عربي
Sunday 17th of November 2024
0
نفر 0

أهل الذكر في كتب الخاصّة


يُعدّ بحار الأنوار لشيخنا الأجلّ العلاّمة المجلسي (قدس سره) من أنفس وأوسع الموسوعات الروائية لأصحابنا الكرام ، لجامعيّته وسعته ، وإنّه اسمٌ على مسمّىً ، وإن كان فيه الضعاف من الأحاديث ، إلاّ أنّ كثرة الروايات في كلّ باب ، يغنينا عن المراجعة إلى المصنّفات الاُخرى ، ولمثل هذا أكتفي بذكر الروايات المتعلّقة بالموضوع من هذا السفر القيّم والكتاب العظيم.

1 ـ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال علي (عليه السلام) : نحن أهل الذكر[1].

2 ـ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قـال : آل محمّـد هم أهل الذكر[2].

3 ـ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، أي أهل العلم بأخبار من مضى من الاُمم ، أو أهل الكتاب ، أو أهل القرآن ، لأنّ الذكر القرآن[3] . ويقرب منه ما رواه جابر ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أ نّه قال : نحن أهل الذكر ، وقد سمّى الله رسوله ذكراً في قوله : ( ذِكْراً رَسولا ) على أحد الوجهين[4].

4 ـ في تفسير القمي ، في قوله تعالى : ( قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، قال : ( الذكر ) اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهل الذكر[5].

5 ـ عن الكلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قال لي : كم لمحمد اسمٌ في القرآن ؟ قال : قلت : إسمان أو ثلاث . فقال : يا كلبي ، له عشرة أسماء :

( وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ).

( وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أحْمَدُ ).

( وَلَمَّـا قامَ عَبْدُ اللهِ كادوا يَكونونَ عَلَيْهِ لُبَداً ).

( طه ما أنْزَلـْنا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقى ).

( يس وَالقُرْآنِ الحَكيمِ إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلينَ عَلى صِراط مُسْتَقيم ).

( نْ وَالقَلَمِ وَما يَسْطُرونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنون ).

( يا أ يُّها المُزَّمِّلُ ).

( يا أ يُّها المُدَّثِّرُ ).

( إنَّا أنْزَلـْنا إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، فالذكر اسم من أسماء محمد (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهل الذكر ، فسل يا كلبي عمّـا بدا لك . قال : فاُنسبت والله القرآن كلّه ، فما حفظت منه حرفاً أسأله عنه[6].

6 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الذكر أنا ، والأئمة (عليهم السلام) أهل الذكر ، وقوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال أبو جعفر (عليه السلام) : نحن قومه ونحن المسؤولون[7].

7 ـ عن شعيب قال : كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه يونس فسأله ـ وذكر الحديث ، وهو مفصّل ، فراجع ـ إلاّ أ نّه يقول في حديث شعيب عند قوله ليونس : إذا أردت العلم الصحيح فعندنا ، فنحن أهل الذكر الذي قال الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ )[8].

8 ـ عن جابر الجعفي في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : قال عليّ (عليه السلام) : نحن أهل الذكر[9].

9 ـ عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل في احتجاجه مع المأمون حول الآية الشريفة : ( ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الَّذينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) أنّ المراد هم العترة ، فيستدلّ الإمام (عليه السلام) على ذلك بآيات من القرآن الكريم ، فقال : وأمّا التاسعة : فنحن أهل الذكر الذين قال الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) ، فنحن أهل الذكر ، فاسألونا إن كنتم لا تعلمون . فقالت العلماء ـ الذين كانوا مع المأمون ـ : إنّما عنى بذلك اليهود والنصارى ! فقال أبو الحسن (عليه السلام) : سبحان الله ، وهل يجوز ذلك ؟ إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون : إنّه أفضل من دين الإسلام ! فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ فقال (عليه السلام) : نعم ، الذكر رسول الله ، ونحن أهله ، وذلك بيّنٌ في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول في سورة الطلاق : ( فَاتَّقوا يا اُولي الألـْبابِ الَّذينَ آمَنوا قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا يَتْلو عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّنات ) ، فالذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهله ، فهذه التاسعة[10].

