عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الثناء على الارتباط بذکر المعصومین(ع) ـ القسم الثاني

من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي

الثناء على الارتباط بذکر المعصومین(ع) ـ القسم الثاني

قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله عزّ وجل علي وأنا لا أحلها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا، فجلست وأنا باك وقلت قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني ولا أخبرني بشئ قط أنه يكون إلّا كان كذلك لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك فقلت: قد قتل والله الحسين، وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول:

اصبروا آل الرسول

قتل الفرخ النحول

نزل الروح الأمين

ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرم يوم عاشورا لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري ما هو، فكنا نرى أنه الخضر (عليه السلام).(1 )

إن كلام الإمام (عليه السلام) يدل بصراحة على مدى حزن نبي الله عيسى (عليه السلام) على مقتل الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) فبكاء أمير المؤمنين المتواصل على مصاب ولده دليلٌ على عظمة هذه المصيبة وأنّ هذه الأمور تظهر اختلاف درجة مصائبهم (عليهم السلام) ويتبع ذلك تفاوت درجة قيميّة ذكراهم وإقامة العزاء عليهم.

مدح الارتباط بالبراءة من أعدائهم

لا يستقيم الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) إلّا بالبراءة من أعدائهم وبعبارة أخرى يمكن القول أنّ هذا الارتباط لا يتقوّم إلّا بتلك البراءة. فمن خلال الابتعاد عن أعداء الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وغاصبي حقوقهم يمكن الاقتراب منهم (عليهم السلام) فكما أنّ ذكر مظلوميّتهم التي تسبب بها ظالموهم تجعل من الإنسان قريبا منهم مرتبطا بهم لحزنه وأساه على ما أصابهم فكذا هو الحال بالنسبة للامتعاض من غاصبيهم وظالميهم حيث يؤدّي إلى الاقتراب منهم (عليهم السلام).

فالإنسان بفطرته السليمة يمقت الظلم ويبغض فاعله خصوصاً إذا كان بحقّ من أحبهم باقتضاء تلك الفطرة. فظلم المعصومين (عليهم السلام) هو ظلم لأفضل عبيد الله.

فظلم الظالمين هو طمر لحق أحبّ من خلق الله تعالى وتجاوز لمقامهم الرفيع؛ إذاً فالظالمون يستحقون أشدّ البغض وهذا البغض هو من يقوّي ارتباط أهل الإيمان مع أولياء الله لأن نتيجة هذا البغض ستكون الابتعاد عن الظالمين، ونتيجة الابتعاد عن الظالمين هو الاقتراب من أولياء الله تعالى. لأنّ الحق والباطل يمثلان طرفي النقيض حيث لا يتصوّر وجود واسطة بينهما فإمّا أن تكون في خندق الحقّ أو في خندق الباطل. فبعض أحدهما يجعلك تلتحق في الجبهة المخالفة، فالبراءة من الباطل ستكون سببا للالتحاق بمعسكر الحقّ. وبعبارة أخرى فكما أنّ البراءة من الظالم تؤدي إلى ابتعاد الإنسان عن الظالم فإنّها في المقابل تقربه من المظلوم وتعدّ نوعا من أنواع المعونة له. فإعانة المظلوم بأي نوع كان ستؤدي إلى الارتباط به. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه علّم علقمة بن محمد الخضرمي كيفية الزيارة (زيارة عاشوراء) قائلاً:

يا أبا عبد الله إني أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاتك، وبالبراءة ممن قاتلك ونصب لك الحرب وبالبراءة ممن أسس أساس الظلم والجور عليكم، وأبرء إلى الله وإلى رسوله ممن أسس ذلك وبنى عليه بنيانه، وجرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم.( 2)

وقد أشار الإمام (عليه السلام) في هذه الزيارة إلى أنّ التقرب إلى الله والمعصومين (عليهم السلام) لا يتقوّم إلّا من خلال البراءة من أعوان من أسس أساس الظلم واتباعهم. يقول (عليه السلام) في تلك الزيارة:

وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب، وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم.(3 )

ويلاحظ في مقطع آخر من الزيارة أنّ الإمام يقدم "البراءة" على "المولاة" ويعتبرها وساطة للقرب من الله في جميع أيّام حياته يقول (عليه السلام):

اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك عليهم السلام.( 4)

