بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.
إنني اشعر بسرور غامر، وأحمد الله تعالى على توفيقه لي بالحضور بين هذا الحشد الودود والمخلص والمؤمن والمتدين من أهالي يزد الأعزاء وأن أقوم بهذا الواجب الذي ظل يثقل كاهلي منذ فترة طويلة وهو أن آتي إليكم وأن أكون بينكم أيها المواطنون الأعزاء.
إنّ مدينتكم ومحافظتكم ـ أيها الأخوة والأخوات الأعزاء ـ هي مركز للعلوم والفنون والعمل والمثابرة والإبداع، كما أنها مركز للإيمان والعقيدة الدينية.
لقد كان أهالي يزد طوال فترات تاريخنا المعاصر مثالاً للموهبة والنجابة والإيمان والعقيدة والقدرة على العمل والخلاقية والحركة والتأهب على شتى الميادين بشكل لم نعهد له مثيلاً بين أبناء شعبنا الإيراني، وهو ما لاحظناه دائماً، سواء أكان ذلك قبل قيام الثورة أو بعد انتصارها، فلقد سجل أهالي يزد انتصارات باهرة في ساحات الدفاع المقدس وعلى صعيد الدفاع عن هوية الثورة الإسلامية، وحتى بعد انتهاء مرحلة الدفاع المقدس والى يومنا هذا فلقد سجلوا حضوراً فاعلاً في مجال الدفاع عن القيم التي كانت عرضة لهجمات الأعداء السياسية والثقافية.
فعلى كافة هذه الأصعدة كان أهالي يزد دائماً على أهبة الاستعداد والتوثب للعمل، وكانوا مثالاً للصبر والتحمل والعزم والإرادة التي لا تخفى على كل ذي بصر وبصيرة.
إنني لا أنسى تلك الأيام التي عشناها قبل انتصار الثورة الإسلامية، حيث كان جميع المواطنين الإيرانيين يعملون جاهدين قدر المستطاع على بلوغ هذه النهضة الكبرى أهدافها السامية.
ففي تلك الأيام قمت بزيارة إلى مدينة يزد، فلم أتمالك نفسي من الحيرة والدهشة جراء ما شاهدته في هذه المدينة، لقد كانت جماهير المدينة تموج ثورة وحماساً دون أن تفقد ما ينبغي من نظام وانضباط وتماسك ورباطة جأش، وكان المرحوم آية الله الشهيد الصدوقي كما شاهدته آنذاك مثالاً لرجل الدين البارز، كما بدا قائداً دينياً وسياسياً وثقافياً وثورياً من الطراز الأول في مدينة يزد وفي كافة مدن ومناطق هذه المحافظة.
لقد أمضيت عدة أيام في يزد، واطلعت على أوضاع المدينة، وكنت حينها قادماً من المنفى، وكان قد قُدُّر لي أن أزور عدداً من المدن الأخرى، إلا أن الأوضاع في يزد كانت استثنائية بلا إغراق ولا مبالغة.
إنّ من اللازم قدر المستطاع أن أتحدث إليكم والى أبناء الشعب الإيراني بصدق وإخلاص حول مناقب أهالي يزد الأعزاء كما عرفتهم وبما يختلج في صدري من مشاعر وأحاسيس.
لقد دأبت دائماً على كافة زياراتي للمدن الإيرانية على التأكيد بأن على شعبنا ـ ذلك الشعب الذي يتمتع بتاريخ حضاري وعلمي وثقافي وسياسي عريق ـ أن يتعرف بدقة تامة على هويته وشخصيته وتاريخه وأهمية مدنه، وأن يقدّر ما يحظى به من خصائص، ومن هنا يأتي الحديث حول مميز ات أهالي يزد ومواطنيها.
أيها الأعزاء، لقد حاول أعداء هذا الشعب خلال عقود طويلة مسخ هوية هذا الشعب وتزييف تاريخه والقضاء على حضارته.