10 ـ بحار الأنوار 23 : 172 ، الباب 9 : « إنّهم (عليهم السلام) الذكر وأهل الذكر وإنّهم المسؤولون ، وإنّه فرض على شيعتهم المسألة ، ولم يفرض عليهم الجواب » ، وفي الباب 65 رواية ، منها :

في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، تفسير : قيل : المراد بأهل الذكر أهل العلم ، وقيل : أهل الكتاب ، وستعلم من الأخبار المستفيضة أ نّهم الأئمة (عليهم السلام)لوجهين : الأوّل : أ نّهم أهل القرآن لقوله تعالى بعد تلك الآية في سورة النحل : ( وَأنْزَلـْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلـْنَّاسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ ) ، والثاني : أ نّهم أهل الرسول ، وقد سمّـاه الله ذكراً في قوله : ( ذِكْراً رَسولا ) ، وهذا ممّـا روته العامّة أيضاً . روى الشهرستاني في التفسير المسمّى بمفاتيح الأسرار عن جعفر بن محمد (عليه السلام)أنّ رجلا سأله فقال : من عندنا يقولون : قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) أنّ الذكر هو التوراة ، وأهل الذكر هم علماء اليهود . فقال (عليه السلام) : والله إذاً يدعوننا إلى دينهم ، بل نحن والله أهل الذكر الذين أمر الله تعالى بردّ المسألة إلينا ، قال : وكذا نقل عن عليّ (عليه السلام) أ نّه قال : نحن أهل الذكر.

11 ـ في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : نحن أهل الذكر.

12 ـ قال أبو جعفر الطوسي : سمّى الله رسوله ذكراً ، قوله تعالى : ( قَدْ أنْزَلَ اللهُ إلَيْكُمْ ذِكْراً رَسولا ) ، فالذكر رسول الله ، والأئمة أهله ، وهو المروي عن الباقر والصادق والرضا (عليهم السلام).

13 ـ قال سليمان الصهرشتي : الذكر القرآن ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلـْنا الذِّكْرَ )وهم حافظوه والعارفون بمعانيه ، تفسير يوسف القطّان ووكيع بن الجرّاح واسماعيل السدّي وسفيان الثوري إنّه قال الحارث : سألت أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الآية ، قال : والله إنّا لنحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل.

14 ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمونَ ) من المعنون بذلك ؟ قال : نحن . قلت : فأنتم المسؤولون ؟ قال : نعم . قلت : ونحن السائلون ؟ قال : نعم . قلت : فعلينا أن نسألكم ؟ قال : نعم . قلت : وعليكم أن تجيبونا ؟ قال : لا ، ذاك إلينا ، وإن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا ، ثمّ قال : هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب.

15 ـ عن البزنطي ، فيما كتب إليه الرضا (عليه السلام) ، قال الله تبارك وتعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، وقال : ( وَما كانَ المُؤْمِنونَ لِيَنْفِروا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لَيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرونَ ) ، فقد فرضت عليكم المسألة ، والردّ علينا ، ولم يفرض علينا الجواب.

16 ـ عن الفضيل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : الذكر القرآن ، ونحن قومه ، ونحن المسؤولون . ومثله عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وعن زرارة مثله.

17 ـ عن عمر بن يزيد ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته الذكر ، وهم المسؤولون.

قال العلاّمة في بيان ذلك : فسّر المفسّرون الذكر بالشرف ، والسؤال بأ نّهم يسألون يوم القيامة عن أداء شكر القرآن والقيام بحقّه ، وعلى هذه الأخير المعنى أ نّكم تسألون عن علوم القرآن وأحكامه في الدنيا.

18 ـ عن أبي بصير في قول الله تعالى : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته هم المسؤولون ، وهم أهل الذكر.

19 ـ عن صفوان عن الرضا (عليه السلام) ، في قول الله : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : نحن هم.

20 ـ بالإسناد عن الرضا (عليه السلام) ، قال : قال الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ )وهم الأئمة ، ( إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) فعليهم أن يسألوهم وليس عليهم أن يجيبوهم ، إن شاؤوا أجابوا وإن شاؤوا لم يجيبوا.

