عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها

من الواضح لكل ذي عقل راجح أنّ لهذه الآفة المهلكة (الغيبة) مساوئ وأضرار لو قدّر لها أن تستمر لجثت على جسد المجتمع الإسلامي لقطع عنقه وفصل عروقه وتمزيق أحشائه، ومن هنا نحاول في هذا الفصل إحصاء بعض مساوئ هذا الداء العضال مع دراسة بعض المفاهيم التي قد يكون لها مدخليّة في هذا المفهوم أو قد تكون قريبة منه مع الإختصار قدر الإمكان، ومن هنا يوجد لدينا مبحثان:

 

المبحث الأول: آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وافرازاتها:

 

أولاً: آثار الغيبة على الصعيد الفردي وإفرازاتها:

 

1- تساهم هذه الرذيلة بشكل فعّال في اسقاط شخصيّة فاعلها وتحطيمها، بل إنّ هذه الشخصية تصبح ممقوتةً في المجتمع ومكروهة، حيث ان الناس يكرهون مثل هذه الشخصيات؟ لأن من يتكلم أمامهم بعيوب الناس ومساوئهم بلا حدود ولا حواجز سوف لن يوقفه أيُ حاجز عن ذكر معايبهم في ظهر غيبهم.

 

2- إن الشخص المبتلى بهذا الداء الخطير سوف تنعكس آثار هذا المرض على واقعه النفسي بشكل كبير، وبالتالي سوف تتولد لديه رذائل أخرى ليست أقل خطورة من هذه الرذيلة، ومن هذه الرذائل (الحسد) و (البغضاء) وغيرهما من الأمور التي تقضي على صاحبها قبل أن ينال من الآخرين شيئاً، وذلك لأن من يرتكب هذه المعصية يستشعر في نفسه النقص خصوصاً إذا لم يجد تجاوباً من السامع، فيحقد عليه ويُضمر هذه الواقعة في نفسه، ويتنامى هذا الحقد ليولد حسداً تجاه ذلك الشخص الذي حاول أن ينزه نفسه عن الوقوع في المعصية، وبذلك تشتعل النيران في أعماق وجود المغتاب قبل أن تقذف بلهبها على الآخرين.

 

3- إنّ آثار الغيبة على المستوى الشخصي لا تقتصر على اسقاط الشخصية أو توليد الرذائل الأخرى بل تتعدى كل ذلك لتؤثر على علاقة الإنسان بربه، فتساهم بشكل فعّال في إبعاد هذا الشخص روحيّاً عن الله تبارك وتعالى، وما ذلك إلا لسيطرة المعاصي والآثام على قلب المغتاب واستحكامها وبذلك تتولد لديه الجرأة على إرتكاب المعاصي والإنغماس فيها فتجره إلى الهلاك الأبدي والبعد عن ساحة القدس الإلهي.

 

4- "ينبغي أن يعلم المغتاب أن الغيبة تحبط حسناته وتزيد في سيئاته، لما ثبت من الأخبار الكثيرة: أن الغيبة تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه، وإن لم تكن لـه حسنة نقل إليه من سيئاته، قال رسول الله(ص) : " يؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، ويدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول: الهي ليس هذا كتابي، فإني لا أرى فيه طاعتي، فيقول لـه: إنّ ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس. ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي، فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقول لـه: إنّ فلاناً اغتابك فدفعت حسناته إليك< وفي معناه أخبار أخر"(1).

 

ثانياً: آثار الغيبة على الصعيد الإجتماعي وافرازاتها:

 

1- "ترسيخ جذور الفساد في المجتمع، وغرس النفاق فيه"(2)، "فمن مساوئها: أنها تبذر سموم البغضة والفرقة في صفوف المسلمين فتعكر صفو المحبة، وتفصم عرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة"(3)، فالغيبة تساهم بشكل أساسي في إشاعة الأجواء المشحونة بالتباغض بين أفراد المجتمع.