لقد اساءوا فهمنا، وعاملونا كشعب بلا تاريخ ولا ماضِ حضاري ولا جذور تضرب في عمق القِدَم، وكأننا لم نحظ بكل هذا العدد الهائل من العلماء والمفكرين والفنانين على مر الحقب التاريخية. وللأسف الشديد فقد وقع بعضنا في حبائلهم وخُدعوا بترّهاتهم وصدّقوا بأقاويل الأعداء الكاذبة حول الأمة الإيرانية والشعب الإيراني.
إنّ مدينة يزد، وكما أشرت سابقاً، هي مدينة العلم، وإذا ما أتينا على ذكر علماء يزد في مختلف العلوم، ولاسيما العلوم الدينية، لاستغرق ذلك ساعات وساعات حتى لو توخينا الإيجاز واكتفينا بمجرد ذكر الأسماء.
إنّ هذا لا يتعلق بالماضي فحسب، بل إنه يمتد الى عصرنا هذا، فثمة رعيل كبير من العلماء من الأعلام والشخصيات والوجوه البارزة من عظماء هذه المحافظة الذين حظينا بمعرفتهم خلال دراستنا الدينية وأثناء نشاطاتنا الاجتماعية.
وأما الآن، فإننا نجد أن محافظة يزد سجلت أعلى نسبة من بين المشاركين في اختبارات الالتحاق بالجامعات على مستوى البلاد خلال الأربعة عشر عاماً الماضية.
إنّ هذا ليس بالشيء القليل، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على الموهبة العلمية وعلى كثرة علماء المستقبل والنخب العلمية والعقول النابغة التي يمكن أن تغير من مسير الثورة الإسلامية وأن تمثل منعطفاً عظيماً في مستقبل هذا البلد.
إنّ على شباب يزد ورجالها ونسائها وعلماء الدين فيها ومثقفيها وأساتذتها أن يعرفوا قيمة هذه النعمة وأن يشكروا الله عليها، وهذا ما لا يكون إلا باكتشافها واستثمارها وتوظيفها في شتى ميادين الحياة.
لقد كانت تجربة أهالي يزد أثناء الدفاع المقدس تجربة ناجحة، فهم لم يكتفوا بالجلوس في منازلهم والدعاء بالنصر للمقاتلين، بل سجلوا حضورهم في الجبهات.
إنني لا أنسى أن كتيبة الغدير ومقرّ غدير اليزديين كانا من أفضل وأقوى وأخطر المواقع القتالية وأكثرها نظماً وانضباطاً من بين كافة المواقع العسكرية التي شاهدناها في جبهات القتال.
إنّ شهداءكم الأبرار ومعوقيكم الأبطال وأسراكم الأحرار وعوائكم التي تحصنت بالصبر والصمود لمن أوضح الأدلة على حضوركم الباسل في ساحات الأخطار تلبيةً لنداء الكفاح والجهاد.
إنكم الأفضل في الجامعات، وفي ميادين الحرب، وفي حقول الصناعة والزراعة رغم جفاف هذه المنطقة وصحراوية هذا الإقليم.
إنّ أحدكم لو عثر على عين ماء نائية لبذل جهده في استخدام مائها من أجل حقل يرويه أو مزرعة يسقيها أو بستان يغرسه ليجني ثماره مع الآخرين. إنها لقيمة كبرى، وإنها القدرة على تحمل المشاق.
لقد شاهدت بساتين في العراق بين كربلاء والنجف منذ خمسين عاماً، وكان كافة العراقيين يعلمون أنها من غرس اليزديين. لقد كانوا يقولون بأن اليزديين جاءوا من إيران وقاموا بغرس هذه البساتين بين كربلاء والنجف في منطقة ظن البعض أنها مستعصية على الاصلاح والزراعة.
لقد كانت هذه صفتهم أينما ذهبوا وحلّوا ، وهي التحمل الذي لا ينفك عن الرضا والقناعة.
