(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالإنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الإخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) [1]
مقدمة
أول جريمة نـُفـّذتْ على الأرض قتل قابيل أخاه هابيل، واستمر القتل والارهاب والفساد على الارض الى يومنا هذا وكان عبر التاريخ بين المد والجزر.
وقد طهّرَ الله تعالى الارض عدة مرات ببعث الانبياء والرسل والأولياء الصالحين، وأكبر التطهيرات كان زمن النبي نوح(ع)، التطهير الكلي من كل فاسد على وجه الارض.
وهكذا حال الدنيا حينما تبتعد عن مركزية النبوة والحجة حين تبتعد عن أخلاقها وقيمها كما قال الله تعال: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[2].
لكنّ الله تعالى لا يترك الارض دون حجة، اما ظاهر مشهور أو غائب مغمور، ليمكن الاولياء الصالحين من الاتصال بالغائب المغمور ليوصل التعاليم الصحيحة الى خلق الله دون ان يعلموا بذلك. وليكون حجة عليهم يوم القيامة.
أما كيف يمد الله تعالى بعض خلقه في أعمارهم، وينقص في آخرين فهذا شأنه وارادته، لأن الموت والحياة من خصوصيات الخالق العظيم الذي لا يُسئل عما يفعل وهم يُسألون كما قال في كتابه العزيز: (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) فالموت بيده والحياة وطولها وعرضها بيده تعالى، فهو القادر الحكيم، فكما وضع الموت لحكمة لا نعلمها، فقد وهب الحياة وأمكنها لبعض عبادة وطوّلها لحكمة لا نعلمها أيضاً.
فقد تجلت حكمة الله تعالى أن تـُصلح الارض ومن عليها في آخر الزمان، وليس في أوله ولا وسطه، وأن يرجع كل حق الى أهله، وأن يُقتص من الظالم، وتـُطبق العدالة قبل يوم القيامة، قبل الحساب الأخروي. جلت حكمته في ذلك. لا علم لنا إلاّ ما علّمنا وأخبرنا. واذا سكت الله عن شيء، نسكت عما سكت الله عنه ولم يخبرنا فيه، فالله الحاكم الرحيم، العادل الذي لا يظلم. الحق الودود الذي بيده كل شيء وهو بكل شيء عليم...
وهذا البحث بين يدي القارئ الكريم يتحدث حول ثقافة الانتظار في عصرنا هذا، عصر العولمة والارهاب، وبيان ارادة الله تعالى في خلقه في جعل تطبيق العدل على يد حجته في آخر الزمان.
راجية من الله القبول. والله ولي التوفيق.
تمهيد
ارادة الله تعالى في خلقه تتضح من خلال آياته الكريمات، نذكر منها ماجاء في سورة النجم قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالإنثَى... الخ)
والسياق في جميع هذه الآيات سياق الحصر، وتفيد انحصار الربوبية فيه تعالى وانتفاء الشريك، و ينافي ما في هذه الموارد من الحصر توسط أسباب أ ُخر طبيعية أو غير طبيعية فيها كتوسط السرور والحزن وأعضاء الضحك والبكاء من الانسان في تحقق الضحك والبكاء، وكذا توسط الأسباب المناسبة الطبيعية وغير الطبيعية في الإحياء والإماتة وخلق الزوجين والغنى والقنى وإهلاك الأمم الهالكة وذلك أنها لما كانت مسخّرة لأمر الله غير مستقلة في نفسها ولا منقطعة عما فوقها كانت موجوداتها وآثار وجوداتها وما يترتب عليها لله وحده لا يشاركه في ذلك أحد.
فمعنى قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) أنه تعالى هو أوجد الضحك في الضاحك وأوجد البكاء في الباكي لاغيره تعالى.
ولا منافاة بين انتهاء الضحك والبكاء في وجودهما الى الله سبحانه وبين انتسابهما الى الانسان وتلبسه بهما لأن نسبة الفعل الى الانسان بقيامه به ونسبة الفعل اليه تعالى بالإيجاد وكم بينهما من فرق.
ولا أن تعلق الإرادة الإلهية بضحك الإنسان مثلاً يوجب بطلان إرادة الإنسان للضحك وسقوطها عن التأثير لأن الارادة الإلهية لم تتعلق بمطلق الضحك كيفما كان وإنما تعلقت بالضحك الإرادي الإختياري من حيث إنه صادر عن إرادة الإنسان واختياره فإرادة الانسان سبب لضحكه في طول ارادة الله سبحانه لا في عرضها حتى تتزاحما ولا تجتمعا معاً فنضطر الى القول بأنّ أفعال الانسان الاختيارية مخلوقة لله ولا صنع للإنسان فيها كما يقوله الجبري أو انها مخلوقة للإنسان ولا منع لله سبحانه فيها كما يقوله المعتزلي.[3]
قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) الكلام في انتساب الموت والحياة الى أسباب أ ُخر طبيعية وغير طبيعية كالملائكة كالكلام في انتساب الضحك والبكاء الى غيره تعالى مع انحصار الإيجاد فيه تعالى، وكذا الكلام في الأمور المذكورة في الآيات التالية.