 

2- "ضعضعة وحدة المجتمع وتضامنه، ووهن أساس الديانة، وفي النهاية تزداد في المجتمع القبائح والفساد"(4)، فإنتشار الغيبة لـه أثر كبير في تفكيك المجتمعات حيث أنه تنعدم الثقة بين أفراد المجتمع وخصوصاً إذا طالت القيادات الفاعلة في المجتمع، حيث أنهم يمثلون اللبنة الأساسية للحركة الاجتماعية، فإذا ما تم تشويه صورتهم أمام الناس قُضي على روح الثقة الكبيرة التي تعطى إليهم وبالتالي تهتز اللبنات الأساسية للحركة الاجتماعية مما يؤذن بإنهيار المجتمع والعمل الإجتماعي.

 

3- إن انتشار الغيبة في مجتمع ما، وما يستتبعه من وهن وضعف لذلك المجتمع يجعل المجتمع فريسةً سهلة للإشاعات المغرضة التي تبثها مراكز الإرهاب الحكوميّة والعالمية لإلهاء المجتمع عن قضاياه الأساسية والمصيرية.

4- إن شيوع هذه الظاهرة الخطيرة وتفشيها في المجتمع يعمل على هتك قدسية ذلك المجتمع نفسه، حيث أن تداول المعاصي والتحدث بها وتردد ذكرها في مختلف المحافل على ألسن مختلفةٍ يجعل المجتمع يتهاون بالمعاصي، وبالتالي تغيب الغيرة الإسلامية التي تدفع بالمؤمن إلى إنكار المنكر وإحقاق الحق، حيث أن المجتمع قد تعوّد على ذلك، أي أنّه قد تخدر بالواقع السيء، فلم يعد أفراد المجتمع يبصرون المعنى الحقيقي للعاصي، ولذلك لن يتهيبوا منها.

 

 

5- إن ظاهرة الغيبة قد تتعدى بآثارها السلبية إلى حدودٍ اكبر من تفكيك المجتمع وأعمق، حيث أنها قد تساهم في تحويل أجهزة المخابرات الحكومية والعالمية بوجبات دسمة من الأسرار والمعلومات مجاناً، حيث أن تناقل العيوب والمساوئ وشياعها في الوسط الإجتماعي يوصل الكثير من المعلومات إلى أسماع المخابرات العالميّة بكل سهولة من دون بذل أدنى جهد.

 

 المبحث الثاني: المفاهيم المرتبطة بمفهوم الغيبة:

 

في هذا المبحث نتناول بعض المفاهيم التي قد يكون لها ارتباط وثيق بالغيبة مما يؤدي إلى الخلط بين تلك المفاهيم والغيبة أو عدم التمييز بين المفاهيم تمييزاً دقيقاً، وفي الحقيقة عندما نمعن النظر في جميع تلك المفاهيم نلاحظ أنّ حرمة أغلبها إن لم نقل جميعها نابعة من مفهوم واحد، ألا وهو مفهوم هتك حرمة المؤمن ، فقد أولى الإسلام أهمية بالغة للمؤمن فهو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي، ومن هنا سعت الشريعة المقدسة للحفاظ على دمه ومالـه وعرضه، والذي يهمنا في المقام هو الأمر الأخير وهو عرض المؤمن، ومن هنا لابد أن يتضح مفهوم هتك عرض المؤمن قبل الشروع في بيان بقية المفاهيم التي قد تكون نابعة من مفهوم هتك عرض المؤمن.

 

 مفهوم هتك عرض المؤمن:

 

"الهتك: خرق الستر عمّا وراءه، والإسم الهُتكة، بالضم، والهتيكة: الفضيحة ...والهتك: أن تجذب ستراً فتقطعه من موضعه أو تشق من طائفة يرى ما وراءه، ولذلك يقال: هتك الله ستر الفاجر"(5).

 

"وعِرضُ الرجل حسبه، وقيل نفسه، وقيل خليقته المحمودة، وقيل ما يمدح به ويذم. وفي الحديث: إن أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا"(6).