لقد تحدثت كثيراً مع أبناء شعبنا الأعزاء حول ظاهرة الإسراف وضرورة تجنبها، وإن مدينتكم ومحافظتكم لخير نموذج ومثال على اجتناب الإسراف والتبذير.
وإنني لأقول بين قوسين إنها لطبيعة فطر عليها أهالي يزد، بشرط عدم التشبه بطبقات الأشراف، فهذا مرض عُضال يصيب الأخلاق النبيلة ويؤثر على الصفات الحميدة، ولربما غيّرها وقضى عليها، فعلينا نحن أبناء الشعب الإيراني ألا نقع أسرى في شباك تلك الصفة الذميمة.
لقد فُطر أهالي يزد على القناعة والجد في العمل، وهذا فضلاً عن تلك الموهبة الطبيعية في كافة المجالات المصقولة بالتفوق العلمي والفني.
إنّ هذه الآثار المعمارية، وهذا المجمّع المعماري الفائق الجمال الذي يغمرنا الآن ببهائه، بما في ذلك مجموعة أمير چخماق(1) والمسجد الجامع وما عدا ذلك من الآثار المعمارية والفنية في شتى جوانب هذه المدينة وهذه المحافظة لخير دليل على ذلك الذوق الفني الرفيع الذي يمكن أن تتمتع به مدينة أو محافظة أخرى من الأصالة والتراث العريق في كافة مراحل التاريخ وأحقابه الممتدة؛ حسناً، وكأنني أردت من وراء كل ذلك التمهيد لحديثي معكم والذي يدور باختصار حول الثقة بالنفس.
إنّ الثقة بالنفس لمن أبرز خصال اليزديين؛ وأن كل ما تشاهدونه في تلك المدن البعيدة وفي ديار الغربة وفي البيداء الواقعة ما بين كربلاء والنجف وفي كل مكان يحل فيه أحد المواطنين اليزديين من إنتاج وإصلاح وإعمار وتوفير للثروة لمن الأدلة الواضحة على أنه نابع من الثقة بالنفس فضلاً عما يدعمها من الصفات الإيجابية الأخرى.
إنني أريد أن أقول لكم ولكل المواطنين الإير انيين أن أحد أهم الأدوية الروحية والفكرية التي يحتاج إليها شعبنا والتي ينبغي إشاعتها في أوساطنا الشعبية دواء الثقة بالنفس.
إنّ على الشعب الإيراني الحفاظ على ثقته بنفسه، تلك الصفة التي اكتسبها من أحداث ومخاطر الثورة ومن كفاحه في سنوات الدفاع المقدس بكل ما تحمله من مصاعب ومشاكل، وهو ما رسَّخ لديه تلك الصفة بفضل صموده وإرادته.
إنّ هذه الثقة تمنح الشعب الإيراني جرأة وعزيمة وقدرة على المضيّ قدماً نحو تحقيق الأهداف المرجوة للمجتمع الإسلامي، وهو ما يستحيل إنجازه بدون الثقة بالنفس.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، إن ثورتنا لم تقم لمجرد استبدال حكومة بأخرى أو سلطة بسلطة، فلو كان الأمر كذلك فلماذا اقتحم شعبنا الميدان بكل هذه التضحية وذلك الفداء؟
إنّ الأمر ليس على غرار ما يحدث في البلدان الأخرى من صراع بين فئتين متنافستين وتغلّب إحداهما على الأخرى والأخذ بمقاليد السلطة، بل إن ما يسترعي الانتباه هو أن ينهض شعب بكل ما أوتي من قوة وإرادة وبكافة ما يملك من مال ونفس وشباب ويضحي بالغالي والنفيس دعماً للثورة المحتدمة، وهو ما يعني أن تلك الحركة العارمة لا تسعى الى مجرد انتقال السلطة من قوة الى أخرى، بل هي نهضة عظيمة وتحول كبير يهدف الى تحقيق عدد من الآمال الشعبية والطموحات الوطنية.
