عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

التربية الجنسية

 التربية الجنسية

الفصل الخامس : التربية الجنسية :

لقد أولى إسلامنا العظيم مسألة الجنس والممارسات الجنسية أهمّية كبرى ، واعتبرها من المسائل الأساسية في حياة الإنسان ، لما لها من أهمّية بالغة على سلامة الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه ، من النواحي الصحّية والسلوكية والأدبية والأخلاقية ، لذلك فقد وضعت الشريعة الإسلامية القوانين والمعايير اللازمة لإشباع غريزة الإنسان الجنسية ، وتهذيبها وتنظيم أسلوب ممارستها .

فترى أنّ جملة من الأحكام الشرعية الإسلامية تناولت الجنس والحقوق الجنسية ، وأحكام الزواج الدائم والمؤقّت ( المتعة ) ، وحقوق كلّ من الزوجين ، وأحكام الطلاق وغيرها ، ممّا ينظم مسائل الحياة الجنسية والزوجية ، لتعالج الظروف والمشاكل التي يعيشها الفرد ويواجهها ، وكيفية ممارسته هذا الحق الإنساني الذي منحه الله تبارك وتعالى ، لاستمرار الحياة البشرية من جهة .

ومن جهة أخرى لحفظ النوع والنسل والذرّية ، وليبقى الإنسان في منجىً من الانحراف والانزلاق في هوّة المعاصي والذنوب ، والتلوّث والعدوى من مختلف الأمراض الجنسية والتناسلية كالزهري والسفلس وغيرهما .

ومن الواجب على الوالدين إفهام أولادهما ـ بنات وبنين ـ فيما يتعلّق بمسألة الجنس والأمور الجنسية شيئاً فشيئاً ، كلّ حسب جنسه وما يواجهه مستقبلاً من حالات ترتبط بالأمور الجنسية .

وذلك كي يكونوا مستعدّين لها ، مثل ظاهرة الطمث ( الحيض ) عند البنات ، وما يصحبها من ظواهر تبدو على أجسادهنّ ، كبروز الثديين وظهور شعر العانة مثلاً .

وكذلك تعليمهنّ كيفية الاغتسال الواجب عن هذه الظاهرة الأنثوية ، أمّا بالنسبة للأولاد ( البنين ) فمسألة الاحتلام والجنابة وكيفية غسلها ، على أن يتمّ ذلك بأسلوب مهذّب وسليم ، وبحدود الاحتشام والفضيلة .

وبهذا تتكوّن لدى أولادنا المعلومات الجنسية الكافية للاستعداد لمواجهتها حين ظهورها ، فيهذّب سلوكهم الجنسي ، ويتحدّد بحدود الطهارة من الدنس ، والالتزام والتقيّد بما يحفظهم من مختلف الأمراض الجنسية والخُلقية ، بما يجلب لهم العفّة والشرف والكرامة والنزاهة والسلامة .

ونقرأ ما ورد في القرآن الكريم عن أحكام الجنس وتلبية الغريزة الجنسية بالزواج الشرعي الحلال المباح الذي حلّله الله عزَّ وجلَّ وأباحه لكلا الجنسين قوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) الروم : 21 .

ثمّ يتناول القرآن الكريم مسألة أخرى وحكم آخر يتعلّق بالتعفّف والنزاهة ، إن لم يجد الإنسان نكاحاً من كلا الجنسين : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) البقرة : 236 .

هذا لمن وجدت من تمتّع نفسها له بالزواج المؤقّت ، أمّا من لم يجد ذلك ، فيأمره الله جلّ وعلا بقوله الكريم : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللهُ مِن فَضْلِهِ ) النور : 33 .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ) ناصحاً الشباب : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم ألباه فليتزوّج ، ومن لم يستطع فليدمن الصوم ، فإنّ له رجاء ) ، فأمر الشباب بالنكاح مع الطول له ، فإنْ لم يجدوا إليه طولاً فليستعففوا عن الفجور بالصيام ، فإنّه يضعف الشهوة ، ويمنع الدواعي إلى النكاح .

