عمّة ، اسكتي ففي الباقي عن الماضي اعتبار ) ، فسكتت الحوراء زينب ( عليها السلام ) .

قال الراوي : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي ، حتّى اخضلت لحيته ، وهو يقول : بأبي أنتم وأُمّي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزي ولا يبزي (4) .

خطبة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) :

ثمّ ارتقى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) المنبر ، فأومأ للناس بالسكوت ، وكان معتل الحال ، فأثنى على الله وحمده ، وذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ صلّى عليه ، ثمّ قال :

( أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أنا ابن من انتهكت حرمته ، وسلبت نعمته ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قتل صبراً ، وكفى بذلك فخراً .

أيّها الناس ، فأنشدكم الله هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه ، فتباً لما قدمتم لأنفسكم ، وسوأة لرأيكم ، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ يقول لكم : قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أُمّتي ) .

قال الراوي : فارتفعت الأصوات من كل ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ، فقال ( عليه السلام ) : ( رحم الله امرأ قبل نصيحتي ، وحفظ وصيّتي في الله ، وفي رسوله ، وأهل بيته ، فإنّ لنا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أُسوة حسنة ) (5) .

واستمر الإمام ( عليه السلام ) في الخطبة ، فعرّى الأُمويين وأتباعهم الخونة الظالمين ، ونصح المسلمين .

خطبة السيّدة فاطمة الصغرى ( عليها السلام ) :

خطبت السيّدة فاطمة الصغرى ( عليها السلام ) بعد أن وردت من كربلاء ، فقالت : ( الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأومن به ، وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّ أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات .

اللهم إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب ، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه ، من أخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، المسلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ، ولا عند مماته ، حتىّ قبضته إليك ، محمود النقيبة ، طيّب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه اللهم فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للإسلام صغيراً ، وحمدت مناقبه كبيراً ، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك ، حتّى قبضته إليك ، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً لك في سبيلك ، رضيته فاخترته فهديته إلى صراط مستقيم .

أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) على كثير ممّن خلق تفضيلاً بينا ، فكذّبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً ، وأموالنا نهباً ، كأننا أولاد ترك وكإبل ، كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت ، لحقد متقدّم قرّت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء على الله ، ومكراً مكرتم ، والله خير الماكرين .

فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل ، بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة ، في كتاب من قبل أن نبرأها ، إنّ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحبّ كلّ مختال فخور .

تباً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكان قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين .

ويلكم أتدرون أيّة يد طاغتنا منكم ، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا ، والله قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان ، وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لا تهتدون .

فتباً لكم يا أهل الكوفة ، أيّ ترات لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبلكم ، ودخول له لديكم بما عندتم ، بأخيه علي بن أبي طالب جدّي ، وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار ، فافتخر بذلك مفتخر ، وقال :

نحن قتلنا علياً وبني علي ** بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبى ترك ** ونطحناهم فأيّ نطاح

بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب ، افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله ، وطهّرهم الله ، وأذهب عنهم الرجس ، فأكظم وأقع كما أقعى أبوك ، فإنّما لكلّ امرئ ما كسب ، وما قدّمت يداه .

أحسدتمونا ، ويلاً لكم على ما فضّلنا الله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) .

قال الراوي : فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيّبين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت ( عليها السلام ) (6) .

خطبة السيّدة أُم كلثوم ( عليها السلام ) :

خطبت السيّدة أُم كلثوم بنت الإمام علي ( عليه السلام ) في ذلك اليوم ، من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :

( يا أهل الكوفة ، سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتباً لكم وسحقاً ، ويلكم أتدرون أي دواة دهتكم ؟ وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأي دماء سفكتموها ؟ وأي كريمة أصبتموها ؟ وأي صبية سلبتموها ؟ وأي أموال انتهبتموها ؟

قتلتم خير رجالات بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ) ، ثمّ قالت :

قتلتم أخي صبراً فويل لأُمّكم ** ستجزون ناراً حرّها يتوقّد

سفكتم دماء حرم الله سفكها ** وحرّمها القرآن ثمّ محمّد

ألا فأبشروا بالنار أنّكم غداً ** لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا

وأنّي لأبكي في حياتي على أخي ** على خير من بعد النبي سيولد

بدمع غريز مستهل مكفكف على ** الخد منّي دائماً ليس يجمد

قال الراوي : فضجّ الناس بالبكاء والنوح ، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم (7) .

رأس الحسين ( عليه السلام ) في شوارع الكوفة :

ولم يقف حقد ابن زياد وقساوته ، وأسلوبه الوحشي إلى حَد ، بل راح يطوف في اليوم الثاني برأس الحسين ( عليه السلام ) في شوارع الكوفة ، يُرهب أهلها ، ويتحدَّى روح المعارضة والمقاومة فيها .

وقال زيد بن أرقم : مرّ به عليّ وهو على رمح ، وأنا في غرفة لي ، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ : ( اَمْ حَسِبْتَ اَنَ اَصحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِنْ اياتِنا عَجَباً ) ، وقف والله شعري وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب (8) .

التوجّه إلى الشام :

وفي اليوم التالي أمر ابن زياد جنده بالتوجّه بسبايا آل البيت ( عليه السلام ) إلى الشام ، إلى الطاغية يزيد بن معاوية ، وأمر أن يكبّل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بالقيود ، وأركب بنات الرسالة الإبل الهزّل تنكيلاً بهن ، وليحظى عند سيّده يزيد بالمنزلة الأرفع ، والمكان الأقرب .

ـــــــــ

1ـ ينابيع المودّة 3 / 87 .

2ـ الزمر : 42 .

3ـ الإرشاد 2 / 116 .

4ـ الاحتجاج 2 / 29 .

5ـ نفس المصدر السابق .

6ـ المصدر السابق 2 / 27 .

7ـ اللهوف في قتلى الطفوف : 91 .

8ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 473 .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الأخلاق الحسينيّة
زيارة الناحية المقدسة
المقبولة الحسينيّة
من كلام السيد القائد الخامنئي (دام ظلّه) في ذكرى ...
الإمام الحسين والقرآن الكريم
الشعائر الحسينية... الجذور والمعطيات
إباء الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن الضيم
اصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم الطف
وصول سبايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى ...
جذور التشيع في تركيا من أين يمتد ؟!

 
user comment