عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

دور الأئمّة ( عليهم السلام ) تجاه هذا التسَلسُل

الأمر الأول : الذي كان الأئمّة ( عليهم السلام ) يعيشونه في حياتهم ، هو محاولة القضاء على الانحراف الموجود في تجربة المجتمع الإسلامي ، وإرجاعها إلى وضعها الطبيعي ، وذلك بإعداد طويل المدى ، وتهيئة للظروف الموضوعية التي تتناسب وتتّفق مع ذلك .

فمتى ما كانت الظروف الموضوعية مهيّأة لذلك ، كان الأئمّة ( عليهم السلام ) على استعداد لأنْ يمارسوا إرجاع التجربة إلى الوضع الطبيعي ، كما مارس أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : بأنّ اللّه سُبحانه وتعالى أخذ عهداً على الإنسان ، أنْ لا يقرّ على الظلم مع وجود الناصر ، والناصر موجود . وفي كلمة الناصر استبطن كلّ الحدود والظروف الموضوعية التي سوف تذكر فيما بعد ، والتي ذكرناها سابقاً ، التي تجعل في قدرة الإنسان الإمام المعصوم ، أنْ يحاول إعادة التجربة الإسلامية إلى وضعها الطبيعي ووضعها الصحيح الكامل .

الأمر الثاني : والذي كان يمارسه الأئمّة ( عليهم السلام ) ، حتى في حالة الشعور بعدَم وجود هذه الظروف الموضوعية ، التي تهيّئ الإمام لخوض معركة في مقام تسلّم زمام الحكم من جديد .

فالدور الثاني الذي كان يُمارسه الأئمّة ( عليهم السلام ) والذي كان يمارسه الإمام ( عليه السلام ) هو تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً للأُمّة نفسها ، بغية إيجاد تحصينٍ كافٍ في صفوفها لكي يؤثّر هذا التحصين في مناعتها ، وفي عدم انهيارها بعد تردّي التجربة وسقوطها ، إذ كان من اللازم بعد أنْ حُرِمت الأُمّة الإسلامية من التجربة الصحيحة الكاملة للحياة الإسلامية ، بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ تُطعم وتُغذّى الأُمّة كأمّة ، تُطعم الأُمّة وتُغذّى بالإسلام رسالياً ، وتغذّى في مجالها الروحي والفكري والاجتماعي والسياسي ؛ لكي تستوعب الإسلام .


 

 

وأقصد بالأُمّة لا مجموع الأُمّة ؛ لأن هذا لا يمكن أنْ يتحقّق بالنسبة إلى المجموع ، إلاّ في حالة قيادة تُمارس التجربة وتُمارس الحكم وتُمارس الدولة في المجتمع ، ولكنّ الذي أقصده في المقام من التعبئة ، إيجاد قواعد واعية في الأُمّة ، وإيجاد روح رسالية فيها ، وإيجاد عواطف تجاه هذه الرسالة في الأمة .

والأئمّة ( عليهم السلام ) حتى في حالة شعورهم بعدم إمكان استرجاع مركزهم المغصوب ، كانوا يعملون عمَلاً مهمّاً جدّاً لإنقاذ وجود الأُمّة في المستقبل ، وضمان عدم انهيارها الكامل وتفتّتها كأُمّة بعد سقوط التجربة وذلك بإعطاء التحصين الكامل المستمر لها ، على تفصيل سوف يأتي إنْ شاء اللّه خلال شرح هذه الفكرة ، والفكرة على سبيل الإجمال ، ملخصّاً لما سبق لتتمّة تتبع التسلسل في عرضها .

ولقد وقَع الانحراف بعد وفاة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) هذه البداية في تسلسل هذه الفكرة وكانَ هذا الانحراف الذي وقع بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) انحرافاً سياسياً خطيراً جدّاً ، بالرغم من أنّ هذا الانحراف لم يمسّ بحسب الظاهر إلاّ ميداناً واحداً من الميادين التي كان يعتمد عليها الإسلام ، في بداية الأمر لعلّ كثيراً من الناس بدا لهم أنّ هذا الانحراف لا يعني أكثر مِن أنّ شخصاً كان مرشّحاً من قِبَل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أو مِن قِبَل اللّه سبحانه وتعالى ، وهذا الشخص قد أُقصي أو غُصِبَ حقّه ، وأُعطيَ لشخصٍ آخر بدلاً عنه ، قد يكون هذا الشخص الآخر قادراً على أنْ يقوم مقامه في هذه المهمّة.