لقد رسمت ثورتنا لنفسها أهدافاً واضحة، وهي أهداف وجدها شعبنا المؤمن كامنة في تعاليمه الدينية، مما يلبّي حاجياته الملحّة. ولهذا فقد سار في ركابها، وبذل في سبيلها النفس والمال والولد.
وإننا الآن نتوق الى بلوغ هذه الأهدا ف. فما هي؟ إنها تتلخص في كلمة واحدة، وهي «المجتمع الإسلامي». فنحن ماضون اليوم على طريق المجتمع الإسلامي.
إنّ المجتمع الإسلامي هو ذلك المجتمع الذي تستقر فيه العدالة بكافة معانيها، وتسوده الأخلاق الإسلامية، ويغدو الناس على تلك الصورة التي أرادها الأنبياء، أي التحلي بالقوة والشجاعة والعزة والموهبة والعبودية الإلهية والتسليم لمشيئة الواحد الأحد.
إنّ الحرية الحقيقية للناس والشعوب هي توظيف إرادتها وعزمها وقوتها وقدرتها من أجل سعادتها ورفاهيتها، وأن يكون رخاءها في سبيل العبودية الحقّة لله تعالى.
وهذا ما نسعى الى القيام به.
إنّ هذا هو الفراغ الذي يثقل كاهل عالم الليبرالية والديمقراطية الغربية. لقد أنشأوا المصانع، وأداروا المحركات، ووسعوا من رقعة العلم، ولكنهم عجزوا عن تحقيق العدالة الاجتماعية. لقد أخذوا بالأخلاق الإنسانية الى هاوية الهبوط والانحطاط.
إنّ هذا لا يعبر عن رأيي الشخصيّ، بل هو ما تردده كافة المنصات والمنابر العالمية، وما يتحدثون به هم أنفسهم، وما لا يعكس إلا مايشعر به أبناء شعوب تلك البلدان.
إنّ الليبرالية الديمقراطية الغربية تعاني اليوم من أزمة أخلاقية مستفحلة.
إنّ تلك البلدان التي أدهشت التاريخ بتقدمها العلمي تعاني اليوم من أزمات جنسية واقتصادية وأخلاقية وعائلية مريعة.
إنّ سعادة الإنسان لا تحقق بتطوره العلمي ـ على قاعدة العلم وسيلة للسعادة ـ بل تتحقق بهدوء البال وراحة الفكر وصفاء الروح وخلوّ الحياة من القلق والاضطراب واستتباب الأمن الأخلاقي والمعنوي والمادي والشعور بتوفر العدالة في المجتمع.
إنّ هذا هو ما يفتقر إليه الغرب، بل إنه يزداد بُعداً عنه يوماً بعد آخر.
إنّ هذا هو ما صورناه للعالم على أنه سبيل سعادتنا ومبلغ آمالنا، بل إنه من صنع الله تعالى، وهو ما لم يدّخر الشعب الإيراني جهداً من أجل إنجازه، انطلاقاً مما يقتضيه إيمانه بهذا السبيل.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، يا أهالي يزد الأعزاء، ويا أبناء الشعب الإيراني العزيز، إنه لا مندوحة لنا عن الثقة بالنفس إذا ما أرادنا بلوغ هذا الهدف. لابد وأن نعبر عن أرادتنا الوطنية كما عبرنا عنها حتى اليوم من خلال إنجازاتنا المتواصلة.
إنها لم تكن مزحة أن نسقط حكومة من أشد حكومات العالم ظلماً وفساداً في بلد يتعرض لأقسى الضغوط الاستكبارية والاستعمارية، وأن نقضي على تلك الحكومة المستبدة وتلك العائلة المنحوسة التي كانت تحقق لعالم الشرق والغرب مآربه وأطماعه، وأن نزيل آثار تلك الحكومة المتهاوية لتلك الأسرة الملكية الوراثية، ثم نستبدلها بنظام حكومي شعبي نابع من أصوات ومشاعر الجماهير في بلد لطالما تعرض للظلم وعانى من الاستبداد خلال قرون طويلة.
