عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

نتائج الارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم الثاني

نتائج الارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم الثاني

من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي

نتائج الارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم الثاني

السادس. المحبوبيّة والعناية من قبل المعصومين (عليهم السلام)

إنّ محبّة المعصومين (عليهم السلام) ستقابل بالمحبّة من أولئك الأبرار أيضاً وكلّما اشتدّ هذا الحبّ ووصل إلى مرتبة التشيّع، فإنّ رحمتهم ومحبتهم العارمة ستشمل هذا الفرد أيضاً.

إن المعصومين (عليهم السلام) يحبون شيعتهم الحقيقيين حبّا جما إلى حدّ الاهتمام والعناية بهم بشكل دائم وشمولهم بالعناية. فقد نعتوا أعداء الشيعة بأعدائهم، ومحبي الشيعة بأحبائهم فقد روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام):

من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منّا، خلقوا من طينتنا، من أحبهم فهو منا، ومن أبغضهم فليس منا.( 34)

وتصل المحبة لدى المعصومين في شمولهم لشيعتهم إلى مستوى بحيث يفرحون لفرح شيعتهم ويحزنون لحزنهم الأمر الذي يتضح من خلال ما روي عن الإمام الكاظم في تتمة حديثه السابق حيث يقول:

ما من أحد من شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتم إلّا اغتممنا لغمه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عنا أحد من شيعتنا أين كان في شرق الأرض أو غربها ومن ترك من شيعتنا دينا فهو علينا، ومن ترك منهم مالا فهو لورثته.( 35)

 

سبعة. الانخراط في عداد أهل البيت (عليهم السلام)

إنّ شيعة المعصومين الواقعيين ممن أطاعوهم واتبعوهم في كل زمان ومكان، يكونوا في قربهم لمقام ومرتبة المعصومين (عليهم السلام) بحيث يصبحوا في عداد أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أوردنا حديث رسول الله سلفا حيث يقول:

إنّ الشيعة الخاصّة الخالصة منّا أهل البيت...( 36)

وقد عدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمان الفارسي الذي كان فريدا في اتباعه له من أهل بيته (عليهم السلام) حيث قال:

سلمان منّا أهل البيت ( 37)

لقد كان سلمان في أعلى مراتب الطاعة واتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جعله في عداد أهل البيت المعصومين المطهرين. وقد روي أن سعد بن عبد الملك- وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان- دخل على أبي جعفر (عليه السلام) فبينا ينشج كما تنشج النساء، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن (روي أن بني أمية هم المصداق لما ورد في القران حول الشجرة الملعونة)، فقال له: لست منهم أنت أموي منّا أهل البيت، أما سمعت قول الله عزّ وجل يحكي عن إبراهيم (عليه السلام) "فمن تبعني فإنّه مني".( 38)

لقد كانت فكرة انتساب الشيعة إلى آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من عدمها تحيّر الشيعة وتقلقهم إلى حدّ كانوا يكررون السؤال عن هذا الأمر، فيما كان الأئمة (عليهم السلام) يقسمون في بعض الأحيان. يقول عمر بن يزيد بياع السابري وكان من خيرة أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّ الإمام قال لي يوماً:

يا ابن يزيد أنت والله منا أهل البيت قلت: جعلت فداك من آل محمد؟ قال: إي والله من أنفسهم قلت: من أنفسهم جعلت فداك؟ قال: إي والله من أنفسهم يا عمر أما تقرأ كتاب الله عزّ وجل "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين( 39)".( 40)

إنّ التحيّر والقلق المذكور كان يطرق حتى بال أقرباء المعصومين (عليهم السلام) النسبيين أيضاً، وكان يجرّهم إلى الاستفسار عن هذا الأمر، والظاهر أن هذا التحيّر نابع من توهم انحصار القربة بالقرب النسبي وعدم لحاظ القرابة المتحققة من القرب الولائي. فعن الفضل بن عيسى الهاشمي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وأبي فقال له: أمن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سلمان رجل منا أهل البيت؟ فقال: نعم، فقال: أي من ولد عبد المطلب؟ فقال: منا أهل البيت، فقال له: أي من ولد أبي طالب؟ فقال: منا أهل البيت، فقال له: إني لا أعرفه، فقال: فاعرفه يا عيسى فإنه منا أهل البيت ثم أومأ بيده إلى صدره، ثم قال: ليس حيث تذهب، إن الله خلق طينتنا من عليين وخلق طينة شيعتنا من دون ذلك، فهم منا، وخلق طينة عدونا من سجين، وخلق طينة شيعتهم من دون ذلك، وهم منهم، وسلمان خير من لقمان.( 41)

