یستشکل البعض من غیر المسلمین علی انه ورد فی القرآن الکریم أن إبراهیم الخلیل هو مسلمٌ أیضاً مع أنّه ظهر سنة2700 قبل ظهور الدعوة المحمدیة، فی جنوب بلاد ما بین النهرین (العراق حالیاً) فکیف یصح هذا ...؟
أسمع قول القرآن الکریم : ما کان إبراهیم یهودیّاً ولا نصرانیّاً ولکن کان حنیفاً مسلماً... (1).
ثم إنَّ محمداً صلی الله علیه وآله وسلم یقول فی الأنعام (لَا شَرِیکَ لَهُ وَبِذَٰلِکَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِینَ)(2)، فمن نصدق یا ترى .
المراد من وصف المسلم فی القرآن الکریم هو المسلًم والمذعن لله تعالى وحده فیما یأمر به من شرائع الدین والذی هو دینٌ واحد لا یختلف من نبیٍّ لآخر فی أُصوله العامة کما أفاد تعالى فی قوله: (شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَمَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ کَبُرَ عَلَى الْمُشْرِکِینَ)(3).
وقال تعالى: (إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیًا بَیْنَهُمْ وَمَنْ یَکْفُرْ بِآَیَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِیعُ الْحِسَابِ)(4).
لذلک فجمیع الأنبیاء وأتباعهم على إمتداد تاریخ الرسالات یصحُّ وصفهم بالمسلمین کما وصفهم الله تعالى فی مواطنَ عدیدة من القرآن الکریم، فلم یکن إبراهیم (علیه السلام) وحده مَن وصفه القرآن بالمسلم بل إنَّ نبیَّ الله نوحاً (علیه السلام) الذی بُعث قبل إباهیم (علیه السلام) بمئات السنین وکذلک مَن آمن بنوحٍ من قومه قد وصفهم القرآن بالمسلمین، قال تعالى یحکی خطاب نوحٍ لقومه: (وَاتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ یَا قَوْمِ إِنْ کَانَ کَبُرَ عَلَیْکُمْ مَقَامِی وَتَذْکِیرِی بِآَیَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَکَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَکُمْ وَشُرَکَاءَکُمْ ثُمَّ لَا یَکُنْ أَمْرُکُمْ عَلَیْکُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَیَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّیْتُمْ فَمَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ)(5).
ووصف القرآن الکریم نبیَّ الله لوط (علیه السلام) الذی کان معاصراً لإبراهیم ووصف مَن آمن معه من أُسرته بالمسلمین فی قوله تعالى حکایةً عن الملائکة الذین أُرسلوا لایقاع العذاب على قوم لوط: (قَالَ فَمَا خَطْبُکُمْ أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ / قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمٍ مُجْرِمِینَ / لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِینٍ / مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُسْرِفِینَ / فَأَخْرَجْنَا مَنْ کَانَ فِیهَا مِنَ الْمُؤْمِنِینَ / فَمَا وَجَدْنَا فِیهَا غَیْرَ بَیْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ)(6) فوصف بیت لوط (علیه السلام) أی أُسرته بالمسلمین.
وکذلک فإنَّ إبراهیم کان قد أوصى أبناءه بالثبات على دین الإسلام وبأنْ لا یموتوا إلا وهم مسلمون، وهکذا کانت وصیة یعقوب (علیه السلام) لبنیه قال تعالى یحکی وصیة إبراهیم لبنیه ووصیة یعقوب لبنیه: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِیمُ بَنِیهِ وَیَعْقُوبُ یَا بَنِیَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَکُمُ الدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (7).
وقال تعالى: (أَمْ کُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَکَ وَإِلَهَ آَبَائِکَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(8).
ولهذا کان یوسف (علیه السلام) یسألُ ربَّه الثبات على الدین وانْ یتوفَّاه مسلماً: (رَبِّ قَدْ آَتَیْتَنِی مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِی مِنْ تَأْوِیلِ الْأَحَادِیثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِیِّی فِی الدُّنْیَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ)(9).
هذا وقد کانت دعوة سلیمان (علیه السلام) وهو من أنبیاء بنی إسرائیل هی الإسلام وقد صرَّح بذلک فی مراسلته لبلقیس - ملکة سبأ- وقومها، قال تعالى على لسانه: (إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ / أَلَّا تَعْلُوا عَلَیَّ وَأْتُونِی مُسْلِمِینَ)(10).
وقال سلیمان(علیه السلام) مخاطباً قومه من الجن والإنس: (قَالَ یَا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَیُّکُمْ یَأْتِینِی بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ یَأْتُونِی مُسْلِمِینَ)(11).
ثم إنَّ سلیمان(علیه السلام) قال حین جاءته بلقیس ووجدت عرشها عنده و: (قَالَتْ کَأَنَّهُ هُوَ)(12) قال: (وَأُوتِینَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَکُنَّا مُسْلِمِینَ)(13).
ثم إنَّ بلیقس حین أذعنت بدعوة سلیمان (علیه السلام) کان إعلانها عن ذلک بقولها: (رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَیْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ)(14).
بل إنَّ دعوة موسى (علیه السلام) نبیِّ الیهود کانت هی الإسلام، فلم یکن یقبل من قومه إلا انْ یکونوا مسلمین کما تُؤکد ذلک آیاتٌ عدیدة، قال تعالى على لسان موسى (علیه السلام) مخاطباً لقومه: (وَقَالَ مُوسَى یَا قَوْمِ إِنْ کُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَکَّلُوا إِنْ کُنْتُمْ مُسْلِمِینَ)(15).