إلاّ أنّ الانحراف لم يكن انحرافاً شخصياً ، أو سهلاً أو بسيطاً بهذا المقدار لأننا قلنا فيما سبق ، بأنّ الإسلام رسالة تربية للإنسان ، رسالة جاءت لتبني الإنسان من جديد ، وبناء الإنسان من جديد ، يتوقّف على السيطرة على كل المجالات ، وما لَم يمتلك زمام كل تلك الميادين ، لا يُمكن أنْ يسيطر على كل أبعاد الإنسان ، وبالتالي أنْ يربّي الإنسان وفقاً للرسالة التي جاء بها ، التربية الشاملة الكاملة للإنسان بشكل متميّزاً كلّياً عن إنسان ما قَبل الإسلام ، عن إنسان الجاهلية ، هذا يتوقّف على المربّي بحيث يسيطر على كلّ المجالات التي يعمل عليها الإنسان ، يسيطر على مجالات العلاقات الفردية مع ربّه ، يسيطر على مجالات علاقاته مع الآخرين في النطاق العائلي ، يسيطر على مجالات علاقته مع


 

 

الأفراد الآخرين في المجال الاجتماعي وهكذا يسيطر على كلّ المجالات ؛ لأنّ أيّ واحد من هذه المجالات ، لو أنّه لم يسيطر عليه ، فمعنى هذا أنّه لم يسيطر على جزء من الإنسان ؛ لأنّ الإنسان يتفاعل مع كل هذه المجالات ، انتم ترَون أنّ الأب لا يستطيع أنْ يربّي ابنه تربية كاملة شاملة ، ليس الأب هو المربّي الوحيد لابنه ؛ لأنّ هناك أشياء أخرى تشاركه في تربية ابنه ، يشاركه في تربية ابنه زملاؤه في المدرسة وأساتذته فيها .

المجتمع الذي يعيش فيه ، الشارع الذي يلعب فيه ، القوانين التي تطبّق عليه من قِبَل الدولة ، كلّ هذا يشارك في تربية الابن ، فالتربية الشاملة الكاملة لهذا الإنسان لا تكون إلاّ بالهيمنة الكاملة على كلّ هذه المجالات، بحيث تؤخذ كلّ هذه المجالات بيد المربّي ، وبعد هذا يستطيع أنْ يحدّد الأُطروحة الصحيحة للإنسان الأفضل .

على هذا الأساس كانت سيطرة الإسلام على كلّ المجالات بما فيها المجال الاجتماعي الذي هو رأس هذه المجالات ، كان هذا جزءاً أساسياً من التركيب الإسلامي ومن الأُطروحة الإسلامية ، كان من الضروري جداً للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ يسيطر على كلّ هذه المجالات لا أنْ يكون واعظاً في المسجد فحسب ، ولا أنْ يكون أُستاذاً في حلقة فحسب ، بل يكون هذا وذاك ، ويكون إضافةً إلى هذا وذاك ، رائداً للمجتمع ، حاكماً للمجتمع في كلّ مكان ، في كل ما يمكن أنْ يصبو إليه المجتمع من آمال وأهداف ، ويكون مخطّطاً ومقنّناً للمجتمع في كل المجالات ، في كل ما يحتاج إليه المجتمع من قوانين وتنظيم .

