امامة الامام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف)
الامام ضرورة، وتتجلّى هذه الضرورة في نصبه وإقامته، والارتباط به، لذا أكدّت الأحاديث الشريفة على ذلك، ووردت روايات عديدة عن رسول الله(ص) بألفاظ متعددة وبطرق متعددة تؤكد على ضرورة نصب الامام، وأُطلقت هذه الروايات لتشمل جميع العصور، فعن الفضيل بن يسار قال: ابتدأنا أبو عبد الله يوماً وقال: قال رسول الله(ص): "من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية".
والروايات التي تؤكّد تنصيب الامام، وردت في تعابير متعدّدة لتركيز هذه الحقيقة في الأذهان.
ففي رواية عن رسول الله(ص) أنّه قال: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية". وفي تعبير آخر: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
ومعرفة الإمام مرحلة متأخره عن مرحلة تنصيبه.
وفي تعبير آخر: "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية".
فالامام على ضوء تلك الروايات يجب أن يكون منصباً حتى يعرف، وحتى يُبايَع ويُتَّبع، وما لم يكن القائد منصّباً لا يصحّ التعبير في حقِّ من لا يعرفه ولا يشخِّصه بالقول (مات ميتة جاهلية)، فالتنصيب مفروغ عنه في مرحلة متقدمة.
الامام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف) هو الامام الثاني عشر عند المسلمين
أجمع الرواة والمتكلمون والفقهاء من مختلف المذاهب الاسلامية على تواتر حديث "الائمة من قريش" وعلى عددهم ولكن اختلفوا في مصاديقهم وفي أسمائهم وفي القبائل القرشية المنتسبين اليها.
والذي يتمعن في الحديث يجد انّ الائمة والخلفاء تمتد امامتهم وخلافتهم بامتداد الزمان؛ حيث يتوقف صلاح الامة على وجودهم، وتتوقف عزة الاسلام على وجودهم، ثم يكون الهرج من بعدهم.
عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "بعدي اثنا عشر خليفة" ثم اخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: "كلّهم من قريش".
وعنه قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة" فكبر الناس وضجّوا، ثم قال كلمة خفية، قلت لأبي: ياأبة ماقال: قال: "كلّهم من قريش".
فلما رجع الى منزله اتته قريش فقالوا: ثم ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.
وقرن رسول الله(ص) بين انقضاء الأمر وبين مضي اثني عشر خليفة، فقال: "هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش".
وقرن(ص) بين عزة الدين والخلفاء الاثني عشر فقال: "لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يكون الهرج".
وفي رواية: "لايزال الاسلام عزيزاً الى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش".
وقرن(ص) بين مضي أمر الناس وولاية الاثني عشر فقال: "لا يزال أمر الناس ماضياً ماوليهم اثنا عشر رجلا كلّهم من قريش".
ووردت روايات عديدة تخصص عموم قريش ببني هاشم، وقد استدل ابن حجر الهيثمي على ذلك من خلال الحديث الشريف: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن؛ مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام اذا فقهوا".
قال ابن حجر: "فاذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لايشاركهم فيها بقية قريش".
وعن رسول الله(ص) قال: "بعدي اثنا عشر خليفة، كلّهم من بني هاشم".
ووردت روايات مستفيضة ومتواترة في تخصيص الائمة بأهل البيت(ع) وصرح بعضها بانّ الامام المهدي(عج) هو آخر الائمة.
عن ابي هريرة قال: قال رسول الله(ص): "أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي، هم الائمة بعدي عدد نقباء بني اسرائيل".
وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله(ص) انّه قال: "الأئمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديهم".
وعن الامام جعفر الصادق عن آبائه عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على امتي بعدي".
وعلى ما تقدّم من روايات يكون الامام المهدي(عج) هو الامام الثاني عشر، وهو آخر الائمة والخلفاء، وهذا واضح لدى فئة كبيرة من المسلمين وهم الشيعة الامامية، أمّا أهل السنة فانّ رواياتهم تدل على مايتبناه الشيعة أيضاً مع اختلاف في التأويل والتفسير، فرأي الشيعة واضح بينما رأي أهل السنة يحتاج إلى عناية اضافية في تطبيق المفهوم على مصداقه الواقعي.
