بمناسبة میلاد الإمام الرضا(ع) مظاهر من شخصیة الإمام الرضا (ع)ــ 2 |
لقد کانت شخصیّة الإمام الرضا (ع) ملتقی للفضائل بجمیع أبعادها و صورها، فلم تبق صفة شریفة یسمو بها الإنسان إلّا و هي من نزعاته، فقد وهبه الله کما وهب آباءه العظام و زینّه بکل مکرمة، و حباه بکل شرف و جعله علما لأمّة جده، یهتدي به الحائر، و یسترشد به الضال، و تستنیر به العقول. |
مکارم الأخلاق: قال ابراهیم بن عباس عن مکارم أخلاق الإمام (ع): « ما رأیت، و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع)، ما جفا أحدا قط ، و لا قطع علی أحد کلامه ، و لا ردّ أحدا عن حاجة ، و ما مدّ رجلیه بین جلیسه، ولا اتکأ قبله ، و لا شتم موالیه و ممالیکه، و لا قهقة في ضحکة ، و کان یجلس علی مائدته ممالیکه و موالیه ، قلیل النوم باللیل ، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی آخرها، کثیر المعروف و الصدقة، و أکثر ذلک في اللیالي المظلمة». (1) و من معالي أخلاقه انه کما تقلد ولایة العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الإسلامیة لم یأمر أحدا من موالیه و خدمه في الکثیر من شؤونه وإنّما کان یقوم بذاته في خدمة نفسه، حتی قیل: إنه احتاج الی الحمام فکره أن یأمر أحدا بتهیئته له، و مضی إلی حمّام في البلد لم یکن صاحبه یظن أن ولي العهد یأتي الی الحمّام في السوق فیغسل فیه ، وإنما حمامات الملوک في قصورهم . ولما دخل الإمام الحمّام کان فیه جندي ، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن یصب الماء علی رأسه ، ففعل الإمام ذلک، و دخل الحمام رجل کان یعرف الإمام فصاح بالجندي هلکت، أتستخدم ابن بنت رسول الله (ص)!؟ فذعر الجندي، ووقع علی الإمام یقبل أقدامه، و یقول له متضرّعا: « یا ابن رسول الله ! هلّا عصیتني إذ أمرتک؟». فتبسم الإمام في وجهه و قال له ، برفق و لطف: « إنها لمثوبة ، و ما أردت أعصیک فیما أثاب علیه ». (2)
زهده: ومن صفات الإمام الرضا (ع) الزهد في الدنیا، و الاعراض عن مباهجها و زینتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حیث قال: کان جلوس الرضا علی حصیرة في الصیف، و علی مسح ( الکساء من الشعر) في الشتاء، ولباسه الغلیظ من الثیاب حتی إذا برز للناس تزیا. (3) والتقی به سفیان الثوري ــ و کان الإمام قد لبس ثوبا من خزــ فأنکر علیه ذلک و قال له : لو لبست ثوبا ادنی من هذا. فأخذ الإمام (ع) یده برفق ، و أدخلها في کمّه فإذا تحت ذلک الثوب مسح، ثم قال له : « یا سفیان ! الخزّ للخلق ، و المسح للحق...». (4) وحینما تقلّد ولایة العهد لم یحفل بأی مظهر من مظاهر السلطة، ولم یقم لها أي وزن ، و لم یرغب في أي موکب رسمي، حتی لقد کره مظاهر العظمة التي کان یقیمها الناس لملوکهم.
سخاؤه: ولم یکن شيء في الدنیا أحب الی الإمام الرضا(ع) من الإحسان الی الناس و البر بالفقراء. وقد ذکرت بوادر کثیرة من جوده و إحسانه، و کان منها ما یلي: 1ـ أنفق جمیع ما عنده علی الفقراء، حینما کان في خراسان، وذلک في یوم عرفة فأنکر علیه الفضل بن سهل، و قال له : إنّ هذا لمغرم .... فأجابه الإمام (ع):« بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرما ما ابتغیت به أجرا و کرما ». (5) 2ـ و کان إذا أتی بصفحة طعام عمد الی أطیب ما فیها من طعام، ووضعه في تلک الصفحة ثم یأمر بها الی المساکین ، و یتلو قوله تعالی : ( فلا اقتحم العقبة ) ثم یقول:« علم الله عزّوجل أن لیس کل إنسان یقدر علی عتق رقبة فجعل له السبیل الی الجنة ». (6) 3ـ وروي: « أن فقیرا قال له : أعطني علی قدر مروّتک . فأجابه الإمام (ع): « لا یسعني ذلک». والتفت الفقیر الی خطأکلامه فقال ثانیا: اعطني علی قدر مروّتي. وهنا قابله الإمام (ع) ببسمات فیّاضة بالبشر قائلا له : اذن نعم. ثم قال:« یا غلام ! أعطه مائتی دینار». (7)
تکریمه للضیوف: کان (ع) یکرم الضیوف، ویغدق علیهم بنعمه و احسانه و کان یبادر بنفسه لخدمتهم ، وقد استضافه شخص، و کان الإمام یحدثه في بعض اللیل فتغیّر السراج فبادر الضیف لاصلاحه فوثب الإمام،وأصلحه بنفسه،وقال لضیفه:« إنّا قوم لا نستخدم أضیافنا». (8)