وبما أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) هم من تبرئوا ولعنوا أعدائهم، إذاً يمكن هنا التأسي بسلوكهم هذا، خصوصا حينما يعرّف الأئمة هذا على أنّه سلوك أنبياء الله (عليهم السلام) فقد روى عن الإمام الباقر (عليه السلام) نقلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

خمسة لعنتهم ولعنهم كل نبي مجاب... والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله( 5)

والأشد من لعن الأنبياء لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) لعن الله تعالى لهم والذي يشمل أعداء المعصومين (عليهم السلام) فقد روي عن الإمام الصادق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

إني لعنت سبعا لعنهم الله وكل نبي مجاب قيل ومن هم يا رسول الله؟

قال... والمستحل من عترتي ما حرّم الله(6 )

وقد أشار الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في جوابه محمد بن عثمان العمري والذي كان نائبا من نوابه الخاصّين إلى ما جعله الله محترما لعترة نبيه بقوله:

وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله عزّ وجل: "ألا لعنة الله على الظالمين( 7)"( 8)

فحينما يكون أعداء الأئمة المعصومين وغاصبي حقوقهم أهلا للعن الله وأنبياءه، فإنّ ملائكة الله سيكونوا ضمن لاعينهم. وهذه بأجمعها دليل على قيميّة هذا اللعن. وقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) انه قال ضمن إرشاده إلى التمسك بحجج الحق الإلهيين والامتناع عن الإعراض عنهم:

والويل للمعاندين عليا كفرا بمحمد وتكذيبا بمقاله، وكيف يلعنهم الله بأخسّ اللعن من فوق عرشه، وكيف يلعنهم حملة العرش والكرسي والحجب والسماوات والأرض والهوى وما بين ذلك وما تحتها إلى الثرى، وكيف يلعنهم أملاك الغيوم والأمطار وأملاك البراري والبحار وشمس السماء وقمرها ونجومها وحصباء الأرض ورمالها وسائر ما يدب من الحيوانات فيسفل الله بلعن كل واحد منهم لديه محالهم ويقبح عنده أحوالهم حتى يردوا عليه يوم القيامة، وقد شهروا بلعن الله ومقته على رؤوس الأشهاد، وجعلوا من رفقاء إبليس ونمرود وفرعون أعداء رب العباد.( 9)

ويدل كلام الإمام (عليه السلام) بوضوح على أنّ أعداء المعصومين (عليهم السلام) يلعنهم الملائكة أجمعين ويلعنهم من على الأرض وفي السماء. وأنّ لعنة الله تعالى عليهم هي اشدّ من بقية اللعنات؛ إذاً فالتحاق الإنسان بمجموعة اللاعنين لأعداء الأئمة المعصومين ليس جائزا فحسب بل هو تخلق بأخلاق الله والملائكة والأنبياء وهو من أشرف أعمال أهل الإيمان فقد روي عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه قال:

إنّ أشرف أعمال المؤمنين في مراتبهم التي قد رتبوا فيها من الثرى إلى العرش الصلاة على محمد وآله الطيبين صلى الله عليهم، واستدعاء رحمة الله ورضوانه لشيعتهم المتقين، واللعن للمتابعين لأعدائهم المجاهرين المنافقين.( 10)

فحينما يعتبر لعن أتباع الظالمين من أشرف أعمال أهل الإيمان إذاً سيكون لعن الظالمين بالذات عملا في غاية الشرف.

مدح الارتباط بالسلام (التحيّة) ورعاية الآداب

إن الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) ممدوح ومستحسن بأي شكل من الأشكال. فالسلام عليهم عند مقابلتهم أو زيارة قبورهم من السلوك المستحسن جدا. فما ورد من مأثور جمّ صيغ على شكل الزيارات، يحكي ويدلّ على استحسان السلام عليهم وتقديم الاحترام إليهم والتأدّب معهم. بحيث يصل الأمر مرحلة لا يؤثر القرب أو البعد عن مثوى المعصوم (عليه السلام) بالنسبة للسلام وأداء الاحترام؛ نعم هناك تفاوت في تقديم أحدهما على الآخر. فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السلام فإنه يبلغني.( 11)

إنّ رعاية الأدب في مقابل كل شخص يتقوّم وميزان قيمته.

