الأخلاق هو العلم الذي يـبعث الكمال في النفس البشرية، وينمي القوة والاستقلال في العقل البشري، وهو العلم الذي يساير الإنسانية في اتجاهاتها، ويوجهها عند حيرتها، ويأخذ بيد العقل عند اضطرابه، ويمده بالقوة عند ضعفه. ويعتبر علم الأخلاق الرسالة العامة التي يجب على كل حي مدرك أن يـبلّغها إلى كل حي مدرك، وهو الأمانة الكبيرة التي يجب على كل كائن عاقل أن يؤديها إلى كل كائن عاقل.
ولهذا وأمثاله أحب أن أجعل محور حديثي هذا الأسبوع حول علم الخلاق، لحديثي عن الإمام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام).
هذا وينبغي أن يلحظ أن علم الأخلاق ليس أجل مـميزات الإمام، ولا أبرز خواصه، مع أنه له (عليه السلام) عناية خاصة بعلم الأخلاق تكفي الباحث حجة على هذا الاختيار، ومن أثر هذه العناية أن طابع علم الأخلاق يكاد يظهر على كل كلمة نقلت عن الإمام(عليه السلام)، وعلى كل أثر نسب إليه.
هذا ومما يلزم الإشارة إليه، أنني لم أقصد بحديثي هذا الكلام حول الوجهة الخلقية للإمام الصادق(عليه السلام)، فإن هذه الوجهة النفسية تهم الباحث عن عظمة الإمام في شخصيته، أما الذي يـبحث عن عظمة الإمام(عليه السلام) في علمه، فعليه أن يتحدث عن علم الأخلاق عنده.
الأخلاق عند الإمام الصادق:
ثم إننا عندما نـنظر إلى علم الأخلاق عند إمامنا، نجد أنه(عليه السلام) لم يعتمد على نظرية استفادها من فيلسوف، ولا قاعدة أخذها من حكيم، ولكنه استقاها من ينبوع الوحي واستفادها من هي القرآن الكريم.
وقد أثر عنه العديد من المضامين الخلقية العالية، التي قدم فيها(عليه السلام) الكثير من القيم والتعاليم التي يحتاجها الإنسان في حياته وسلوكياته الاعتيادية، ونحن نحاول في هذه الوقفة الموجزة أن نـتعرض لشيء مما ورد عنه(عليه السلام).
فقد خلف لنا الإمام(عليه السلام) ثروة كبيرة من الأخلاقيات التي يجدها الباحث منـتشرة في فصول كتب الحديث، فلم يـبخل(عليه السلام) بنصيحة على مسلم يوماً ما، وتعاليمه الخلقية لسفيان بن سعيد الثوري وزملائه الآخرين من رؤساء المذاهب بينة واضحة على هذه الدعوى، وهو القائل: خير الناس من انـتفع به الناس.
الخلق:
كلمة الخلق، تستعمل لغة بمعنى السجية، وبمعنى الطبع، والعادة، والدين، والمروة.
وقد استشهد اللغويون على كل واحد من هذه المعاني بشواهد من كلمات العرب وأمثالها.
وتوجد صلة قريـبة بين هذه المعاني تكاد تجمعها في إطار واحد، ولعل الكلمة في اللغة واحد، وهذه المعاني ظلاله، ولعل هذا المعنى هو الذي يعرفه الخلقيون.
فالخلقيون، يعرفون من معنى هذه الكلمة أنها ملكة من ملكات النفس، ويقولون أن أظهر خاصة تـتميز بها هذه الملكة هي صدور الأفعال عن الإنسان من دون إمعان فكر أو إعمال روية.
هذا ويـبحث العلماء الخلقيون في الدرجة الأولى عن هذه الملكات النفسانية من حيث أنها تـتصف بالاعتدال والانحراف وتقبل التحوير والتهذيب، أما الأعمال التي يصدرها الإنسان باختياره، والتي يحكم عليها العقلاء بالخير أو بالشر فيسميها الخلقيون سلوكاً، ويـبحثون فيها بحثاً ثانوياً، من حيث أنها مظهر خارجي للخلق الكامن، ولأن العمل من ناحية أخرى هو المفتاح لتهذيب الصفة النفسانية إذا كانت منحرفة، ولانحرافها إذا كانت مستقيمة.