قوله تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالإنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) النطفة ماء الرجل والمرأة الذي يخلق منه الولد، وأمنى الرجل أي صبّ المني، وقيل: معناه التقدير، وقوله: (الذَّكَرَ وَالإنثَى) بيان للزوجين.
قيل: لم يذكر الضمير في الآية على طرز ما تقدم – أنه هو – لأنه لا يتصوّر نسبة خلق الزوجين الى غيره تعالى.
قوله تعالى: (وَأَنَّ عَلَيهِ النَّشْأَةَ الإخْرَى) النشأة الأخرى الخلقة الأخرى الثانية وهي الدار الآخرة التي فيها جزاء، وكون ذلك عليه تعالى قضاؤه قضاء حتم وقد وعد به ووصف نفسه بأنه لا يخلف الميعاد.
قوله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) أي أعطى الغنى وأعطى القنية، والقنية: ما يدوم من الأموال ويبقى ببقاء نفسه كالدار والبستان والحيوان، وعلى هذا فذكر (أَقْنَى) بعد (أَغْنَى) من التعرض للخاص بعد العام لنفاسته وشرفه.
وقيل: الإغناء التمويل والإقناء الإرضاء بذلك، وقال بعضهم: معنى الآية أنه هو أغنى وأفقر.[4]
اذن الله تعالى خالق كل شيء ورازق كل شيء وهو سبب الاشياء كلها، يودعها في الانسان ويترك الاختيار للانسان دون الخروج عن ارادته تعالى.
بعد هذا التمهيد القصير في معرفة الارادة الإلهية في الخلق واختيار الانسان، ندخل في موضوع الارادة الالهية في خلق الامام المهدي وغيابه وظهوره ونشر العدل على الارض في آخر الزمان من خلاله عليه أفضل الصلاة والسلام، وكم لنا وله(عج) من الاختيار في ظهوره، في التعجيل والتأخير، وانّه منتظِر ومنتظـَر، ماذا ينتظر، وماذا ننتظر؟
ينتظر منا ان نصلح انفسنا ونـُهيئ الارضية لظهوره ليجد فينا أصحاباً أوفياءً مخلصين نا صرين له ولدين الله تعالى.
وننتظر منه الظهور ليخلصنا مما نحن فيه من عدم الامان، في عصر العولمة والارهاب.
ولكن ارادة الله تعالى فوق ارادتنا، وارادة الامام، اذن الامام يحتاج الى ارادة الله تعالى، و الى الإذن في خروجه.
لماذا المهدي في آخر الزمان؟
لماذا يريد الله تعالى - الارادة الالهية- بعد آلاف السنين من سفك الدماء على الارض وانعدام العدالة، والظلم والارهاب، يريد ان يُنشر القسط والعدل في آخر الزمان؟ لماذا لم ينشره منذ أول الزمان؟ أو في وسط الزمان؟ ولماذا هذا الانتظار كله؟ ولماذا يريد الله تعالى ان يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم الوارثين لهذه الأرض؟ ولماذا هذا، وهناك يوم حساب وكتاب وقيامة كبرى تتحقق فيها العدالة وكلٌ يأخذ جزاءه خيراً كان أوشرا، حسب أعماله وأفعاله في الدنيا؟ ما هي الفائدة وما هي الحكمة في اظهار الحق والعدل لسنين معدودات في الدنيا في آخر زمانها ثم تنتهي وينتهي كل شيء؟
بل لماذا وراثة الأرض في آخر الزمان للذين استضعفوا، ثم يجعلهم الله تعالى أئمة،كما قال في كتابه العزيز: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).[5]
وقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِيِ ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).[6]
هذا المن، وهذا الوعد لماذا يتحقق في آخر الزمان؟!!، وآخر الزمان في الظاهر يعني قبل يوم القيامة بقليل، أي بعد أن ينتشر القسط والعدل على الأرض ويظهر الحق ويُدحض الباطل تنتهي الدنيا وينتهي كل شيء على الأرض.
لعل الجواب على هذه الأسئلة في رأيي والعلم عند الله سبحانه، الجواب يكمن في ثلاث نقاط وقد يكون غيرها لكني لم انتبه اليها:
أولا: ارادة الله تعالى وحكمته في خلقه لا تصل اليها عقول البشر فهو الذي كما ذكرنا في أول البحث، هو الذي أضحك وأبكى وهو الذي أمات وأحيا وخلق الزوجين الذكر والأنثى و... بيده كل الامور وكل الاسباب، فإرادته تقتضي ان تتحقق العدالة في آخر الزمان.
ثانياً: ان الله تعالى ألهم الناس الخير والشر (أَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) وجعل الانسان مختار في أفعاله وسلوكه، واعطاه الفرصة الطويلة ان يختار، فما اختار الانسان إلاّ سفك الدماء والدمار على الأرض والفساد، وكلما ظهرت فئة للإصلاح تصدت لها فئة الشر وقضت عليها حتى تصور الانسان ان العدالة لا يمكن ان تتحقق على الأرض، وبعد الصبر الطويل للبشر في اظهار الحق يحققه الله تعالى لهم في آخر المطاف من الدنيا.
ثالثاً: نشر العدالة في آخر الزمان قد يكون امتداداً نموذجاً للعدالة التي ستتحقق في يوم القيامة، فهي تمهيد للعدالة الكبرى، فستكون من ظهورالامام المهدي(عج) في الدنيا وتستمر الى ما لا نهاية من الآخرة.