ومن القرائن الدالة على انّ الامام المهدي(عج) هو الامام الثاني عشر ورود حديث الأئمة أو الخلفاء من قريش عند الكثير من رواة السنة في باب "الملاحم والفتن، الامام المهدي"، وعموم أحاديث آخر الزمان (عج).
انتساب الامام المهدي (عج) إلى أهل البيت (ع)
مفهوم أهل البيت (ع) وإن كان قد أُطلق على عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) إلاّ أنّ رسول الله(ص) وسّعه ليشمل ذريتهم من بعدهم ولم يخصصه ويقيّده فيهم وحدهم، فقال: "في كل خلق من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين...".
وأهل البيت (ع) عنوان اطلق على سلالة علي(عج) وفاطمة (ع) من قبل رسول الله(ص) ومن قبل الرواة والمتكلمين، وخصوصاً السلالة التي امتدت بها الإمامة الى قيام المهدي(عج).
وتواترت الروايات على انتساب الامام المهدي(عج) الى أهل البيت (ع) والى العترة الطاهرة، ولا يخالف في هذه الحقيقة أحد من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
قال رسول الله(ص): "نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي".
وقال(ص): "المهدي رجل من ولدي".
وقال(ص): "المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة".
وفي رواية أخرى انّه(ص) قال: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".
وفي رواية انّه(ص) ضرب على منكب الحسين فقال: "من هذا مهدي الامة»( وانتساب الامام المهدي(عج) الى أهل البيت (ع) الى علي وفاطمة والحسين (ع) يجعله ذا سلطان روحي على المسلمين جميعاً، لما يكنونه من حب وولاء وتقديس لأهل البيت (ع)، وقد اثبتت الوقائع التاريخية انقياد المسلمين الى ذرية رسول الله(ص) على طول التاريخ، فكيف بالأمر اذا كان أحد ذرية رسول الله(ص) إماماً منصوصاً عليه ومبشراً به، فيكون الانقياد له آكد وأوسع وأعمق; لانه انقياد بقناعة وانقياد بحب وود لا انقياد جزع أو اضطراب أو انقياد خوف، وبهذا الانقياد يستشعر المسلمون بذوق الطاعة وطعمها الجميل لانها طاعة القاصد المريد العارف بما يفعل والمطمئن لشخص من يطيعه.
وسيكون الامام المهدي(عج) اماما لجميع بني البشر لان البشرية في اخر الزمان ستبحث عن منقذ لها بعد الياس من جميع القادة والاطروحات فتتوجه اليه عليه السلام بعد ان تطلع على منجزاته العديدة التي تحقق لها العدالة والرفاهية، فسيؤمن به جميع المنتمين الى الاديان الاخرى من الباحثين عن منقذ لهم.
الأسباب والعوامل المؤدية لانتهاء الأديان
أولاً: ظهور بعض المعاجز في عصر الظهور، سواء كانت معاجز بالفعل، أو على الأقل بنظر أتباع الأديان، وهذه المعاجز لها تأثيراتها الإيجابية على تبني الإسلام وخصوصاً من قبل المستضعفين من اليهود والنصارى وعموم أهل الكتاب.
ثانياً: الترقب الطويل لظهور المنقذ والمصلح، والشعور بصدقه بعد الاطلاع على إنجازاته.
ثالثاً: الانبهار بشخصيته وسيرته وسرعة انتصاره، والانبهار من أهم العوامل المساعدة على تبني عقيدة من انبهرت به العقول والقلوب.
رابعاً: دور المسيح(عج) في هداية المسيحيين واليهود، حيث يثبت لهم بالأدلة الواضحة انه هو المسيح يسوع، وان الإنجيل والتوراة إنما هي هكذا.
خامساً: كثرة الخيرات في عهد الظهور ابتداءً بكثرة الأمطار، ثم كثرة الزرع، ثم الرفاه الاقتصادي، والصحة العامة، وجميع ذلك يجعلهم يشعرون بأن شخص الإمام المهدي(عج) هو المبشر به في الكتب السماوية.