ويمتاز الأئمة المعصومون بأسمى وأرفع مقامات الشخصية الإلهية والإنسانية ولهذا ينبغي السعي إلى إيجاد الارتباط بهم (عليهم السلام) وذلك كي يتم الحديث معهم بالتناسب ومقامهم. فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال:

من سمّانا بأسمائنا ولقبنا بألقابنا، ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ولم يلقبهم بألقابنا إلّا عند الضرورة فهذه الصلة.( 12)

ويظهر من هذا الكلام أنّ رعاية الأدب في أمور من قبيل تسمية المعصومين بأسماء مستحسنة وتلقيبهم بألقاب لا يستحقها أحدٌ غيرهم وعدم الانفتاح على أعدائهم وعدم توقيرهم، يعدّ بذاته ارتباطا قويما معهم كما ويمكن اعتباره مصداقاً من مصاديق أصلين مهمين هما "التولي" و"التبرّي". وقد ورد في بعض مضامين الروايات والزيارات أنّ إيجاد العلقة مع أحبائهم ومعاداة أعدائهم يعدّان أمران مستحسنان. فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في زيارته للإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال:

إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم، موال لمن والاكم، وعدو لمن عاداكم.( 13)

وتتطرق هذه الرواية وبوضوح إلى أنّ نوع الارتباط مع الآخرين تابع للارتباط مع المعصومين (عليهم السلام) أيضاً. ومعنى ذلك أنّ من يعادي أهل البيت ينبغي معاداته. ومن كان محبّا لهم (عليه السلام) فلابد من الارتباط معه ارتباطا حسنا فالارتباط والعلقة الطيّبة بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) يمتازان بقيمة أصيلة وفائقة حيث تؤثّر في حسن الارتباط بالآخرين من خلال الارتباط بهم (عليهم السلام) وهذا إنما يكون لأنّ طريق المعصومين (عليهم السلام) هو طريق السعادة والقرب الإلهي. إذاً فالارتباط بهم سيكون سببا لهذا القرب فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:

نحن الوسيلة إلى الله والوصلة إلی رضوان الله...(14 )

وقد روي عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عن آبائه مع أجداده المعصومين (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) أنّه قال:

حدثني أخي وحبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من سره أن يلقى الله عزّ وجل وهو مقبل عليه غير معرض عنه فليتولاك يا علي، ومن سرّه أن يلقي الله عزّ وجل وهو راض عنه فليتوال ابنك الحسن (عليه السلام): ومن أحب أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتوال ابنك الحسين (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وقد محا الله ذنوبه عنه فليوال علي بن الحسين (عليه السلام) فإنه ممن قال الله عزّ وجل: "سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ"(15 ). ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وهو قرير العين فليتوال محمد بن علي الباقر، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل ويعطيه كتابه بيمينه فليتوال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ومن أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتوال موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وهو ضاحك فليتوال علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وقد رفعت درجاته وبدلت سيئاته حسنات فليتوال محمد بن علي الجواد. ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل ويحاسبه "حسابا يسيرا"( 16) ويدخله جنات عدن "عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين"(17 ) فليتوال علي بن محمد الهادي (عليهم السلام)، ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وهو من الفائزين فليتوال الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) ومن أحب أن يلقى الله عزّ وجل وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتوال الحجة بن الحسن المنتظر صلوات الله عليه، هؤلاء أئمة الهدى وأعلام التقى، من أحبهم وتوالاهم كنت ضامنا له على الله عزّ وجل الجنة.(18 )

مدح الارتباط بتسمية الأولاد بأسماء الأئمة (عليهم السلام)

إن تسمية الأبناء بأسماء المعصومين (عليهم السلام) يدل على حبّ الأئمة والميل نحوهم ويعدّ نوعا من الارتباط بهم. وقد حدث أن ابرز البعض ودّهم للائمة المعصومين (عليهم السلام) فامتدحهم أهل البيت (عليهم السلام) لسلوكهم هذا. فقد قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إنا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: إي والله، وهل الدين إلّا الحب، قال الله: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"( 19).( 20)

وقد ورد عنهم (عليه السلام) في بعض الظروف التأكيد على التسمية وكأنّها حق من الحقوق وأن تركها يعدّ جفاءً وظلماً. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

من ولد له أربعة أولاد (ثلاث بنين) لم يُسم أحدهم باسمي (محمد) فقد جفاني.( 21)

وقد يستفاد من هذه الرواية أنّ كل سلوك مباحٍ يحكي عن محبة أهل البيت (عليهم السلام) يعدّ سلوكا حسنا ومقبولاً.