وقد تكون هناك أمور أخرى لم نلتفت اليها، ولم تصل اليها عقولنا... علمها عند الله جلّ وعلا والراسخون في العلم.
عولمة المهدي المنتظر
الدعوة الى العولمة وجعل الارض قرية صغيرة يحكمها فكر واحد وتكنولوجيا واحدة وثقافة واحدة وما الى ذلك، فكرة طرحها الغربيون في نهاية القرن العشرين، وطبّل لها من طبّل من الشرق والغرب الكثيرون، وخاف من خاف عواقبها، وحذر من حذر.وهكذا ديدن البشر في كل الامور..
وتصوّر الغرب انه سيسيطرعلى الشرق بهذه الطريقة الاستعمارية بثوبها الجديد إلاّ أنّ الواعين من المسلمين حذروا من هذا الغزو الجديد الثقافي والسياسي و... الخ.
ولكن هل يمكن لحكومةٍ ما أو دولةٍ ما أن تحكم العالم كله مع اختلاف الأديان، واختلاف الأفكار، واختلاف الأذواق وما الى ذلك؟
وهل ممكن للدنيا ان يقودها قائد واحد يُسمع ويُطاع؟
قبل ان نرجع الى القرآن والسُنة في اثبات ذلك، فلنستمع الى علماء الاجتماع وما هو رأيهم:
يقول علماء الإجتماع: نعم ممكن ذلك في ظل عوامل مساعدة أهمها:
العامل الثقافي
العامل الاقتصادي
العامل السياسي
وحدة الهدف
هذه أهم العوامل التي تساعد على التوجه الى قائد واحد وحكومة واحدة، وهناك عوامل أخرى يطول البحث لذكرها نكتفي بهذه العوامل الأربعة.
1. العامل الثقافي
يقول خبراء اليونسكو: (إذا استطعنا تربية البشر على أساس ثقافة انسانية واحدة وأخلاق حميدة ثابتة فان الشعوب ترتبط بعضها مع بعض ارتباطاً وثيقاً ويكوّنوا ثقافة واحدة وبذلك تتكوّن أمة واحدة تسهل ادارتها).
والعامل الثقافي مهم جداً في صنع عولمة حقيقية، بحيث كل الشعوب تحمل فكراً واحداً، ولذلك فكـّر الغرب منذ عدة سنين بغزو الشعوب ثقافياً لتسهل سيطرته عليهم.
ولكن هيهات لأنّ المسلمين واعون للغزو الثقافي الغربي وما تكن صدور الغربيين من احتلال الشرق وسرق خيراته.
2. العامل الاقتصادي
أما رأي علماء الاقتصاد في توزيع الثروات بالتساوي بين الناس فهو:
أنّ الاقتصاد عنصر عام لتكميل سعادة الإنسان، ولا ريب أنّ سوء الحالة الاقتصادية لدى أي شعب يكون سبباً لإشاعة الظلم والفساد والسرقة والبعد عن الحق، وكذلك يسبب النقمة على الشعوب المنعمة خصوصاً اذا كانت حكومات تلك الشعوب سارقة لخيرات ذلك البلد، أو محتلة له، فيكون العامل الاقتصادي في هذه الحالة مفرّقاً للشعوب، مفرّقاً بين البشر، وبعكس ذلك اذا قـُضي على الفقر وتساوت الناس في استغلال خيرات الأرض وكنوزها، فيكون سبب استقرار النفوس واطمئنانها ووحدتها والقرب الانساني فيما بينها.
3. العامل السياسي
أما العامل السياسي فيأتي من النقمة على السياسيين من حكـّام ظلام ومساعدين لهم أظلم، أومنظمات عالمية سياسية وغير سياسية تحكم باسم العدالة وحقوق البشر تظلم شعوب العالم، وتحكم بالباطل ولا ترى الحق والعدل.
وهذه الحالة تكون سبباً لنقمة المجتمعات المظلومة، والشعوب المضطهدة، فعلماء الاجتماع: يرون ان حصل العكس، وحكمت الحكومات بالقسط والعدل، وكلُ ذي حق حصل على حقه، فينتج من ذلك تقارب بين الشعوب والحكومات وتتحقق العولمة الحقيقية التي يتحدث عنها العالم في النظرية وليس في التطبيق.
أما مايريده الغرب من العولمة اليوم، فهوالعولمة الباطلة الاستعمارية، وليست عولمة القسط والعدل ولكل ذي حق حقه.
4. وحدة الهدف
اذا كان للبشرية هدف واحد وفكرة واحدة يسعى الجميع في سبيل تحقيقها، وتتوحد الشعوب حول الهدف الواحد، ففكرة المصلح العالمي الذي سيظهر في آخر الزمان وتحقيق العدالة على الأرض فكرة تحملها كل الشعوب، وكل الأديان السماوية وغير السماوية ولم نر شعباً من الشعوب لم يحمل هذه الفكرة إلاّ اذا كان لا يعترف بالخالق أصلاً، أو لا يعترف بالحق والعدل أبداً.
فاذا كان الهدف هو عولمة العدل أو عالمية العدل، وكل الشعوب تحوم حول هذا الهدف، فمتى تحقق تحققت العولمة المهدوية، وحكومته العالمية.