سادساً: مقتل الرؤوس والقوى المؤثرة، كالسياسيين الكبار والعسكريين الكبار ورجال الدين والمنظرين والتجار؛ في الحرب التي تدور بينهم ، وبقتلهم تضعف الكيانات القائمة للمسيحيين واليهود وغيرهم، ولا يبقى من يجمع قواهم ويخطط لهم
سابعاً: اليأس من الانتصار بعد قيام الحكومة الإسلامية العالمية، وبعد إدارتها من قبل الإمام المهدي(عج) والممحصين من أتباعه وانصاره، مما يدفعهم للإيمان به وبالإسلام كعقيدة صالحة وتشريع صالح.
ثامناً: حسن تعامل الإمام المهدي(عج) وأتباعه معهم، وهو من أهم العوامل المؤثرة في عقولهم وقلوبهم والموجهة لهم نحو الهداية.
تاسعاً: دور وسائل الإعلام المهدوية في إرشاد وتوجيه وتربية الناس جميعاً لتبني الإسلام عقيدة ومنهاجاً في الحياة.
عاشراً: الإطلاع الشامل على مفاهيم وقيم الإسلام، وانتهاء المعوقات والعراقيل التي تقف في طريق الهداية.
موقف الامام المهدي (عج) من غير المسلمين
الإسلام دين الرحمة والمسامحة والعفو، دين التعاون والتآلف والوئام، دين السلام والأمان، وهي الأسس التي يتعامل مع غيره من العقائد والوجودات، ويتعامل بها داخل المجتمع الإسلامي، والأصل هو السلام، أما القتال فهو أمر طارئ فرضته الظروف؛ لذا فإن الإسلام ينتهز أقرب الفرص للعودة إلى الأصل.
قال سبحانه وتعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
وكان رسول الله(ص) ينهى عن تمني لقاء العدو، فيقول: "لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاصبروا".
ولا نبالغ إذا قلنا: ان جميع معارك الإسلام التي قادها رسول الله(ص) كانت معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع، ويمكن تحديد دوافع القتال وأهدافه القريبة والبعيدة كما جاء في القرآن الكريم بالنقاط التالية:
1 ــ دفع العدوان.
2 ــ الدفاع عن المستضعفين.
3 ــ نصرة المظلومين.
4 ــ قتال ناكثي العهد.
5 ــ حماية المسلمين ورد العدوان المحتمل الوقوع.
وأكدّ المنهج الإسلامي على إشاعة قيم الرحمة والشفقة والعفو حتى في ساحة القتال، وتتجسد أخلاقية القتال وإنسانية التعامل في المظاهر التالية ــ كما جاء في القرآن والسنة وآراء الفقهاء من مختلف المذاهب ــ.
1 ــ حرمة القتال قبل إلقاء الحجة.
2 ــ النهي عن قتل المستضعفين كالصبي والشيخ الفاني والمرأة.
3 ــ حرمة إلقاء السم في بلاد المشركين.
4 ــ حرمة الغدر والغول.
5 ــ حرمة المثلة.
6 ــ حرمة التخريب الاقتصادي.
7 ــ وجوب الاستجابة للاستجارة وطلب الأمان.
8 ــ الوفاء بالعهد.
9 ــ حسن المعاملة مع الأسرى.
ودوافع القتال المتقدمة وكذلك أخلاقيته قد جسدها رسول الله والإمام علي(ع) في الواقع العملي، وجسدها الكثير من المسلمين وإن كانوا يقاتلون تحت راية حكام الجور والانحراف، وسيجسدها الإمام المهدي(عج) في حكومته لأنه جاء من أجل إقامة القسط والعدل في جميع أنحاء الأرض، وقد دلت الروايات على ذلك.
قال رسول الله(ص) : "تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة يعسوبها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول، لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً< .
وفي نسخة أخرى: >كما يأوي النحل إلى يعسوبها".