هذا هو أُسلوب التربية الشاملة الكاملة الذي اتجه إليه الإسلام ، وليس من الكلفة أنْ يقال في نصٍّ نبوي ، مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية ؛ لأنّ الارتباط بالإمام ( عليه السلام ) والارتباط بالقيادة جزء من التربية الشاملة الكاملة للإنسان ، فوجود قيادة إسلامية للحياة الاجتماعية كان جزءاً ضرورياً في الحياة الإسلامية الاجتماعية ، وإنجاح الثورة الإسلامية ، وإنتاج الأمة والفرد والعائلة التي يريدها اللّه سُبحانه وتعالى ، والتي يحدّدها القرآن الكريم وعلى ضوء هذا ، نستطيع أنْ نعرف أنّ أيّ انحراف يحصل في هذا المجال ، في مجال قيادة المجتمع ، أي انحراف يقع في هذه القيادة فهو يهدّد المخطط بكامله ؛ لأنّ هذا الانحراف ، سوف يجعل المجال الاجتماعي يفلت من يد الإسلام ، وإذا افلت


 

 

هذا المجال من يد الإسلام فسوف يفلت من يد الإسلام جزءٌ كبير من وجود الإنسان ، وبالتالي ، وبقانون التفاعل بين أجزاء الإنسان بعضها ببعض ، سوف تفلت بقية الأجزاء أيضاً .

هذا الانحراف كان يشكل بداية خطر على التجربة الإسلامية كلّها ، على عملية التربية الإسلامية كلّها ، ولم يكن مجرّد استبدال شخص بشخص آخر ، كان ظلماً للتجربة الإسلامية كلّها ، وبالتالي للبشرية كلّها .

هذا الانحراف وقع بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وتمثّل في أنّ جماعة من صحابة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) لم يرتضوا علياً المنصوص عليه من قِبَل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) للخلافة فتصدّى بعضهم لها ، مارس أبو بكر قيادة التجربة الإسلامية ، بعده مارس عمر بن الخطاب ، بعده مارس عثمان بن عفّان ، هؤلاء الصحابة تارة ننظر إليهم بمنظار شيعي خاص نختصّ نحن به في مقام النظر إليه ، وهذا المنظار لا نريد أنْ نتحدّث عنه ؛ لأنّنا متّفقون على طبيعة هذا المنظار ، لكنّنا نصرف النظر عن هذا المنظار الخاص الذي نحن متّفقون عليه فيما بيننا ، وننظر إلى هؤلاء بقطع النظر عن المنظار الخاص ، النظر إلى هؤلاء بالمنظار العام .

إنّ تسلّم هؤلاء الحكّام لزمام زعامة التجربة الإسلامية كان يُشكّل بداية انحراف ، وكان سبباً حتمياً لتأرجح التجربة بين الحق والباطل ، واستبطانها شيئاً من الباطل ، واتّساع دائرة الباطل بالتدريج وذلك لعدّة أُمور :

أوّلاً : إنّ هؤلاء الصحابة الذين تسلّموا زمام الحكم بقطع النظر عن ذلك المنظار الخاص الذي جمّدناه الآن في حبل الكلام ، هؤلاء أُناسٌ يشهد التاريخ بأنّهم عاشوا الجزء الأكبر من حياتهم في عصرٍ جاهلي ، وضِمن إطارِ التفكير الجاهلي في كل ما كانوا يفكرون فيه ، أو يعملون فيه ، أو يتألّمون منه ، في كلّ مجالاتهم العاطفية ، ومجالات أهدافهم ، ومجالاتهم الفكرية والعقائدية ، لم تكن حياتهم قبل الإسلام إلاّ حياة مِن طِرْز جاهليّ آخر ، بعد هذا دخلوا في الإسلام ولا نُريد أنْ نتحدّث عن طبيعة دخولهم في الإسلام ، افرضوا أنّ هؤلاء دخلوا في الإسلام دخولاً حسناً ، وعاشوا مع الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) عيشةً حسنة ، إلاّ أنّ هذه الأهداف المضادّة لم تستأصل ، وبذور هذه الجاهلية لم تستأصل من أفكارهم وعقولهم ، بدليل أنّهم بالرغم من عيشهم


 

 

مع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، وبالرغم من الإدّعاء بالاستئثار بلطف النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، بالرغم من كلّ هذا كانوا بين حينٍ وحين يُعلنون عن تقاليد أو عن تصوّرات ترتبط بالوضع الذي كانوا يعيشونه قبل الإسلام ، ومع كلّ ما نعلم ، يضع الخليفة الثاني احتجاجه على متعة الحج ، بالرغم من أنّ متعة الحج عمل عبادي خالص ، لا يرتبط بأيّ مصلحة من مصالح الدنيا المعلومة ، الإنسان العاقل لا يستطيع أنْ يدرك بعقله ، أيّهما أحسن ، هل الأحسن هي العُمرة المستمرّة إلى الحج ، أو العمرة المتحلّل منها التي يأتي بعدها الحج ، هذا بعقولنا لا نستطيع أنْ نحكم عليه بأنّه أفضل أو ذاك أفضل ، فهي مسألة عبادية ثابتة .