وروي أن عليا (عليه السلام) لما نزل على الرقة (في مسيره إلى صفين) نزل على موضع يقال له: البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي (عليه السلام) إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم أعرضه عليك؟ قال: نعم فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح، أمته الحمّادون الذين يحمدون الله على كل نشر وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح وينصره الله على من ناوأه. فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق، ولا يركس في الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن. يخاف الله في السر وينصح له في العلانية، ولا يخاف في الله لومة لائم ثم فمن أدرك ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه والجنة. ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة. ثم قال: أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك. فبكى [علي] (عليه السلام) ثم قال: الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار. فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ويتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال (عليه السلام): أطلبوه فلما وجده صلى عليه ودفنه وقال: هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا.( 42)

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية التصريح بنوعي القرابة حيث يستند على القرابة الولائية بكلام الله تعالى وذلك حين يقول:

من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من آل محمد لمنزلته عند آل محمد، لا أنه من القوم بأعيانهم، وإنما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه إياهم، وكذلك حكم الله في كتابه "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"( 43) وقول إبراهيم "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم"(44).( 45)

وفي مقابل التحير والقلق المذكور من قبل بعض أصحاب المعصومين (عليهم السلام)، نجد أن بعض من أنكر ولاية الأئمة المعصومين ومن منطلق إنكاره ومخالفته لهم (عليهم السلام) يعتبر أنّ المسلمين جميعاً آل محمد؛ وهذا ما سيؤدي إلى زوال شرف الانحصار القطعي لعنوان أهل البيت بهم (عليهم السلام) وبأتباعهم ولم يعد فضيلة وخصلة لهم (عليهم السلام). هذا في حين تختص هذه الفضيلة بأهل بيت العصمة (عليهم السلام) وأتباعهم الحقيقيين. فقد ورد أن شخصاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام) قائلا:

يا بن رسول الله، أخبرني عن آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هم؟ قال: هم أهل بيته خاصة، قال: فإن العامة يزعمون أن المسلمين كلهم آل محمد، فتبسم أبو عبد الله، ثم قال: كذبوا وصدقوا، قال السائل: يا بن رسول الله ما معنى قولك كذبوا وصدقوا، قال: كذبوا بمعنى وصدقوا بمعنى، كذبوا في قولهم المسلمون هم آل محمد الذين يوحدون الله ويقرون بالنبي على ما هم فيه من النقص في دينهم والتفريط فيه، وصدقوا في أن المؤمنين منهم من آل محمد، وإن لم يناسبوه، وذلك لقيامهم بشرائط القرآن، لا على أنهم آل محمد الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فمن قام بشرائط القرآن وكان متبعا لآل محمد (عليهم السلام) فهو من آل محمد على التولي لهم وإن بعدت نسبته من نسبة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال السائل: أخبرني ما تلك الشرائط، جعلني الله فداك، التي من حفظها وقام بها كان بذلك المعنى من آل محمد، فقال: القيام بشرائط القرآن، والاتباع لآل محمد صلوات الله عليهم، فمن تولاهم، وقدمهم على جميع الخلق كما قدمهم الله من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو من آل محمد على هذا المعنى، وكذلك حكم الله في كتابه فقال جل ثناؤه: ومن يتولهم منكم فإنه منهم، وقال يحكى قول إبراهيم: فمن تبعني فإنه منّي ومن عصاني فإنك غفور رحيم، وقال في اليهود يحكى قول الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، قال الله عزّ وجل لنبيه: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين، وقال في موضع آخر: قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين، وإنما نزل هذا في قوم من اليهود كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يقتلوهم الأنبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم ولكن قتلهم أسلافهم ورضوا هم بفعلهم، وتولوهم على ذلك فأضاف الله عزّ وجل إليهم فعلهم وجعلهم منهم لاتّباعهم إياهم.( 46)