فهل هذه مزحة؟!
لقد حقق الشعب الإيراني هذا الإنجاز العظيم، ولا يوجد بلد آخر في هذه المنطقة يداني الجمهورية الإسلامية من حيث الاستناد الى أصوات الشعب وأحاسيسه.
إنّ المرء ليشعر بالألم عندما نجد أن البعض يتقولون ببعض المهاترات السياسية ـ أو الجناحية على الأرجح ـ وكأنه لا توجد ذرة من الديمقراطية في هذا البلد. إنه ضرب من التعسف وعدم الانصاف.
إنّ ثمة انتخابات تُجرى في هذا البلد مرة واحدة في المتوسط كل عام منذ ثمان وعشرين سنة، وهي انتخابات حرة ونزيهة، يتحكم فيها العقل، وتتميز بالحضور الشعبي الواسع، والنوعية، ومشاركة كافة الاتجاهات والأطياف. فلماذا نعيد ونكرر مزاعم الأعداء الذين ينكرون وجود ديمقراطية في ظل الإسلام، ولماذا نثلج صدورهم بترديد ادعاءاتهم الكاذبة؟
لقد استطاع الشعب الإيراني أن يقيم عماد هذه البناء المبارك، وأن يرسخ فيه ديمقراطية جديدة لا سابق لها، وهي الديمقراطية الدينية.
إنّ هناك إطار للديمقراطية في كل مكان من العالم، ولا يوجد بلد فيه ديمقراطية إلا وهي خاضعة لإطار أو اتجاه خاص، إما عن طريق الأحزاب، أو الأجهزة القضائية، أو أجهزة خارجة عن إطار السلطتين القضائية والتنفيذية. وهكذا في كافة بلدان العالم.
وأما بالنسبة لنا، فقد جعلنا من الإسلام إطاراً للديمقراطية لأن الشعب الإيراني شعب مسلم ومؤمن، وهكذا انبثقت الديمقراطية الدينية والديمقراطية الإسلامية.
إنّ نظرة الشعوب المسلمة الأخرى للشعب الإيراني بعين العظمة والإكبار يعود الى أن هذا الشعب امتلك الشجاعة للدخول الى الميدان، وأن النظام الحاكم توفر على الشجاعة لمنح الشعب فرصة المشاركة، ثم ما لبث أن فاجأ العالم بديمقراطية لم يكن يعلم بها، وذلك في صيغة خاصة وشكل معين، وبعد ذلك رفعها رايةً وشعاراً.
إنّ كافة الشعوب والحكومات تقع فريسة لضجة اللعب الدعائية لأعدائها، وأما الشعب الإيراني فقد ظل في منأى عن كل ذلك.
إنّ الشعب الإيراني لم يتخذ مواقف انفعالية إزاء العديد من القضايا، كقضية الديمقراطية الدينية، وقضايا المرأة، وأساليبنا المعتادة في السياسة الخارجية، وعلاقتنا بأقطاب القوى الدولية، فإننا لم نتأثر بالخدع الإعلامية، ولم يغير الشعب مساره، وسنستمر على هذا المنوال.
وإنني أؤكد من جديد أنه لابد من الحفاظ على هذه الثقة بالنفس.
إنّ أحد دلائل هذه الثقة بالنفس دخول الشعب الإيراني الى ميادين الاكتشافات العلمية على أعلى المستويات، ومن ذلك مشروع الطاقة النووية الذي بات حديث الساعة في أوساط شعبنا، بل إن الأمر لا يقتصر على ذلك، فلقد أثبت شبابنا وجودهم في الكثير من المجالات الحساسة والدقيقة والحديثة جداً، ودخل علماؤنا وخبراؤنا الميدان بكل قوة فأنجزوا الكثير من الأعمال الكبرى من قبيل الخلايا التأسيسية واكتشاف الدواء لبعض الأمراض المستعصية، وسوى ذلك من الاكتشافات الجديدة التي لم يسبق لها مثيل مما تم الاعلان عنه وما سيتم الاعلان عنه لاحقاً إن شاء الله.