21 ـ عن أبي بكر الحضرمي ، قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) ودخل عليه الورد أخو الكميت ، فقال : جعلني الله فداك ، اخترت لك سبعين مسألة وما يحضرني مسألة واحدة منها ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ قال : بلى قد حضرني واحدة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تبارك وتعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : يا ورد ، أمركم الله تبارك وتعالى أن تسألونا ، ولنا إن شئنا أجبناكم ، وإن شئنا لم نجبكم.

22 ـ عن الوشّاء ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : قال علي بن الحسين (عليه السلام) : على الائمة من الفرض ما ليس على شيعتهم ، وعلى شيعتنا ما ليس علينا ، أمرهم الله أن يسألونا ، فقال : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا ، وإن شئنا أمسكنا.

23 ـ عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) من هم ؟ قال : نحن . قال : قلت : علينا أن نسألكم ؟ قال : نعم ، قلت : عليكم أن تجيبونا ؟ قال : ذلك إلينا . ومثله عن ابن أبي عمير.

24 ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) من هم ؟ قال : نحن . قلت : فمن المأمورون بالمسألة ؟ قال : أنتم . قال : قلت : فإنّا نسألك كما اُمرنا ، وقد ظننت أ نّه لا يمنع عنّي إذا أتيته من هذا الوجه . قال : فقال : إنّما اُمرتم أن تسألونا ، وليس لكم علينا الجواب ، إنّما ذلك إلينا.

25 ـ عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : هم آل محمّد ، فعلى الناس أن يسألوهم ، وليس عليهم أن يجيبوا ، ذلك إليهم ، إن شاؤوا أجابوا ، وإن شاؤوا لم يجيبوا.

26 ـ عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : قلت له : إنّ مَن عندنا يزعمون أنّ قول الله ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) أ نّهم اليهود والنصارى . قال : إذاً يدعونهم إلى دينهم ، ثمّ أشار بيده إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

27 ـ عن عمّـار الساباطي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أ نّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : هم آل محمّد ، وأنا منهم.

28 ـ عن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في قول الله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : كتاب الله الذكر ، وأهله آل محمد الذين أمر الله بسؤالهم ، ولم يؤموا بسؤال الجهّال ، وسمّى الله القرآن ذكراً فقال : ( وَأنْزَلـْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلـْنَّاسِ ما نَزَلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرونَ ).

29 ـ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قول الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : الذكر القرآن ، وآل رسول الله أهل الذكر ، وهم المسؤولون.

30 ـ عن عبد الله بن عجلان ، في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأهل بيته من الأئمة هم أهل الذكر.

31 ـ عن حمّـاد بن بريد ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : الذكر القرآن ، ونحن أهله.

32 ـ عن عبد الله بن جعفر ، بسنده ، وعن عبد الله بن عطا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : نحن اُولو الذكر ، واُولو العلم ، وعندنا الحلال والحرام.

33 ـ عن حمزة بن محمد الطيّار ، قال : عرضت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه حتّى انتهى إلى موضع ، فقال : كفّ فاسكت ، ثمّ قال لي : اكتب ، وأملى عليَّ : إنّه لا يسعكم فيما نزل بكم ممّـا لا تعلمون إلاّ الكفّ عنه والتشبّث فيه ، وردّه إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ، ويحلّوا عنكم فيه العمى ، قال الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ).

34 ـ عن أحمد بن محمد ، قال : كتب إليَّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) : عافانا الله وإيّاك أحسن عافيته ، إنّما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ، وإذا خفنا خاف ، وإذا أمنّا أمن ، قال الله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، وقال : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طائِفَةٌ لَيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِروا قَوْمَهُمْ ) الآية . فقد فرضت عليكم المسألة ، والردّ إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب أو لم تنهوا عن كثرة المسائل فأبيتهم أن تنتهوا ؟ إيّاكم وذاك ، فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم لأنبيائهم ، قال الله : ( يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَسْألوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسؤكُمْ ).

35 ـ عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن.

36 ـ في تفسير الثعلبي ، قال عليّ (عليه السلام) في قوله : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) : نحن أهل الذكر.

37 ـ عن أبانة أبي العباس الفلكي ، قال علي (عليه السلام) : ألا إنّ الذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونحن أهله ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن منار الهدى وأعلام التقى ، ولنا ضربت الأمثال.

