عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) الخالدة

بحلول هذا العام الهجري الجديد ، يكون قد مضى على واقعة كربلاء ، قرابة 1369سنة . وخلال هذه القرون الطويلة من السنين ، قد حدث ما حدث ، وتعاقبت فيها على الحكم دول وحكومات ، وحكم فيها خلفاء ، وتملّك فيها ملوك ، وترأَّس فيها رؤساء . ولكن مع كل هذا وذاك ، فإنّ هذه الثورة العظيمة ، تجذّرت في نفوس محبِّيها وعشَّاقها ، وقد أمست هذه الثورة ـ وبحق ـ ملكاً وإرثاً إنسانياً عظيماً ، يتفاخر به الملأ من دعاة الحرية والعدل ، وتتغنَّى بها القلوب الولهى ، والمُحِبَّة للسلام ، والتائقة لمبادئ الحرية ، لا بل إنّها أصبحت ملكاً للإنسانية جمعاء ، بغض النظر عن ميولها واتجاهاتها الدينية أو العقائدية .

اللَّهُم إلاّ أولئك الذين هم على شاكلة ابن زياد وسيّده يزيد ومن لفّ لفّهما ، فهمْ ويزيد بن معاوية متساوون في كل الرذائل ، وربَّما تشابهوا حتى في اختيارهم لنوعية قرودهم التي تؤنسهم برقصها ليلاً ونهاراً . فهذا الصنف من الناس ، أو هؤلاء الطغاة ، لا يأنسون بوقوفهم إلاّ حيثما وُجد الظلم والجور ونهب أموال المظلومين والجياع ، وسلبهم لحرِّيَّاتهم ، تماماً بالضد من العدل والحق ؛ لأنّ التأريخ الطويل الذي عاشته وتعيشه البشرية ، أثبت ، وبما لا يقبل الجدل ، أنّ مسيرة الإنسانية وعبر سيرها الطويل والحثيث ، أبت إلاّ أن تكون سالكة لسبيلين لا ثالث لهما ، فهي : إمّا شاكرة وإمّا كفورة .

والسبيل الثاني هو الغالب دوماً ، على الرغم من كل ما جاءت به الرُّسُل والأنبياء من رسالات سماوية ، تهدي إلى سبيل الحق والعدل ، دون الباطل والشر . ولكن أنّى لهذا العدل أن يعمَّ ربوع البشرية ، وهذه الدنيا بمغرياتها لم تتوان قط ، ومن وراءها أبالسة الإنس قبل الشياطين ، عن تقديم إغراءاتها لهذا الإنسان الذي شرّفه الله تعالى ، بأنْ جعله خليفة له في الأرض ، فما أعظمه من تشريف ، ولكن ما أقبح جحود البعض من هؤلاء البشر .

ولكن في قبال ذلك الجحود ، ما أعظم بعض هذا البشر ، الذي سما ويسمو في كل شيء في الوجود ، إلاّ من إقراره وهو متصاغر بعبوديته لله تعالى . هذا الإقرار الذي بلغ لدى البعض من المخلصين ، درجة من الفناء المطلق في ذات الله ، حتى أصبح لا يرى شيئاً إلاّّ ويرى الله معه وبعده وقبله وفيه ، وتراه إذْ يناجي ربه قائلاً : ( عُميتْ عين لا تراك عليها رقيباً , وخسرت صفقة عبدٍ لم يكن لك فيها نصيباً ) . وهكذا هي العبودية الحقّة ، وهكذا كان هو الحسين ( عليه السلام ) ، هذا الإمام الذي فجّر ثورة عظيمة في كل شيء ... برجالها وأبطالها وبتضحياتها وبأهدافها .

لقد ضمّتْ هذه الثورة من الخصائص : الإيثار ، والتضحية ،وروح الاقتحام ، والإباء ، والشجاعة النادرة . وقَلَّ أن تجد لمثلها ثورة في تاريخ البشرية قاطبة ، من حيث المبادئ والإخلاص لله تعالى ؛ وهذا هو الذي جعل من هذا الإمام المظلوم والمنتصر في آن واحد ، مع إخوته وأهل بيته وصحبه ، يخلّدون في أعظم صفحات التأريخ وإلى الأبد .