 

ومما تقدم يمكن أن يقال ما يلي:

 

1- إن العرض هو كل ما يمدح ويذم من الإنسان فيشمل عمله ووصفه وأخلاقه ونفسه وكل من يلزمه أمره من إخوة وأقارب وما شاكل ذلك.

 

2- إن الهتك هو إزالة الغطاء وكشفه ليبدو ما تحته وليتضح ما استتر.

 

وبعد أن اتضح مفهوم الغيبة ومفهوم هتك حرمة المؤمن نشرع في بيان بعض المفاهيم القريبة من هذين المفهومين مع الإختصار قدر الإمكان كمايلي:

 

1- النميمة: "وهي نقل قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان تكلّم فيك بكذا وكذا سواء كان نقل ذلك بالقول والكتابة والإشارة والرمز وكان ذلك النقل كثيراً ما يكون متعلّقه نقصاناً أو عيباً في المحكي عنه موجباً لكراهته لـه وإعراضه عنه وكان ذلك راجعاً إلى الغيبة أيضاً فجمع بين معصيته الغيبة والنميمة"(7).

 

2- كلام ذي اللسانين: "الذي يتردد بين المتخاصمين ونحوهما ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه فإن ذلك مع ما ورد فيه من النهي الخاص يرجع إلى الغيبة بوجه ما وإلى النميمة بوجه آخر بل هو شر أقسام النميمة"(8).

 

3- الحسد: "وهو كراهة النعمة على الغير ومحبة زوالها على المنعم عليه وهو مع كونه من المحرمات الخاصة والمعاصي الكبيرة يرجع إلى الغيبة القلبية بوجه، لأنه حكم على القلب بشيء يتعلق بالغير يكرهه لو سمعه أشد كراهة وأبلغها فيجمع بين معصيتين، الحسد والغيبة"(9).

 

4- السخرية والاستهزاء: "وهو محاكاة أقوال الناس أو أفعالهم أو صفاتهم وخلقهم، قولاً وفعلاً، إيماءاً وإشارةً، على وجه يضحك منه، وهو لا ينفك عن الإيذاء والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص"(10)؛ ولذا يدخل في هذا المورد إذلال المؤمن واحتقاره.

 

5- البهتان: وهو "أن تقول في مسلم ما يكرهه ولم يكن فيه، فإن كان ذلك في غيبته كان كذباً وغيبة، وإن كان بحضوره كان أشد أنواع الكذب، وعلى أي تقدير فهو أشد إثماً من الغيبة والكذب"(11).

 

6- السب والطعن: "وهو نسبة الأمور القبيحة للمؤمن، ونداؤه بكلمات نابية"(12).

 

7- تعنيف المؤمن وذمه: عن الإمام الباقر والإمام الصادق(ع): " أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيُحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً ما"(13).

 

8- هجاء المؤمن بالشعر أو النثر.

 

9- إيذاء المؤمن: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(14) .

 

10- التجسس: قال تعالى في سورة الحجرات: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}(15) .

 

وهنا لابد من بيان أمرين:

 

أ- الفرق بين الغيبة والتجسس:

 

"ان الغيبة هي اظهار عيب الغير للغير أو التوصل إلى الظهور عليه من طريق نقل الغير، والتجسس هو التوصل إلى العلم بعيب الغير من طريق تتبع آثاره"(16).

 

ب- الفرق بين التجسس والتحسس:

 

إن لفظي التجسس والتحسس شديدا التشابه من جهتين:

 

الجهة الأولى: التشابه اللفظي: فهما لفظان لهما وزن واحد وحروف متشابهة حيث ان الاختلاف بينهما ينحصر في حرف واحد، فأحدهما بالجيم والآخر بالحاء.