38 ـ ( الَّذينَ آمَنوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) ، قال : ( الَّذينَ آمَنوا )الشيعة ، و ( ذِكْرِ اللهِ ) أمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ، ثمّ قال : ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب.

39 ـ قال العلاّمة (قدس سره) في كتاب كشف الحقّ ، روى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي من علماء الجمهور ، واستخرجه من التفاسير الاثنى عشر عن ابن عباس في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، وهم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان ، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، والله ما سمّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين (عليه السلام) . ورواه سفيان الثوري عن السدّي عن الحارث ، انتهى.

40 ـ عن ابن نباتة ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، في قوله عزّ وجلّ : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ ) ، قال : نحن أهل الذكر.

41 ـ عن سليم بن قيس ، عن علي (عليه السلام) ، قال : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، فنحن قومه ونحن المسؤولون.

42 ـ عن محمد الحلبي ، قال : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، فرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أهل الذكر ، وهم المسؤولون ، أمر الله الناس أن يسالوهم فهم ولاة الناس وأولاهم بهم ، فليس يحلّ لأحد من الناس أن يأخذ هذا الحقّ الذي افترضه الله لهم.

43 ـ عن صفوان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) من هم ؟ قال : نحن هم.

44 ـ عن عبد الله ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عزّ وجلّ : ( وَإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْألونَ ) ، قال : قوله ( وَلِقَوْمِكَ ) يعني عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وسوف تسألونَ عن ولايته.

45 ـ عن خالد بن نجيح ، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْـمَئِنُّ القُـلوبُ ) ، قـال : بمحمّـد (صلى الله عليه وآله) تطمئنّ القلـوب ، وهو ذكر الله وحجابه.

46 ـ عن الحسين بن سعيد ، بإسناده ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( فَاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُم لا تَعْلَمون ) ، قال : نحن أهل الذكر[11].

47 ـ وفي تعقيبات الصلوات ، جاء في الدعاء : « ... اللّهم صلِّ على محمّد وآله ، وتقبّلها منّي بأحسن قبولك ، ولا تؤاخذني بنقصانها وما سها عنه قلبي منها ، فتمّمه لي برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد ، اُولي الأمر الذين أمرت بطاعتهم ، واُولي الأرحام الذين أمرت بصلتهم ، وذوي القربى الذين أمرت بمودّتهم ، وأهل الذكر الذين أمرت بمسألتهم ، والموالي الذين أمرت بموالاتهم ومعرفة حقّهم ، وأهل البيت  الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم
تطهيراً »[12].

48 ـ عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أ نّه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له : ولئن تقمّصها ـ أي الخلافة ـ دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ ، وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة ، فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما مهّدا ، يتلاعنان في دورهما ، ويتبرّأ كلّ من صاحبه ، يقول لقرينه إذا التقيا : ( يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) ، فيجيبه الأشقى على رثوثه : يا ليتني لم أتّخذك خليلا ، لقد أضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا ، فأنا الذكر الذي عنه ضلّ ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدين الذي به كرب ، والصراط الذي عنه نكب ... إلى تمام الخطبة المنقولة في روضة الكافي[13].

49 ـ في قوله تعالى : ( ذِكْراً رَسولا ) ، عن الرضا (عليه السلام) : أنّ الذكر هنا هو الرسول ، ونحن أهل الذكر[14].

50 ـ عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ اُوتو العِلـْمَ ) ، قال : هي الأئمة خاصّة[15].

نستنتج من الروايات التي مرّت وإنّها متواترة معنىً وبالإجمال ، أنّ الذكر
هو القرآن الكريم والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وأهل الذكر هم أهل العلم والقرآن آل النبيّ الأطهار الأئمة الأبرار (عليهم السلام) ، فكلّهم نور واحد ، ومن أصل واحد ، في بيوتهم نزل الكتاب ، وبهم يعرف الصواب ، فنرجع إليهم في كلّ شيء في حضورهم ، وفي عصر غيبتهم نرجع إلى من أرشدونا وأمرونا أن نرجع إليهم ، وهم الفقهاء العظام والعلماء الكرام.

وهذا هو الحقّ ، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال ؟ !