وقال ( عليه السلام ) أيضاً عن فلسفة الغريزة الجنسية ، وما بني عليها من علامات التحام جنسي بين الزوجين ، تتحدّد على ضوئها نظرة كل منهما إلى الآخر : ( اعلم أنّ الله جعل الزوجة سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية ، كذلك كل واحد منكم يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقّك عليها أغلظ ، وطاعتك لها ألزم فيما أحبّت وكرهت ، ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها ، قضاء للذّة التي لا بدّ من قضائها ، وفي ذلك عظيم ولا قوّة إلاّ بالله ) .

الفصل السادس : التربية البدنية والجسمانية :

أمرنا الله جلّ وعلا أن نهتمّ بوسائل القوّة والإعداد الجسدي لمواجهة الأعداء ، بقوله : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) الأنفال : 60 .

وقد حثّ الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) على بعض أنواع الرياضة البدنية ، حيث قال : ( وعلّموا أولادكم السباحة والرماية ) .

ومن مظاهر الاهتمام بالتربية الرياضية والبدنية للرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه كان فتىً فارساً مقاتلاً ، وكان يشترك في ميادين سباق الفروسية ، فكان يكسب الجولات ويتفوّق في أغلب السباقات ، وكان ( صلّى الله عليه وآله ) يقيم السباقات بين أصحابه ، ويرصد لها جوائز للمتفوّقين ،تشجيعاً منه للفتوّة وللروح الرياضية .

وقد ورد عن الإمام علي ( عليه السلام ) : ( إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة ) .

وبما أنّ الأبناء هم ثمرة العلاقة الزوجية ، وزينة الحياة الدنيا ، وبذرة الامتداد والبقاء النوعي للإنسان ، وبما أنّ الشباب هم أغلى شريحة في المجتمع ، وأثمن ما تملك الأمّة من طاقاتها البشرية ، إذ هم في بداية شبابهم وقوّتهم ونشاطاتهم ، ويعتبرون القوّة الاحتياطيّة لإمداد المجتمع بعناصر حيويّة عاملة .

لذلك فإنّ الدولة ينبغي أن تبالغ في الاهتمام الكبير بهم ، وتسعى أن نضجهم لتستفيد منهم بحسب ما تخطّط لشكل الحكم فيها وترسيخه ، وللحرص على علوّ مكانتها وديمومتها وبقائها .

وإذا لم توجّه هذه الطاقات الشابّة فإنّها سوف تتحوّل إلى عناصر تخريب وهدم وفساد في المجتمع ، وينعكس ذلك على شخصية الشاب نفسه انعكاساً سلبيّاً ، والشباب يمتازون في هذه المرحلة بالقوّة الجسدية والنشاط والحيوية ، لذا فإنّ تنمية روح الفتوّة والرياضة البدنية تعتبر مسألة لها أهمّيتها الخاصّة ، لإنقاذهم من الميوعة والتحلّل .

وذلك عن طريق فتح نوادٍ رياضية وملاعب ومسابح وساحات للعب والسباق ، وإقامة المسابقات الرياضية ، وتسهيل الانتماء إليها والاشتراك فيها ، ورصد الجوائز للمتفّوقين منهم تشجيعاً لهم ولغيرهم من شباب الأُمّة .

إنّ الإسلام العظيم قد اعتنى عناية فائقة بالرياضة والتربية البدنية لإعداد جيل قوي ، وقد وجّه الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) السباق بنفسه ، كما تقدّم ، ورأينا كيف كان يشجّع على السباحة والفروسية .

فالرياضة في نظر الإسلام الحنيف هي من أهمّ وسائل الترفيه ، وتوفير القوّة الجسدية واللياقة البدنية ، التي دعا إليها القرآن الكريم ، لذا فعلى جيل الشباب أن يتمتّع بالقوّة والفتوّة ، والحصانة الفكرية ، والتثقيف والوعي الإسلامي ، والتوجّه إلى الله تعالى والإيمان به وبرسوله ( صلّى الله عليه وآله ) ، ذلك هو السلاح الأقوى والأمضى والأشدّ على الأعداء .

فنكون بذلك قد حصّنا شبابنا من التسكّع والتطفّل والفساد والانحلال والميوعة والتخاذل .

فإننا نريد شبابنا أن يكونوا مؤمنين طيّبين ، وأن يكونوا أعضاء نافعين كما قال مولانا أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ، والمراد من الآباء والمعلّمين والمربّين المؤمنين الصالحين أن يكونوا لشبابنا خيرَ عونٍ وهادٍ في عملية تربيتهم ، وإعدادهم الإعداد الجيّد الذي يرضي الله عزَّ وجلَّ ، ويرضي رسوله وأوصياءه وخلفاءه الأئمة الإثني عشر ( عليهم السلام ) .

