عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

[ شَذَراتٌ من حياة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ]

[ شَذَراتٌ من حياة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ] *

 حياة الأئمّة ( عليهم السلام ) حافلةٌ بالأحداث والوقائع ، ونحن في هذه المناسبة ـ مناسبة مولد الإمام الجواد ( عليه السلام ) ـ نقف وقفةً نستلْهِم منها بعض الدروس والعبر ؛ علّنا نقف على بعض الجوانب التي كنّا غافلين عنها فيما مضى .

 الإمام ( عليه السلام ) عاصر شطراً من حياة الأمين ، وقسماً لا بأس به من حياة المأمون ، وسنتين من حياة المعتَصِم ، والتي كانت نهاية حياته الشريفة على يده الأثيمة ، وعلى كلّ حالٍ ، بماذا تميّزت حياة الإمام ( عليه السلام  ) ؟ والجواب :

* أوّل شيءٍ :

 تسلُّمه منصب الإمامة في سنٍّ مبكِّرة جداً ، هي بين السابعة والثامنة ،  وهي سنٌّ صغيرةٌ جداً بمقاييسنا البشرية القاصرة ، بينما بمقاييس الله  نرى الأمر مختلفاً ، فإنّه يقول : ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً )  ، فهذا عيسى ( عليه السلام  ) ، ويحيى ، وإبراهيم ، تنطبق عليهم الآية الآنفة الذكر .

 فمسألة السنِّ ليست هي المِقياس الأساس في مسألة التقديم ، بل المعوّل على الكفاءة والجدارة . ففي الكافي ، ج1 ، ص321   ، كما نقل بحار الأنوار : عن محمّد بن الحسن بن عمّار ، قال : كنت عند عليّ بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة ـ وكنت أقمت عنده سنين أكتب عنه ما سمع من أخيه ، يعني أبا الحسن ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا المسجدَ ، مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فوثب عليّ ابن جعفر بلا حِذاء ولا رداء ! فقبّل يده وعظّمه ، فقال له أبو جعفر ( عليه السلام  ) : يا عمّ اجلس رحمك الله ؟ فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم . فلما رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه ، جعل أصحابه يوبّخونه ، ويقولون : أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ فقال : اسكتوا ! إذا كان الله عزّ وجلّ – وقبض على لحيته – لم يؤهِّل هذه الشيبة وأهَّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أُنكر فضله ؟! نعوذ بالله ممّا تقولون ، بل أنا له عبدٌ .

 وهذه القضية تدلّل على مدى جدارة الإمام ( عليه السلام  ) باعتراف عليّ بن جعفر عمّ الإمام الرضا ( عليه السلام  ) وهو رجلٌ عالمٌ فقيه ، وتدلّل أيضاً على احترام أصحاب الكفاءات والفضل .

  * ثانياً :

 أوْلَى الإمام ( عليه السلام ) الجوانب الفكرية والعلمية قسطاً وافراً ، أي إنّه قام بالتدريس والردِّ على الشُبهات العقائدية التي كانت منتشرة في الأمّة آنذاك ، وقام بتعليم الفقه وعلوم الشريعة ، حتى قيل أنّه قد ورد عليه جماعة من الشيعة وسألوه في مجلسٍ واحدٍ ثلاثين ألف مسألةٍ ! .

 وقصّته مع يحيى بن أكثم في مجلس المأمون حينما أراد أن يسأل الإمام سؤالاً تعجيزيّاً ، فقال له : ما تقول ـ جعلت فداك ـ في مُحرِمٍ قتل صيداً ؟

 فقال الإمام ( عليه السلام  ) : ( قتله في حلٍّ أو حرمٍ ، عالماً كان المحرمُ أو جاهلاً ، قتله عمداً أو خطأ ، حرّاً كان المحرم أو عبداً ، صغيراً كان أو كبيراً ، مبتدئاً أو معيداً ، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ، من صغار الصيد أم من كِبارها ، مصرّاً على ما فعل أو نادماً ، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار ، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً ؟ ) .

فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع  ،  فهذه القصّة معروفةٌ لدى غالب الناس .

وهذا يدعونا إلى التوجّه اقتداءً بفعل الإمام ، وكذلك بقية الأئمة ( عليهم السلام ) ، لمسألة الجوانب العلمية ؛ فقيهةً وعقائديةً وغيرهما .، وقد يقول قائلٌ : وما حاجتنا لهذه الأمور حالياً ، فهناك ما هو أهم منها ؟

والجواب : الإمام ( عليه السلام  ) كان في عصرٍ حرجٍ جداً من الناحية السياسية ، فكانت هناك ثوراتٌ وانتفاضاتٌ ، ولكن لم يترك هذه الجوانب  بالإضافة لقيامه بالأعباء والمسؤوليات الأخرى ، هذا بالإضافة إلى أنّ هذه الجوانب هي الأساس والبناء للجوانب الأخرى ؛ فأنت تحتاج إلى جانبٍ عقائديٍّ ، وإلاّ ما معنى هذا التديّن والانقياد للأئمّة ( عليهم السلام ) ؟؟ وأنت تحتاج في كل تحرّكٍ أن تعرف الحكم الشرعيَّ فيه وإلاّ ستقع في المعاصي والمحرَّمات من حيث لا تشعر ، والتقليل من هذا الجانب من البعض يدلّ على غفلةٍ وجهلٍ مركبٍ !!

* ثالثاً :

 قول كلمة الحقّ حتى لو كانت ثقيلةً ومرّةً ، ففي قصّة مفصّلةٍ ذكرها صاحب البحار نقلاً عن كتاب الاختصاص ، وتدور أحداثها حول عمّ الإمام الجواد عبد الله بن موسى ، وكان شيخاً كبيراً نبيلاً ، وقد دخل على الإمام وكان هناك في المجلس جماعة كثيرة من الشيعة من كل بلد ؛ جاءوا لرؤية الإمام بعد وفاة الإمام الرضا ( عليهما السلام ) ، فسأل رجل من المتواجدين في المجلس عمّ الإمام ، فقال : أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمةً ؟ فقال : تقطع يمينه ويضرب الحدّ ، فغضب الإمام أبو جعفر( الجواد) ( عليه السلام  ) ثمّ نظر إليه ، فقال : ( يا عمّ ، اتق الله ؛ إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ فيقول لك : لِمَ أفتيتَ الناس بما لا تعلم ؟!  فقال له عمّه : يا سيدي ، قال هذا أبوك صلوات الله عليه ؟ فقال أبو جعفر ( عليه السلام  ) : إنّما سُئِل عن رجلٍ نبش قبر امرأةٍ فنكحها ، فقال أبي : تقطع يمينه للنبش ، ويضرب حد الزّناء ، فإنّ حرمة الميّتَةِ كحُرمة الحيّة ) . فقال : صدقت يا سيدي ، وأنا أستغفر الله .

  فهنا يلاحظ أنّ الإمام بالرغم من وجود جمع كبير في المجلس ، وأنّ المجيب خطأً هو عمّ الإمام ، لم يمنعه من الردّ عليه وتصحيح اشتباهه ، مع ملاحظة خطاب العمّ للإمام بـ ( سيدي ) ؛ ممّا يحتوي على الاحترام التام ، وكذلك استغفاره ممّا صدر منه مع كِبَر سنّه ، وجلالة قدره ، وأَمام الملأ كان هذا الاستغفار والاعتراف بالخطأ ، وهذا درسٌ لنا من حياة الإمام ؛ بعدم الجرأة على الفتوى بغير علمٍ ، والاعتراف بالخطأ ، وتقديم صاحب الكفاءة لكفائته في مجال اختصاصه ، وعدم الجرأة على الله سبحانه وتعالى …

هذه بعض الشذَرات من حياة الإمام الجواد ..أسأل الله التوفيق فيما ذكرته ..

