امام خمیني : لقد فقدت ابني العزيز الذي هو قطعة من جسدي
ذکری استشهاد الشهيد المطهري
ولد الشهيد آية الله مرتضى مطهري في 12 جمادى الثانية من عام 1338 هـ ق في مدينة فريمان بمحافظة خراسان، من عائلة علمائية.
فأبوه المرحوم الشيخ محمد حسين مطهري، درس العلوم الدينية في النجف الأشرف، وبعد فترة من الإقامة في العراق والحجاز ومصر عاد إلى فريمان وتوطن هناك وقضى عمره في ترويج الدين وإرشاد الناس. كان عالماً وزاهداً ومخلصاً وتقياً، وبلغ مقامات معنوية رفيعة. توفي عام 1349هـ ش عن عمر يناهز المائة عام.
وكان لزهد وتقوى والده دوراً رئيساً في بلورة الشخصية المعنوية للشهيد، وقد تفضل عليه الباري تعالى بهذا الولد البار جزاءً لإخلاصه وتقواه.
يقول الشهيد مطهري في مقدمة كتابه (قصص الأبرار) بهذا الصدد:
\"أهدي هذا الأثر الزهيد إلى والدي العزيز الحاج الشيخ محمد حسين مطهري (دامت بركاته) والذي كان أول من أرشدني إلى طريق الصواب بإيمانه وتقواه وعمله الصالح\".
والذي يستفاد من خلال القرائن والشواهد أن الشهيد مطهري حظى بالرعاية الإلهية الخاصة حتى قبل ولادته، تقول أمّه بهذا الصدد:
\"عندما كنت حاملاً في الشهر السابع، رأيت في المنام أنني جالسة وسط النساء في مسجد فريمان الواقع في الحيّ، فدخلت امرأة مجلّلة ومقدسة المسجد، تتبعها امرأتان، وكانت في أيديهن ماء الورد يرشن على النسوة، وعندما وصلن أليّ رشن ماء الورد على رأسي ثلاث مرات، فقلقت خوفاً من أنني قصرت في أداء واجباتي الدينية، فسألتهن: لماذا رشيتن ماء الورد على رأسي ثلاث مرات، فقلن: لأجل الولد الذي تحملينه. إنه سوف يقدم خدمات عظيمة للإسلام\".
كما أن آثار التدين كانت بادية عليه منذ نعومة أظفاره.
الدراسة
بدأ الشهيد مطهري دراسة العلوم الدينية في سن العاشرة. وفي عام 1312هـ ش توجّه إلى مشهد لإكمال دروسه الدينية. وبعد عامين أقدم رضا خان على إغلاق المدارس الدينية، فعاد الشهيد إلى مسقط رأسه وواصل دراسته الحرّة لمدة سنتين. ينقل عنه أنه كان يقول: \"إن كل ما لدي من مطالعات تاريخية، تعود إلى السنتين اللتين رجعت فيهما من مشهد إلى فريمان\".
وقد بدأ الشهيد بالبحث والدقة منذ الأيام الأولى لتلقّيه العلوم الدينية، وذلك بغية الحصول على إجابات واضحة ووافية حول موضوع (معرفة الله).
رغم وجود العلماء الكبار في الحوزة العلمية بمشهد، إلا أن صيت قم قد ذاع في الآفاق، مما جعل الشهيد مطهري يهاجر إليها، هذا في وقت كانت قد بلغت فيه محاربة رضا خان للحوزات العلمية أوجها، والعلماء معرّضون لأشد الضغوط. ومن جانب آخر كان أقارب وأصدقاء الشهيد يعارضون ذهابه إلى الحوزة العلمية بقم.
درس الشهيد مطهري كفاية الأصول لدى آية الله السيد محمد داماد، والبحث الخارج لدى الآيات العظام: الخوانساري، الحجة والصدر، ثم استفاد من دروس الإمام الخميني قدس سره، وكان يعتبر الدراسة على يد الإمام الخميني قدس سره اثنا عشر عاماً ـ والذي تعدّت علاقته بالإمام حدود علاقة التلميذ بالأستاذ حيث كان الإمام يزوره في غرفته في المدرسة الدينية ـ ذي تأثير كبير على تبلور شخصيته.
كما أن لتتلمذ الأستاذ مطهري عند العلامة الطباطبائي دور كبير في بلورة شخصيته العلمية والروحية. ورغم أن مدة دراسة الأستاذ الرسمية لدى العلامة كانت في حدود الثلاث سنوات، إلاّ أن علاقته بالمرحوم العلامة كانت مستمرة حتى استشهاده، وكان يستفيد منه حتى نهاية حياته. وعبارة \"سماحة أستاذنا الأكرم العلامة الطباطبائي\" لدليل على ما يكنّه الشهيد من احترام للعلامة.