ومن السهل عليه(عج) ان يحكم العالم...
رأي الاسلام في امكان العولمة
بعد أن عرفنا رأي غير الاسلاميين في امكان العولمة إن كانت هناك عوامل تساعد عليها، فما هو رأي الاسلام في امكان العولمة:
قال الله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يعْلَمُونَ * وَيقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ).[7]
وقال تعالى:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).[8]
القرآن الكريم يبشرنا بغلبة الدين رغم أنف المشركين، ويدعو الناس الى الوحدة الثقافية، والوحدة الدينية، والوحدة الفكرية، والوحدة السياسية في هذه الآيات وغيرهما من الآيات قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، دعاهم الى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان وعبادة الانسان وأي أنواع الشرك، ودعاهم الى التخلق بالأخلاق الحسنة كالأمانة والصدق والوفاء والبر وحسن الجوار وحب الخير للغير والعدل والرحمة والإحسان وعدم أكل المال بالحرام، وعدم غصب حقوق الآخرين و... الخ من التعاليم التي تدعو الى وحدة العالم الانساني والتقارب بين بني الانسان، وقال تعالى أيضاً:
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا).[9]
الدعوة الى الحق التي تتحدث عنها الآية الكريمة هي الدعوة العالمية لدحض الباطل والارهاب والخوف والرعب الذي تعيشه البشرية، واستبداله بالأمن والأمان وحفظ حقوق الآخرين، والسراج المنير: هو النور الذين يُخرج الناس من الظلمات التي يعيشونها، الى دنيا مضيئة مبهجة ليس فيها ظالم ولا مظلوم، ولا قاتل ولا مقتول، ولا سارق ولا مسروق و.. و.. الخ مما يكون مصدر سعادة البشرية على الأرض، ومصدر اطمئنان الانسان برضا الله تعالى والفوز بالآخرة.
وقد جاء في بحار الأنوارقول الامام الباقر(ع) في بيان العولمة العقلية والفكرية وامكانها، قال(ع):
إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم.[10]
ويتضح من هذه الرواية: أنّ بعد أن يقضي القائم المهدي(عج) على الظلم والارهاب وينشر الحق ويقضي بالعدل، تنضج العقول وتتوعى وتتجه الى الطريق الصحيح، أي أنّ عقول البشر تكتمل في آخر الزمان، بعد قيام المهدي(عج)، وبذلك يمكنهم قبول حكومة واحدة بسهولة، لأن العقل مع الصحيح، لا مع الخطأ.
ويقول الامام الصادق(ع):
إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع الجور في أيامه، وآمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها وردَّ كل حق الى أهله... فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقاته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين.[11]
فإذا عمّ الخير وأ ُمّن للناس ما يأكلون وما يشربون وما يعتقدون وما يحتاجون اليه من دنياهم من أمان واستقرار وراحة، فلا حاجة لهم للقيام بالثورات والحروب والقتل والسرقات وما الى ذلك من الفساد في الأرض. فمن السهولة ان تقام حكومة عالمية واحدة لقائد واحد يأمر فيُطاع.
اذن العولمة ممكنة، ولنسمها في ظل حكومة الامام المهدي ( العدالة العالمية ) والقائد الواحد ممكن، اذا توفر للناس العامل الثقافي الموحد، والعامل الاقتصادي العادل، والعامل السياسي في ظل الأمان والاستقرار والرحمة في تحقيق الهدف الواحد.
الإرهاب في آخر الزمان
يصل الإرهاب في آخر الزمان الى ذروته، بحيث يصفه الامام أمير المؤمنين(ع) قائلاً:
.... فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه وركب الجهل مراكبه، وعظمت الطاغية، وقلت الداعية، وصال الدهر صيال السبع العقور، وهدر فنيق الباطل بعد كظوم،[12] وتواخى الناس على الفجور، وتهاجروا على الدين، وتحابوا على الكذب، وتباغضوا على الصدق... فاذا كان ذلك كان الولد غيظاً، والمطر قيظاً وتفيض اللئام فيضاً وتغيضُ الكرام غيضاً... وكان أهل ذلك الزمان ذئاباً، وسلاطينه سباعاً وأوساطه أكالاً، وفقراؤه أمواتاً، وغار الصدق، وفاض الكذب، واستعملت المودة باللسان، وتشاجر الناس بالقلوب، وصار الفسوق نسباً، والعفاف عجباً، ولُبس الاسلام لبس الفرو مقلوباً.[13]
وعن رسول الله(ص):
... حتى تملأ الأرض جوراً فلا يقدر أحدٌ أن يقول: الله، ثمّ يبعث الله عز وجل رجلاً مني ومن عترتي فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً... .[14]
وعن رسول الله(ص) أيضاً:
ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ اليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي.[15]
ويكثر القتل والإرهاب وعدم الامان، وعدم الاستقرار، ولا يعلم المرئ في أي بقعة من بقاع العالم يلجئ ليستقر.. ولا يرى الاستقرار...!!