هنا عمر لم يتأثّر في احتجاجه بعقله ؛ لأنّ العقل لا يدرك أيّهما الأفضل ، وإنّما تأثّر بطبيعة تربية عادته وتقاليده ، وأنّ الجاهلية التي كانت قبل الإسلام كانت ترفض التحلّل بين العمرة والحج ، مثل هذه العادة أثّرت في نفس الخليفة الثاني أثراً كبيراً ، إلى درجة أنْ يرد على رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) وجهاً لوجه في ذلك ، وفي حياتهم شواهد كثيرة على هذا تظهر بين حين وحين ، ولا نريد أنْ نقول من هذا ، أنّ هؤلاء كانوا أُناساً يستبطنون الكفر أو العداء للإسلام ، أو البغض لشخص النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، فإنّ الحديث عن هذا قد جمّدناه ، بل إنّ هذا يمكن أنْ ينسجم حتى مع التصوّر السُنّي لهؤلاء ، أُنٌاس صحابة صالحون ، ولكنّهم مع هذا كلّه لا يزال الراسب الجاهلي يعيش في أعماقهم بثلاثين في المِئة أو أربعين أو خمسين ، لا يزال جاهلياً والباقي أصبح إسلامياً .

في يوم السقيفة طبعاً تعلمون بأنّهم قالوا : من ينازعنا سلطان محمد....؟

محمّد كان شيخ قبيلة ، وهم شيوخ هذه القبيلة بعد أنْ مات شيخ القبيلة الأول يتولّى شيوخ القبيلة الآخرون ، مَن ينازعنا سلطان محمّد...؟ هذا راسبٌ جاهلي ، قد لا يكون عمر أو أبو بكر ، قد لا يكون هذا الصحابي يعيش هذا الراسب في تمام حالاته ، بل يكون في بعض الحالات يترفّع عن هذا الراسب ، قد يكون الجانب الإسلامي يتغلّب على هذا الجانب الجاهلي ، حيث إنّ الراسب موجود ، بالنهاية جزءٌ من نفسه يُمثّل هذا الراسب ، ولهذا يطفو هذا الراسب في لحَظات عديدة من حياتهم الاجتماعية والسياسية ، إذن فهؤلاء


 

 

الخلفاء ، بحكم وصفهم وحياتهم ، لم يكونوا أُناساً قد اجتثّت الجاهلية من نفوسهم اجتثاثاً كاملاً ، بل كانت الجاهلية تعيش في نفوسهم في حالةٍ واضحة ملموسة وملحوظة ، تنعكس على سلوكهم بين حينٍ وآخر ، وحينئذٍ فهؤلاء حينما يتزعّمون قيادة التجربة الإسلامية فبطبيعة الحال الذي يتولّى القيادة ، قيادة هذه التجربة الإسلامية ، ومَن هم ، هم مجموع هذه الأفكار والعواطف التي سوف تحكم ، وهي التي سوف تسود ، إنْ كان من هذه 50% أو 30% جاهليّاً فمعنى ذلك أنّ الجاهلية سوف تشارك الإسلام في الحكم ، وسوف يصبح للجاهلية حكمٌ وتزعّم في توجيه التجربة الإسلامية التي جاءت لأجل أنْ تنقذ الإنسان من الجاهلية إلى الإسلام ، وتصنع الإنسان الجديد ، وتقضي على الإنسان القديم ، بينما كان المفروض هكذا ، وإذاً الجاهلية تُشارك في الحكم في المقام .