كان المرحوم مطهري مجتهداً وصاحب رأي في العلوم الإسلامية من قبيل التفسير والفقه وأصول الفقه وأصول الدين والفلسفة الشرقية، خصوصاً أنه لمس بدقة مسائل فلسفة صدر المتألهين الشيرازي، وكانت تأليفاته دقيقة وناضجة ومفيدة وقيمة جداً لجيل الشباب الباحثين.
وكان للمرحوم دور مؤثر في التعريف بالإسلام الأصيل وفي الكفاح بزعامة الإمام الخميني، وكان ضمن العلماء الأعلام والمثقفين الذين اعتقلوا في الخامس عشر من خرداد. وكان دائماً من أنصار الثورة الأوفياء، وكان من خصوصياته أن أجواء طهران المتلاطمة لم تلوثه، وبقي على خلوصه وصفائه وبساطته وأخلاقه ومعنويته، ويالها من فضيلة عظيمة أن لا تؤثر الأجواء سلباً على الانسان، بل يترك آثاراً ايجابية في المحيط الذي يعيشه. كما أن من خصوصيات المرحوم هي الالتزام والعلاقة المفرطة للذكر والدعاء والتهجد.
هذا المرحوم قد نال فيض الشهادة العظيم، فهنيئاً له وحشره الله تعالى مع الشهداء والصالحين والهم الله أولاده وأهل بيته الصبر والأجر بجاه محمد وآله.
فالإمام قد بدأ تدريس خارج الفقه والأصول في إطار خاص بطلب من الشهيد وأحد تلامذته الآخرين، فعندما كان المرحوم آية الله البروجردي يدرّس خارج الفقه والأصول، طلب الشهيد مطهري من الإمام أن يدرّس خارج الأصول له مع جمع من التلامذة.
وإضافة إلى درس خارج الأصول، درس الشهيد شرح المنظومة لملا هادي السبزواري وجزءً من الأسفار لدى الإمام الخميني قدس سره، وكان يتمتع بذكاء وافر واستعداد قوي وجهد مضاعف بحيث تخطى المدارج العلمية بسرعة، ونال الاجتهاد في العلوم النقلية والعقلية.
ومعمول في الحوزات العلمية منذ القدم أن يبدأ الطالب إضافة إلى دراسته للدروس العليا، بتدريس العلوم الحوزوية، عاملاً بالحديث الشريف \"زكاة العلم نشره\". والشهيد مطهري لم يشذ من هذه القاعدة، فبدأ بالتدريس في الحوزة إلى أن نال لقب (الأستاذ) في الحوزة العلمية، وأصبح من الأساتذة المعروفين فيها.
كان الشهيد مطهري منسجماً مع منظمة \"فدائيان اسلام\" ومع أفكارهم. وقد سمعت الشهيد نواب مرّات، يذكر الشيخ مطهري باحترام، ويسأل عنه.
الهجرة إلى طهران
هاجر الشهيد مطهري عام 1331هـ ش من قم إلى طهران.
بهجرته إلى طهران بدأ فصل جديد في أمر الموعظة والتبليغ، وفي هذه المرّة تطرق شخصيا لإلقاء المحاضرات وتبليغ الدين وهو مجتهد مسلّم به، ونعى شخصية أبا عبد الله الحسين عليه السلام وقرأ مقتله وهو مشتغل بتدريس أعقد الكتب الفلسفية في الجامعة.
ولو كان متصوراً في السابق أن الذين ينعون أبا عبد الله عليه السلام هم ممن لا يتمتعون بالمستوى العلمي المطلوب أو من الجهلة، فإن هذه المرة وضع شخص قدمه في هذا الميدان وهو صاحب رأي في الفقه والفلسفة والكلام والتفسير. فجامعيته قد وفرت له الأرضية اللازمة للتواجد في المجامع العلمية والثقافية والدينية. والشيخ المطهري فقيه حوزوي، وعالم دين، ومبلغّ حريص على الدين، ومفكر أكاديمي، ووجه جامعي لامع، وعالم بصير وجامع، وخطيب مفوّه، وكاتب مقتدر، بحيث يمكنه إدارة مجتمع مثقف وحضاري في عالم اليوم بالنظرية الدينية التي ظهرت منذ أربعة عشر قرناً، ويمكنه تقديم الدين وإرشاد المشاعر الجياشة للجيل الجديد في طريق الدين.