ولذلك فلا يمكننا أن نعتبر العمل الاختياري موضوعاً لعلم الأخلاق، وإن أصر على هذا الرأي الأستاذ أحمد أمين.
ليس الخلق صدفة:
والخلق لا يمكن أن يكون وليد مصادفة، ونـتيجة اتفاق، لأن الأخلاق ملكات، ولابد للملكات من أسـس كما لابد للبناء من قاعدة.
وأسـس الخلق: الغريزية، والوارثة، والبيئة، والتـربية، والعادة.
وما ذكرناه يشير له كلام الفلاسفة القدماء، حيث يقولون: يولد الإنسان صحيفة بيضاء يرسم فيها المربي ما يشاء.
إذ يريدون بذلك أن نفس الطفل مرنة الغرائز لا تزال بعد في جدتها، لم تسيره إلى وجهة خاصة، ولم تكسبه خلقاً معيناً، فهي قابلة للتوجيه، ومستعدة للتهذيب.
وهذا يعني أنهم يريدون من بياض صحيفة الطفل خلو نفسه من الملكات الخلقية، لا عريها من الغرائز والطبائع الموروثة، والمربي يكسبها أخلاقاً لا ينشئ فيها غرائز، وهم يقولون هذا في الرد على من يقول: الإنسان خير بالطبع، ومن يقول: هو شرير بالجبلة.
ولهذا لا يبدو أن لقانون الوارثة مدخلية في الأخلاق التي توجد عند الطفل، فلا يرث الطفل من أسلافه أخلاقاً، عمدة ما يمكن أن يستفاد هو أن الطفل يرث منهم مبادئ أخلاق، واستعداداً في غرائز. وهذا المعنى لا تنكره الفلسفة القديمة، والشرع والأدب العربي القديم.
ثم إن تأثير هذه الأسـس في تكوين الإنسان، ليس على نهج واحد، فإن الغرائز تظهر على أشكال ميول ورغبات، والوراثة تحوير في استعداد الغريزة، وأثر التربية أو البيئة توجيه النفس عند إرادة العمل، وأثر العادة تـثبيت الصفة الحادثة وإحالتها خلقاً.
مبادئ الأخلاق:
وعلى هذا ستكون مبادئ الأخلاق منحصرة في صنفين:
الأول: اختياري يفتقر وجوده إلى إرادة الإنسان واختياره، ومن هذا القسم: العادة، وبعض مفردات التربية، والبيئة، كالمدرسة والأصدقاء.
الثاني: اضطراري لا حكومة لإرادة الإنسان على وجوده، وإن كانت لها حكومة على تأثيره، ومن هذا القسم: الغريزة، والوارثة، والبعض الآخر من مفردات البيئة والتربية.
وهذا التقسيم نجد الإمام الصادق(عليه السلام) يصرح به، قال(عليه السلام): إن الخلق منحة يمنحها الله خلقه، فمنه سجية، ومنه نية.
ويفسر لفظ السجية بالجبلة في بقية الحديث، فيقول: صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره، وصاحب النية يصبر على الطاعة تصبراً فهو أفضلها.
ويقابل السجية بالنية وهي الإرادة، ومعنى الحديث: أن الخلق الحسن منه ما تسوق إليه الجبلة، وتبعث إليه الفطرة، وهذا القسم لا يجد الإنسان صعوبة في تكوينه، ولا في الاستمرار عليه، ومنه ما يكون على خلاف ميول الإنسان ورغباته، وهذا القسم هو الذي يحتاج إلى مجاهدة النفس في تكوينه، وإلى مصابرتها في الاستمرار عليه، فهو أفضل القسمين، وأرجحهما في الميـزان.
خصوصية العادة:
هذا وإذا وجهنا نظرة فاحصة نحو هذه الأسس رأينا أن للعادة خاصة لا تـتمتع أخواتها الأخرى بنظيرها.
