إِعلام الإمام الصادق ( عليه السلام ) عما في النفس
إِن نفس المؤمن إذا زكت من درن الرذائل عادت كالمرآة الصافية ، ينطبع فيها كل ما يكون أمامها ، ولذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اتَّقوا فَراسَةِ المُؤمن ، فإنهُ ينظرُ بنورِ الله ) ، هذا شأن المؤمن فكيف بإمام المؤمنين ( عليه السلام ) ؟
وهذا الخضر ( عليه السلام ) أعاب السفينة ، وأقام الجدار ، وقتل الغلام ، وما كان ذلك منه إِلا علماً منحه به العليم سبحانه .
فلا عجب إِذن لو أعلم الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أشياء تتلجلج في النفوس عند إِظهار الكرامة .
فقد دخل عمر بن يزيد على الإمام الصادق ( عليه السلام ) وهو وجع ، وقد ولاه ظهره ووجهه للحائط ، وقد قال عمر في نفسه : ما أدري ما يصيبه في مرضه لو سألته عن الإمام بعده .
فبينا يفكر في ذلك إِذ حوَّل ( عليه السلام ) إليه وجهه ، فقال : ( الأمر ليس كما تظنُّ ، ليس عليَّ من وجعي هذا بأس ) .
ودخل عليه الحسن بن موسى الحنَّاط ، وجميل بن دَرَّاج ، وعائذ الأحمسي ، وكان عائذ يقول : إِن لي حاجة أريد أن أسأله عنها .
فلما سلّموا وجلسوا أقبل بوجهه على عائذ فقال ( عليه السلام ) : ( من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك ) .
فغمزهم فقاموا ، فلمّا خرجوا قالوا له : ما كانت حاجتك ؟
قال : الذي سمعتم ، لأني رجل لا أطيق القيام بالليل ، فخفت أن أكون مأخوذاً به فأهلك .
ودخل عليه شهاب بن عبد ربه وهو يريد أن يسأله عن الجنب يغرف الماء من الحِبِّ ؟
فلما صار عنده أنسي المسألة ، فنظر إليه ( عليه السلام ) فقال : ( يا شهاب ، لا بأس أن يغرف الجنب من الحِبِّ ) .
وكان جعفر بن هارون الزَيَّات يطوف بالكعبة ، والإمام ( عليه السلام ) في الطواف ، فنظر إليه الزَيَّات وحدَّثَتْهُ نفسه فقال : هذا حجة الله ، وهذا الذي لا يقبل الله شيئاً إِلا بمعرفته .
فبينا هو في هذا التفكير إِذ جاءه ( عليه السلام ) من خلفه ، فضرب بيده على منكبه ثم قال : ( أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتبَعُهُ إِنَّا إِذَن لَفِي ضَلالٍ وَسُعُر ) القمر : 24 ، ثم جازه .
ودخل عليه خالد بن نجيح الجواز وعنده ناس ، فقنع رأسه وجلس ناحية وقال في نفسه : ويحَكم ما أغفلكم عند مَن تتكلمون ، عند رب العالمين ، فناداه ( عليه السلام ) : ( ويحَك يا خالد ، إِني والله عبد مخلوق ولي رب أعبده ، إِن لم أعبده والله عذّبني بالنار ) .
فقال خالد : لا والله ، لا أقول فيك أبداً إِلا قولك في نفسك .
وهذا قليل من كثير مما روته الكتب الجليلة من الكرامات والمناقب الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ولا غرابة لو ذكرت له الكتب أضعاف ما استطردناه بعد أن أوضحنا في صدر البحث أمر الكرامة .
أجل بعد أن فاتتنا المشاهدة فلا طريق لنا لإثبات الكرامة غير النقل ، وإِن المشاهدة لا تكون إِلا لأفراد من معاصري النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الإمام ( عليه السلام ) ، فكيف حال الناس مع الكرامة من أهل الأجيال المتأخرة .
هذا سوى الناس من أهل زمانه ممن لم يحضر الكرامة ، فهل طريق إِذن لإثباتها غير النقل .
فالنقل إِن صحَّ لاعتبار المؤلف والراوي فذلك المطلوب ، وإِلا فاعتباره إذا بلغ التواتر لقضية خاصة ، أو لقضايا يحصل من جميعها الاعتقاد بصدور الكرامة من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الوصي ( عليه السلام ) ، وإِن لم يحصل الاعتقاد بواحدة منها خاصة .