الفصل السابع : التربية الذوقية والجمالية :

قال الله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الكهف : 7 .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه واله ) : ( إنّ الله جميل يحب الجمال ، ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ، ويبغض البؤس والتباؤس ) .

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( التجمّل مروءة ظاهرة ) .

إنّ الشريعة الإسلامية الغرّاء قد اعتنت بمسألة الجمال والتجمّل والذوق الجميل والحسّ الجميل عناية فائقة ، ولقد تحدّث القرآن الكريم عن الجمال والزينة والطيب ، وبيّن للإنسان ما في عالم الموجودات من جمال وزينة ولطافة وبداعة ، وأنّ له الحقّ في التجمّل والتطيّب والتزيّن والاستمتاع .

وكان الرسول الأكرم وخلفاؤه وأوصياؤه الأئمّة الإثنا عشر ( عليهم السلام ) المثل الرائع والقدوة اللطيفة في الأناقة والتجمّل وسمّو الذوق والتطيّب .

كما وإنّ التربية الذوقية والجمالية والحسّية تربّي لدى الإنسان ـ سيّما الشباب ـ سمّو الذوق الجميل ، وتجسّد الحسّ السليم ، ولها تأثير عظيم في أنماط السلوك الإنساني والروابط الاجتماعية .

وهي أيضاً تفتح الأفق النفسي والعقلي والوجداني لدى الإنسان ، وتشدّه إلى مبدع خلائقه ومصوّر جمالها في هذا الوجود الله عزَّ وجلَّ ، الخالق المبدع المصوّر الخبير العليم .

فالجمال والتربية الجمالية والخيال الخصب والذوق الجميل والحسّ الرقيق يعتبر طريقاً إلى معرفة الخالق جلّت قدرته ؛ لأنّ ذلك دليل على عظمته سبحانه ، وعلى الارتباط العقلي والوجداني به تعالى .

فهذا الكون من سماء وأرض كلّ ما فيهما من تناسق وجمال وروعة ونظام وترتيب ما هو إلاّ لوحة فنية خلاّبة ، ومصدر إلهام فنّي وذوقي وجمالي .

وقد أكّدت بحوث الفلاسفة الإسلاميّين القيم الإنسانية والمثل العليا ( الحقّ والخير والجمال ) ، وجعلتها هدفاً أسمى في هذا الوجود ، يسعى المرء لبلوغها ، وتحقيق مصاديقها ، وبناء الحياة على أساسها .

كما تناول علماء الكلام ـ علماء العقيدة الإسلامية ـ وعلماء أصول الفقه والمنطق مسألة الحسن والقبح في الأفعال والأشياء بالبحث والتدقيق العلمي تفصيلاً ، فنفوا عن الله عزَّ وجلَّ القبح وفعل القبيح ، وأثبتوا له الحسن والفعل الحسن .

وأقاموا على هذه المبادئ قيماً وأسساً ومفاهيم تشريعية لتنظيم السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية ، فجعلوا الحسن والجمال والبداعة واللطف أساساً لبناء الحياة .

ومن نظرة الإسلام العظيم إلى الحسن والجمال يتعيّن على الآباء والمعلّمين والمربّين تأصيل وتعميق هذا الشعور الإنساني اللطيف في نفس الأولاد منذ طفولتهم ، وتحبيب الجمال والتجمّل إليهم .

فإنّ تربيتهم على هذه القيم تعني تنمية الذوق اللطيف والحسّ الجمالي لديهم ، وتعمل على تهذيب سلوكهم وأخلاقهم ، وإرهاف حسّهم الذوقي ، وتجذير قدرتهم على التمييز بين الشيء الحسن والآخر القبيح ، والتفاعل مع الجمال المادي والمعنوي .

إنّ تعويد الإنسان منذ نعومة أظفاره على الأناقة والجمال والزينة ، والذوق الأدبي والأخلاقي ، ولمسه للعناية الأسرية لهذه المظاهر اللطيفة ، ومشاهدته آثار الجمال على البيت ، من هندسة بنائه وترتيب حديقته ، وتنظيم أثاثه ، وترتيب الطعام على المائدة ، وكذلك استصحابه في التجوال والسفر ، وتمتّعه بمشاهدة الطبيعة الجميلة ، وانتباهه إلى مواطن الجمال والفتنة ، وكذلك غرس الأبوين في نفسه روح التأثّر بالمظاهر الجمالية ، كلّ هذه تخلق فيه حسّاً ذوقيّاً وجماليّاً لطيفاً .

