فاطمة الزهراء(عليها السلام) في آية القربى
ممّا لا شك فيه أنّ الزهراء(عليها السلام) تظلّ في مقدمة من تشملهم آية القربى، أي في قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)([1]).
والآية كما تراها خطاب من الله العظيم إلى نبيّه الكريم: (قُلْ) يا محمد لاُمّتك: (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على أداء الرسالة (أَجْراً) شيئاً من الأجر (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)أي: إلاّ أن تودّوا قرابتي.
والمودّة في اللغة هي إظهار الحُبِّ، وقد اتّفقت كلمات أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)وكلمات أتباعهم على أنّ المقصود من القربى هم أقرباء النبيّ(صلى الله عليه وآله).
وهناك أحاديث متواترة مشهورة في كتب الشيعة والسنّة حول تعيين القربى بأفرادهم وأسمائهم، ومن جملة الأحاديث التي ذكرها علماء المسلمين في صحاحهم وتفاسيرهم هذا الحديث:
لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يارسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال(صلى الله عليه وآله): «عليّ وفاطمة وابناها»... إلى آخره([2]).
وحديث آخر رواه الطبري وابن حجر أيضاً: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «إنّ الله جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي، وإنّي سائلكم غداً عنهم»([3]).
وإليك بعض الأحاديث التي تصرّح باحتجاج أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بهذه الآية على أنّ المقصود من القربى هم (عليهم السلام):
في الصواعق المحرقة لابن حجر: عن عليٍّ(عليه السلام): «فينا في آل حم، لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن، ثمّ قرأ: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)».
وفي الصواعق أيضاً: عن الإمام الحسن(عليه السلام) أ نّه خطب خطبةً قال فيها: «وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عزّ وجلّ مودّتهم وموالاتهم، فقال فيما أنزل على محمّد(صلى الله عليه وآله): (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً)، واقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت...» إلى آخره.
وفيه أيضاً عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليهما السلام) حينما أتاه رجل من أهل الشام وهو(عليه السلام) أسير، وقد اُقيم على باب الجامع الاُموي بدمشق، فقال له الشامي: الحمد لله الذي قتلكم... إلى آخره! فقال له(عليه السلام): «أما قرأت: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟»([4]).
وعن جابر بن عبدالله قال: جاء أعرابي إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، أعرِض عَليَّ الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله؟ قال: تسألني عليه أجراً؟ قال: لا، إلاّ المودّة في القربى، قال: قرابتي أم قرابتك؟ قال: قرابتي، قال: هاتِ اُبايعك، فعلى من لا يحبّك ولا يحبّ قرابتك لعنة الله، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله): آمين([5]).
وقد ذكر شيخنا الأميني ـ عليه الرحمة ـ في الجزء الثالث من الغدير خمسةً وأربعين مصدراً حول نزول هذه الآية في شأن عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وأوردها كلٌّ من: الإمام أحمد بن حنبل، ابن المنذر، ابن أبي حاتم، الطبراني ، ابن مردويه ، الثعلبي ، أبوعبدالله الملاّ ، أبو الشيخ النسائي، الواحدي، أبو نعيم، البغوي، البزّار، ابن المغازلي، الحسكاني، محبّ الدين الطبري في الذخائر، الزمخشري في الكشّاف، ابن عساكر، أبو الفرج، الحمويني، النيسابوري، ابن طلحة، الرازي، أبو السعود، أبو حيّان، ابن أبي الحديد، البيضاوي، النَسفي، الهيثمي، ابن الصبّاغ، الكنجي، المنّاوي، القسطلاني، الزرندي، الخازن، الزرقاني، ابن حجر، السمهودي، السيوطي، الصفوري، الصبّان، الشبلنجي، الحضرمي، النبهاني.
تبيان: لماذا جعل الله أجر الرسالة مودّة أهل البيت(عليهم السلام)؟ وماذا نستفيد من مودّتنا للقربى؟
1 ـ إنّ مودّة أهل البيت(عليهم السلام) وإظهار الحبِّ لهم هي في صالحنا نحن المسلمين; لأنـّنا بحبّنا لهم نسير في الطريق الصحيح الذي يحبّه الله ورسوله.
2 ـ إنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم الامتداد الطبيعي لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، فمن كان يريد أن ينظر إلى أقوال وأفعال وأخلاق رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلينظر إلى أهل البيت(عليهم السلام).
3 ـ كان أهل البيت(عليهم السلام) يقاومون تحريف الدين، ولولاهم لكان الإسلام محرّفاً مثل اليهودية والنصرانية.
4 ـ كانوا ـ سلام الله عليهم ـ مصدراً لإنقاذ الدين، ولقد كان يستعين بهم الملوك والسلاطين وغيرهم حينما لايستطيعون أن يجيبوا على أسئلة شخصيات اليهود والنصارى وغيرهم، وحينما تتعلّق الاُمور بالحفاظ على الدين الإسلامي فيحلّون الكثير من المشاكل المهمّة والصعبة، حتّى قال عمر بن الخطاب: «لولا عليٌّ لهلك عمر»([6])([7]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . الشورى: 23.
[2] . ذكر هذا الحديث طائفة من علمائهم، منهم: الثعلبي في تفسيره، والسيوطي في الدرّ المنثور، وأبونعيم في حلية الأولياء، والحمويني الشافعي في فرائده. وذكر شبيهه كلاًّ من: أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة، وصحيح البخاري، والطبراني، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى، والزمخشري في الكشاف، والرازي في التفسير الكبير، والنيسابوري في تفسيره، وأبي حيّان في تفسير، وابن كثير في تفسيره، والهيثمي في مجمع الزوائد.
[3] . ذخائر العقبى: 25، ذيل آية المودّة، الصواعق المحرقة: 170، جواهر العقدين: 245.
[4] . الصواعق المحرقة: 170.
[5] . رواه الكنجي في كفاية الطالب: 90، عنه الغدير: 2/433.
[6] . الاستيعاب لابن عبدالبرّ: 3/1103، فيض القدير للمنّاوي: 4/470/5594، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/23 و112 وج12/308 و326 و327، الكافي: 7/424/6، الغدير: 3/142 وج4/97 وج6/116، الاستغاثة: 2/42، مناقب الخوارزمي: 80/65، فتح الملك العليّ للمغربي: 71، الدعائم: 2/453، عمر بن الخطاب للبكري: 151، السيدة فاطمة الزهراء للبيّومي: 58، ينابيع المودّة: 3/147، جواهر المطالب للدمشقي: 1/195.
[7] . انظر فاطمة الزهراء تأليف عبدالله الهاشمي: 149 ـ 151.
source : www.sibtayn.com