عتقه للعبید: ومن أحب الامور الی الإمام الرضا (ع) عتقه للعبید، وتحریرهم من العبودیة، و یقول الرواة: انه اعتق ألف مملوک. (9)
علمه: و الشيء البارز في شخصیة الإمام الرضا (ع) هو احاطته التامة بجمیع أنواع العلوم و المعارف، فقد کان باجماع المؤرخین و الرواة اعلم أهل زمانه، و افضلهم و ادراهم باحکام الدین، و علوم الفلسفة و الطب و غیرها من سائر العلوم، و قد تحدّث عبدالسلام الهروي عن سعة علومه، وکان مرافقا له، یقول: « ما رأیت اعلم من علي بن موسی الرضا ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، و لقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الادیان، و فقهاء الشریعة و المتکلمین، فغلبهم عن آخرهم حتی ما بقي منهم أحد إلا أقرّ له بافضل، و اقرّ له علی نفسه بالقصور، و لقد سمعته یقول : کنت أجلس في (الروضة) و العلماء بالمدینة متوافرون فاذا عیّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا الیّ بأجمعهم، وبعثوا اليّ بأجمعهم ، و بعثوا اليِّ المسألة فاجیب عنها...». (10) قال ابراهیم بن العباس:« ما رأیت الرضا یسأل عن شيء قط إلاعلم و لا رأیت اعلم منه بما کان في الزمان الأول، الی وقته و عصره ، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیبه الجواب الشافي». (11) قال المأمون:« ما أعلم احدا افضل من هذا الرجل ــ یعني الإمام الرضا ــ علی وجه الارض...». (12)
عبادته و تقواه: و من ابرز ذاتیات الإمام الرضا (ع) انقطاعه الی الله تعالی ، و تمسّکه به، و قد ظهر ذلک في عبادته ، التي مثلت جانبا کبیرا من حیاته الروحیة التي هي نور، و تقوی وورع ، یقول إبراهیم بن عباس فی حدیث:«... کان (ع) قلیل النوم باللیل ، کثیر السهر، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی الصبح و کان کثیر الصیام فلا یفوته صیام ثلاثة أیام في الشهر...». (13) و یقول الشبراوي عن عبادته : إنه کان صاحب وضوء و صلاة، وکان في لیله کلّه یتوضّأ و یصلّي، ویرقد هکذا الی الصباح. (14) لقد کان الإمام (ع) أتقی أهل زمانه، وأکثرهم طاعة لله تعالی. لقد سری حب الله في قلبه ، و تفاعل في عواطفه و مشاعره حتی صار من خصوصیات شخصیّته.
تسلّحه بالدعاء: ومن مظاهر حیاة الإمام الروحیة تسلحه بالدعاء الی الله و التجاؤه إلیه في جمیع أموره، و کان یجد فیه متعة روحیة لا تعادلها أیة متعة من متع الحیاة. وأثرت عن الإمام الرضا(ع) کوکبة من الأدعیة الشریفة کان من بینها ما یلي: 1ـ قال (ع):« یا من دلّنی علی نفسه، وذلّل قلبی بتصدیقه، أسألک الأمن و الإیمان في الدنیا و الآخرة ...». (15) 2ـ و قال (ع):« اللهم أعطنی الهدی و ثبتنی علیه ، واحشرنی علیه آمنا ، أمن من لا خوف علیه ، ولا حزن ولاجزع إنک أهل التقوی، وأهل المغفرة...».(16) لقد دعا الإمام (ع) بطلب الهدایة، و الإنقیا الکامل الی الله الذي هو من أعلی درجات المقربین و المنیبین إلی الله تعالی.
المصدر: کتاب اعلام الهدایة
............................................... الهامش: 1ـ عیون اخبار الرضا: 1 / 184 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 90 ،91 و عنه في حیاة الإمام الجواد (ع) للقرشي: 35. 2ـ نور الأبصار: 138 ، عیون التواریخ: 3 / 227 مصور. 3ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 178 ، المناقب 4 / 389. 4ـ المناقب: 4 / 389 ـ 390. 5ـ المناقب: 4 / 390. 6ـ المحاسن للبرقي: 2 / 146 ، ح 20 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 97 ، ح 11. 7ـ مناقب آل أبي طالب: 4 / 390. 8ـ الکافي: 6 / 283 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 102، ح 20. 9ـ التحاف بحب الاشراف: 58. 10ـ اعلام الوری: 2 / 64 و عنه في کشف الغمة: 3 / 106 ـ 107 و عنها في بحار الأنوار:49 / 100. 11ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 180، الفصول المهمة: 251. 12ـ الإرشاد: 2 / 261. 13ـ بحار الأنوار: 49 / 91 عن عیون أخبار الرضا: 2 / 184. 14ـ الاتحاف بحب الاشراف: 59. 15ـ اصول الکافي: 2 / 579. 16ـ أعیان الشیعة: 4 / ق 2 / 197.
انتهی / 115 |