وإنّي لأرى التأريخ وهو ينحني متصاغراً وهزِءاً من نفسه ومحتقراً لها ، إذْ هو يرى من نفسه ، أنّه لم يستطع أن يجد في صفحاته المشرقة الخالدة ، مكاناً أوفر بهاءً وأعظم منزلة ودرجة ، من تلك التي أُنزل بها الحسين ( عليه السلام ) وصحبه ، على الرغم من عظم المنزلة ؛ لأنً التأريخ يشعر بقرارة نفسه ، أنَّ درجة هؤلاء الأبطال الميامين وسيَّدهم ، لا تسعهم صفحاته المتواضعة ، لأنّ هذا التاريخ مهما عظم ، سيظل في الواقع ، أدنى منزلة من قطرة دم واحدة سالتْ من أجساد هؤلاء الأبطال الأباة .... لأنّ شخصاً كالحسين (عليه السلام) ، والذي بكته الأرض قبل ملائكة السماء ـ وأكبر من ذلك أنَّه بكاه ، وقبل استشهاده ، سيد الكائنات على الإطلاق ـ حريٌ به أنْ تكون منزلته في سويداء قلوب الأجيال المتعاقبة ، وإلى ما شاء الله من أيَّام الدنيا التي لا يعلم مداها أو عددها إلاّ الله ...

أمّا الآن ، فلنتناول جانباً من الجوانب الكثيرة والمشرقة لهذه الثورة العظيمة ، وليكن ذلك عن العوامل الرئيسية التي ساهمت ، بشكل أو بآخر ، في تفجير هذه الواقعة الأليمة ، مراعين في ذلك ضيق المساحة وعدم تناسبها مع الحجم الذي يستحقُّه الموضوع .

إنّ العوامل التي أسهمت بشكل فاعل وأثّرت في قيام نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)،  والتي فجّرت الموقف بوجه الدكتاتورية الأُموية الفاسدة ، يمكن إجمالها بثلاثة عوامل مهمة :

قضية البيعة ليزيد ، والمحاولات المتكرِّرة والملحَّة من سلطة يزيد الغاشمة ، لإجبار الإمام الحسين (عليه السلام) على الرضوخ لمطلبهم .

2 ـ إعلان أهل الكوفة نصرتهم للإمام من خلال آلاف الرسائل التي بعثوا بها إليه .

3 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي رأى الأمام في ضوءه ، أنّ تكليفه الشرعي يوجب عليه العمل بمحتواه لمواجهة الأوضاع الفاسدة .

أمّا العامل الأول ( البيعة ليزيد ) ، فلم يكن هذا الأمر بالجديد على الأمام ، ولا كان غائباً عن تفكيره ، فلطالما كان هذا الأمر يؤرِّق معاوية أيَّام خلافته ، وقد سعى جاهداً من أجل التمهيد لانتقال سلطة الخلافة من بعده لابنه يزيد .

والتاريخ يذكر لنا ، أنّ معاوية قد ذهب بنفسه ، أيَّام اغتصابه الخلافة ، إلى المدينة لكي يمهِّد لهذا الأمر ، بعد أن نقض شروط الصلح مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فقام بتدبير موته بالسم ، والتقى ببعض وجهائها . وكان من أبرز مَن التقاهم : عبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، والإمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) . وحاول من خلال ما عُرف به من دهاء ، إيصال فكرة استخلاف أبنه يزيد من بعده ، ولكنّ الوقائع التاريخية تقول إنّه أخفق في ذلك .

وبعد وفاته سارع ابنه يزيد ، بإرسال مبعوث عنه إلى المدينة ، محمّلاً إيّاه رسالتين في وقت واحد ، كانت الأُولى تحمل نبأ وفاة معاوية إلى أهل المدينة ، بينما كانت الثانية يطلب يزيد فيها من عامل المدينة ، بأن يستدعي الحسين ( عليه السلام ) ويأخذ البيعة منه عنوة وقسراً ، وإنْ رفض ذلك ، فلا خيار لك في قتله : ( خذ الحسين بالبيعة أخذاً شديداً ) .