أما عن كثرة القتل في آخر الزمان فقد قال رسول الله(ص):
لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة... وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل.[16]
وعن الامام علي(ع):
لا يخرج المهدي حتى يُقتل ثلث، ويموت ثلث، ويبقى ثلث.[17]
وعن الامام الحسين(ع):
لا يكون الأمر الذي تنتظرون حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً... الخير كلّه في ذلك الزمان يخرج المهدي فيرفع ذلك كله.[18]
وعن أبان بن تغلب قال: قال أبوعبد الله(ع):
كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين، فيأزر العلم كما تأزر الحيّة في حجرها، واختلفت الشيعة وسمّى بعضهم بعضاً كذابين، وتفل بعضهم في وجوه بعض؟ قلتُ جعلتُ فداك ما عند ذلك من خير، فقال لي: الخير كلّه عند ذلك.[19]
أما ما يحدث من خوف وإرهاب في العراق في آخر الزمان فقد ورد عن الامام الصادق(ع) أنه قال:
يزجر الناس قبل قيام القائم(عج) عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تجلل السماء، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها، وخراب دورها، وفناء يقع في أهلها، وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار.[20]
وهناك روايات وأحاديث أخرى نعرض عن ذكرها خشية الإطالة، ونكتفي بهذا القدر المعبر عن الارهاب في آخر الزمان.
المهدي: محمد بن الحسن العسكري(ع)
المصلح العالمي والقائم بالحق والمهدي المنتظر هو: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بضعة رسول الله(ص).
ولد(ص) بسامراء من مدن العراق، ليلة النصف من شعبان عام (255هـ )، وكان الولد الوحيد لأبيه الحسن العسكري عليهما السلام.
وليَ الامامة بعد وفاة أبيه الامام الحسن العسكري عام (260هـ ) وهو ابن خمس سنين، ولا استغراب في جعله اماماً وهو في هذه السن المبكرة، لأنّ الامامة هبة يمنحها الله تعالى من يشاء من عباده، ممن تتوافر فيه عناصر الإمامة وشروطها، شأنها في ذلك شأن النبوة. وهو ما برهن عليه في مجاله من مدونات وكتب اإمامة عند الشيعة بما يربو على التوفية.
إنّ المهدي المنتظر قام بالإمامة، وحاز هذا المنصب الجليل، وهو ابن خمس سنين، طفل لم يبلغ الحلم.. فهل يجوز ذلك؟ !.. أم لابد في النبي والرسول والخليفة أن يكون بالغاً مبلغ الرجال؟!
هذه مسألة كلامية، ليس هنا محل تفصيلها، ولكن على وجه الإجمال، نقول: بناءً على ما هو الحق من أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الله سبحانه وتعالى، وليس أحد من الناس فيها اختيار – يجوز ذلك عقلاً، ولا مانع منه مع دلالة الدليل عليه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يجمع في الصبي جميع شرائط الرسالة والإمامة \".[21]
وقد ولي الامام الجواد الامامة وهو ابن سبع سنوات، والامام الهادي وليها وهو ابن ثماني سنوات، والحسن العسكري قبل العشرين.
وقد تحدث القرآن الكريم عن النبي يحيى(ع) قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًا).[22] والنبي عيسى(ع) صار نبياً وهو طفل رضيع، قال تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا).[23]
العلم يؤيد طول العمر
- طول العمر من الجانب الديني ممكن، لأن كل مؤمن بالله تعالى عالم وعارف ان الله تعالى قادر وعلى كل شيءٍ قدير، بقدرته اللامتناهية يستطيع ان يطوّل عمر أي شيء من مخلوقاته مئات السنين بل آلاف السنين، أليس هو الخالق؟ أليس هو العالم كيف خلقهم وكيف جعل لهم أجلاً مسمى، فهل هو الخالق وهو الواضع لقانون البداية والنهاية لكل شيء، هل هو غير قادر على أن يطيل أمد شيء أو ينقص منه؟ فهو الذي أطال عمر آدم ألف سنة، ونوح 950 سنة يدعو قومه الى وحدانية الله،[24] وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم (ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)،[25] ويونس(ع) يتحدث عنه القرآن الكريم لولا ان كان من المسبحين لخلد في بطن الحوت الى يوم القيامة وليس سنين معدودة، قال تعالى: (فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يوْمِ يبْعَثُونَ)،[26] وعيسى(ع) حي بصريح القرآن ورفع الى السماء وانه حي وسينزل مع الامام المهدي ويصلي خلفه كما فسر المفسرون الشيعة الآية الكريمة من قول الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ رَسُولَ اللّهِ... الخ)،[27] والخضر(ع) جاء ذكره في الأحاديث الشريفة للرسول وأهل بيته الكرام، وأن غيبته صار لها 6000سنة وسيخرج مع الامام المهدي،[28] وهناك في القرآن الكريم آيات تحدثت عن أعمار طويلة في الأمم السابقة، كقوله تعالى: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاَء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيهِمُ الْعُمُرُ).[29] وعن الذي أماته الله تعالى مائة عام ثم أرجع له الحياة: (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يوْمًا أَوْ بَعْضَ يوْمٍ)[30] ويتبين هنا ان الزمن قد توقف عنده ولم يحس به. وأمثلة كثيرة من هذا القبيل في القرآن الكريم.
وجاء في تاريخ الطبري ان الياس والخضر وإدريس وعيسى لا زالوا أحياء،وهناك اعتقادات لبعض المسلمين وغيرهم بآخرين أحياء لحد الآن.