إن للعادة قابلية الاستقلال في تكوين أي خلق من أخلاق الإنسان، وليس للغريزة ولا للأسـس الأخرى مثل هذا النفوذ والاستقلال، لأن الخلق ملكة لا تـتكون للنفس إلا بتكرار العمل.
ونتيجة هذا أن جميع الأسـس الأخرى محتاجة إلى انضمام العادة إليها في تكوين الخلق النفسي، وإن للعادة سلطاناً على تغيـير كل خلق يتصف به الإنسان، وإن للعقل سيطرة على تهذيب الغرائز، لأن له سلطاناً على تحوير العادات.
وقد قرر الإمام الصادق(عليه السلام) هذه النـتيجة، فقال: ما ضعف بدن عما قويت عليه نية.
فتهذيب النفس جهاد، وفي الخروج على مؤثرات البيئة والوراثة عناء وصعوبة، ولكن جميع ذلك سهل على الإرادة القوية، ولا خير في الرجل إذا لم يكن قوي الإرادة.
وجاء عنه(عليه السلام) أيضاً: إن الله ارتضى لكم الإسلام ديناً فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.
فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده إكراماً لهم وامتناناً عليهم به، ينجحون في الدنيا، وبإتباعه يفلحون في الآخرة، فيجب عليهم أن يجاهدوا الخلق السيئ من أنفسهم، لأن الإقامة على الأخلاق السيئة إساءة لا تلتئم مع قدسية الإسلام، هذا ما يقوله أبو عبد الله(عليه السلام) في هذا الحديث، وإذن فهو يرى أن تهذيب الأخلاق ممكن، وإن كان جهاداً، وعلى هذا النهج.
ونراه يقول قريـباً من هذا المضمون: من أساء خلقه عذب نفسه.
فسوء الخلق عذاب يختاره الإنسان لنفسه إذا أساء خلقه، وهو جحيم يجب على العاقل أن يتخلص منه، وهو عذاب لأنه ضعة في النفس وخمود في العقل، وهو عذاب لأنه نقص في الإنسانية، وشذوذ عن التوازن، وهو عذاب يخـتاره الإنسان لنفسه، لأنه هو الذي يسعى في تكوينه، والإمام بقوله هذا يحاول أن يجعل من إرادة الإنسان سلاحاً ماضياً لكفاح الرذائل ومحاربة النقائص.
مع بعض الخلقيـين:
ومن الخلقيـين من يرى أن الأخلاق انطباعات نفسية، يستحيل عليها التحوير والتهذيب، فليس للعقل عليها أية حكومة، وليس للإرادة على تغيـيرها أية قدرة.
ومن الواضح أن هذه نظرية مجحفة تهدم بناء السياسات، وتلغي فائدة التشريع، وتبطل نظم الأخلاق، وهذه النـتائج وحدها كافية في إبطال هذا القول.
أما قول الإمام الصادق(عليه السلام) المتقدم: صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره. فلا يعني به أن من الأخلاق ما يستحيل عليه التهذيب، وإنما يعني أن تكوين الخلق بسبب العادة فقط أكثر صعوبة على الإنسان مما إذا تساعدت على إنشائه الغريزية والعادة، فإن الإرادة إذا صادفت ميلاً غريزياً أسرعت إلى العمل، وبتكرار العمل تحصل العادة، ويتركز الخلق، وهما عند المكافحة والتهذيب على العكس من ذلك، لأن تغيـير مجرى العادة أسهل بكثير من تعديل مجرى الغريزة.
وطالما سماه أئمتنا(عليه السلام) جهاداً وما أحقه بهذه التسمية، لأن الثبات فيه يستدعي حزم المجاهد وللمناضل فيه أجر المجاهد.
فهذا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لبعض سراياه عند رجوعها من الحرب: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر.
ثم فسر لهم الجهاد الكبر الذي بقي عليهم بجهاد النفس على أخلاقها، وقال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): واجعل نفسك عدواً تجاهده.
ومن المعلوم أنه (عليه السلام) يريد بالنفس هنا ملكاتها الوضعية.
ومن أحق بالمجاهدة من هذا العدو المخادع، والخصم الألد، الذي يحمل سلاح الغدر تحت ستار النصحية، ويمزج السم القاتل بحلاوة الأمل، هي عدو داخلي يجب إخضاعه بقوة العدل لحكومة العقل.