 

ثمانية. المحبوبية وأسمى المقامات لدى الله تعالى

إنّ حب أولياء الله والقبول بولايتهم سيؤدي إلى محبة الله إلى حد يكون أحب العباد إلى الله بعد أولياءه من كان أكثر حباً لهم وآمن بولايتهم. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام):

إن... المحبة من الله عزّ وجل لمن تولى عليّا وائتمّ به وبريء من عدوه وسلّم لفضله وللأوصياء من بعده( 47).‍

وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث عن الله قوله:

أحبّ الخلق إليّ بعدهم من أحبهم وأبغض أعدائهم... ( 48)

إن الله يحب عبداً أطاع أوامره، وأن من القطعي أن احد أهم أوامره هي تلك الأوامر المتعلقة بإطاعة من جعلهم خلفائه على خلقه وأنّ الأئمة المعصومين هم أسمى الناس لتحمّل هذه الخلافة، فمن كان تابعاً لهم، سيكون عبداً حقيقيّاً لله ومطيعاً لأوامره وسيكون من هذا المنطلق محبوباً له؛ كما أمر الله رسوله حيث قال:

قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم( 49)¬.

وقد ذكر أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان قد كتب رسالة إلى أصحابه أوصاهم بتعلمها والتدقيق فيها والتعهد بمفادها والعمل به. وكان أصحابه يضعونها في مصلاهم ليطالعونها بعد أداء الصلاة. وقد جاء في نهاية هذه الرسالة وبعد إرشادات مختلفة:

ومن سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عزّ وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قل: "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"( 50)؟ والله لا يطيع الله عبد أبدا إلّا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلّا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلّا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلّا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين.( 51)

إنّ حسن الارتباط بآل الرسول المعصومين يصل مرتبة يتسنم فيه الإنسان مكانة تجعله في زمرة أسمى الناس بعد المعصومين. وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقلا عن جبرائيل الذي ينقل عن الله تبارك وتعالى:

أحب الخلق إليّ القوامون بحقي وأفضلهم لدي وأكرمهم علي محمد سيد الورى وأكرمهم وأفضلهم بعده علي أخو المصطفى المرتضى ثم من بعده من القوامين بالقسط من أئمة الحق، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقهم، وأحب الخلق إلي بعدهم من أحبهم وأبغض أعداءهم وإن لم يمكنه معونتهم..( 52)

 

تسعة. رضا الله تعالى

إن كسب رضا الله تعالى هو من أسمى المقاصد التي ينبغي للمرء أن يجهد في الوصول إليه. فهناك أمور مختلفة ترضى الله تعالى، ومن جملة تلك الأمور محبّة المعصومين (عليهم السلام) فقد يمكن القول أن المحبّة لهم (عليهم السلام) هي أساس لكل تلك الأمور التي تؤدي إلى كسب رضا الحق تعالى؛ لأنّ أي فعل لا يرضي الله إن لم يترافق مع ذلك كما سنذكر لاحقا، ولا يقبل عمل دون ذلك ومن هذا المنطلق اعتبروا أنّ محبتهم (عليه السلام) سبب لرضا الله تعالى؛ فقد روي عن الإمام الصادق عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال:

... وحبنا رضى الربّ تبارك وتعالى.( 53)

إنّ الرضا ثمرة من ثمار المحبّة فحينما يكون محبّ أهل البيت (عليهم السلام) محبوبا من قبل الله تعالى نتيجة محبته، أذاً فهو سينال حتما رضا الله تعالى نتيجة لحبّه وسينال مرتبة "الرضا" الرفيعة.