ـ أما من الجانب العلمي فطول العمر ممكن أيضاً: على ما أكد عليه العلماء: \"... أنّ كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لا نهاية له، وأنه في الامكان ان يبقى الانسان حياً ألوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالإختبار.
ان الانسان لا يموت لأنه عمّر كذا من السنين سبعين أو ثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها ولإرتباط أعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين\".[31]
وفيما يعتقد بعض علماء البيئة بعد دراسات طويلة أجروها أنّ جسم الإنسان صنع ليعيش أكثر من ألف سنة.[32]
وهناك آراء وتصريحات كثيرة لعلماء الطب وعلماء البيئة في كيفية اطالة عمر الانسان وامكان ان يعمر سنين أطول مما عليه البشر في الحالة الطبيعية الآن تدل على أنّ عمر الانسان أو بقية الكائنات الحية لم يُحدد له من الناحية العلمية حدّ قاطع، طبعاً إلاّ ما كان من أَجَل ِالله تعالى المحتوم، أو يعرض له حادث يقتله من انسان وغيره من الحوادث، وأن العمر الطويل غير محال فحسب بل هو في حدود التعقـّل.
والجدير بالذكر ان الله تعالى اذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فاذا أراد لإنسان ان يطول عمره لمصلحةٍ ما، يجعله يعيش بالحالة الطبيعية وليست بالخوارق أو المعاجز، فمن الطبيعي ان يكون أكل الامام المهدي(عج) بالشكل الذي يكون خالي من السموم التي تقضي على خلايا الانسان وتسبب له الشيخوخة، ثم من الجانب الروحي يكون في حالة مطمئنة راضياً بقدر الله وقضائه وليس قلقاً، فقد أكد علماء الطب ان حالة القلق التي تصيب الانسان تقصّر في عمره.
ثمّ الحالات الأخرى من التعرض للحوادث القاتلة للبشرية كالتعرض للقتل وغيرها من الحوادث الطبيعية، فهو(عج) بعيد كل البعد عنها.
\" إنّ مسألة بقاء الانسان حياً مدة طويلة من السنين ليست مستحيلة، لا فلسفياً ولا علمياً، وانما هي من المسائل الممكنة\".[33]
الحاجة الى المنجد والمصلح
الأرض ومن عليها بحاجة الى الحجة، ولا يُخلي الله تعالى الأرض من حجة:
\" لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله، أما ظاهر مشهور، وأما غائب مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته \".
المظلوم يحتاج الى من ينقذه، والمحروم يحتاج الى من يعينه، والضال يحتاج الى من يهديه، وهكذا حال البشر في كل زمان، وفي كل مكان، بحاجة الى المصلح والمهدي.
وقد يسأل سائل: ان الحاجة الى الحجة والمصلح والمهدي الظاهر المشهور معقولة، أما الحاجة الى الحجة الغائب المغمور كيف نفسرها؟!!
ان ضرورة وجود الامام والحاجة اليه في الوجود والكون كضرورة وجود بعض الكواكب والنجوم والمجرات غير المرئية والغائبة عن عيوننا وعن تقنياتنا لكنها موجودة، فان وجودها وان لم يكن مرئياً، ضروري لوقوف وتماسك النجوم والكواكب والمجرات الأخرى، فالنجوم والكواكب والمجرات تماسك أحداهما الآخر مرئية كانت أم غير مرئية.. وبدون هذا التماسك ينفرط الكون.
وهكذا الامام المهدي(عج) فوجوده مجرد وجود في هذا الكون، وان لم يكن مرئياً وغائباً عن العيون، فهو الأمان لهذا الكون وكواكبه ومجراته وبشريته سواء كان مرئياً أو غير مرئي، وعدم وجود الحجة على الأرض يعني انفراط الكون وبالتالي انفراط البشرية التي تسكن هذا الكون، ووجوده حاضراً أو غائباً يعطي نفس المعنى في تماسك المجتمع وعدم انفراطه، فهو الحجة على أهل الأرض في كل الحالات.
المهدي(عج) ووسائل التكنولوجيا
العالم بأجمعه تقريباً متفق على ظهور مصلح ومنجد ومهدي ومنقذ في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكن تتبادر الى الأذهان عدة من الأسئلة، وهي:
كيف يظهر وبأي شكل يحارب؟ وكيف تسمعه كل أذن وتراه كل عين ساعة ظهوره، ويُلبي له من يُلبي وهو في بلاده ولو كان في أقصى الأرض؟ كيف يكون ذلك كله؟ وهل يواجه الامام المهدي(عج) العالم بالتقيّة التي يجدهم عليها أم يبطل كل شيء، ويبتدأ معهم كما كان رسول الله(ص) يحارب بالسيف ويلبس الدرع ويضع الطاس على رأسه وينزل الى ميدان الحرب ويحارب دولة دولة حتى يُخضع جميع من على الأرض له ويكونوا تحت طوعه؟
أهكذا يكون زمن الامام المهدي(عج)؟ أم بالخوارق الكونية؟ أوبالمعجزات الإلهية؟
طبعاً الجواب الأول والأخير ان الله تعالى هو العالم بالكيفية التي يُظهر به حجته على الأرض بآخر الزمان.