لقد كشف الفرد الإيراني عن طاقته وموهبته، واقتحم الميدان، وعبّر عن ثقته بنفسه، وأحرز تقدماً، وسيحرز الواحد تلو الآخر.
لقد وسّعوا الهوة بيننا وبين بلدان العالم المتقدم خلال العقود الماضية من سنوات التطور العلمي، إلا أننا سنضيق هذه الهوة إن شاء الله، بل إننا لن نكتفي بالتقدم العلمي، ولسوف نقرنه بالقيم المعنوية والأخلاقية وبناء الذات مما نعتبره وظيفة لنا وواجباً علينا. ويبقى أن نتحدث قليلاً حول الانتخابات ومحافظتكم ومدينتكم.
إنّ مسألة الانتخابات هي الأهم في هذا العام بالنسبة للشعب الإيراني. وهناك بالطبع العديد من القضايا المهمة، إلا أن الانتخابات التشريعية تبقى هي الأهم في نهاية هذا العام. ومع أن الوقت مازال مبكراً، ومازالت هناك الفرصة للحديث في وقتها، إلا أن ما أود الحديث عنه اليوم هو أن يمنح المواطنون أهمية بالغة للانتخابات.
إنّ الانتخابات معرض للتعبير عن إرادة الشعب الإيراني ورشده الوطني والبرهنة على استقامته ووعيه ويقظته والتزامه بنظام الديمقراطية الدينية.
إنّ ما أكدته في كافة الانتخابات والذي اشدد عليه اليوم هو بالدرجة الأولى ضرورة المشاركة الشعبية الواسعة ومعرفة الجماهير بأهمية الانتخابات. وإنني أقول لكم ـ على سبيل التلميح ـ إنّ البعض حاولوا إغلاق باب الانتخابات في هذا البلد حتى يقول الأعداء إنّ نظام الجمهورية الإسلامية ليس نظاماً شعبياً، ولكن مساعيهم باءت بالفشل والحمد لله، وتغلبت الإرادة الإلهية على إرادة الحاقدين، فهفت أفئدة المواطنين الى الانتخابات في دوراتها المختلفة وسجلوا حضوراً واسعاً رغم أنف الأعداء، وهكذا هي هذه الدورة.
إنّ ما أشدد عليه هو الحضور الشعبي بالدرجة الأولى. وأما فيما بعد فإن ما يحوز أهمية فائقة هو انتخاب النائب البرلماني الأصلح.
إنّ المرشحين الذين يحظون بالصلاحية من قبل مجلس صيانة الدستور يتمتعون على نحو ما بالحد الأدنى من الصلاحية اللازمة، وهم على درجات متفاوتة من هذه الصلاحية، فعلى المواطنين جميعاً والحوزات الانتخابية أن يتحرروا الدقة وأن يدلوا بأصواتهم للأصلح والأفضل من ناحية الالتزام الديني والإخلاص والأمانة والاستعداد لخوض ميادين الثورة والتعاطف مع مشاكل وآلام المواطنين.
إنّ هذه فرص مواتية ينبغي على كافة مواطنينا اغتنامها في كافة المحافظات ـ وليس فقط في محافظة يزد ـ وأن يكونوا على بصيرة تامة عند ا لإدلاء بأصواتهم حتى تكون الدورة البرلمانية القادمة نموذجاً للبرلمان الذي يلبي حاجات مجتمعنا المعاصر.