الاعتدال والانحراف:
إن الغرائز قوى فطرية تسوق إرادة الحيوان إلى العمل، وتظهر في الإنسان على أشكال ميول ورغبات، ولذلك فالخلق النفسي مدين في وجوده للغـريزة قبل أن يكون مديناً للعادة، لأن الغريزة هي الدافع الأول إلى إيجاد العمل، والعادة هي الدافع الثاني إلى تكراره.
ثم إن الغريزة تبذر الخلق في النفس لتنمية العادة، كما أنها تعين الغاية التي تـتوجه إليها الإرادة ثم تـتبعها العادة ويتكون الخلق.
ومن الواضح أن الناس مختلفون في إتباع ميول الغريزة فإن بعضهم يتبعها بأعماله إلى حد الإفراط، وبعضهم يتجافى عنها إلى حد التفريط، فإذا تكرر العمل من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء نشأت لهم عادات منحرفة وأكسبتهم العادات أخلاقاً غير مستقيمة.
وفريق من الناس يعتدلون في إتباع هذه الميول فتنشأ لهم العادات المعتدلة، ويكتسبون منها الأخلاق السوية.
ومن البين أيضاً أن هذه الغرائز لم تجعل الإنسان ليتبعها في كل ما تأمر وتنهي، ولو كان الأمر كذلك لم يرتفع الإنسان عن درجة الحيوان، ولا ليزهد فيها كما يزهد في الشيء التافه، لأنها أودعت فيه لضرورات يقتضيها بقاؤه وبقاء نوعه، وإذن فالأعمال التي يتجاوز بها الناس حد الاستواء أعمال غير صالحة، والأخلاق التي يكتسبونها من تكرار هذه الأعمال، أخلاق غير صحيحة، وإذن فأمراض الأخلاق انحرافات، وصحتها استقامة وتوازن، وبعد الخلق الفاسد عن الصحة، بمقدار انحرافه عن التوازن العادل.
ويرى القدماء من علماء الخلاق، أن للإنسان قوى أربعاً، يسمونها بالصورة الباطنة للإنسان على قياس الصورة الظاهرة، وهذه القوى هي قوة العقل، قوة العمل، وقوة الشهرة، وقوة الغضب. ويقولون: إن هذه القوى هي أصول الأخلاق عليها تفرع، وإليها تنـتسب فباعتدال كل واحدة من هذه القوى تحصل إحدى الفضائل الأربع التي يسمونها أمهات الفضائل أو الفضائل الرئيسية، ويقابل كل واحدة من هذه الفضائل رذيلتان تنشئان من انحراف القوة إلى طرف الإفراط، أو إلى حد التفريط.
ولا يحصل هذا الشذوذ إلا إذا ضعفت سيطرة العقل على القوى وقصر نفوذه عن إدارة الحكم.
وقد يحصل التوازن العادل في القوى فيتولد منه الاعتدال في الأخلاق والعدالة في النفس، وإنما يتكون هذا التوازن إذا عمت سلطة العقل على الغرائز، وأذعنت لحكمه جامحات القوى، فيتسلم زمام التدبير، ويستقل بإدارة الحكم.
هذا وللعقل في تدبير هذه المملكة الصغيرة أنظمة قد يخطئها مدير مملكة واسعة. وليس للعقل وراء هذه القوى والغرائز جنود أخرى يخضع بها الجائر ويهدئ بها الثائر، ولكنه بحكمته يضرب بعض القوى ببعض، فيضع الشهوة بالغضب ويكسر الغضب بالشهوة، ويستعين على ذلك بنواميس الشرع وتقاليد العرف.
فتسكن الفوضى وينقاد الصعب ويتقوى الضعيف ويتماثل المريض بفضل الحكمة والإرشاد وبتدبير الحاكم المصلح، ويعم التوازن العادل بين الحاكم وأفراد الرعية، فلا طمع ولا استئثار. هذه هي الحكومة المثالية والعادلة، والعدالة الخلقية بأسمى معانيها والفضيلة الكبرى التي ترسم للإنسان طرق الفضائل الفرعية، وذلك هو الدين الذي يقول عنه الإمام جعفر(عليه السلام): من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنة.