ولكن هناك روايات تدلنا بعض الشيء على الحقيقة ولعلها تقربنا من الحقيقة، وهي:
عن الامام علي(ع): أنه قال: \" تفرج الفتن برجل منـّا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلاّ السيف، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، ولو كان من ولدها لرحمنا\".[34]
وعن الامام الباقر(ع) أنه قال:
لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج... فلا يأخذ منها إلاّ بالسيف ولا يعطيها إلاّ بالسيف،... الخ.[35]
هل القصد من السيف هنا هي القوة التي يظهر بها الامام(ع)، أو ان من كان في ذلك الزمان لا يفهم آلة أخرى في لغة الحرب إلاّ السيف، أو القصد منه هو السيف الحقيقي أي آلة الحرب التي كان يحارب بها رسول الله(ص)، أو أنّ معنى السيف في هذه الروايات هو معنى مجازي وليس معنى حقيقياً؟
وهناك روايات أخرى كثيرة جداً تبيّن انه يقوم بالسيف لكننا نكتفي بهذا القدر... وروايات أخرى تبيّن ان الناس تراه وتسمعه في كل بلد وفي نفس اللحظة التي يدعو الناس الى نصرة دين الله الحق، وهي تدل على التقنيات العالية في زمن الامام المهدي(عج)، وعلمها عند الله سبحانه فهي إما ان تكون مما علم الله تعالى الانسان ما لم يعلم، أو هي خوارق كونية كالمعاجز والكرامات:
عن الامام الصادق(ع) أنه قال:
أنّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون اليه، وهو في مكانه.[36]
وعنه(ع) أيضاً قال:
انّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق.[37]
وعن الامام الباقر(ع) أنه قال:
... وتصير اليه شيعته من أطراف الأرض، تطوي لهم طياً حتى يبايعوه.[38]
نكتفي بهذا القدر من الروايات عن أهل البيت:، ونتوقف قليلاً عند هذه الروايات لنتسائل: ألم تكن هذه الروايات قيلت قبل أكثر من ألف سنة، في الوقت الذي لم يكن فيه الانترنيت ولا الفضائيات التي تنقل الخبر مباشرة؟ الحقيقة نحن لا نعلم كيف سيتطور العالم في مستقبل الزمان، ففي كل لحظة العالم في تطور سريع جداً. لماذا لا نتصور ان هذا التطور قد يكون تمهيداً لعولمة الامام المهدي(عج) أو ( العدالة العالمية )، فالله تعالى: (عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يعْلَمْ) و (عَلَّمَهُ الْبَيانَ)، فكل تطوّر هو راجع في النهاية الى الله تعالى الذي إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه.
وقد يهيأ الله تعالى للإمام المهدي(عج) كل وسائل النصر السريعة، وبأحدث التقنيات، بل كل ما يحتاجه الامام في نشر العدل والقسط وبأقصر مدّة، وقد يقتل الامام(عج) الظالمين بالوسائل التي صنعوها هم بأيديهم لقتل المظلومين ويتحقق المثل القائل \" من حفر بئراً لأخيه وقع فيه، والعلم في النهاية عند الله، لا علم لنا إلاّ ما علمنا.
مسك الختام
وأخيراً وليس آخراً... كل شيء ممكن عند الله تعالى، فإرادته فوق ارادة مخلوقاته من الجن والانس والملائكة وكل ما خلق في السماء والأرض، فهو الذي قرر وكتب ان يكون الاصلاح على الارض في آخر زمان هذه الدنيا، بعد أن يخربها حزب الشيطان وأعوانهم، وينشروا الرعب والارهاب، وكل أنواع الفساد على الأرض.
واقتضت إرادته أن يكون الاصلاح في آخر الزمان على يد رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله(ص) خاتم الانبياء والمرسلين، يصلحها من كل فساد، وينشر العدل بدل الظلم الذي ينتشر فيها بشكل مفرط.
واقتضت إرادة الله تعالى أن يمد في عمر ابن الامام الحسن العسكري الولد الوحيد للإمام الى آخر الزمان، العمر الذي اختلفوا في امكانه وعدم امكانه، والذي ثبت امكانه من جانب علمي وتاريخي وعقيدي.
واقتضت إرادته تعالى ان تكون للحجة القائم غيبتان صغرى وكبرى ثم ظهور عن عمر يناهز الاربعين عاماً كما جاء في الروايات...
كما اقتضت الارادة الإلهية ان تكون للمهدي المنتظر القوة والغلبة والعالمية التي لم يمكـّنها لأي معصوم من الأولين والآخرين من أنبياء ورسل وأئمة، ولأي ولي صالح وقائد مخلص، أوغير مخلص...
المراجع والمصادر
ـ القرآن الكريم
ـ نهج البلاغة
ـ تفسير الميزان / العلامة الطباطبائي
ـ التفسير الكاشف / محمد جواد مغنية
ـ بحار الانوار / المجلسي
ـ المهدي / السيد صدر الدين الصدر.
ـ المستدرك على الصحيحين.
ـ المهدي بين العلم والاديان / علي أكبر بور.
ـ صحيح البخاري / البخاري.