 

الجهة الثانية: التشابه من جهة المعنى، حيث أن هناك نوعاً من التشابه بين كلا المعنيين، ولذلك فإن الفرق بينهما دقيق جداً قد لا يدركه الناظر لأول وهلة والفرق بينهما أنّ "التجسس بالجيم تتبع ما استتر من أمور الناس للإطلاع عليها، ومثله التحسس بالحاء المهملة إلا أنّ التجسس بالجيم يستعمل في الشر، والتحسس بالحاء يُستعمل في الخير"(17).

 

ونتيجةً لهذا التشابه بين اللفظين والمعنيين فقد يقع الخلط بينهما أحياناً، ونحن هنا سنحاول أن نذكر أمثلةً لكل منهما:

 

فمن أمثله التجسس:

 

1- التنصت على الجار لمعرفة خصائصه العائلية التي لا يرغب في كشفها.

 

2- التنصت على المؤمنين لكشف أسرارهم وإعطائها للظالمين.

 

3- تتبع عورات المؤمنين وعثراتهم للإستهزاء بهم من خلالها، قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(18) .

 

4- مراقبة المؤمن ورصده للتعرف على خصائصه بهدف إشباع الفضول.

 

ومن أمثله التحسس:

 

1- تتبع أحوال الجيران وذوي القربى وغيرهم وما ينقصهم من مؤن وأموال لسد احتياجاتهم ومساعدتهم ومواساتهم.

 

2- الترصد لأصحاب البدع ورؤوس الفساد في المجتمع ومراقبة مخططاتهم من أجل إفشالها وإحباطها.

 

3- تتبع ومراقبة الخونة وأعوان السلطان الجائر من أجل كشفهم للمؤمنين وإبطال مخططاتهم.

 

4- التأمل في التصرفات والأعمال الظاهرة للطبقات المؤثرة في المجتمع كالعلماء والشباب المؤمن والتجار وغيرهم من أجل تقييمهم واستخراج الأكفأ منهم وتقديمه للمجتمع، ومعرفة غير الكفوء منهم، وإعطاؤه ما يناسبه من موقع لا يزيد على حجمه، فلو شخصت الأمة العناصر الصالحة والكفوءة والمقتدرة في العلماء والشباب الرسالي والتجار وغيرهم في حالة الرفاه، لشقت أمواج البحر والعواصف العاصفة بالأمة بكل سهولة ويسر في حالة الشدة والفاقة.

 

------------

 

(1) جامع السعادات ج2 ص306، وأنظر: ميزان الحكمة ج3 ص233.

 

(2) الأربعون حديثاً ص289.

 

(3) أخلاق أهل البيت ص225

 

(4) الأربعون حديثاً ص289.

 

(5) راجع لسان العرب ج15 ص26.

 

(6)راجع لسان العرب ج9 ص140، وأنظر جامع أحاديث الشيعة ج26 ص101.

 

(7) كشف الريبة ص228-229.

 

(8) كشف الريبة ص228-229.

 

(9) كشف الريبة ص229-230، ومن أراد التفصيل في الأمور الثلاثة فليرجع إلى الكتاب المذكور.

 

(10) جامع السعادات ج2 ص287.

 

(11) جامع السعادات ج2 ص215.

 

(12) الذنوب الكبيرة ج2 ص286.

 

(13) الكافي ج2 ص354.

 

(14) سورة الأحزاب : 58.

 

(15) سورة الحجرات : 12.

 

(16) راجع الميزان في تفسير القرآن ج18 ص325.

 

(17) راجع الميزان في تفسير القرآن ج18 ص323.

 

(18) سورة النور : 19.


source : http://abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ولاة عثمان وعمّاله
ما الذي حدث في الكون بعد مقتل الامام الحسين ...
زيارة وزوار الامام الحسين (عليه السلام) في ...
مكانة السنة عند الشيعة الإمامية
المحـاور النـاجح
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
فضل الصيام
معجزات الإمام الحسين (عليه السلام)
البعد الاخلاقي في فكر الأمام الحسين (عليه السلام)
باب ذكر غيبة صالح النبي عليه السلام:

 
user comment