وقال الإمام علي(ع) : "... فيسير المهدي بمن معه لا يُحدث في بلد حادثة إلا الأمن والأمان والبشرى".
وعن الإمام جعفر الصادق(ع) انه قال: "إذا قام القائم حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وآمنت به السبل".
ولا تضاد بين الروايات المتقدمة والروايات التالية:
عن الإمام محمد الباقر(ع) انه قال: "يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف لا يستتيب أحداً، ولا تأخذه في الله لومة لائم".
وعن الإمام الحسين(ع) قال: "ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً، ثم قدّم خمسمائة فضرب أعناقهم صبراً؟".
وعن الإمام محمد الباقر(ع) انه قال: "لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ان لا يروه مما يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم".
وقيل له(ع): انهم يقولون ان المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم، فقال: "كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله(ص) حين أدميت رباعيته، وشجّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق، ثم مسح جبهته".
ووردت رواية عنه(ع) انه قال: "... ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وجل".
وإذا تتبعنا الروايات ــ بغض النظر عن السند ــ لوجدنا إمكانية الجمع بينها، فالروايات المتقدمة الأولى التي تشير إلى الأمن والسلام ناظرة إلى ما بعد استقرار حكومة الإمام المهدي (عج)، اما الروايات المتأخرة فانها تشير إلى مرحلة ما قبل الاستقرار، حيث يكون القتل كنتيجة طبيعية للمقاومة والدفاع، وخصوصاً ان الكفار والمنحرفين والمجرمين سيواجهون الإمام المهدي (عج) مواجهة عنيفة للقضاء عليه وعلى حركته وهذه المواجهة تؤدي إلى قتلهم، فهم يستحقون القتل لتآمرهم على الإمام(عج)، وسيقتلون داخل المعركة، ومن جهة أخرى انهم سيقفون أمام طريق الخلاص من الظلم والاضطهاد والعبودية، بحيث يصبحون أداة تعويق لبسط العدل، ومن جهة ثالثة انهم يستحقون القتل لقيامهم بأعمال إجرامية بحق البشرية قبل وأثناء الظهور، فتكون عقوبتهم القتل.
ويمكن الجمع من ناحية أخرى من خلال الرجوع إلى الأصل وهو تجنب القتل والقتال ابتداءً كما ورد في الرواية المتقدمة: "لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً" وتوقفه على المقاومة والمواجهة، فحينما يجد الإمام(عج) مقاومة ومواجهة يقابلها بالمثل فيكون القتل والقتال وإلا فلا.
وقتل الكفار المعاندين والمحاربين، وكذلك قتل المجرمين يكون مقدمة للعدل والقسط ومقدمة للأمان العام، لأن هؤلاء هم مصدر الاضطراب وانعدام الأمن، وبقتلهم واستئصالهم يتحقق الأمان في الأرض وهذه حقيقة لا تقبل مزيداً من إمعان النظر.
وهؤلاء يستحقون القتل لأنهم مرّوا بمراحل من الامتحان والتمحيص، ويستحقون الإجهاز على جريحهم أيضاً، لأنهم فشلوا في التمحيص بعد سلسلة من الدلائل والبينات على أحقية الإمام المهدي(عج) وأحقية نهجه، وفي ظرف ومرحلة تتطلع فيها الإنسانية إلى منقذ ومصلح بعد طول المعاناة واستشراء الظلم والجور، فإن بقاءهم أحياءً يعيق تحقيق العدل والقسط ويعيق تحقيق الأمن والأمان، ومع جميع ذلك فانهم لم يتخلوا عن المواجهة ولم يتخلوا عن أهدافهم المعلنة في القضاء على الإمام المهدي(عج) والقضاء على المنهج والنظام العادل المراد إقراره في الأرض.
وفي جميع الظروف والأحوال وعلى جميع التقديرات فان فترة القتل والقتال لا تدوم أكثر من ثمانية أشهر.
عن الإمام علي(ع) انه قال: "تفرج الفتن برجل منا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلا السيف يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة ولو كان من ولدها لرحمنا".