ثانياً : وهؤلاء لم يكونوا مهيّئين للحكم ، بقطعِ النظر عن جهة الراسب الجاهلي ، لم يكونوا قد استوعبوا الرسالة الإسلامية استيعاباً كاملاً ؛ لأنّ هؤلاء الصحابة ، تأثّروا بالمحنة ، عاشوا المحنة السياسية للدولة الإسلامية ، المحنة العسكرية للدولة الإسلامية ، الدولة الإسلامية كانت في خِضَمّ الحروب وفي خضم الفِتَن ، وفي المنازعات مع المشركين من ناحية ، ومع اليهود من ناحية أخرى ، ومع سائر القبائل العربية من ناحية ثالثة .

فخضم هذا الصراع العسكري والسياسي ، كان يجعل الصحابة دائماً في دوامة التفكير، في كيفية حماية الدولة ، وفي كيفية الدفاع عنها ، وفي كيفية المساهمة في حروبها ، تعلمون أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) غزا عشرات الغزَوات في فترةٍ قصيرة ، في عدّة سنَوات عشرات الغزَوات أعم من أنْ تكون وقَع فيها القتال أو لم يقع فيها القتال ، فالحياة كانت حياة قلقة ، حياة صراع عسكري وصراع سياسي مع الأعداء ، ومع المشركين ومع المنافقين من كلّ صوبٍ وحدب ، لم يكن يتوفّر لرسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) الوقت على تدريبهم أو تثقيفهم على مستوى القيادة ، صحيح أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) كان يُمارس تثقيفاً عالمياً لأجل إيجاد أُمّة واعية تتمتّع بالحد الأدنى من الوعي ، أما أنّه لم يكن هناك تخطيط من قِبَل النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ولم يكن هناك تخطيط من قِبَلِهم أيّام النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) في أنْ


 

 

يُثقّفوا أنفسهم ويهيّئوا أنفسهم لكي يتسلّموا الحكم بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولهذا قال عمر بن الخطّاب عندما عجَز عن الفتوى ، أنّه ألهانا أيّام رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) القصف في الأسواق عن تعلّم مثل هذه الأحكام ، ومع هذا هو لم يتهيّأ لمستوى القيادة في المقام ، قلنا بأنّه اشتغل في القصف في الأسواق كما هو يعترف ، دون الشغل بوضع الدولة الإسلامية وظروفها السياسية والعسكرية ، على أيّ حال لم يتهيّأ للقيادة ، من هنا نرى أنّ أبا بكر وعُمر كانا عاجزين عن تحديد ابسط الأحكام الشرعية ؛ لأنّه لم يكن عندهم تثقيف لفترة ما بعد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) .

قلنا في بعض الأيّام السابقة ، أنّ صلاة الميّت التي كان يُمارسها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أمام المسلمين ، وكان يُمارسها في كل يوم ؛ لأنّه في كل يوم أو شهر يموت عدد لا بأس به من المسلمين ، وكان النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) يصلّي عليهم ، مع هذا اختلف المسلمون بعد هذا ، اختلف هؤلاء القادة بأنّ التكبيرات على صلاة الميت كم عددها ، هذا كلّه يعطي المعنى الاتّكالي ، إنّ هؤلاء كانوا في أيّام النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) متّكلين على القائد ، الرائد ، المتوجّه ، الواحد كان يأتي يأتمّ بالنبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، لم يخطر على باله في مرّة من المرّات أنْ يحسب هذه التكبيرة الأُولى وهذه الثانية وهذه الثالثة وهذه الرابعة حتى يحسب أنّها خمسة أو أربعة ، هذا معنى الاتكالية ، هذه الاتكالية عاشها هؤلاء الصحابة في عصر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولم يكن المسلمون متهيّئين بعد وفاة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) تهيّؤاً فكرياً وعقائدياً لتحمّل أعباء الرسالة .