كما وأنّ الإطراء والمدح على اهتمامه بمظهره وقيافته ، وعنايته بترتيب لوازمه وأدواته ، وتنظيم وتصفيف لعبه ، وكذلك تشجيعه على إنتاجاته الفنّية المرهفة والذوقية مهما كانت بسيطة ، كلّ ذلك يعدّ من المحفّزات الضرورية لتنمية الذوق الجميل ، والحسّ الفنّي والقدرة الإبداعية والأداء الفني الجميل .

كما أنّ نقد وتقبيح مظاهر القبح ، وإشعاره بالنفور والتقزّز من المظاهر والمناظر القبيحة والفاقدة للجمال ، يكوّن لديه حسّاً نقديّاً وتمييزيّاً ، وذوقاً سليماً ، ويركّز في نفسه الإقبال على الحسن والجمال من الفعل والقول والسلوك والأشياء ، والنفور من أشكال مظاهر القبح والفساد ومعانيهما .

وينبغي أن نربّي أولادنا على أنّ الجمال كما يتجسّد في الموضوعات الحسّية ـ كالمظهر في اللباس والعطر والحدائق وطراز بناء البيوت وهندسة الشوارع وتخطيط المدن ، واللوحات والواجهات الفنية ـ كذلك فإنّ الجمال يتجسّد في القيم الأخلاقيّة العليا ، والمثل الأدبية السامية الرفيعة ، وكذا في الكلمة الطيّبة والمنطق الحسن والكلام المؤدبّ والأسلوب المهذّب ، والمعاملة الحسنة والمعاشرة الجميلة ، وفي فعل الخير واحترام حقوق الآخرين .

وذلك حتّى ينشأوا ويكبروا على القيم الأخلاقية النبيلة ، والتحسّس بالجمال ، وتوظيفه في تهذيب السلوك وتسامي الذوق ورفعة الأدب والأخلاق الكريمة .

ولاهتمام الإسلام بالجمال ، وطبع شخصية الطفل بطابعه ، وتوفير العناصر الجمالية في حياته ، تراه قد دعا الناس إلى انتقاء المرضعة الحسنة ، وكرّه أن ترضعهم المرأة القبيحة .

فلو أعددنا شبابنا الإعداد الفني والذوقي والجمالي الحسن ، فإنّنا في الحقيقة نكون قد أعددنا مجتمعاً إسلاميّاً ذوّاقاً سامياً مرتّباً منظّماً قوّياً ، وذلك من مظاهر القدرة والمنعة ومن عناصر الحضارة ومعالم رقيّها .

الفصل الثامن : التربية الوطنية والقيادية :

روي عن النبي ( صلّى الله عليه وأله ) : ( حبّ الوطن من الإيمان ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال : ( عُمّرت البلدان بحبّ الأوطان ) .

يتبيّن من هذين القولين وغيرهما ممّا قيل في الوطن وفي حبّه ، والتضحية من أجل عزّته وكرامته ، أنّ الإسلام العظيم يولي اهتماماً كبيراً وأساسيّاً للوطن وحبّه والدفاع عنه ، إذ فيه عزّة الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي ، وبالتالي الدين الإسلامي نفسه .

وإنّ التربية الوطنية موضوع أساسي في تنشئة الشباب وإعدادهم إعداداً صحيحاً سليماً ، يتناسب والدور الذي سيساهمون فيه لبناء مجد الأُمّة وعزّتها وكرامتها وسؤددها في المستقبل الزاهر بعونه جلّ وعلا .

في الحقيقة إنّ كلّ أمّة من أمم الأرض إذا أرادت أن تحقّق لنفسها السيادة والقوّة والغلبة ، وأن تجعل ميزان القوى في العالم لصالحها ، فلابدّ لها من الالتزام بأُسس معيّنة في تربية مواطنيها ، كيما ينشأوا مخلصين لأمّتهم ، مضحّين في سبيل أهدافها ومثلها وقيمها ، ولو تصفّحنا تاريخ الأُمم السحيق لوجدنا حبّ الوطن والدفاع عنه كان من البالغة الأهمّية عندهم .

