عربي
Thursday 21st of November 2024
0
نفر 0

الدليل على المعاد

هناك أدلة كثيرة تدل على أن المعاد أمر محتوم لابد منه، ففي القرآن الكريم آيات كثيرة جداً تشير إلى المعاد والى  بعض تفصيلاته ، فمن آياته ما يشير إلى حتمية وقوع المعاد كقوله تعالى :[ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ] (1) ، وقوله تعالى : [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ](2).

ومن الآيات ما يشير إلى  الظواهر التي تشبه المعاد لأجل دفع شبهة عدم إمكانه من أذهان الناس ، كقوله تعالى : [فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (3).

وكقوله تعالى : [أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (4).

وكقوله تعالى : [أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (5).  

وهناك بعض الآيات تشير وترشد الى البراهين العقلية التي تثبت حتمية وقوع المعاد ، كقوله تعالى [كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ*إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ*أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ] (6). 

وكقوله تعالى : [أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ] (7). 

فهذه الآيات المباركة تشير الى برهان العدالة الذي يدل على ضرورة المعاد وبيان هذا البرهان هو:

برهان العدالة

أولاً : إن الله سبحانه وتعالى بعث بالأنبياء والمرسلين الى الناس ليعلموهم ويبينوا لهم أحكام الله سبحانه وتعالى وتكاليفه التي يجب على الناس امتثالها إن أرادوا تحقيق العبودية والطاعة لله سبحانه.

ثانياً : إن الله سبحانه جعل الإنسان مختاراً في أفعاله ولم يجبرهم على شيء منها ، فالطاعة لأوامر الله سبحانه أو معصيتها يقع تحت اختيار الإنسان.

ثالثاً : إن الناس ـ تبعاً لكونهم مختارون في أفعالهم ـ فريقان منهم المطيع ومنهم العاصي لله تعالى.

رابعاً : إن التسوية بينهم ـ سواء رعاية الجميع ، أو معاقبة الجميع ـ خلاف العدل الإلهي، فلابد من التفريق بينهم من حيث الثواب والعقاب.

خامساً : إن التفريق بينهم من حيث الجزاء غير متحقق في هذه النشأة الدنيوية ، لان الله تعالى جعلها دار بلاء واختبار للإنسان .

فتكون النتيجة: انه لابد من عالم أخر ونشأة أخرى يتحقق فيها العدل الجزائي الإلهي وهي نشأة الآخرة والعودة الى الله سبحانه وتعالى بعد الموت.ومن هنا يمكن ان تنبثق لنا معرفة حقيقه الموت .

حيث ان حقيقة الإنسان بحسب الرؤية الإسلامية ـ هو انه مخلوق مركب من روح وجسد ، وجسد الإنسان هو جسم مادي كسائر الأجسام له حجم ـ أي’ طول وعمق وعرض ـ وله وزن ولون وشكل خاص ويتأثر بالعوامل الخارجية المختلفة كالحرارة والبرودة وغيرها ، هذا الجسم حاله كحال الأجسام النامية يبدأ صغيراً ثم يكبر و ينمو حتى يبلغ أشده في أيام الشباب وبعدها يبدأ بالاضمحلال والهرم تدريجاً الى أن يتلاشى ويتحلل في يوم من الأيام . وأما الروح فهي ليست مادية كالجسد ، فليس لها أيّ من خصائص المادة المتقدمة فهي ذات حقيقة مجهولة لا يعلمها إلا الله سبحانه ، قال تعالى : [وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً] (8). 

نعم يمكن أن نتعرف عليها وعلى وجودها عن طريق آثارها ، وأوضح آثارها هو ما يظهر في جسد الإنسان من حركة وانفعال ، أو ما يقوم به الإنسان  من فعاليات كالعلم والإحساس والفكر والإرادة ، والبغض والحب والفرح والحزن وغيرها ، وهذه الآثار نعلمها فينا بالوجدان ونلاحظ أن الإنسان بمجرد أن يموت حتى وأن كان شاباً صحيح الجسد فان جميع هذه الفعاليات ستتوقف وسنلاحظ أن جسده أصبح كالخشبة اليابسة.