بعد أن استقر الشهيد في طهران، بدأ بالتدريس في مدرسة مروي للعلوم الدينية؛ واستمر تدريسه إلى قبل ثلاث سنوات من استشهاده.
وأول تأليف للشهيد هو مقدمة وحاشية على كتاب (أصول الفلسفة والمذهب الواقعي). وكان لانتشار هذا الكتاب دور كبير في إثبات خواء الفلسفة المادية.
فقد قال احسان طبري منظر حزب توده الشيوعي في ايران، والذي نبذ الأفكار المادية وعاد إلى الإسلام أواخر حياته، قال في مقابلة معه إن تغيير أيديولوجيته كان نتيجة مطالعته لكتب الأستاذ مطهري خصوصاً كتاب (أصول الفلسفة و...). كان للشهيد مطهري دور بارز وخاص في النهضة، فقد كانت مكانته بصورة بحيث كان موضع احترام وثقة المراجع، ويمكن القول إنه كان حلقة وصل بين الإمام وسائر المراجع. ومن خصوصياته أن علاقاته كانت وثيقة جداً مع المراجع.
بعد هجرة قائد الثورة الإسلامية إلى باريس، كان الشهيد مطهري على ارتباط دائم معه، وكما قال حجة الإسلام والمسلمين هاشمي رفسنجاني في مقابلة تلفزيونية: \"كان منزل الأستاذ مطهري مركز هداية الثورة في داخل البلد، والتنسيق مع قيادة الإمام\".
كان الشهيد مطهري طوال فترة اشتداد وتيرة الثورة الإسلامية، يسعى جاهداً إلى عدم استغلال الأحزاب والجماعات المتظاهرة بالإسلام وذات الأفكار المنحرفة لها. لأنه كان يؤمن بقوة بالدفاع عن خلوص الثورة فكرياً وعقيدياً، وأن الهدف ليس الثورة فقط بل ثورة الإسلامية، ولهذا كانت هذه الجماعات تكن العداء الشديد للشهيد، وبلغ هذا العداء درجة بحيث اتهموا الشهيد بأنه المانع عن دعم الإمام لهم، وإلا فلا مخالفة للإمام معها، وطبعاً هذا ناشئ من عدم معرفتهم الصحيحة للإمام الخميني(ره).
الجهاد ضد الشاه
التحق بركب الجهاد ضد النظام وتعاون مع منظمة فدائيي الإسلام، ثم توجه إلى طهران عام (1953م) حيث أسس الجمعية الإسلامية للطلاب مع بداية جديدة لنشاطه، والتحق عام (1956م) بكلية العلوم الدينية (الهيات) بجامعة طهران مدرسًا حتى عام (1978م)، وخلال ذلك حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة من نفس الكلية، حيث سمى نفسه على سبيل السخرية (ذو الحياتين)، ويبدو أن فترة وجوده في الكلية سمحت له بممارسة نشاطه السياسي من خلال الجمعية الإسلامية للطلاب حتى اعتقل مع الخميني في أحداث المدرسة الفيضية عام 1964م، وقد أطلق سراحه بعد أربعة وثلاثين يومًا مع نفي الخميني إلى تركيا، حيث أقام في حي أمير الأمراء، وأخذ يعمل على تشكيل جمعية علماء الدين المناضلين بموافقة الخميني ومساعدة زملائه، كما ساعد في السنوات التالية على تأسيس حسينية إرشاد، وصار عضو مجلس إدارة هذه المؤسسة، وهناك بدأت تظهر أفكاره ونظرياته الإسلامية.
وفي عام 1970م أصدر بيانًا بالاشتراك مع آية الله زنجاني والعلامة طباطبائي لإدانة الإجراءات الأمريكية في فلسطين، وجمع التبرعات لصالح اللاجئين الفلسطينيين. كما تولى عام 1972م البرنامج الإعلامي والنضالي لمسجد الجواد، وكان على اتصال بالخميني في تحركاته. وقد اعتقل مرة أخرى عام 1973م وتم إغلاق حسينية إرشاد، وبعد إطلاق سراحه استمر في نضاله حتى منع من الخطابة على المنابر عام 1978م، وقد ضمه الخميني إلى عضوية مجلس الثورة الإسلامية، فكان من أوائل أعضائه، وظل فيه حتى وفاته. كان آية الله مطهري من المستشارين المقربين للخميني وموضع ثقته، حتى إن الخميني كان يصفه بأنه حاصل عمره. كان رئيس لجنة استقبال الخميني عند عودته من المنفى مع انتصار الثورة الإسلامية، حيث شكّل هذه اللجنة، وأعد له مسكنه، وكتب إعلان الترحيب به وإعلان انتصار الثورة، وظل بجانبه طوال فترة وجوده في المدرسة العلوية بطهران.