لكن الإمام ( عليه السلام ) لم يستجب لهم ، ورفض أن يبايع ليزيد . وكان هذا الرفض من جانب الإمام الحسين ( عليه السلام ) يعني الشيء الكثير بالنسبة لمستقبل خلافة يزيد . وبعد أن تدارس الإمام ( عليه السلام ) وضعه ، قرَّر الانتقال من المدينة إلى مكَّة ، وكان في قرارة نفسه يعرف ، أنّ يزيداً سوف لا يتركه دون أن يخطِّط لاغتياله . وفعلاً كان حدس الإمام صحيحاً وفي مكانه ؛ إذْ إنّ يزيد أرسل ثلاثين رجلاً ليقوموا باغتيال الإمام ( عليه السلام ) .

أمّا رأي الإمام ( عليه السلام ) في هذه البيعة ورفضه لها ، فقد شاع خبره بين الناس : ( مثلي لا يبايع مثله أبداً ) . وفي كلام آخر للإمام (عليه السلام) فقد بيّن للناس حقيقة يزيد وما هو عليه من فساد : ( وعلى الإسلام السلام ، إذْ بُليتْ الأُمَّة براعٍ مثل يزيد ) .

أمّا العامل الثاني ، فهو دعوة أهل الكوفة للإمام ، ومؤازرتهم له ، والطلب إليه التوجُّه إلى العراق . وهم قد سمعوا حتماً أخبار رفض الإمام البيعة ليزيد ، وعدم رضوخه لسلطته الجائرة . ومن المعروف أنّ الكوفيين كانوا قد ذاقوا مرارة سياسة معاوية تجاههم ، فضلاً عن قيامه بقتل بعض الرموز البارزة من الكوفيين .

إذن ، والحال هذه ، فإنّ التكليف الشرعي يدعو الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأن يستجيب لدعوة الكوفيين له ؛ طالما أبْدوا له تأييدهم واستعدادهم للوقوف إلى جانبه .

إضافة إلى أنّ هذه الدعوة هي بمثابة حجة على الإمام ألقاها الكوفيون في عنقه ، وعليه ينبغي الاستجابة لهذه الدعوة ؛ لأنّها تلتقي ضمنياً مع مبدأ الأمر بالمعروف الذي هو العامل الثالث من عوامل الثورة .

والحقيقة أنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تعتبر الأكثر حضوراً في ذهن وتخطيط الإمام ( عليه السلام ) ، خاصةً وهو يرصد عن وعي ما آلت إليه الأمور من الفساد والجور ، وانتهاك حدود الله ، في ظل حاكم فاسد مثل : يزيد .

والدليل على أنّ الحسين ( عليه السلام ) كان جُلّ تفكيره منصبّاً للعمل بموجب مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو ما نراه في خطاباته وحواراته في تلك الفترة ، والتي عبّرت ، بشكل أو بآخر ، عن رفض الإمام ( عليه السلام ) المطلق لسلطة يزيد اللاَّشرعية . وإنّ هذه الخطابات والمراسلات كانت تشير بوضوح ، إلى أنّه كان يتحرَّك وفقاً لمعيار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى أنّه ( عليه السلام ) قد ذكر ذلك صراحة ، معتبراً هذا المبدأ شعاره الرئيسي ، الذي ينبغي السعي إلى تحويل محتواه إلى واقع عملي ملموس . ونجد ذلك في وصيَّته لأخيه محمد بن الحنفية ، إذْ يقول : ( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ولا ظالماً ؛ وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمَّة جدِّي . أُريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر ، وأسير بسيرة جدِّي وأبي ) .

وعلى العموم يمكننا في الختام أن نلمس بعض الترابط الذي يجمع ما بين هذه العوامل الثلاثة رغم خصوصية كل منهما .. فنستطيع القول :

إنّه بناءً على موقف الإمام ( عليه السلام ) الرافض وبشدة لبيعة يزيد ، وتحرُّكه من المدينة إلى مكَّة ، فهذا التحرُّك يعني من ضمن ما يعنيه ، أنّ موقف الإمام ( عليه السلام ) وفي هذا الظرف بالذات ، كان موقفاً دفاعياً عن النفس ، ولكنّه بوجهه الآخر ينطلق من موقف مبدأي للإمام ( عليه السلام ) فحواه : أنّ هذا الرفض للبيعة هو امتناع عن فعل منكر ؛ لأنّ البيعة لفاسد من أنكر المنكرات .