وهذا يدل دلالة واضحة على أن الجسد فقد شيئاًً هو الباعث والفاعل لكل تلك الأفعال الحيوية ، ألا وهو الروح ، فالجسد يكون أشبه بالآلة التي تحركها الروح ، ومتى ما تركتها توقفت عن العمل وتعرضت للتلف.

ولما لم تكن الروح من قبيل الموجودات المادية فإنها لا تتعرض للتلف كما يحصل للجسد . وبناءً على ما مر فان حقيقة الموت ليست هي انعدام وفناء الإنسان بل هو عبارة عن انقطاع العلاقة بين الروح والجسد ، فيفنى البدن في حين تواصل الروح حياتها بالانتقال من عالم الى عالم آخر .


القرآن الكريم و شبهات المنكرين للمعاد

تعرض القران الكريم إلى العديد من الشبهات التي أثيرت أمام الاعتقاد بالمعاد ومن خلال الاحتجاجات التي وردت في القرآن الكريم وأسلوب أجوبته عن تلك الشبهات ، يمكن أن نُعنون الشبهات التي كانت تدور في أذهانهم، ونحاول هنا ان  نستعرض أهمها وننظمها بما يتناسب والأجوبة عنها:

1 – شبهة عدم امكان إعادة المعدوم
ملخص الشبهة : كيف يحيى الإنسان من جديد بعد ان يضمحل ويتلاشى بدنه ؟

فهل من الممكن ان يرجع للحياة بعد ان يتحول إلى تراب ؟

فنلاحظ ان السبب في إنكار هؤلاء للمعاد هو تلك الشبهة التي يعبر عنها بـ (استحالة إعادة المعدوم)، اي ان هؤلاء كانوا يعتقدون بان حقيقة الإنسان هي عبارة عن هذا البدن المادي الذي يتلاشى وينعدم بالموت، وإذا ردت له الحياة من جديد بعد الموت، فهو إنسان آخر لا هو عين الأول، لان إعادة المعدوم أمر محال وممتنع.

والجواب : وهو المشار إليه بقوله تعالى :

(وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة:10- 11)  

وهو ان حقيقة الإنسان وهويته قائمة بروحه، لا بأعضاء بدنه التي تتفرق في التراب بعد الموت فالهوية الشخصية لكل إنسان وحقيقته متمثلة بروحه الباقية بعد الموت والتي يتوفاها الله تعالى، وبعبارة أخرى : ان المعاد ليس هو إعادة للمعدوم، بل عودة الروح الموجودة إلى الجسد المادي مره أخرى.
 

2 - شبهة عدم قابلية البدن للحياة الجديدة
وهذه الشبهة يطرحونها بعد التنزل عن الشبهة الأولى والتسليم بجوابها بان يسلم ان حقيقة الإنسان إنما هو في الروح لا  البدن وان الروح يمكن ان تعود إلى البدن ولكن قد يقال بعد ذلك: بان وقوع العودة فعلا وخارجا مشروط بقابلية البدن لتلك العودة ، ونحن نرى أن حصول الحياة منوط بشروط وأسباب خاصة، لابد من توفرها تدريجا، فمثلا: لابد من ان تستقر  النطفة في الرحم ولابد من توفر شروط مناسبة لنموها وتكاملها، لتصبح جنينا متكاملا بالتدريج، ثم لتصبح إنسانا، ولكن  البدن الذي يتلاشى يفقد قابليته واستعداده للحياة.
 