 

عشرة. الحياة والموت الساميين

إنّ حب المعصومين (عليهم السلام) واتّباعهم سيتبعه طهارة الحياة والموت فـ"الحياة الطيبة" و"عاقبة الخير" ستكون نصيب أتباع أهل البيت (عليهم السلام) الحقيقيين.

فالحياة والموت الساميين يعتبران مطلبا لكن إنسان واع، كما أن رجائها من الله تعالى يعدّ إرشادا من قبل معلمي البشرية الحقيقيين كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام):

اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد.( 54)

إن لمحبة المعصومين (عليهم السلام) من القيّمة ما يجعل محبهم ينال درجة الشهادة التي تعدّ أفضل الموت عند وفاته. فمن يرحل عن الدنيا محبّاً لأهل بيت النبوة (عليهم السلام) كمن يموت واعيا مضمّخاً بدمه في سبيل الله وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً...( 55)

وكما أن من الطبيعي أن الموت لا يكون شهادة إلّا إذا كان الحبّ حبّاً حقيقياً، فالمحبة الحقيقية لا تكون كذلك إلّا إذا اقترنت بمعرفة مقام ومرتبة المعصومين. ومن هذا المنطلق سمّي الموت الذي لا يكون مقترناً بمعرفتهم بالجاهلية، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن أجداده المعصومين (عليهم السلام):

من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. ( 56)

وفي مقابل ذلك، أطلق على الموت الذي يكون مقروناً بمعرفة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) موت الشهادة. وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه خاطب جيشه الذي كان يتهيأ لبدأ الجهاد قائلا:

فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته مات شهيدا ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله .وقامت النية مقام أصلاته لسيفه. وإن لكل شئ مدة وأجلا.( 57)

 

أحد عشر- توفيق التوبة

أنّ المحبة الحقيقيّة للمعصومين (عليهم السلام) والقبول بولايتهم، يجعل المرء في إطار ولاية الله ومحبته فمن قبل الله ولايته فإنه سيخرجه من ظلمة وعتمة الذنب والسير بشده إلى نور التوبة والغفران. إن الذنوب هي من تسبب الظلمة والعتمة لقلب الإنسان في الدنيا والعذاب الإلهي في الآخرة؛ فلمحبة أهل البيت مكانة ودرجة عند الله تعالى تساهم في التوفيق إلى الإنابة والتوبة، هذا في حين أنّ إنكار ولاية المعصومين (عليهم السلام) يؤدي إلى الخروج من ولاية الله الأمر الذي يسبب انسلاخ الإنسان من طهارة الفطرة نحو رذيلة الذنب والشقاء. يقول تعالى في القرآن الكريم:

اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ.( 58)

وكما أنّ الإيمان بالله تعالى مشروط بالإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن الانخراط في دائرة الولاية الإلهية دون قبول ولاية رسول الله لا معنى له، فحينما تكون ولاية أهل البيت استمرار لولاية رسول الله فإنّ الإيمان الحقيقي سيكون مشروط بقبول ولايتهم (عليهم السلام) ومن دون ذلك سيلج المنكرون الظلمات بعد تركهم نور الإسلام الذي ارتضوه. فعن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة، ولا الوفاء والصدق، قال: فاستوى أبو عبد الله (عليه السلام) جالسا، فأقبل عليّ كالغضبان، ثم قال:

لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان الله بولاية إمام عادل، قلت: ولا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء؟ قال: نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء، ثم قال: إلّا تسمع لقول الله عزّ وجل: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " يعني ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله عزّ وجل، وقال: " والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " إنما عنى الله بهذا: إنهم كانوا على نور الإسلام، فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.( 59)

إنّ ولاية الله تعالى على محبي المعصومين (عليهم السلام) الواقعيين يقتضي أن يبقى سبيل العودة من ظلمة الذنب مفتوحاً لهم بشكل دائم ليرشدهم بألطافه الخاصّة نحو التوبة. فما أكثر الذين حرموا أنفسهم هذا التوفيق وتلك الألطاف نتيجة خروجهم عن دائرة الولاية الإلهية ليموتوا وهم يحملون أوزارا ثقيلة من الذنوب. لكن الذين أحبوا أهل البيت حبّاً حقيقياً سيسلمهم اللطف الإلهي وسيكون بإمكانهم التوبة إلى آخر لحظات العمر وسيرغبوا إلى ذلك. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لعلي (عليه السلام): يا علي إني سألت الله عزّ وجل أن لا يحرم شيعتك التوبة حتى تبلغ نفس أحدهم حنجرته، فأجابني إلى ذلك وليس ذلك لغيرهم.( 60)