 

شهادة الإمام الجواد (عليه السلام)


استدعاء المعتصم العباسي الإمامَ ( عليه السلام ) :

بويع الخليفة العباسي المعتصم سنة ( 218 هـ ) ، وما أن استَتَبَّ له أمر الملك ، وانقادت له البلاد شرقاً وغرباً ، حتى أخذ يتناهى إلى سمعه بروز نجم الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، واستقطابه لجماهير الأمّة ، وأخذه بزمام المبادرة شيئاً فشيئاً .

وتتسارع التقارير إلى الحاكم الجديد بتحرك الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) وسط الأمّة الإسلامية .

وعلى أساس ذلك قَرَّر المعتصم العباسي - وبمشورة مستشاريه ووزرائه ، ومنهم قاضي القضاة ابن أبي دؤاد الأيادي ، المعروف ببغضه لأهل البيت ( عليهم السلام ) والذي كان يسيطر على المعتصم ، وقراراته وسياسته - أن يبعث بكتاب إلى واليه على المدينة المنورة ، محمد بن عبد الملك الزيَّات ، في عام ( 219 هـ ) ، بحمل الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، وزوجته أم الفضل ، بِكُلِّ إكرام وإجلال ، وعلى أحسن مركب إلى ( بغداد ) .

فلم يكن بُدّ للإمام ( عليه السلام ) من الاستجابة لهذا الاستدعاء ، الذي يُشَمُّ منه الإجبار والإكراه .

وقد أحسَّ الإمام ( عليه السلام ) بأنَّ رحلته هذه هي الأخيرة ، التي لا عودة بعدها .

لذلك فقد خَلَّف ابنه أبا الحسن الثالث ، وهو الإمام الهادي ( عليه السلام ) في ( المدينة ) ، بعد أن اصطحبه معه إلى ( مَكَّة ) لأداء مراسم الحجّ .

وأوصى له بِوَصاياه ، وسَلَّمه مواريث الإمامة ، وأشهد أصحابه بأنَّه ( عليه السلام ) إمامهم من بعده .

وتستمر الاستعدادات لترحيل الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد ، ويَستمْهِلهُم الإمام ( عليه السلام ) لحين انتهاء الموسم .

وفعلاً ، يؤدي الإمام الجواد ( عليه السلام ) مراسم الحج ، ويترك ( مَكَّة ) فور أداء المناسك معرّجاً على مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لِيُخلِّف ( عليه السلام ) فيها ابنه الوصي الوريث .

رحيل الإمام ( عليه السلام ) :

يبدو أنّ الإمام الجواد ( عليه السلام ) خرج من ( المدينة ) مُتَّجهاً إلى ( بغداد ) غير زائرٍ جَدَّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنَّه ( عليه السلام ) أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه على هذا الاستدعاء ، وأنّ خروجه من مدينة جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) إنّما هو مكره عليه .

ويواصل الإمام ( عليه السلام ) رحلته إلى المصير المحتوم ، وقد أخبر أحد أصحابه بأنّه غير عائدٍ من رحلته هذه مَرَّة أخرى .

فروى محمد بن القاسم ، عن أبيه : لمَّا خرج - الإمام الجواد ( عليه السلام ) - من ( المدينة ) في المرة الأخيرة ، قال ( عليه السلام ) : ( مَا أطْيَبكِ يا طيْبَة !! فَلَسْتُ بِعَائدٍ إِليكِ ) .

وبُعَيد هذا فقد أخبر الإمام ( عليه السلام ) أصحابه في السنة التي تُوفِّي فيها بأنّه ( عليه السلام ) راحل عنهم هذا العام .

فعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتب إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) قائلاً : ( اِحملوا إليَّ الخُمْس ، فإنِّي لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا ) .

وصول الإمام ( عليه السلام ) :

وأخيراً ينتهي به ( عليه السلام ) المسير إلى ( بغداد ) ، عاصمة الدولة العباسية ، مَقَرُّه ( عليه السلام ) ، ومثواه الأخير الأبدي ، ودخلها لليلتين بَقِيَتا من المحرم سنة ( 220 هـ ) .