وهناك روايات عديدة تؤكد على مباشرة الحرب أو القتل أو تجريد السيف لمدة ثمانية أشهر
ان لتبرير القتل الكثير الذي يقع خلال الثمانية أشهر أطروحتين رئيسيتين:
الأطروحة الأولى: إن هذا القتل، هو الذي يحدث خلال الغزو العالمي، والثمانية أشهر هي المدة التي يتم فيها الاستيلاء على العالم.
الأطروحة الثانية: إن هذا القتل الكثير الذي يحدث خلال الثمانية أشهر، ليس للفتح العالمي، بل لاجتثاث المنحرفين نحو الباطل من المجتمع.
ومعنى ذلك: ان الفتح العالمي سينتهي بمدة أقل من ذلك بزمن غير يسير، وخاصة إذا كان الفتح العالمي سينتهي بمدة أقل من ذلك بزمن غير يسير، وخاصة إذا كان الفتح سلمياً، إلا ان المنحرفين سوف يبقى وجودهم ونشاطهم إلى جانب الباطل ساري المفعول، ومن ثم سيحتاجون إلى قتل إضافي بعد استتباب الدولة العالمية، وهذا ما سوف يمارسه الإمام المهدي(عج) وأصحابه إلى الثمانية أشهر.
ومهما كانت التفسيرات فإن القتل والقتال سينتهي بعد الثمانية أشهر سواء كان خارجياً أم داخلياً موجهاً للكفار أم المنحرفين من المسلمين، وبعدها سيعم الأمان والسلام أرجاء الأرض فلا حرب ولا قتال ولا قتل، وإلى ذلك أشارت الروايات.
عن رسول الله(ص) انه قال: "... فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم، ويلقى الإسلام بجرانه".
وضرب "الجران" مثلاً للإسلام إذا استقر قراره فلم يكن فتنة ولا هيج وجرت أحكامه على العدل والاستقامة.
وتعيش الإنسانية الأمان الحقيقي؛ بحيث لا يبقى للمجرمين وللمنحرفين أي قوة تهدد أمن الناس، والأهم من ذلك قيام الحكومة المهدوية بإصلاح وتغيير الواقع عن طريق الوعظ والإرشاد والتربية المتواصلة، إضافة إلى القضاء على العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الجريمة أو القتل أو سلب الأمن من الناس، حيث يتم إشباع الحاجات لجميع الناس وهي أهم عامل يؤدي إلى الاستقامة الروحية والنفسية وإزالة الحسد والحقد والروح العدوانية من الذات الإنسانية.
ورد عن رسول الله(ص) انه قال: "لتذهبن الشحناء والتباغض".
وفي رواية: "ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد".
وذهاب هذه العوامل يؤدي إلى شيوع الأمن في المجتمع الإنساني، فلا قلق ولا اضطراب ولا خلخلة روحية.
الاسلام عنوان الدين الواحد
الإسلام في أدبيات القرآن الكريم ومصطلحاته اللغوية ليس اسماً لدين خاص وانما هو اسم للدين المشترك الذي حمل رايته جميع الأنبياء والمرسلين، وانتسب إليه جميع أتباع الأنبياء في جميع مراحل الحركة التاريخية، وكانوا في جميع مراحل الصراع والمواجهة الفكرية والتشريعية يواجهون عدواً واحداً لا يروق له تقرير مبادئ الحق والعدالة والفضيلة في واقع الحياة.
والإسلام هو الدين الذي حمله نوح(ع) ودعا إلى الإيمان به، ففي قمة المواجهة بينهما كان يخاطبهم: "فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
ومن وصايا إبراهيم ويعقوب إلى أبنائهم: "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ".
وأكد موسى(ع) على ان الإسلام هو عنوان انتماء قومه فقال: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ".
والدين بعد بعثة نبينا محمد(ص) هو المرحلة الأخيرة من المراحل التي مرت بها البشرية، وبها ختمت الرسالة بعد كمالها، وهو الحلقة الأخيرة من حلقات الدعوة والهداية.
قال رسول الله: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، وأنا خاتم النبيين".