بينما العامل الثاني ( وأقصد به : استجابة الإمام ( عليه السلام ) لدعوة أهل الكوفة له والتوجُّه إلى العراق ؛ إذْ ناصروه من خلال آلاف الرسائل الموجَّهة إليه منهم ) ، فإنّه يعني التكليف الشرعي للإمام ( عليه السلام ) ، يجيز له قبول هذه الدعوة ؛ لأنّ هذه الدعوة تعني في أحد وجوهها : أنّها حجة ملقاة على الإمام ( عليه السلام ) ، وإنّه ليدرك ذلك تماماً .

بينما وجهها الآخر في حالة استجابته لدعوة الكوفيين ، فإنّ الإمام ( عليه السلام ) سيكون قد انتقل من محدودية ظرف العامل الأوَّل ، والتي كانت ـ كما قلنا ـ مرحلة دفاع عن النفس ، إلى مرحلة أخرى، تكون في مرتبتها الأُولى التهيّؤ والاستعداد ، بينما مراحلها اللاحقة سيكون من شأنها توفير بعض عناصر القوة التي يستطيع الإمام ( عليه السلام ) من خلالها الانتقال من مرحلة الدفاع المحض عن النفس ، إلى مرحلة الهجوم إنْ تطلَّبت المرحلة ذلك ...

أمّا العامل الثالث ( وأعني به : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، فأنّ هذا العامل هو الحاكم على العاملين السابقين ، لا بل هو الميزان الذي يزن به الإمام كل المستجَدَّات والتطوُّرات ، وعلى كل الأصعدة ، بحيث إنّ الإمام ( عليه السلام ) جعله الشعار المركزي لنهضته ، منذ تحرُّكه من المدينة المنوَّرة ، مروراً بمكّة ، وإلى لحظة استشهاده هو وأهل بيته وصحبه ( سلام الله عليهم أجمعين ) .

 

الإمام الحسين (عليه السلام) عبرة ً واعتباراً

علي حسين عبيد

 لم يقدّم لنا التأريخ درساً ماثلاً للعيان على امتداد التجربة الإنسانية مثل الدرس الذي تمخضت عنه ثورة الإمام الحسين( عليه السلام) للبشرية جمعاء.

ولعلنا لن نأتي بجديد في قولنا إن العبرة التي يمكن للإنسان أينما كان استخلاصها من الفكر الحسيني تصطف بلا أدنى ريب إلى جانب الفقراء، وضعفاء الناس الذين غالباً ما تكون مطرقة ومشارط الأغنياء، موغلة في دمائهم وأرواحهم، وإذا عرفنا أن الثورة الحسينية بمدلولاتها الواضحة للعيان تنتسب إلى الثورة المحمدية العظيمة وتستمد منها زخمها الإنساني الخالد، فإننا حين ذاك سنصل بلا أدنى عناء إلى أهداف الفكر الحسيني، والزخم المتواصل في خلوده وديمومته كمثال مشرف لثورة الإنسان ضد الظلم والطغيان مهما كان غلوه وجبروته وعنجهيته.

فلقد بدأ الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) فرداً مع ربه الخالق الجليل وبدأت بوادر النور تتدفق في وسط الظلام الجاهلي، الذي كان مستشرياً بين الناس آنذاك، ولقد أخذت منافذ الشر، والظلم، والجهالة، بالانكماش رويداًًً في صراع إنساني فكري قلّ نظيره في الوقت الذي تصاعدت وتيرة الخير، وهي تكتسح أمواج الظلام في طريقها إلى الرقي الإنساني.

 ولكم تجندل العتاة، والبغاة، والطغاة الكافرون، تحت وهج النور الإيماني المتدفق من الفكر الإسلامي الوقاد، وهو يتوغل تباعاً في النفوس التي غرّر بها الظالمون الذين تصدّوا برعونة هوجاء لبوادر العلم، والخير، والتطور الإسلامي، الذي زرع مصابيح النور في القلوب والأرواح المغرّر بها والمغلوب على أمرها، لكن في نهاية المطاف كان الإسلام وما زال راية خفّاقة على رؤوس الإنسانية جمعاء ومنار هداية للجنس البشري أينما كان ملاذه.