أجل من كان عاقلاً كان له دين، وهل الدين غير التوازن في الأخلاق، والأعمال والعقائد؟...وهل العقل إلا رائد الخير ودليل السعادة؟...
ويقول(عليه السلام) في كلمة أخرى: أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً.
وله كلمة ثالثة قال فيها: العقل دليل المؤمن.
هذا مع أن الإمام(عليه السلام) يجري في الأخلاق مجرى آخر، فيرى أن الفضيلة الكبرى هي العقل، وأن جميع الفضائل الأخرى متفرعة منه، يسقيها من ينبوعه ويمدها من حكمته، وأن الرذيلة الأولى هي الجهل، وبقية الرذائل فروع منه، ولذلك فهو يقول في حديث طويل: اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا.
ثم يعد الأخلاق السامية في جنود العقل، والصفات الوضيعة ف جنود الجهل.
وهو يريد من العقل الكامل الذي لم تخف به كفة التوازن إلى حد التفريط، ولم تـتعد به إلى حد الإفراط. وهو الذي يقول عنه في الحديث السابق: من كان عاقلاً كان له دين. وفي حديث آخر يقول عن العقل: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان. ويريد من الجهل ما يقابل هذا العقل المتوازن.
مسلك سقراط:
ولا يخفى أن هذا المسلك مشابه لمسلك سقراط في تقسيم الأخلاق، وهو أبعد منه عن النقد، وأكثر موافقة للبرهان.
يقول سقراط: الفضيلة الأولى هي العلم، والرذيلة الأولى هي الجهل.
ولذلك فقد كان رأيه هذا موضعاً للنقد: لأننا نجد أن بعض الناس يرتكب الأخطاء الخلقية وهو عالم بشناعة ما يرتكب فلم يسقه علمه إلى الفضيلة، ولم يردعه عن ارتكاب الرذيلة.
أما الإمام فيقول: إن الفضيلة الكبرى هي العقل، ومن البين أن الإنسان إنما يرتكب الأخطاء الخلقية إذا ضعفت موازنته بين الغايات أو شذ به بعض الأخلاق عن التوازن. وهذا لا يكون إلا حين ينحرف العقل عن الاستقامة، أو يضعف عن الحكومة.
نقد أرسطو:
ولا يأتي على مسلكه (عليه السلام) النقد الذي وجهه أرسطو لنظرية سقراط بقوله: إن سقراط جهل أو تناسى أن نفس الإنسان ليست مركبة من العقل وحده، وتخيل أن كل أعمال الإنسان خاضعة لحكم العقل، ومن ثم إذا علم العقل فضل العمل، ولكنه نسي أن أكثر أعماله محكومة بالعواطف والشهوات، إذ ذاك قد يقع في الخطأ مهما علم العقل.
وذلك لأن الإمام(عليه السلام) لا يقول أن نفس الإنسان مركبة من العقل وحده، ولكنه يقول: للعقل المستقيم سيطرة واسعة يخضع بها العواطف إذا ثارت، ويقود بها الشهوات إذا جمحت ويوازن بها بين القوى إذا تضاربت. ولذلك فالأخلاق المستقيمة مدينة في وجودها للعقل المستقيم. وهي جنود مدربة تناصره على إصلاح الملكات الأخرى، فلاحظه(عليه السلام) يقول: اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا، هذا عنوان لحديث أخلاقي طويل، له روعته وله جماله، يمليه(عليه السلام) على أصحابه ليهتدوا.
الكافي باب حسن الخلق ح 11.
أمالي الصدوق ص 198.
أصول الكافي ب المكارم ح 4.
أمالي الصدوق ص 124.
الوسائل كتاب الجهاد ح 1.
أصول الكافي باب نوادر الاستدراج ح 7.
أصول الكافي كتاب العقل والجهل ح 6.
المصدر السابق ح 7.
المصدر السابق ح 34.
أصول الكافي كتاب العقل والجهل ح 14.
المصدر السابق ح 3.