ولهذا قال السحرة بعد انْ آمنوا مخاطبین فرعون: (وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَیَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِینَ)(16).
وبعد انْ وقع الغرق لفرعون وجنوده قال فرعون قبل انْ یُدرکه الموت: (قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِی آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِیلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ)(17) فهو یعلم انَّ الإیمان بما آمنت بنو إسرائیل یساوق الدخول فی زمرة المسلمین.
وکذلک فإنَّ الوسام الذی حرص الحواریون على الثبات علیه وانْ یشهد لهم السید المسیح (علیه السلام) عند ربه انَّهم ملتزمون به هو انَّهم مسلمون، قال تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِیسَى مِنْهُمُ الْکُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِی إلى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(18).
والمتحصَّل انَّ الدین الذی شرعه الله تعالى لعموم أنبیائه هو الإسلام، فهو تعالى لا یقبل من عباده غیره کما قال تعالى: (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَى وَعِیسَى وَالنَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ / وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلَامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ)(19).
فالدین الذی آمن به إبراهیم (علیه السلام) وبلَّغه لعباد الله تعالى کان هو الإسلام، وکذلک هو ماجاء به موسى (علیه السلام) ودعى إلیه قومه، وهو کذلک الذی بُعث علیه السید المسیح (علیه السلام).
فالرسول محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) کان إمتداداً لهذه الرسالات، فلم یکن یدعو لنسف ما جاءت به الرسالات المتعاقبة بل جاء مصدِّقاً لها کما صرَّحت بذلک العدیدُ من الآیات کقوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ نَزَّلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِیلَ)(20).
وجاء ناسخاً لبعض الأحکام التی نشأ تشریعها فی الرسالات السابقة عن الرعایة لمصلحة الوقت.
کما جاء مکمِّلاً لما کانت علیه تلک الرسالات من نقصٍ نشأ عن إقتضاء العنایة الإلهیة للتدریج فی بیان وتبلیغ شرائع الدین، فنظراً لتأهُّل البشریة حین المبعث النبوی الشریف لتلقِّی الدین کاملاً بعد ان أهَّلتهم لذلک الرسالات المتعاقبة صدع النبیُّ الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) بالدین الکامل الذی لا مندوحةَ لأحدٍ من عباد الله تعالى إلا التدیُّن به دون سواه قال تعالى: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلَامَ دِینًا)(21).
وأما ما حکاه القرآن عن انَّ النبیَّ الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) انَّه قال: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِینَ)(22) فالمراد منه أنَّه کان أول المسلمین بالإضافة إلى أُمته، فلا یُناقض ذلک ما أفاده القرآن من وصف إبراهیم بالمسلم ووصف نوحٍ وعموم الأنبیاء وأتباعهم بالمسلمین.
ولعمری إنَّ ذلک أوضح من أن یخفى إلا على مَن تعمَّد المکابرة والتشویش على ما هو بیِّنٌ لکلِّ مَن له أدنى تأمُّل، فالنبیُّ الکریم (صلی الله علیه وآله وسلم) لو لم یکن نبیَّاً فهو عاقل بل لا یرتاب أحدٌ فی تمیُّزه وتفوقه فی مدارکه، فکیف یتلو آیاتٍ لیلَ نهار یُصرِّح فیها بأنَّ نوحاً کان من المسلمین وانَّ إبراهیم کان مسلماً، وانَّ عموم الأنبیاء کانوا مسلمین وهم قد سبقوه بمئات وبعضهم بآلاف السنین ثم یقول انَّه أول المسلمین ویقصد من ذلک أنَّه لم یسبقه أحدٌ من الأنبیاء بالإتصاف بهذا الوصف، إنَّ ذلک لایصدر من أبسط الناس وأقلِّهم إدراکاً فضلاً عن مثل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) الذی لم تعرف البشریةُ له من نظیر.
وکیف خفیَ على أتباع محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) ومناوئیه ماتفطَّن له هذا المورد للشبهة وکأنَّه قد وقف على ما غفل عنه الأولون والآخرون!
والحمد لله رب العالمین
المصادر :
1- سورة آل عمران 67
2- سورة الانعام 163
3- سورة الشورى آیة رقم 13.
4- سورة آل عمران آیة رقم 19.
5- سورة یونس آیة رقم 71.
6- سورة الذاریات آیات رقم 31-36.
7- سورة البقرة آیة رقم 132.
8- سورة البقرة آیة رقم 133.
9- سورة یوسف آیة رقم 101.
10- سورة النمل آیتان رقم 30-31.
11- سورة النمل آیة رقم 38.
12- سورة النمل آیة رقم 42.
13- سورة النمل آیة رقم 42.
14- سورة النمل آیة رقم 44.
15- سورة یونس آیة رقم 84.
16- سورة الاعراف آیة رقم 126.
17- سورة یونس آیة رقم 90.
18- سورة آل عمران آیة رقم 52.
19- سورة آل عمران آیتان رقم 84-83.
20- سورة آل عمران آیة رقم 3.
21- سورة المائدة آیة رقم 3.
22- سورة الأنعام آیة رقم 163.
source : .www.rasekhoon.net