 

الثاني عشر. نزول الرحمة

إنّ إعانة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يقتضي نزول الرحمة الإلهية على المعين. فهولاء خلفاء الله على الأرض وأحبائه؛ فمن أحبهم وأعانهم نتيجة هذا الحب، فإنّه بذلك قد مدّ يد الحبّ إلى الله وستشمله رحمة الله تعالى يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):

نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، و مختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة.( 61)

----------------------------------------

([1]) المصدر السابق، ج22، ص476، ح27.

(2) خصائص الأئمة: السيد الرضي، ص75.

(3) نهج البلاغة: صبحي الصالح، ص357، الخطبة 239.

(4) المصدر السابق، ص47، الخطبة2 .

(5) المصدر السابق.

(6) المصدر السابق.

(7) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ح99، ص127، ح4؛ نقلاً عن من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق، ج2، ص609، ح3213.

(8) الرحمن: 26 و27.

(9) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 4، ص 3، ح4؛ نقلا عن عيون أخبار الرضا، ج1، ص115،ح3.

(10) المصدر السابق ج23، ص99، ح3، نقلا عن علل الشرائع ج1 ص249، ح6.

(11) المصدر السابق، ص 121، ح43؛ نقلا عن الأمالي للشيخ الطوسي، ص 482، ح1053.

وقد ورد في مصادر العامة أن سلمان قال : انزلوا آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فإن الجسد لا يهتدي إلّا بالرأس وانّ الرأس لا يهتدي إلّا بالعينين. (المعجم الكبير للطبراني ، ج 3، ص 46، ح 2640).

(12) المصدر السابق، ج 38، ص 97، ح 14؛ نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق، ص 197، ح 2.

(13) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 35، ص 322، ح404. وقد ورد في مصادر العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال علي (عليه السلام): يهلك فيك رجلان: محب مفرط ومبغض مفرط. المعيار والموازنة، لأبي جعفر الاسكافي، ص 32، وابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 2، ص159. وورد أيضا: يهلك فيك رجلان محب غال ومبغض قال. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج5، ص 4.

(14) المصدر السابق، ج 23، ص 26، 34؛ نقلا عن علل الشرائع للصدوق، ج1، ص 200، ح 26.

(15) المصدر السابق، ح 35؛ نقلا عن علل الشرائع للصدوق، ج1، ص 200، ح27.

(16) المصدر السابق، ص144، ح100، نقلاً عن عيون أخبار الرضا، ج 1، ص292، ح43.

(17) "باب حطة" هو باب معبد كان في بيت المقدس وكان موسى (عليه السلام) قد طلب من بني إسرائيل وبأمر من الله تعالى أن يمروا من هذا الباب خضّعا وخشّعاً وهم يطلبون المغفرة، معتبراً أنّ غفران الله مشروط بهذا كما جاء في القرآن الكريم "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب حطّة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (البقرة 2: 58).

(18) المصدر السابق، ص 120، ح40؛ نقلا عن الأمالي للشيخ الطوسي، ص 60، ح 88. وقد وردت هذه الواقعة بنفس الشكل في كتب العامة. كنز العمال: للمتقي الهندي، ج 12، ص98.

(19) المصدر السابق، ج 36، ص 293، ح 120؛ نقلا عن كفاية الأثر، ص33.

(20) غرر الحكم، للأمدي: ص116، ح2022.

(21) المصدر السابق، ص116، ح2023.