وما أن وصل ( عليه السلام ) إليها ، وحطَّ فيها رحاله ، حتى أخذ المعتصم يدبِّر ويعمل الحيلة في قتل الإمام ( عليه السلام ) بشكل سرِّي ، ولذلك فقد شكَّل مُثلَّثاً لتدبير عملية الاغتيال بكلِّ هدوء .

مُثلَّث الاغتيال :

على الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، إلاّ أنَّ أغلبها تُجمِع على أنّ الإمام ( عليه السلام ) اغتيل مسموماً .

وأنَّ مثلث الاغتيال قد تمثَّل في زوجته زينب المُكنَّاة بـ( أمّ الفضل ) ، وهي بنت المأمون .

وهي المباشر الأول التي قَدَّمت للإمام عنباً مسموماً ، وتمثَّل أيضاً في أخيها جعفر ، والمدبر والمساعد لهم على هذا الأمر هو المعتصم بن هارون .

فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرّخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي حيث يقول : لما انصرف أبو جعفر ( عليه السلام ) إلى ( العراق ) ، لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يُدبِّران ويعملان على قتله ( عليه السلام ) .

فقال جعفر لأخته أمّ الفضل - وكانت لأمّه وأبيه - في ذلك ، لأنّه وقف على انحرافها عنه ، وغِيرتها عليه ، لتفضيله أمّ أبي الحسن ابنه عليها ، مع شِدَّة محبتها له ، ولأنّها لم تُرزَق منه ولد ، فأجابت أخاها جعفراً .

وقال غيره : ثمّ إنَّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وأشار إلى ابنة المأمون زوجته بأن تُسِمَّه .

لأنَّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وشِدَّة غيرتها عليه ، لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها ، ولأنه لم يرزق منها ولد ، فأجابته إلى ذلك .

شهادة الإمام الجواد ( عليه السلام ) :

رُوِي أنَّ مثلث الاغتيال ( المعتصم ، وجعفر ، وأمّ الفضل ) ، كانوا قد تشاوَرُوا وتعاونوا على قتل الإمام ( عليه السلام ) ، والتخلّص منه بعد قدومه إلى ( بغداد ) ، بل ما استُدعِي ( عليه السلام ) إلاَّ لهذا الغَرَض .

وفي ذلك يقول المؤرخ علي بن الحسين المسعودي : ( وجعلوا - المعتصم بن هارون ، وجعفر بن المأمون ، وأخته أم الفضل - سُمّاً في شيء من عنب رازقي ، وكان يعجبه ( عليه السلام ) العنب الرازقي ، فلمَّا أكلَ ( عليه السلام ) منه نَدمَتْ ، وجعَلَتْ تبكي .

فقال ( عليه السلام ) لها : ( مَا بُكَاؤك ؟!! ، والله لَيَضربنَّكِ اللهُ بِفَقر لا يَنجَبِر ، وبَلاء لا يَنْسَتِر ) .

فَبُليت بِعِلَّة في أغمض المواضع من جوارحها ، وصارت ناسوراً ينتقض عليها في كلِّ وقت .

فأنْفَقَت مالها ، وجميع ملكها على تلك العِلَّة ، حتى احتاجت إلى رفد الناس .

وتردَّى جعفر في بئر فَأُخرِج ميتاً ، وكانَ سكراناً .

ولما حضرت الإمام ( عليه السلام ) الوفاة ، بعد أن سرى السُّمَّ في بدنه الشريف ، نصّ على أبي الحسن الهادي ( عليه السلام ) ، وأوصى إليه .

شهادته:

كانت شهادته ( عليه السلام ) في آخر ذي القعدة 220 هـ .

وحُفِر للجثمان المقدَّس قبرٌ ملاصقٌ لقبر جدِّه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، في مقبرة قريش بـ( بغداد ) ، فَوَارَوهُ ( عليه السلام ) فيه .

وانطفأت بشهادته ( عليه السلام ) شُعلَة مشرقة ، من الإمامة والقيادة الواعية ، المفكرة في الإسلام

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مقام علي الأكبر (ع) في كلمات الأئمة (عليهم السلام)
وقفوهم إنهم مسئولون
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...

 
user comment