والإسلام هو العنوان الجامع للدين في جميع مراحله، وقد أخرج القرآن الكريم الديانات المحرّفة من هذا العنوان، فأصبحت اليهودية عنواناً لمن حرّف التوراة التي أنزلت على موسى(ع)، وأصبحت النصرانية عنواناً لمن حرّف الإنجيل الذي نزل على عيسى وكذا الحال في بقية الديانات المحرفة، واختص عنوان الإسلام بمجموعة المفاهيم والشرائع التي جاء بها رسول الله(ص) عن الله سبحانه وتعالى، والتي هي المرحلة الأخيرة من مراحل مسيرة الأنبياء".
وقد أكد رسول(ص) هذه الحقيقة في حواره مع اليهود الذين قالوا: "يا محمد ألست تزعم انك على ملة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد انها من الله حق؟".
فأجابهم(ص): "بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ الله عليكم من الميثاق فيها، وكتمتم منها ما أمرتم ان تبينوه للناس، فبرئت من أحداثكم...".
وعلى الرغم من تحريف التوراة والإنجيل تعامل رسول الله(ص) معهم على أساس انهم من أهل الكتاب وأول عمل قام به رسول الله(ص) بعد الهجرة وتأسيسه للدولة الإسلامية هو موادعة أهل الكتاب وإقرارهم على دينهم.
وما تقدم يبين بقاء الديانات على متبنياتها في ظل الدول الإسلامية والمجتمع الإسلامي منذ البعثة وحتى مرحلتنا المعاصرة، فلم يكره أحد منهم على الإسلام وبقي لهم وجود وكيان خاص داخل الوجود والكيان الإسلامي، فهل يدوم ذلك إلى عصر الظهور، وهل يتمتع أهل الكتاب بحرية الاعتقاد والرأي في ظل الحكومة المهدوية أم يكرهون على تبني الإسلام والتخلي عن دياناتهم السابقة؟ وهذا ما نستعرضة من خلال الروايات:
الطائفة الأولى من الروايات:
عن أبي بكير قال: سألت أبا الحسن(عج) عن قوله تعالى: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ".
قال: أنزلت في القائم(عج)، "إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه، وحتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحّد الله".
وعن الإمام الباقر (ع) انه قال: "... ويفتح الله شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى إلا دين محمد".
وسئل(ع) عن قوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
قال: "لم يجئ تأويل هذه الآية، وإذا قام قائمنا بعد، يرى من يدركه، ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد(ص) ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض، كما قال الله عز وجل".
الطائفة الثانية من الروايات:
روي عن رسول الله(ص) انّه قال: "ليس بيني وبينه ـ يعني عيسى(ع) ـ نبّي، وانّه نازل، فاذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع الى الحمرة والبياض بين ممصرتين، كأنّ رأسه يقطر وان لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الاسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها الاّ الاسلام...".
وفي رواية اخرى عنه(ص) انّه قال: "والذي نفسي بيده، ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد".
الطائفة الثالثة من الروايات:
عن أبي بكير قال: سألت أبا الحسن(عج) عن قوله تعالى: "وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً...".
قال: أنزلت في القائم(عج)، "إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الاسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه، وحتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد الاّ وحدّ الله".
وعن الامام الباقر(ع) انّه قال: "... ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتى لا يبقى الاّ دين محمد".
وسئل(ع) عن قوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ".
قال: "لم يجئ تأويل هذه الآية، واذا قام قائمنا بعد، يرى من يدركه، مايكون من تأويل هذه الآية، وليبلغنّ دين محمد(ص) ما بلغ الليل والنهار، حتى لايكون شرك على ظهر الارض، كما قال الله عزّوجل".
الطائفة الرابعة من الروايات:
عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: "إذا قام القائم(عج) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل، وأخرجت الأرض بركاتها، وردّ كل حق إلى أهله، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان...".
وقال(ع) "إذا قام(عج) لا يبقي أرض إلا نودي فيها بشهادة ان لا إله الله وان محمداً رسول الله".
وروي عن الإمام محمد الباقر(ع) انه قال: "ان الإسلام قد يظهره الله على جميع الأديان عند قيام القائم(عج)".