(22) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج27، ص33، ح33144. وقد ورد في مصادر العام أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إني قد تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي واحدهما اكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، الا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. مسند احمد بن حنبل، ج3، ص14و17 و26 و59. وقد ورد أيضا عن زيد بن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بعد عودته من حجة الوداع: إني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض ثم قال إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم اخذ بيدي علي فقال من كنت وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

(23) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 23، ص 142، ح93. نقلا عن مجالس الشيخ المفيد، ص 109، ح9.

(24) الكافي للكليني: ج1 ص286، ح1. وقد ورد في مصادر أهل السنة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحب، أن يحيى حياتي ويموت ميتتي... فليتولّ عليا وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة. كنز العمال، للمتقى الهندي، ص611، ح32960.

(25) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي،ج65، ص124، ح53.

(26) المصدر السابق، ج27، ص116، ح92.

(27) البقرة، 269.

(28) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج65، ص124، ح53؛ نقلا عن بشارة المصطفی، ص36.

(29) المصدر السابق، ج27، ص90، ح43؛ نقلا عن المحاسن،ج 1، ص61،ح103.

(30) المصدر السابق.

(31) المصدر السابق، ص111، ح84. وقد وردت هذه العبارة في مصادر أهل السنة: راجع تفسير القرطبي، ج16، ص23 نقلا عن الزمخشري في كتابه الكشاف.

(32) المصدر السابق، ص 78، ح12؛ نقلا عن الخصال، ج 2،ص515، ح1.

(33) المصدر السابق ص116، ح92.

(34) المصدر السابق، ج 65، ص 167، ح25.

(35) المصدر السابق.

(36) الكافي للكليني، ج8 ، ص333، ح518.

(37) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج22، ص326، ح28، نقلاً عن عيون أخبار الرضا، ص64، ح282.

(38) بحار الأنوار: العلامة المجلسي- ج 46- ص 337 ح 25؛ نقلا عن الاختصاص، ص 85

(39) آل عمران: 68.

(40) بحار الأنوار: العلامة المجلسي- ج 65- ص 20؛ نقلا عن الأمالي للشيخ الطوسي، ص 45، ح 53.

(41) بحار الأنوار: العلامة المجلسي- ج 22- ص 331؛ نقلا عن بصائر الدرجات، ص 17.

(42) المصدر السابق ج 32- ص 426،ح 389؛ وشرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج3،ص 4؛ نقلا عن وقعة صفين، نصر بن مزاحم بن سيار المنقري، ص147.

(43) المائدة: 51.

(44) إبراهيم: 36.

(45) بحار الأنوار: العلامة المجلسي- ج 65- ص 35، ح 73؛ نقلا عن تفسير العياشي، ج2، ص 231، ح 34.


(46) دعائم الإسلام: القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 29- 30

(47) الكافي: الكليني، ج 1، ص 210،ح 7.

(48) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 96، ح 59؛ نقلا عن تفسير الامام ص42.

(49) آل عمران: 31.

(50) المصدر السابق.

(51) الكافي: الشيخ الكليني، ج 8، ص 14، ح 1.

(52) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 96، ح 59. نقلا عن تفسير الامام، ص 42.

(53) وسائل الشيعة، للحرّ العاملي، ج16، ص348، ح21732.

(54) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج98، ص292، ح1؛ نقلا عن كامل الزيارات، ص 177. وقد ورد في مصادر العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي، فليوال عليّاً من بعدي وليوال وليّه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي. (كنز العمال: المتقي الهندي، ج12، ص103، ح34198).

(55) المصدر السابق، وقد وردت هذه الرواية في مصادر العامة بنفس هذه العبارة تفسير القرطبي، ج16، ص23.

(56) المصدر السابق، ح32، ص321، ح291 ووسائل الشيعة، ح16، ص246، ح21475.

(57) نهج البلاغة: صبحي الصالح، ص 281، خطبة 190.

(58) البقرة: 257.

(59) الكافي: الكليني، ج1، ص 375،ح 3.

(60) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 137،ح138.

(61) غرر الحكم: الامدي، ص 116، ح 2011.

 


source : www.islamquest.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مقام علي الأكبر (ع) في كلمات الأئمة (عليهم السلام)
وقفوهم إنهم مسئولون
مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...

 
user comment