ثالثاً : إنّ التجربة التي عاشها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لو فرض أنّها هي التي تعطي الإمكانيات الفعلية ، فمن المعلوم أنّ هناك فارقاً كبيراً بين ظروف التجربة في أيّام النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) والظروف التي كانت الأُمّة الإسلامية مُقبلة عليها حينئذ ، الأُمة الإسلامية بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) كانت مقبلة على تحوّل اجتماعي وسياسي كبير وضخم جداً ؛ لأنّه كان من المفروض تحقيق فكرة المجتمع العالمي ، هذه الفكرة التي دعا إليها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولكنّه لم يحقّقها ؛ لأنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) إلى أنْ توفّي لم يمتد نفوذه إلى أكثر من النطاق العربي بالرغم من أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) دعا ملوك العالم ، دعا كسرى وقيصر ، دعا سلطان الحبشة دعا غيرهم إلى


 

 

الإسلام لأجل توعيتهم بالإسلام ، ولأجل تسجيل أنّ الإسلام مجتمعٌ عالمي ، ويدعو إلى المجتمع العالمي ، الذي لا يُفرَّق فيه بين شعبٍ وشعب وبين قومية وقومية ، بالرغم من هذا لم يتحقّق المجتمع العالمي ، أيّام النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) تحقّق مجتمعٌ عربيّ يحمل فكرة العالمية ويقوم على أساس الرسالة ، لا على أساس الفكرة القومية أو القاعدة القومية للرسالة ، هذا المجتمع بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) كان من المفروض أنْ يُبنى عالمياً ، أنْ يُنشئ المجتمع الإسلامي العالمي ، أنْ يُضَم في مجتمعٍ واحد العرَب والفُرس والتُرك والهُنود وجميع شعوب الأرض ، هذه المهمّة صعبة وعظيمة جداً ، تختلف كلّ الاختلاف عن الظروف الموضوعية للمرحلة الأولى التي عاشها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) .

هذه المرحلة أو هذه المهمّة تحتاج إلى عقلية رسالية ، 100%، إلى نزاهة عن كلّ شائب ، وعن كل الانخفاضات الفكرية والعاطفية التي يعيشها الإنسان القبَلي ، أو الإنسان القومي .

عمر أو أبو بكر لنْ يستطيعا أنْ يجعلا من تجربة رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) ( بالرغم من أنّها كانت تمر في المرحلة البدائية ) أساساً ضامناً قطعياً لصفحة سيرهم في المرحلة الثانية ، في مرحلة إنشاء المجتمع العالمي ، حتى الآن لم يعيشوا المجتمع العالمي إلاّ كفكرة لم تولد إلى النور ، أنّ الناس كلّهم أُسرة ، الناس سواسية كأسنان المشط ، أنْ لا فرق بين عجمي وعربي ، هذا كانوا يسمعونه كفكرة من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لكن لم يكونا يريانه مجسَّداً في المجتمع وفي علاقاتهما ، بحيث إنّ إنساناً أعجمياً وإنساناً عربياً عاشا مجتمعاً واحداً بصورة متكافئة ، وإنّما هي مجرّد فكرة لم يتيسّر لمثل هؤلاء أنْ يحقّقوا هذه الفكرة ، وأنْ يتولّوا تحقيقها في مثل هذه المرحلة الدقيقة من التجربة الإسلامية بطبيعة الحال سوف تحصل هناك انخفاضات فكرية وعاطفية ، تجعلهم دون مستوى تحقيق فكرة المجتمع العالمي ، وقد تكون بذرة صغيرة جداً في عهدٍ ما ، قد تكون هذه البذرة تكبر بعد هذا وتصبح بلاءً كبيراً وشرّاً مستطيراً .

كلّكم تعلمون بأنّ في التاريخ أمثلة كثيرة على هذا ، العمدة على التاريخ في النقل ، إنّ عمر بن الخطاب أعفى نصارى العرب في العراق من الجزية ، العرب الذين كانوا موجودين في العراق أعطوا الجزية ، عاتبوه قالوا : بأنّ


 

 