اُكرّر لزيادة التقرير :

إنّما نسأل أهل الذكر ، وهم أهل القرآن وأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإنّما يعرف القرآن من خوطب به ونزل في بيته ، ثمّ نرجع إلى رواة أحاديثهم ومن يحمل علومهم ، من فقهائهم الكرام ، من صان نفسه وحافظ على دينه ، وأطاع مولاه وخالف هوى ، وأحيى سنّة النبيّ في زهده وورعه وتقواه ، أصحاب الإيمان والتوحيد والبكاء والخشوع والخشية ، كما ذكرهم الله في كتابه الكريم ، الذي يدعو إلى الله بإخلاص ويعمل لله بإخلاص ، فإنّ من استمع إلى ناطق فقد عبده ، فإن نطق عن الله فقد عبد الله ، وإن نطق عن الهوى وعن الشيطان فقد عبد هواه وأطاع شيطانه ، فنأخذ العلم ونسأل العلماء الذين مدادهم أفضل من دماء الشهداء.

نحضر مجالس العلم والذكر كما أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله : « إذا مررتم في رياض الجنّة فارتعوا ، قالوا : يا رسول الله ، وما رياض الجنّة ؟ قال : حلق الذكر ، فإنّ لله سيّارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر ، فإذا أتوا عليهم حفّوا بهم »[16] . وحلق الذكر مجالس الحلال والحرام والعلم مخزون عند أهله ، وقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « أ يّها الناس اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم وقد ضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله ، وقد اُمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه »[17].

وعنه (عليه السلام) : « لمجلسٌ أجلسه إلى مـن أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة »[18].

ومن الحكمة القديمة : قال لقمان لابنه : « يا بني ، اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت قوماً يذكرون الله تعالى فاجلس معهم ، فإن تكن عالماً ينفعك علمك وإن تكن جاهلا علّموك ، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم ، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله تعالى فلا تجلس معهم ، فإن تكن عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تكن جاهلا يزيدوك جهلا ، ولعلّ الله أن يظلّهم بعقوبة فتعمّك معهم »[19].

فنجالس ونسأل من زهر مصباح الهدى في قلبه ، وخلع سرابيل الشهوات ، وخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، أحيا قلبه وأمات نفسه الأمّارة بالسوء ، حتّى دقّ جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة.

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لا تجلسوا عند كلّ داع مدّع يدعوكم من اليقين إلى الشكّ ، ومن الإخلاص إلى الرياء ، ومن التواضع إلى الكِبر ، ومن النصيحة إلى العداوة ، ومن الزهد إلى الرغبة ، وتقرّبوا إلى عالم يدعوكم من الكِبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الشكّ إلى اليقين ، ومن الرغبة إلى الزهد ، ومن العداوة إلى النصيحة »[20].

فنرجع إلى الفقيه كلّ الفقيه : ذلك الذي لم يقنط الناس من رحمة الله سبحانه ، ولم يؤمنهم من مكر الله عزّ وجلّ ، ولم يؤيّسهم من روح الله عزّ وجلّ ، ولم يدع القرآن رغبةً عنه إلى ما سواه ، كما ورد في الخبر الشريف.

ولا نطلب العلم ممّن طلبه ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فإنّه يتبوّء مقعده من النار ، وإنّ الرئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها.

ولا نأخذ ديننا ممّن أقبل على الدنيا ، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه فاتّهموه على دينكم ، فإنّ كلّ محبٍّ للشيء يحوط ما أحبّ »[21].

وعنه (عليه السلام) : « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الفقهاء اُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول الله ، وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم »[22].

روى الشيخ الصدوق في كتابه الخصال بإسناده إلى أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : إنّ من العلماء من يحبّ أن يجمع علمه ولا يحبّ أن يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الأوّل من النار . ومن العلماء من إذا وُعظ أنف وإذا وَعَظ عنّف ، فذاك في الدرك الثاني من النار . ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعاً ، فذاك في الدرك الثالث من النار . ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه من قوله أو قصّر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار . ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ـ أي ليكثر به علمه ـ ويكثر به حديثه ، فذلك في الدرك الخامس من النار . ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعلّه لا يصيب حرفاً واحداً ، والله لا يحبّ المتكلّفين ، فذاك في الدرك السادس من النار . ومن العلماء من يتّخذ العلم مروة وعقلا ـ أي يطلب العلم ويبذله ليعدّه الناس من أهل المروّة والعقل ـ فذاك في الدرك السابع من النار.