القطب الثاني للثورة
يعتبر آية الله مرتضى مطهري مع آية الله محمد حسين بهشتي قطبي مفكري الثورة الإسلامية في إيران، فكانا مجددين في الفكر الإسلامي الشيعي وتطبيقاته، وكانا فعالين في وضع لبنات النظام الذي أقامته الثورة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وكانا يقومان بحل المعضلات الفكرية والاجتماعية التي كانت تصادف مجلس قيادة الثورة، مع مواجهة التوجهات اليسارية واليمينية لقادتها، إلا أن مطهري كان تجديديًّا بينما كان بهشتي أصوليًّا، وقد استشهد مطهري قبل مرور عام على انتصار الثورة الإسلامية في 1/5/1980م برصاصة أحد المتطرفين، بينما استشهد بهشتي بعده بعام في 28/6/1981م عند قيام منظمة مجاهدي خلق بتفجير مقر حزب الجمهورية الإسلامية الذي كان متواجدًا فيه يلقي إحدى خطبه.
ميراثه العلمي
وقد عرف مطهري بأنه كان حجة في الفلسفة، وموسوعة في العلوم الدينية من فقه وتفسير وحديث، فضلاً عن إجادته للغة العربية حتى قيل عنه إنه جامع المعقول والمنقول، واسع المعرفة عميق الفكر، له مؤلفات كثيرة، أشهرها: شرح نهج البلاغة، قصص الصالحين، مقدمة على أصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي، الحركات الإسلامية، نظام حقوق المرأة في الإسلام، أسباب التوجه للمادية، الإنسان والمصير، نقد على الماركسية، العدل الإلهي، الحركة والزمن، دروس الشفاء، مقدمة على الرؤية الإسلامية الشاملة للعالم، الإسلام ومقتضيات الزمان، الإمامة والزعامة، الجهاد، جولة في السيرة النبوية، الحماسة الحسينية، النهضة وثورة المهدي، الخدمات المتقابلة بين الإسلام وإيران، فلسفة الأخلاق، التعليم والتربية في الإسلام، حول الثورة الإسلامية، حول الجمهورية الإسلامية، فلسفة التاريخ، قضية الحجاب.
الاستشهاد
وفي النهاية استشهد الشهيد مطهري في ليلة الثاني عشر من ارديبهشت (الشهر الثاني الفارسي) عام 1358هــ ش، أي بعد أقل من أربعة أشهر على انتصار الثورة، على يد جماعة فرقان المنحرفة، والتحق بالرفيق الأعلى.
تروي زوجته هذه الحادثة فتقول: قبل ثلاثة ليالي من شهادته، رأى مناماً وكانت آخر ليلة جمعة. استيقظ من النوم بحالة عجيبة فسألته. ماذا حدث؟
فقال: رأيت مناماً. كنت والإمام الخميني نطوف حول الكعبة فجأة لاحظت ان الرسول صلى الله عليه وآله يقترب مني بسرعة، ولما كان يقترب مني تراجعت إلى الوراء حتى لا اسيء احترام الإمام، وقلت: يا رسول الله إن هذا السيد من أولادك فاقترب رسول الله من الإمام ثم عانقه، وبعدها اقترب مني وعانقني. ثم وضع شفاهه على شفاهي ولم يرفعها، وعندما استيقظت من النوم بحيث انني مازلت اشعر بحرارة شفاهه على شفاهي ثم سكت هنيئة، وقال: إنني متأكد ان شيئاً مهماً سوف يحدث قريباً.
بعد أقل من ثلاثة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية وبينما كان عائداً إلى منزله فتح عليه المجرمون أعداء الثورة الإسلامية النار فسقط شهيدا.. وكان ذلك في 2/5/1979.
اغتالوه… لقد نفذ صبرهم وهم يشاهدونه يدفع بعجلة الثورة الإسلامية إلى الإمام بقلمه ولسانه وكل ما بوسعه.
لماذا يستعاد مطهري الآن؟
كان مطهري يمثل الدعم الثقافي للثورة الإسلامية بما كان يقدمه للثوار من صيغة إسلامية يرون فيها نقاء خالصًا مستمدًّا من كتاب الله وسنة نبيه وتعاليم أئمة الشيعة دون تحريف أو تعديل أو تصحيف، وبما يتجاوب مع ظروف الزمان ومقتضيات العصر، فقد كان يربط بين شعارات الثورة ومدرسة التشيع، وفي إطار ذلك سعى لأن تكون جمعية علماء الدين المناضلين (روحانيت مبارز) نموذجًا لفكر مدرسة التشيع، وتشكيلاتها نموذجًا للمقاومة الإسلامية، وما زالت الجمعية تتبع فكره حتى الآن، وما زال قدوة للتيار المحافظ في إيران.