على أنه ينبغي للمواطنين ألاّ تغرهم الدعايات الملونة، فهي ليست ملاكاً أو معياراً، وكذلك هي الوعود البراقة التي لا تتحقق. لقد خاطبت النواب المحترمين في الدورات البرلمانية المختلفة، وكنت أقول لهم: أيها السادة والسيدات النواب، إنه ليس من واجب عضو البرلمان إعطاء وعود عمرانية للمواطنين من قبيل المشاريع والمؤسسات الإنشائية في منطقته الانتخابية، فهذا من عمل السلطة التنفيذية، وإنها أمور تخص الحكومة.
إنّ من واجب الأعضاء العثور على قانون تحتاجه البلاد وسن هذا القانون للعمل به. وعندئذ فسوف يكون على السلطتين القضائية والتنفيذية تطبيقه والاستناد إليه كقاعدة تشريعية.
إنّ الوعود الكبرى وغير العملية ليست معياراً لمنح الأصوات، بل ربما كانت علامة سلبية، فعليكم بالدقة.
إنّ الأخلاق السيئة وتبادل التهم بين أنصار المرشحين ليست من شيم شعبنا، وإنه لا مصلحة إطلاقاً في انتهاك حرمة المؤمنين الذين يتمتعون بالحصانة الإسلامية والشرعية والتجني عليهم في المنشورات والصحف ومواقع الانترنت وسواها.
إنني أدعو أنصار المرشحين بحزم وشدة وإصرار إلى عدم التعبير عن حبهم لمرشحيهم عن طريق التجني على الآخرين ووصمهم بالتهم والإهانات.
إنّ بوسعهم الدعاية لمرشحيهم كيفما شاءوا، ولكن دون المساس بالآخرين، فهذه علامة سيئة. لقد اعتادوا في بعض البلدان على إفشاء الأسرار العائلية لبعضهم البعض، ونشر الصور الفاضحة، وهؤلاء هم الذين يتشاجرون ويأخذ أحدهم بخناق الآخر ويتبادلون اللكمات من أجل قضية ما عندما يصبحون نواباً في البرلمان كما شاهدتم على شاشات التلفاز.
إنّ هذا لا يعد امتيازاً للنائب في البرلمان. ولكن الذي أؤكده الآن هو أن على مواطنينا الأعزاء أن يستعدوا للحضور الواسع والفاعل في الانتخابات وأن يحاولوا انتخاب الأصلح، وأن يحترموا القيم والمثل الانتخابية.
وأما بالنسبة ليزد، محافظةً ومدينة، فإن أصدقاءنا اليزديين يعترضون علينا بسبب تأخير زيارتنا لمنطقتهم، ولهم الحق في ذلك. ولكن مسؤولي الحكومة يقومون الآن بمثل هذه الزيارات للمحافظات، ويقدرون الأمور والحمد لله.
وهناك بعض المحافظات التي لم أقم بزيارتها حتى الآن، ومن ذلك جارتكم محافظة فارس، ومحافظة كردستان، ومحافظة كرمانشاه، فمن المقرر زيارتها لاحقاً إن شاء الله إذا ما كانت هناك فسحة من العمر.
ولكن المهم الآن هو أن الله وفقنا لهذه الزيارة والحمد لله، وأن على الحكومة بكافة أجهزتها وعلى المجموعات غير الحكومية وكذلك الأهالي والمواطنين والمؤسسات غير الحكومية والمؤسسات الاقتصادية والثقافية وسواها أن تضع كل منها يدها في يد الأخرى وتتعاون من أجل إعمار هذه المحافظة ورخائها وتقدمها.
إنّ على الحكومة القيام بتنفيذ القرارات التي اتخذتها بشأن هذه المحافظة عند زيارتها لها، فلا شك أن زيارة المحافظات ووقوف الحكومة على أوضاعها عن قرب لمن الأعمال الطيبة والمباركة.
إنني أعبر عن تقديري لمثل هذه الزيارات التي تقوم بها الحكومة للمحافظات والمدن والمناطق النائية متحلية بالسلوكيات الشعبية، فهي ظاهرة تنطوي على قيمة كبرى.