أجل من طلب العلم لله سبحانه ، وعمل به مخلصاً ، وعلّمه متواضعاً ، دُعي في السماوات عظيماً ، ويستغفر له كلّ شيء حتّى الحوت في البحر.

كما وردت النصوص الكثيرة في هذا المعنى ، ويتبادر إلى ذهني ، أنّ العالم والكون كلّه مجموعة واحدة مرتبطة بعضها مع بعض ، فوقائع الأرض تؤثّر في السماء ، وسير الكواكب وحوادثها تؤثّر في الأرض ، وكلّ شيء له دور في هذه المجموعة الكونيّة ، وحتّى أفعال الناس تؤثّر في هذه المجموعة ، فإنّ كثرة الزنا في الأرض يحبس مطر السماء وبركاتها.

والقوّة المحرّكة والمسيّرة لهذا الكون الرّحب بنظم دقيق وحكمة متقنة هو العلم ، وجميع صفات الله سبحانه ترجع إلى العلم ، وكأنّ العلم هو كلّ شيء ، فهو الأساس وهو النتيجة ، وهو الأوّل وهو الآخر ، وهو الظاهر وهو الباطن ، وإنّ الله يحبّ بغاة العلم وأهله ، فإنّهم يحملون القوّة الأساسيّة في حركة الكون ، ومن هذا المنطلق ( إذا صلح العالِم صلُح العالَم ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ) ، وكما أنّ الدماغ هو الحاكم والمختار والمدبّر في البدن ، ولولاه لاختلّ النظام الجسدي ، فكذلك العالِم فإنّه الأساس ، وهو المظهر لعلم الله سبحانه ، فإذا أذنب ، فإنّ ذنبه لا ينحصر به ، بل يعمّ المخلوقات الاُخرى في هلاكها ، ولهذا يغفر للجاهل سبعين ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنباً واحداً ، فإنّ ذنبه عظيم جدّاً ، ويؤثّر على هلاك نفسه وهلاك غيره ، فالكلّ يدعون له في صلاحه وعدم هلاكه ، حتّى الحوت في البحر يستغفر لطالب العلم ، حتّى يتوفّق في حياته ويتكامل وينصلح ، وإذا صلح فقد أصلح العالم والكون معه ، وإذا هلك فإنّه يهلك معه حتّى الحوت في البحر ; للوحدة الحاكمة في المجموعة الكونيّة ، ولأنّ العالم الدماغ والقوّة المحرّكة لهذه المجموعة الكبرى.

فمـا أعظم العـالم مقـاماً ؟ ! ومـا أعظم العلم شأناً ؟ ! وما خطر العالم والعلم ؟ !

وربما من هذا المنطلق يقول الإمام السجّاد زين العبّاد علي بن الحسين (عليهما السلام) : « لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بخوض اللجج وسفك المهج » ، أي لو يخوض الإنسان البحار ويسفك دمه ومهجة حياته في طلب العلم ، لما كان ذلك كثيراً ، لجلالة العلم وعظمته.

والله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرين (عليهم السلام) أوضحوا لنا الطريق المستقيم وسبيل العلم النافع ، ومنهاج العلماء والصالحين ، وإنّه ممّن نأخذ علمنا وديننا.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : أوحى الله إلى داود (عليه السلام) : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم ـ من باب العقوبة ـ أن أنزع حلاوة مناجاتي عن قلوبهم »[23].

هذه الرواية الشريفة من تلك الروايات التي ترتعد الفرائص منها ، فكثيراً ما نسأل : لماذا طالب العلم في بداية طلبه يحسّ بروحانية خاصّة وقرب إلى الله ويستلذّ من عباداته ، ويتوفّق إلى صلاة الليل والأعمال الصالحة والأدعية والأوراد ، ولكن كلّما ازداد علماً ، كأ نّما يحسّ أ نّه يزداد بعداً من الله سبحانه ، ويفقد تلك الروحانيات والمعنويّات الأوّلية ، والمفروض أ نّه بزيادة العلم يزداد عملا وقربةً وروحانيّة.