مدح الارتباط بالتوسل في الدعاء

إنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) مصداق للإنسان الكامل وخلفاء الله بين الناس فهم واسطة وصول فيض الله لخلقه فالسماء لا تنفتح ولا تستقر الأرض للبرية ولا ينزل الغيث ولا ينمو الزرع ولا تثمر الأشجار ولا يقسّم رزق إلّا بهم (عليهم السلام).

فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن الإمام زين العابدين أنّه قال:

نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجّلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها.( 22)

وقد ورد في حديث عن الصادق (عليه السلام) وصف فيه المعصوم بقوله:

... وبكم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأشجار أثمارها وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها بكم يكشف الله الكرب وبكم ينزل الله الغيث... ( 23)

الآن وقد عرفنا أنّ الله ينزل فيضه على الناس بوساطتهم فمن المستحسن أن نتوسل إليهم عندما نطلب من الله أداء حوائجنا؛ فهذا السلوك يقتضي أداء حوائج البشر وهو ما يقرّب الإنسان إلى معرفة حقيقة وساطة الأئمة المعصومين التكوينية؛ وذلك بمعنى أنّ الإنسان حينما يجعل الأئمة واسطة له إلى الله ويتوسل بهم فإنّه سيقترب من معرفة واقعية إلى وساطتهم التكوينية في نيل الفيض الإلهي للعبيد.

كما أنّ نتيجة تلك المعرفة ستكون سببا لنموّ الإنسان واقترابه من الله كما أنّ المقترب من الله سينتهل بشكل أكبر من فيوضاته وسيفلح بشكل قطعي. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):

من دعا الله بنا افلح ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك( 24)

إنّ التوسل بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) يقرّب الإنسان إلى معرفة الله؛ لأنّ الإنسان الكامل، يعتبر مظهرا لأسماء الله وصفاته، والتوسل بهم توسل بالمظاهر التامّة لأسماء الله. فهم يتسنمون درجة مظهرية أسماء الله بشكل يطلق عليهم هم بالذات أسماء الله. فقد ورد عن الإمام الصادق في بيانه للآية القرآنية " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا"( 25)

قال: نحن والله "الأسماء الحسنى" الذي لا يقبل من أحد إلّا بمعرفتنا قال " فَادْعُوهُ بِهَا "(26 )

إذاً فمادام الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يمثلون المظهر التام والكامل للأسماء الحسنة التي ينبغي أن ندعوا الله بها، إذاً فأسمائهم هي من أحبّ الأسماء عند الله والتي ينبغي أن يتمسّك بها لإجابة الدعاء. فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام):

قال جابر الأنصاري: قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تقول في علي بن أبي طالب؟ فقال: ذاك نفسي، قلت: فما تقول في الحسن والحسين؟ قال: هما روحي، وفاطمة أمهما ابنتي يسوؤني ما ساءها، ويسرني ما سرّها، اشهد الله أني حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم يا جابر إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادعه بأسمائهم فإنها أحب الأسماء إلى الله عزّ وجل.( 27)

فالتمسك بأولياء الله يعدّ منهجا للأنبياء وأوصيائهم وهي بالذات حكاية عن صحة وأهميّة توسيط الأبرار في دعاء الله؛ وكما ورد عن شعيب العقرقوفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في كلام في شأن يوسف (عليه السلام):

إن يوسف أتاه جبرائيل فقال: يا يوسف إن رب العالمين يقرئك السلام، ويقول لك: من جعلك أحسن خلقه؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال: أنت يا رب قال: ثم قال له ويقول لك: من حببك إلى أبيك دون إخوتك؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال: أنت يا رب قال: ويقول لك: من أخرجك من الجب بعد أن طرحت فيها وأيقنت بالهلكة؟ قال: فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال: أنت يا رب قال: فان ربك قد جعل لك عقوبة في استعانتك بغيره، فالبث في السجن بضع سنين. قال: فلما انقضت المدّة أذن له في دعاء الفرج، ووضع خده على الأرض ثم قال: اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك، فاني أتوجه إليك بوجه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. قال: ففرج الله عنه، قال: فقلت له: جعلت فداك أندعو نحن بهذا الدعاء؟ فقال أدع بمثله، اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فاني أتوجه إليك بوجه نبيك نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام.( 28)

والرواية تدلّ بوضوح على وجود فرق بين من يتمسك في دعائه بغير الله (ويستعين بآخرين) وبين من يتخذ الأبرار وسيلة إلى الله (التوسّل).