وروي عن حذيفة عن رسول الله (ص): انه قال: "يبايع له الناس عند الركن والمقام يرد الله به الدين، ويفتح له الفتوح، فلا يبق على وجه الأرض إلا من يقول: لا إله إلا الله".
مناقشة الروايات
أما روايات الطائفة الأولى فهي الروايات المنسجمة مع ثوابت الشريعة الإسلامية وهي مسالمة أهل الكتاب وأخذ الجزية منهم، وهي موافقة لسنة رسول الله(ص) وسيرته ولسيرة الإمام علي(ع) وروايات أهل البيت (ع) المتعلقة بالتعامل مع أهل الكتاب، وقد وردت عدة آيات قرآنية في هذا المجال.
أما روايات الطائفة الثانية هي: كسر الصليب وقتل الخنزير ووضع الجزية فقد فسرت بعدة تفاسير:
فيكسر: أي يهدم الصليب، وقيل: يبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية.
وقال الحافظ في الفتح: أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه.
ويضع الجزية: قيل: ان الدين يصير واحداً، فلا يبقى أحد من أهل الدنيا يؤدي الجزية.
وقيل: ان المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له، فتترك الجزية استغناءً عنها.
وقال عياض: يحتمل ان يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة.
وقال النووي: الصواب ان عيسى لا يقبل إلا الإسلام.
وقال أيضاً: ومعنى وضع عيسى (ع) الجزية مع انها مشروعة في هذه الشريعة ان مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى (ع)، لما دل عليه هذا الخبر، وليس عيسى (ع)بناسخ لحكم الجزية بل نبينا(ص) هو المبين للنسخ، فإن عيسى(ع) يحكم بشرعنا، فدل على ان الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد(ص).
ويرى العلامة الفضل بن الحسن الطبرسي: ان عدم قبول الجزية من أهل الكتاب قد ورد في خبر غير مقطوع به.
ويرى السيد محمد الصدر: ان الظاهر من قوله: يضع الجزية، يعني يشرعها ويطبقها بعد ان كانت مرتفعة بعد انحسار الحكم الإسلامي قبل الظهور.
ويقول أيضاً: غير أننا سمعنا في خبر تخيير المهدي(عج) لليهود والنصارى بين الإسلام والقتل، كما يفعل بسائر المشركين والملحدين في العالم، وهذا أمر محتمل في التصور على أي حال، حيث يكون من التشريعات المهدوية الجديدة التي تختلف عن الأحكام السابقة، غير انه مما لا يمكن الالتزام به بعد ظهور الأخبار بتشريع الجزية وهي الأكثر عدداً بشكل زائد.
أما الطائفة الثالثة من الروايات وهي التخيير بين الإسلام والقتل فقد اختلف في صحتها من قبل الفقهاء.
ذهب السيد محمد الصدر إلى ان أهل الكتب السماوية سيدخلون في الإسلام بعد مناقشة المهدي والمسيح لهم، وأما المتبقي منهم فيقول الخبر: انهم يدخلون في ذمة الإسلام ويدفعون الجزية كما كان الحال في زمن رسول الله(ص) ريثما يتم بالتدريج دخولهم في الإسلام.
أما الشيخ لطف الله الصافي فيرى: انه(عج) لا يقر أهل الكتاب على دينهم بأداء الجزية وليس لهم إلا قبول الإسلام.
ويرى السيد محمد صادق الروحاني: انه مع ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه لا خيار إلا الإسلام أو القتل.
وأما الطائفة الرابعة من الروايات فهي الطائفة المتواترة والمتسالم عليها من قبل فقهاء وعلماء جميع المذاهب والفرق الإسلامية، وهو ظاهر الآيات الكريمة التي تتحدث عن ظهور الإسلام وعلوه وانتهاء جميع الأديان.
ويمكن القول: انه لا وجود للأقليات الدينية بعد استقرار حكومة الإمام المهدي(عج) وبعد انتهاء القتال، وبعد التوجه لبناء الإنسان والمجتمع وبناء الحضارة الشامخة.
source : www.abna.ir