فلماذا هذا الانتكاس والتراجع إلى القهقرى ؟

فالجواب يعلم من هذه الرواية الشريفة « إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم ».

فإنّ طالب العلم كلّما ازداد علماً ، ازدادت مسئولياته الفردية والاجتماعية ، إلاّ أ نّه لمّـا لا يقوم بها وأمام مجتمعه كما هو المطلوب ، وتغرّه الدنيا الدنيّة بزخرفها وزبرجها ، وتحوطه الماديات من كلّ صوب ، فإنّه من سنّة العلم أن يفقد المعنويّات ، وينزع من قلبه حلاوة المناجاة ـ والعياذ بالله ـ .

فعن مولانا الصادق (عليه السلام) : أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود (عليه السلام) : إنّ أهون ما أنا صانع بعالم غير عامل بعلمه أشدّ من سبعين عقوبة باطنيّة ، أن اُخرج من قلبه حلاوة ذكري.

وفي مصباح الشريعة عنه (عليه السلام) : « إنّه قال : العالم حقّاً هو الذي ينطق عنه أعماله الصالحة ، وأوراده الزاكية ، وصدقه وتقواه ، لا لسانه وتطاوله ودعواه ، ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان فيه عقل ونسك وحكمة وحياء وخشية ، وإنّا نرى طالبه اليوم من ليس فيه من ذلك شيء ، والعالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة ونصح وعلم وصبر وبذل ، والمتعلّم يحتاج إلى رغبة وإرادة وفراغ ونسك وخشية وحفظ وحزم ».

فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، وهم في زماننا هذا العلماء العاملون المخلصون ، لا علماء السوء والدنيا الذين هم شرّ الناس ، كما ورد في الخبر الشريف ، بل علماء الآخرة والإصلاح والخير ، فإنّ الأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفكّ عنها علماء الآخرة ، لأ نّهم يتعلّمون القرآن والسنن للعمل ، لا للدراسة والمباحثة ولقلقة اللسان وحسب ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وحتّى القرآن الكريم يذكر العلامات والصفات لكلّ طائفة ، كصفات المنافقين وصفات المؤمنين ، حتّى لا يتيه طالب الحقّ والحقيقة ، ويكون على بصيرة من أمره في معاشرته ومجالسته ورجوعه وطلبه العلم وغير ذلك.

فإليكم خصال خمسة من الأخلاق الإسلامية ، هي من علامات علماء الآخرة ، يفهم من خمس آيات كريمة ، وهي : الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد.

أمّا الخشية ، فمن قوله تعالى :

( إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ )[24].

وأمّا الخشوع ، فمن قوله تعالى :

( خاشِعينَ للهِ لا يَشْتَرونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَليلا )[25].

وأمّا التواضع ، فمن قوله سبحانه :

( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ )[26].

وأمّا حسن الخلق ، فمن قوله عزّ وجلّ :

( فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ )[27].

وأمّا الزهد ، فمن قوله عزّ من قائل :

( وَقالَ الَّذينَ اُوتو العِلـْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ )[28].

ولمّـا تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أنْ يَهْدِيَهُ لِلإيْمانِ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ )[29] ، فقيل : ما هذا الشرح يا رسول الله ؟ فقال : إنّ النور إذا قُذف في القلب انشرح له الصدر وانفسح . قيل : فهل لذلك علامة ؟ قال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله[30].

روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أ نّه قيل له : يا رسول الله ، أيّ الأعمال أفضل ؟ قال : اجتناب المحارم ، ولا يزال فوك رطباً من ذكر الله تعالى . قيل : فأيّ الأصحاب خير ؟ قال : صاحبٌ إن ذكرت الله أعانك وإن نسيته ذكّرك . قيل : فأيّ الأصحاب شرّ ؟ قال : صاحب إن نسيت لم يذكّرك وإن ذكرت لم يعنك . قيل : فأيّ الناس أعلم ؟ قال : أشدّهم لله خشية . قالوا : فأخبرنا بخيارنا نجالسهم ؟ قال : الذين إذا رُؤوا ذكر الله عزّ وجلّ برؤيتهم ، وإذا ذكر الله اقشعرّ جلودهم . قالوا : فأيّ الناس شرّ ؟ قال : اللهمّ غفراً . قالوا : أخبرنا يا رسول الله . قال : العلماء إذا فسدوا[31].