والجواب عن هذه الشبهة: ان النظام الذي نشاهده في عالم الدنيا، ليس هو النظام الوحيد الممكن ، والشروط والأسباب التي نعرفها من خلال مشاهداتنا وتجاربنا ليست هي الأسباب والعلل الوحيدة، والشاهد على ذلك وقوع بعض الظواهر  والحوادث الحياتية الخارقة للعادة في هذا العالم نفسه، أمثال إحياء بعض الحيوانات او الناس.
وقد ذكر القران الكريم مثل هذه الأمور لأجل رفع مثل هذا الاستبعاد كما في قضيه إحياء عيسى (عليه السلام) للموتى او مثل  إحياء الطيور المفرقة.
 

3 - الشبهة في مجال قدرة الله تعلي على إحياء الأموات
 

ملخص الشبهة: انه يشترط في وقوع آية ظاهرة من الظواهر وتحققها: قدرة الفاعل عليها، إضافة إلى انها يجب ان تكون  ممكنه في حد نفسها وغير ممتنعة، ومن اين نعرف أن الله تعالى يملك القدرة على إحياء الموتى؟! 
وهذه الشبهة إنما تطرح من قبل أولئك الذين يجهلون قدرة الله تعالى اللامتناهية وهي ضعيفة وواهية جدا.
والجواب عنها: ان القدرة الإلهية ليس لها حدود، وتتعلق بكل شئ ممكن الوقوع، كما هو الملاحظ بأنه تعالى خلق هذا  الكون الواسع بكل ما يتمتع به من عظمة مثيرة للدهشة والإعجاب:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الاحقاف:33) .
إضافة ان الخلق الجديد ليس أكثر صعوبة من الخلق الأول، ولا يحتاج الى قدرة أكثر، بل من الممكن القول انه أهون  وأسهل، اذ ليس فيه الا إعادة الروح الموجودة : 
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ )(الإسراء: من الآية51).
(وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )(الروم: من الآية27).
 

4 - الشبهة في مجال علم الله تعالى
وملخصها : انه اذا أراد الله سبحانه وتعالى إحياء الناس، ومجازاة أعمالهم ثوابا او عقابا فلابد ان يكون قادرا علي ان يميز  بين الأبدان التي لا تعد ولا تحصى، ليعيد كل روح إلى بنها هذا من جانب ، ومن جانب آخر، لابد من ان يتذكر جميع  الأعمال الحسنة والسيئة، ليجازي كلا منها بما تستحقه من الثواب او العقاب، ولكن كيف يمكن التمييز والتعرف على  الأبدان التي تحولت إلى تراب، واختلطت ذراتها وأجزاؤها ؟ وكيف يمكنه ان يضبط ويتذكر أعمال البشر كلها خلال الآلاف  بل الملايين من السنين ليحاسبها ؟
وهذه الشبهة طرحها أولئك الذين يجهلون العلم الإلهي غير المتناهي، حيث قاسوا العلم الإلهي بعلومهم الناقصة المحدودة،
 

والجواب عن هذه الشبهة: ان العلم الإلهي ليس له حدود، وله احاطة بكل شيء، و الله تعالى لا ينسى اي شيء.
 

وينقل القرآن الكريم عن فرعون قوله لموسى (عليه السلام) : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) (طـه:51) .
 

فقال موسى(عليه السلام): (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:52).
 

وقد ذكر في آية أخرى الجواب عن الشبهتين الأخيرتين: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يّـس:79) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) التغابن: 7.

(2) التغابن: 7.

(3) الروم : 50.

(4) البقرة :259 .

(5) يس : 77 -79.

(6) القلم : 33 .

(7) ص : 28 .

(8) الإسراء : 58 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ حُبِّ الْعِبَادَةِ وَ ...
عقائد الشيعة اصولاً وفروعاً
التوحيد و مراتبه و ابعاده
أقسام التوسُّل
آية الوضوء آية محكمة
التوسُّل بالاَنبياء والصالحين
العدل الالهي
أصول العقائد بالدليل والبرهان
بيان عقيدتنا في التوحيد
الإمامة

 
user comment