الجزية فيها شأن الذل لا ندفع الجزية فنحن عرب قال لهم : إذن فادفعوا الزكاة ، فأمر بأخذ المال منهم بعنوان الزكاة ! طبعاً لم تكن الزكاة بأصغر من الجزية ؛ لأنّ المشرك يدفع الجزية والمسلم يدفع الزكاة ، غاية الأمر كأنّ الجزية بحسب نفسها علاقة فيها مهانة ، عمر بدّل الجزية بالزكاة ، فآمر بأخذ الزكاة ، هذه البذرة الصغيرة جداً والطفيفة جداً لم تنطبق إلاّ على عشيرة واحدة لا أكثر من عشائر النصارى في العراق ، هذه البذرة على مرّ الزمن تأتي الشرّ المستطير ، لعلّ هذه البذرة هي الأساس في كلّ الشرور التي عاشها المسلمون بعد هذا ، أو التي مُنِيَ بها المسلمون نتيجة للكيانات القومية التي زعزعت بعد هذا الإسلام ، وحطّمت الرسالة الإسلامية ، الكيانات القومية العربية والفارسية والتركية والهندية ، إلى غير ذلك من الكيانات القومية الكافرة التي أُنشئت في العالم الإسلامي ، ولا أُريد أنْ أُصحح هذه النقطة ، لا أدري أنّها صحيحة أو لا ، بل أُريد أنْ أقول بأنّ مهمّة إنشاء مجتمع عالمي ، هذه المهمّة تحتاج إلى قيادة تختلف عن طبيعة الصلاة ، والذوق التي كانت موجودة في هؤلاء الخلفاء....! .

رابعاً : أنّ الشعور بالظلم في نفس الخلفاء ، يقيض التوسّع في الإضرار ، الخلفاء كانوا يشعرون بأنّهم ظلموا علياً ، وأنّهم غصبوا علياً ، وأنّهم تعدّوا على حقّ عليّ المنصوص عليه من قِبَل ( النبيّ صلّى الله عليه وآله ) .

نعم لعلّهم لم يكونوا يشعرون بأنّهم أساؤا إلى الإسلام بهذا الترتيب ، بحيث إنّ عملهم سوف يؤدّي إلى هدم الكيان الإسلامي ، لعلّهم لم يكونوا يشعرون ، لعلّهم لم يكن لهم دقّة نظر وفهم منطق الأحداث ، ومنطق التاريخ ، لم يكونوا يقدّرون بعد ستّين سنة من وفاة رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ يشرب الخمر خليفة المسلمين في بيته وفي قصره ، لعلّهم لا يستطيعون أنْ يفسّروا هذا التفسير ، لكنهم على أيّ حال كانوا يشعرون بأنّهم غصبوا علياً ، وأنّهم اخذوا حقّ عليّ ، ولهذا قالوا في تبرير ذلك بينهم وبين أنفسهم ، أرادوا أنْ يبرّروا ، وظهر هذا السبيل على كلماتهم أنّ عمر ، خليفة المسلمين قال : بأنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) حاول أنْ يولّي علياً ، أنْ يرشّح علياً لكنّي أنا منعته ، احتياطاً


 

 

للإسلام ، وحرصاً على مصلحة الإسلام ، كل هذه التبريرات تبريرات نفسية إزاء وخز الضمير في نفوسهم ، هذه التبريرات أنتجت انحرافاً خطيراً وأنتجت أنّه لا يلزم التقيّد بما يقوله رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) ، هذا المبدأ تبلوَر في نفوسهم بالتدريج كتبرير للدفاع عن العملية التي قاموا بها ، للدفاع عن الذنب الذي كان موجوداً في نفوسهم .

وحينما قام هذا المبدأ انفتحت كلّ البدَع والانحرافات ، بعد هذا لم يرَ عمر بن الخطّاب مانعاً أنْ يقول : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) أُحرّمهما وأُعاقب عليهما ، لم يرَ مانعاً من هذا بعد أنْ عاش مدّة من الزمن ، الشعور بالذنب ، وحلّ هذا التناقض في المبدأ ، بعد هذا انفتح باب البدع وباب حمل الشعارات الجزئية الهستيرية الغير الصحيحة ، فهذه الأُمور الأربعة تجعل حتمية انحراف التجربة بعد رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) على أساس تولّي غير أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) قيادة هذه الأُمّة ....

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مقام علي الأكبر (ع) في كلمات الأئمة (عليهم السلام)
وقفوهم إنهم مسئولون
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...

 
user comment