فتعالوا يا إخوان الصفا ، أ يّها المؤمنون والمسلمون ، وكلّ من يبحث عن الحقّ ويطلب الحقيقة ، ويريد النجاة في الدارين ، تعالوا إلى كلمة الحقّ ، إنّما نسأل في اُمور ديننا ودنيانا أهل الذكر ، اُولئك الذين أمرنا الله سبحانه بمودّتهم وإطاعتهم واتّباعهم والاقتداء بهم ، وهم النبيّ المختار محمّد (صلى الله عليه وآله) ، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وعلماؤنا الأبرار الصلحاء الأخيار ، وهذا ما يحكم به العلم والدين ، ويدلّ عليه النقل والعقل ، ويصدّق به من له قلبٌ سليم ووجدان حيّ وألقى السمع وهو شهيد.

هذا ولنا عشرات الآيات ومئات الروايات في هذا المجال ، إنّما نصفح عنها طلباً للاختصار ، ونستنتج منها : إنّه أمرنا بطلب العلم النافع ، والعلم خزائن ، ومفتاحها السؤال ، وإنّما نسأل من أهل الذكر ، وهم في عصرنا هذا علماء الآخرة ، علماء الخير والصلاح ، العاملون المخلصون الزاهدون الخاشعون المتواضعون ، اُولئك الذين قذف الله العلم في قلوبهم ، وناجاهم في سرّهم ، الذين صانوا أنفسهم ، وحافظوا على دينهم ، وأطاعوا مولاهم ، وخالفوا أهواءهم ، وخافوا مقام ربّهم ، رواة الأحاديث ، فقهاء آل محمّد (صلى الله عليه وآله).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

العبد
عادل العلوي
9 شهر رمضان 1412


--------------------------------------------------------------------------------

[1]البحار 9 : 125.

[2]المصدر 9 : 224.

[3]قد استعمل الذكر بهذا المعنى في مواضع كثيرة من القرآن ، منها : في آل عمران : 58 ، 63 و 69 ، وسورة الحجر : 5 و 9 ، ويس : 69 ، وفصّلت : 40 ، والقمر : 25 ، والطلاق : 10 ، والقلم : 51.

[4]البحار 11 : 17.

[5]البحار 16 : 90.

[6]البحار 16 : 101.

[7]البحار 16 : 359.

[8]البحار 36 : 405.

[9]البحار 36 : 177.

[10]البحار 25 : 232.

[11]البحار 23 : 172 ـ 188.

[12]البحار 83 : 15.

[13]البحار 24 : 19 ، عن روضة الكافي : 27 و 28.

[14]البحار 64 : 56.

[15]البحار 23 : 201 ، الباب 10 أ نّهم (عليهم السلام) أهل علم القرآن والذين اُوتوه والمنذرون به والراسخون في العلم ، وفي الباب 54 رواية ، وكذلك الأبواب ، يدلّ على المراد ، فراجع.

[16]المحجّة 1 : 23.

[17]الكافي 1 : 30.

[18]الكافي 1 : 39.

[19]المحجّة 1 : 33.

[20]المحجّة 1 : 69.

[21]المحجّة 1 : 127.

[22]المحجّة 1 : 128.

[23]المحجّة 1 : 128.

[24]فاطر : 28.

[25]آل عمران : 199.

[26]الشعراء : 215.

[27]آل عمران : 159.

[28]القصص : 80 .

[29]الأنعام : 125.

[30]الدرّ المنثور 3 : 44.

[31]المحجّة 1 : 158.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أربعين حديث في فضل شهر رمضان
للنجاة من الشدائد
أم البنين سلام الله عليها دوحة الايمان والكرامات
اختيار الزوج
الماسونية في سوريا
هل يحق للأب اشتراط زواج بنته من شخص معين كالمنتمي ...
الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
فاطمة عليها السلام وليلة القدر
روايات السيّدة فاطمة المعصومة عليها السّلام
تأريخ المباهلة عاماً وشهراً ويوماً

 
user comment