ـ سيرة الرسول وأهل بيته / ج 2 / دار البلاغ
ـ سيرة الائمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني
ـ الامام المهدي في القرآن والسنة / سعيد ابو معاش
ـ معالم الحكومة في عهد الامام المهدي(عج) / شهاب الدين حسيني.
ـ في انتظار الامام / عبد الهادي الفضلي.
ـ أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين العاملي.
ـ وسائل الشيعة / الحر العاملي.
ـ عقائد الامامية / الشيخ المظفر.
ـ الحاوي للفتاوي / ج2.
ـ مجلة المقتطف / العدد الثالث.
ـ مجلة اطلاعات النسوية / العدد 311.
البطاقة الشخصية للباحثة
ـ ماجدة سيد حسين آل مرتضى المؤمن
ـ كاتبة وباحثة ومبلغة وخطيبة من مواليد النجف الأشرف عام 1961م جمهورية العراق
ـ شاركت في عدد من المؤتمرات والندوات الاسلامية والثقافية
ـ حاصلة على شهادة ليسانس في الشريعة الاسلامية ( سطح 3) في حوزة قم المقدسة.
ـ وشهادة ليسانس في علم النفس كلية الدراسات الانسانية في لندن.
ـ ولها اهتمام في تاريخ الحضارات والتربية والاسرة، وقد درّست هذه المواد اضافة الى تدريسها مادة التربية وعلم النفس والفقه والاصول لعدة سنين.
ـ لها عدد من الكتب والمؤلفات وعشرات المقالات والبحوث المنشورة
ـ ومن أهم كتبها المطبوعة:
ـ الحج عبر الحضارات والأمم / 288صفحة / طُبع في الجمهورية الاسلامية الايرانية
ـ بنو اسرائيل والحضارة المصرية / 368صفحة/ طُبع في لبنان، بيروت
ـ موسوعة المنبر الحسيني / ثلاثة أجزاء/ كل جزء 522 صفحة طُبع في الجمهورية الاسلامية الايرانية
ـ الأكل والشرب والشفاء من المرض عند النبي والأئمة الأطهار للطبرسي ( تحقيق) 264صفحة / طُبع في الجمهورية الاسلامية الايرانية
ـ وكتب أخرى تحت الطبع في لبنان وايران والعراق
ـ ومن أهم المقالات والبحوث المنشورة:
ـ الاسلام دين الانفتاح والبهجة
ـ متى ستتبدل نظرة الغرب للمرأة
ـ القيمومة سلطة ام مسؤولية شرعية
ـ التفكير والتفكر
ـ التعليم المختلط وأثاره السلبية في المجتمع الاسلامي
ـ الاسلام والتربية القرآنية
ـ الآثار التربوية والنفسية للصلاة
ـ التكييف الجزائي للمجتمعات، والحدود والتعزيرات وأثرهما في تعديل السلوك وبناء المجتمعات.
ـ النوم والأحلام وأثرهما في سلوك الإنسان
ـ المراقبة والمحاسبة وأثرهما التربوي
ـ ومقالات أخرى في التربية وعلم النفس والتاريخ وغير ذلك
ـ وسلسلة من أعلام النساء في صدر الاسلام
ـ ولها كذلك مشاريع علمية وثقافية واسلامية متنوعة
--------------------------------------------------------------------------------
[1]. النجم / الآيات 43 الى 48.
[2]. مريم / 59.
[3]. الميزان في تفسير القرآن / العلامة الطباطبائي / ج 19 / ص 49 – 50.
[4]. الميزان في تفسير القرآن / العلامة الطباطبائي / ج 19 / ص 50.
[5]. القصص / 5
[6]. النور / 55
[7]. سبأ / 28 ـ 30.
[8]. التوبة / 33؛ الصف / 9.
[9]. الأحزاب / 45 و 46.
[10]. بحار الأنوار / ج 13 / ص 187.
[11].نفسه.
[12]. فنيق: الفحل من الإبل، وكظوم: امساك وسكون.
[13]. نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح / الخطبة رقم 180 / ص 157.
[14]. منتخب الأثر / ص 168.
[15]. المستدرك على الصحيحين / ج 4 / ص 465.
[16]. صحيح البخاري / ج 9 / ص 74.
[17]. الملاحم والفتن / 231.
[18]. عقد الدرر / ص 96.
[19]. الكافي / الكليني / ج 1 / ص 340.
[20]. بحار الانوار / ج 52 / 222.
[21]. المهدي / السيد صدر الدين الصدر / ص 107.
[22]. مريم / 12.
[23]. مريم / الآيتان: 29- 30.
[24]. العنكبوت / 14.
[25]. الكهف / 25.
[26]. الصافات / 143 و 144
[27]. النساء / 157
[28]. عمر المهدي بين العلم والأديان / علي أكبر بور / ص 72.
[29]. الأنبياء / 44.
[30]. البقرة / 259.
[31]. انظر: المهدي بين العلم والأديان / علي أكبر بور.
[32]. انظر: نفسه.
[33]. في انتظار الامام / عبد الهادي الفضلي / ص 45.
[34]. الحاوي للفتاوي / ج 2 / ص 146.
[35]. بحار الأنوار / المجلسي / ج 52 / ص 354.
[36]. نفسه/ ص 336.
[37]. نفسه/ ص 391.
[38]. نفسه/ ص 368.