وربما كان ذلك هو ما يحرك القادة الإيرانيين الآن للرجوع إلى أفكار مطهري، في ظل الظروف التي تحيط بإيران الآن، ومع الضغوط العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على دول منطقة الشرق الأوسط من أجل الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، حيث أدركت القيادة الإيرانية أنه ليس من المفيد مواجهة موجات المطالبة بالإصلاح في الداخل أو الخارج بالقهر أو المعارضة أو التشدد، وأن الإصلاح ينبغي أن يتم بتحويل التوجه إلى فكر تجديدي وسط داخل إطار النظام، خاصة أن مطهري يقدم برامج جاهزة للإصلاح في إطار الاعتدال الإسلامي، وإذا كان فكر بهشتي قد غلب على توجهات الثورة والنظام في أوج حماسها الثوري، عندما تمكن من تطبيق أفكاره، مع تأسيسه حزب الجمهورية الإسلامية الذي سيطرت رموزه المتعاونة مع بهشتي على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في جمهورية إيران الإسلامية، خاصة مع تضمن أفكار مطهري لتعدد المرجعية الدينية، وهو ما لم يكن الخميني وتلامذته يحبذونه في ذلك الوقت، حيث كان مطهري يدعو إلى أن يكون دور المرجعية الدينية أيديولوجيًّا وليس سلطويًّا أو سياسيًّا، ومن هنا فإن تعدد المراجع سوف يكون مفيدًا وليس ضارًّا، وستكون السلطة المعنوية للفقيه أكثر تأثيرًا على النظام من السلطة السياسية، بل إنها يمكن أن تمنع المشاكل التي قد تواجه المرجع السياسي تحدياتها.
ويبدو أن السید الخامنئي قد أدرك أنه قد أصبحت الحاجة مُلحّة الآن للرجوع إلى منهج مطهري في التفكير، خاصة أنه يؤكد على استمرارية الثورة في الحكم الإسلامي، وأن الثورة ضرورة إسلامية وإنسانية ملحَّة لا يمكن الاستغناء عنها، وتتناغم مع روح العمل في الدين الإسلامي.
كما أن نظريته في الحرية التي تقوم على ضرورة إطلاق حرية الرأي وحرية العقيدة -بشرط ألا يحدث تداخل بين أفكار أصحاب العقائد والنظريات وأن يكون كل منهم مخلصًا لعقيدته في فكره وعمله- تحدث التمايز والتنوع في المجتمع، وهو ما يفيد النظام في المرحلة الراهنة.
كما أن تأكيده على أن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية، وأن الإسلام هو محتوى الجمهورية وليس قيدًا عليها، يرضي الإصلاحيين ويتجاوب مع فكرهم. وكذلك تعويله على محورية الإنسان وأنه أساس الخلق والابتكار والعمل، وأن الإسلام لا يتنافى مع التقدم والأخذ بأدوات المدنية الحديثة، مؤكدًا على أن تقوم النهضة على أساس علمي، وعلى أكتاف شباب الثورة والنظام، وهو ما يرضي توجه النظام والمحافظين الجدد.
إضافة إلى هذا كله فقد حل مطهري مشكلة التواجه بين الإسلام والقومية على أساس يرضي القومية الإيرانية، ويضمن استمرار موقع التراث الإيراني من الفكر الإسلامي في أجندة عمل الثورة الإسلامية، ويوجد تكاملاً بين القومية الإيرانية والإسلام في إطار عصري، حيث يؤكد أن ادعاء انفصال الدماء والعروق ليس أكثر من خرافة، وأن العرق الآري كان منفصلاً عن العرق السامي في الماضي، أما الآن فقد امتزجا بالقدر الذي لم يبق أثرًا لانفصال العروق، وأن الحديث عن استقلال العرق أو الدم ليس أكثر من خرافة.
كما أكد مطهري أن الدين والعلم والفلسفة لا وطن لها، وإنما هي عالمية وملك للجميع، وهذا لا يمنع من ضرورة المحافظة على التراث الثقافي الوطني وتفعيله كأحد أركان الثقافة العالمية. وأكد مطهري أن من الخطأ التمسك بالعادات الخاطئة أو التفريط في التجديد، وأن الإسلام في تأكيده على السنن الحسنة أكد على ضرورة تناسب القيم مع العرف وظروف المجتمع ومقتضيات الزمان.
0
0%
(نفر0)