إنّ مسؤولي الحكومة يتفقدون كافة المدن من بُعدِ وعن قرب، وهي مدن لم يُقيّض لبعضها أن يلتقي أهاليها حتى بمديرٍ عام، وها هم الآن يلتقون برئيس الجمهورية والوزراء ويشاهدونهم ويتحدثون معهم، فهذا حدث يستحق التقدير، وعلينا أن نعرفه حق معرفته.
إنّ تنفيذ بعض القرارات التي اتخذت بشأن المحافظات لمن الفرص الثمينة التي ينبغي اغتنامها حتى ولو لم تُنفذ جميعاً.
لقد أشاروا الى مشكلة المياه، وأنا أعلم أنها مشكلة مهمة بالنسبة لمحافظة يزد. كما أن قضية العمل والغلاء لمن المشاكل العويصة في المحافظة طبقاً لاستطلاعات الرأي.
إنّ على كافة المسؤولين التشريعيين والتنفيذيين والقضائين ـ أي السلطات الثلاث ـ العمل بجد على حل هذه المشاكل.
لقد أوصينا بذلك وأكدناه، وها نحن نؤكد من جديد، ولكن تنفيذ المشاريع ومواجهة المشاكل وتخطي الموانع والعقبات ليس بالأمر اليسير بالنسبة للمسؤولين، ومع ذلك فإنهم يبذلون جهودهم، وهو ما يجعلهم موضع تقدير.
إنّ المهم هو أن ثقة الشعب بمسؤولية هي ثقة عميقة ولابد من الحفاظ عليها.
إنّ العدو يسعى لزعزعة الصلة القلبية والعاطفية بين المسؤولين والشعب، ولا يكف عن تضعيف أجهزة الجمهورية الإسلامية كلما سنحت له الفرصة، فتارة يتهم السلطة التنفيذية، وتارة السلطة التشريعية، وأخرى السلطة القضائية، وكذلك المؤسسات الحكومية الأخرى، فهذا هو ديدنه لإيقاع الناس نهباً للحيرة والضياع. ولكن شعبنا واع وبصير لحسن الحظ، وهو يتعامل مع القضايا بحنكة ودقة. ولهذا فإن الصلة بين الشعب والمسؤولين صلة حارة وراسخة، ولسوف تزداد قوة ورسوخاً يوماً بعد آخر إن شاء الله ويشعر أبناء الشعب أن المسؤولين لا يدّخرون وسعاً في سبيل حل مشاكلهم وأنهم يمتلكون اللياقة والاستعداد والقدرة على ذلك.
وفي الختام أجد لزاماً عليّ أيها المواطنون الأعزاء أن أتقدم لكم بالشكر والامتنان على ما أبديتموه من صدق ومحبة وعلى تجمعكم في هذا الميدان وفي الشوارع المجاورة في هذا البرد القارس، وأدعو الله لكم بالتوفيق والسداد، ومازال لدينا بقية من حديث حول قضايا هذه المحافظة في فترة وجودنا معكم.
اللهم أنزل رحمتك وبركتك وفضلك على هؤلاء المواطنين الأعزاء، ونوّر قلوبهم وأرواحهم جزاءاً لهم على خضوعهم لك وخشوعهم أمامك.
اللهم واحشر شهداءهم الأبرار مع شهداء صدر الإسلام، وتفضل بعلوّ الدرجة والمقام على علماء هذه المحافظة الأعلام المضحين وعلى رأسهم المرحوم الشهيد الصدوقي والمرحوم آية الله الخاتمي والمرحوم آية الله الأعرافي.
اللهم ونسألك التوفيق لشباب هذه المحافظة والآباء والأمهات الطيبين المؤمنين، وزد في تقدمهم ورقيّهم المادي والمعنوي، واحشر روح إمامنا الخميني العظيم قائد هذه النهضة المباركة مع أرواح الأنبياء والأولياء الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
source : www.islamquest.net