من هنا جاء سبط الرسول الأكرم الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وثورته العملاقة وفكره الإسلامي الخلاّق امتدادا عظيماً لبزوغ فجر الإسلام الخالد وانتشاره بين بني الإنسان ليشكّل عبرة خالدة في إعادة الأمور إلى جادة الصواب ووضع المسيرة الإسلامية على الصراط المستقيم، من هنا كان قول الشاعر الحسيني معبراًً عن حال الإمام الحسين الخالد (عليه السلام):

  إن كان دين جدي لا يستقيم إلا*** بقتلي فيا سيوف خذيني 

  وهذا القول إذا كان يفصح عن معنى محدداًً فإنه إشارة عظيمة وخالدة ودرس كبير لمن لا يصبر على الظلم الإنساني أياً كان مصدره ودليل عمل للجنس البشري في التصدي للانحراف الذي يتأتى غالباً من الطغاة الظالمين، ومع إننا نقرّ جميعاً بالعبرة التي قدمتها ومازالت لنا ملحمة الحسين (عليه السلام) فإننا نقرّ كذلك بالجانب الاعتباري العظيم الذي قدّمته هذه الثورة لنا من أجل تصحيح المسار الذي شطّ كثيراًً عن طريق الرسالة المحمدية العظيمة، عندما أوغل الظالمون في طريق الظلم والجهالة، والاستهانة، بما جاءت به مبادئ الإسلام من قيم خلاّقة تقف إلى جانب الإنسان وتدعم فيه روح الإيمان، وتقوّي فيه عزيمة العمل الإنساني الخلاّق الذي يهدف إلى تنوير الإنسان وخدمته في آن واحد.

هكذا يمكن لنا أن ننظر إلى ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) العملاقة، والى فكره الإنساني المتبصّر بصغائر الأمور وكبارها، وسوف لا نحيد عن الحقيقة قيد أنملة عندما نؤشر القيمة الاعتبارية لهذه الملحمة الفعلية الفكرية، وعندما نؤكد استخلاص الدروس الإنسانية الخلاّقة منها، إنها درس إنساني يقف إلى جانب الإنسان والخير أبداً، وفي ذات الوقت تشكل نبعاً اعتبارياً مستديماً ينهل منه الإنسان وليس المسلمين حصراً قيمتهم الاعتبارية، وكرامتهم الإنسانية، التي حاول الطغاة البغاة الظالمون على مر التأريخ وما زالوا تدنيسها بمآرب لا تمت لقيم الشرف والإنسانية بأيّة صلة مهما قلّ مقدارها.

لقد أتاح لنا الإمام الخالد (عليه السلام) أن نخلد إلى أنفسنا، ونتبصر أفعالنا، وأفكارنا، ونفرز أهدافنا ونمحّصها بصورة متأنية وصحيحة، ثم نقارنها بالأهداف الإسلامية الوقّادة وبفعلها الباهر، وقدرتها الخلاّقة على إدارة دفة التأريخ لصالح الخير، إذا ما رغب الإنسان أينما كان في ذلك، لقد قال الحسين(عليه السلام) الخالد قولته وثبت على وجه التأريخ فعلته وواقعته العظيمة، ثم ترك لنا الخيار في العبرة والاعتبار، فمن وعى ذلك وقرأ صفحات التأريخ بصورة صحيحة ذلك هو الفائز حتماً، ومن كان ولا يزال من الخلق غائباً في غيبوبته نائماً خلف ستارة العتمة الفكرية، ملفعاً بوشاح الجهالة والظلام، ذلك هو الخاسر حتماً وما هي إلا وقفة مع النفس حتى تجد العبرة بين يديك مستمدة من ثورة الإمام الخالد (عليه السلام) وتجد الكرامة الإنسانية ترفرف فوق روحك وتكلل حياتك في صميمها حتى الموت.

تلك عبرة ملحمة الحسين (عليه السلام) وتلك هي قيمتها الاعتبارية الإنسانية على مر التأريخ وسيبقى لك الخيار أيها الإنسان إلى الأبد، فبعقلك ويدك ستصل إلى جادة الصواب وبهما ستكون من الخاسرين.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحسين (عليه السلام) أسوة وقدوة
اثر الثورة الحسينية
الامام الحسین(ع) فی رؤیة دعبل الخزاعی و الشریف ...
أعظم فداء من أجل الحق
مواعظه (ع)
من كلام السيد القائد الخامنئي (دام ظلّه) في ذكرى ...
كرامات الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد مقتله من ...
الإمام الحسين والقرآن الكريم
قصيدة تلقى قبل اذان الصبح في حضرة الامام الحسين ...
اصحاب الامام الحسين عليه السلام يوم الطف

 
user comment