إنّ من ابتلى يوسف بعقوبة السجن الطويل هو الأمل الذي عقده على صاحبه الذي كان معه في السجن حيث طلب منه أن يوصل رسالته إلى فرعون كي ينقذه من هذه العقوبة، في حين كان خلاصه من السجن قد تحقق بتوسله إلى الله تعالى بأنبياء عظام كإبراهيم (عليه السلام)؛ ومعنى هذا أن يوسف كان يدعو الله، إلّا أنه كان يتخذ الأبرار وسيلةً إليه، فهو وبعبارة أخرى يدعو الله بالأبرار الذين يمثلون أبوابه. وهذه هي النكتة في المميز بين "التوسّل" و"الشرك"، لأنّ الإنسان في مقام "الشرك" يكون توجهه إلى غير الله توجها استقلاليا، فهو إمّا أن يغفل عن الله وتسبيبه أو يظنّ أنّ الآخرين شريكا له في هذا التسبيب؛ هذا في حين يكون التوجه إلى الأبرار في مفهوم "التوسل" توجها إلى الله ولا تنسب السببية إلّا إلى الله تعالى وذلك لانّ الوسائط هم أقرب إلى الله، وأنّ لهم عند الله شأنٌ ومكانة وهو ما يسبب تقرّب الآخرين إلى الله تعالى. لأنّ من جعل للوسائط مكانة هو من قربهم إلى الله تعالى وهو الأمر الذي يجعلهم مظهرا من مظاهر أسماء الله وصفات الكمال الإلهي. إذا فكل من يتوجه إليهم، فانّه يتوجّه إلى الله ومن يغفل ويعرض عنهم سيكون بعيدا عن الله والتوجه إليه وقد يكون هذا المعنى هو المقصود من الإرشاد إلى التوسّل؛ وذلك بمعنى أن الله تعالى كما يريد أن يقرّب عبيده إليه ويوصلهم إلى الكمال ويدعوهم إلى التفكّر والتدبر في آياته في الآفاق والأنفس، فإنه كذلك يريد منهم أن يتوجهوا إلى الأبرار من عبيده لأنهم يمثّلون أفضل آياته؛ ذلك لأنّ للإنسان الظرفية والاستيعاب الأكبر بين مخلوقات الله تعالى فمن يتمكن منهم أن يحوّل هذه الظرفية إلى الفعليّة فإنّه سيكون أفضل آية من آيات الله وسيكون التوجه والتقرب إليه مقربا لعبيد الله إلى ذات الله المقدسة قال تعالى في كتابه الكريم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.( 29)

فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:

مضيت مع والدي علي بن الحسين (عليه السلام) إلى قبر جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالنجف بناحية الكوفة، فوقف عليه ثم بكى، وقال: السلام على أبي الأئمة، وخليل النبوة... أنت وسيلتي إلى الله وذريعتي ... (30 )

وقد ورد في دعاء للتوسل بالمعصومين (عليهم السلام):

فإنكم وسيلتي إلى الله(31 )

إنّ قبول الأنبياء بالتوسط عند الله لإيصال الفيض الإلهي إلى الناس شاهد بين على صحة وقيميّة التوسل إلى أولياء الله. يقول تعالى في القرآن الكريم وذلك عند نقله حادثة مجيء أبناء يعقوب بقميص يوسف وإلقائه على وجه يعقوب ليرتد بصيرا نقلاً عنهم:

"يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".( 32)

فالظاهر من هذه الآية أنّ أبناء يعقوب كانوا قد طلبوا من أبيهم أن يكون واسطة بينهم وبين الله تعالى، ليطلب منه تعالى المغفرة لهم. وقد قبل يعقوب (عليه السلام) طلبهم هذا ووعدهم أن يكون واسطة بينهم وبين الله، وهذا دليل بيّنٌ على صحّة هذا الطلب، ولو كان طلباً باطلاً لرفضه يعقوب (عليه السلام) ولما أجابهم بالإيجاب ولأرشدهم بطلب الاستغفار بشكل مباشر من الله تعالى. كما وقد ورد في القرآن الكريم الأمر إلى من يتحاكموا إلى الطاغوت ويعرضوا عن حكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبرروا ذلك بأنهم لا يريدون إلّا إحسانا بإطاعة أمر النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن ثم فقد ورد التصريح بوساطة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لقبول توبتهم:

"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا" ( 33)

وقد ورد أنّ أعرابيا كان قد توسل إلى الله تعالی بروح رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كي يغفر له وذلك استنادا للآية أعلاه وبحضور أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعدم اعتراض النبي علی هذا السلوك، شاهد آخر علی صحة التوسل بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) بعد وفاتهم. وقد نقلت هذه الحادثة من قبل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالشكل التالي:

قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلم وحثا من ترابه على رأسه وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك، وكان فيما أنزل عليك: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ. الآية. وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر: قد غفر لك.( 34)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1) المصدر السابق. ص252-255، ح2؛ نقلا عن أمالي الصدوق، ص 597، ح5.

( 2) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 98، ص 294 - 295، ح2؛ والبلد الأمين للكفعمي، ص 270.

( 3) المصدر السابق.

( 4) المصدر السابق.

( 5) الكافي: الكلينی، ج 2 ص 293 ح 14. وقد ورد في روايات العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سبعة لعنتهم ولعنهم كل نبي مجاب ... والمستحل من عترتي ما حرّم الله. (المعجم الكبير- الطبراني:، ج17 ص43).

وقد أشار العلامة المجلسي في بيانه لما حرّم الله تعالى بالنسبة لأهل البيت (عليهم السلام) بقوله: والمستحل من عترتي ما حرم الله "المراد بعترته أهل بيته والأئمة من ذريته باستحلال قتلهم أو ضربهم أو شتمهم أو إهانتهم أو ترك مودتهم أو غصب حقهم أو عدم القول بإمامتهم أو ترك تعظيمهم بحار الأنوار، ج69، ص116.

( 6) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 16، ص 51، ح 20956. وقد ورد في مصادر أهل السنة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب... والمستحل من عترتي ما حرم الله " المستدرك- الحاكم النيسابوري ج 4، ص 90.

( 7) هود:18.

( 8) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 9، ص 540، ح 12670.

( 9) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 65، ص 37، ح 79؛ نقلا عن تفسير الامام، ص 615، ح 361.

( 10) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 91، ص 62، ح 49؛ نقلا عن تفسير الإمام، ص47، ح21.

( 11) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج 14، ص 337، ح19344.

( 12) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، ج 10، ص 338

( 13) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 98، ص 292، ح2.

( 14) المصدر السابق، ج25، ص 22، ح 38.

( 15) الفتح: 29.

( 16) الانشقاق: 8.

( 17) آل عمران: 133.

( 18) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 107، 108، ح 80.

( 19) آل عمران: 31.

( 20) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 95، ح58؛ نقلا عن تفسير العياشي، ج1، ص 167، ح28.

( 21) الكافي: الكليني ج6، ص19 ح6 ووسائل الشيعة: الحر العاملي؛ ج21، ص394، ح27388 وقد ورد في المصادر السنية أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من ولد له ثلاثة (ذكور) فلم يسمّ احدهم باسمي (أحمد أو محمدا) فقد جفاني. فضائل التسمية بأحمد ومحمد، حسين بن بكير، ص32 وابن أبي الحديد شرح نهج ج19 ص366.

( 22) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 23، ص 5 - 6، ح 10؛ نقلا عن كمال الدين للشيخ الصدوق، ج1، ص 207، ح22.

( 23) الكافي: الشيخ الكليني، ج 4، ص 576، 577، ح2.

( 24) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج7، ص102 ح8852.

( 25) الأعراف: 180.

( 26) المجلسي: بحار الأنوار ج 91 ص 6 ح 7 نقلا عن تفسير العياشي، ج 2 ص42،ح 119.

( 27) المصدر السابق، ص 21، ح16؛ نقلا عن الاختصاص للشيخ الصدوق، ص222.

( 28) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 91، ص 19 - 20، ح 178؛ نقلا عن تفسير العياشي، ج 2، ص 178، ح29.

( 29) المائدة: 35.

( 30) مستدرك الوسائل: الميرزا النوري، ج 10، ص 222، ح11900.

( 31) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج99، ص249، ح9.

( 32) يوسف: 98،97.

( 33) النساء: 64.

( 34) الغدير: الشيخ الأميني، ج 5، ص 148؛ وقد ورد هذا الحديث في أكثر مصادر العامة . (تفسير القرطبي، ج5، ص265 و تفسير ابن كثير، ج2، ص329.

 


source : yazahra.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه

 
user comment