وممّا لا ريب فيه أنّ الأمّة الإسلامية ، منذ عهد الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) حينما بدأت في سيادة العالم سياسيّاً وعسكريّاً وحضاريّاً ، كانت واحدة من نوادر الأُمم التي تمكنّت من تربية أجيالها تربية وطنية رصينة صالحة ، ممّا مكّن المسلمين لأن يتحكّموا فترة طويلة وقروناً متطاولة بالميزان الدولي ، وجعله يميل إلى كفّتهم ويصّب في صالحهم ، بل وفي صالح البشرية جميعاً ، لما في النظام الإسلامي من قوانين وأنظمّة وقواعد إنسانية شريفة تخدم الصالح العام ، وهذا ما كان سبب تقدّمها في العالم وسيطرتها على بقعة كبيرة منه ، إذ وصلت جيوشها شرقاً إلى بلاد الصين وأخضعوها لسيطرتهم ، وغرباً إلى بلاد المغرب والمحيط الأطلسي ، وشمالاً إلى أواسط روسيا ودول أوربا كآسيا الصغرى واليوغسلاف .

حتّى أنّها عبرت أسبانيا والبرتغال وأصبحت على مشارف بلاد الإفرنج ( فرنسا ) ، وجنوباً إلى المحيط الهادي والبحر العربي وأفريقيا ، فكان سبب ذلك الفتح الهائل هو كونها من الأمم الفكرية المتميّزة بروحية عقيدتها وسماوية تشريعها وأخلاقية رسالتها .

فطبيعي أنّ هكذا أُمّة تمتلك كل عناصر القوّة والغلبة أن تكون كذلك ، وحينما يغمر روّادها مواطنيهم بالحبّ والعطف والرعاية والاهتمام والأُلفة والاحترام ، ففي ذلك تحقيق رضا الله عزَّ وجلَّ ، ونيل الهدف السامي الذي من أجله بعث الإسلام لهداية الناس جميعاً إلى الخير والتوفيق والسعادة .

ويجسّد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هذا المعنى في رسالته إلى ولده الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) مؤكّداً في قوله : ( يا بُنيّ ، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم ، وأحسن كما تحبّ أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ) .

هذه هي المواطنة الصالحة التي يحدّد إطارها الإمام علي ( عليه السلام ) ويحدّد معيارها ، حين يحثّ المسلمين على السعي إلى الإصلاح والوقوف بوجه الظلم والانحراف ، فيقول : ( إنّ من رأى عدواناً يُعمل به ومنكراً يدعى إليه ، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومن أنكره بلسانه فقد أُجر ، وهو أفضل من صاحبه ، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين ) .

وبقدر ما تجب على الإنسان المسلم المواطنة الصالحة ، فقد تجب عليه أيضاً الدفاع عن حياض دينه الإسلامي الحنيف ، والمحافظة على ثغور وطنه الإسلامي العزيز ، مع أنّ القتال والحرب دمار للإنسان وإزهاق للأرواح واستهلاك للطاقات البشرية وهدر للقدرات الإنسانية .

إلاّ أنّه إذا وصلت الحالة إلى غزو الأوطان والاعتداء على أهلها وإخضاعهم وإذلالهم ، توجّب حين ذاك أن يهبّ أهلها للدفاع عن حياضها وعن كرامتهم وعزّتهم ومقدّساتهم .

وفي الحقيقة شتّان بين جيلين من الشباب ، جيل يعيش على الحرب والدماء والخراب والدمار ، ويتّخذها وسيلة للظلم والاستغلال والعدوان واستعباد المستضعفين ، ليشبع نهم نفسه الشريرة ، ويبسط غطرسته وتجبّره عليهم .

وجيل يعيش نظرية الحبّ والسلام ، والأخوّة والمساواة والعدالة ، ويعتبر الحرب أداة لردّ العدوان ، ووسيلة للدفاع عن الحقّ .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

موقع الأسرة في الإسلام
آية الله الشيخ عبد الحسين الحياوي؛ فقيهاً ...
حجابك وعفتك دليل محبتك لله تعالى
ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
الانسان وباقي المخلوقات
الأخلاق دلیل الشخصيّة
مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة

 
user comment