عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الإمامة والغيبة

الإمامة والغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الأول: الإمامة والغيبة

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فإن هذا الكتاب قد جاء ليعالج ظاهرة قد اعتبرت سلبيةً إلى حد كبير. وهي ظاهرة التعامل مع علامات الظهور من زاوية معينة لا تنسجم مع الأهداف الحقيقية.

فقد عالج هذا الكتاب موضوع الاخبارات الغيبية للأئمة عليهم السلام بعلامات الظهور والموقف المتخذ، والذي ينبغي أن يتخذ منها. ثم تقسيمها إلى ما هو من المحتوم وما ليس من المحتوم.

وأهداف هذا التقسيم ودوافعه بصورة عامة.

ومهما يكن من أمر فإن ما نرمي إليه في هذه الدراسة الموجزة إنما هو مجرد إعطاء الرأي بصراحة وبموضوعية وتسجيل الموقف على أساس علمي رصين وليس هو الاستقصاء والاستعياب.

ونسأل الله: أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يلهمنا النية الصادقة وصواب القول والعمل الصالح إنه ولي قدير.

21 شهر رمضان المبارك سنة 1411ه.ق

جعفر مرتضى العاملي

الفصل الأول

نظرة في شؤون الإمامة والأمة

ركنان تقوم الإمامة عليهما:

إن من المعلوم والمفهوم: أن الإمامة أصل أصيل عند الشيعة الإمامية، فهي وفقاً للأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة ـ امتداد للنبوة ـ لا يمكن تحقيق الأهداف الإلهية بإسعاد البشر، وإيصالهم إلى كمالهم، ونيلهم درجات القرب والرضا الإلهي بدونها.

وهي كذلك، منصب إلهي، لابد من الرجوع فيه إلى الله العالم الحكيم والمدبر الرحيم سبحانه وتعالى.

فهو وحده الذي يعين الإمام، ويدلّ عليه بواسطة النص، حيث يكون هذا الإمام قد تربى تربية إلهية خالصة في مهبط الوحي، ومعدن الرسالة ثم بعد ذلك في حجر الإمامة، حيث أن ذلك من شأنه أن يمنحه الفرصة لاكتساب علومه ومعارفه الشاملة من مقام النبوة، ومصدر المعرفة الأول. أو من وارث علمه، والإمام الحاضر والقائم بالأمر من بعده في كل عصر وزمان.

ونستخلص من ذلك: أن الإمامة تقوم على ركنين أساسين:

أحدهما: النص القاطع لكل عذر.

الثاني: العلم الخاص، الذي يتلقاه الإمام (عليه السلام) من مقام النبوة مباشرة، أو بالواسطة هذا بالإضافة إلى الملكات والخصائص القيادية، وكل ما من شأنه أن يحفظ المسيرة، ويضمن سلامة الاتجاه، مثل صفة العصمة، والتدبير، والحنكة، والشجاعة، والكرم، وغير ذلك مما يساعده على النهوض بأعباء المسؤولية على النحو الأكمل والأفضل والأمثل.

التأكيد على الركن الأول:

ونلاحظ هنا: أن الأئمة (عليهم السلام) قد اهتموا بالتأكيد على هذين الركنين الذين أشرنا إليهما. حتى إن علياً (عليه السلام) قد استشهد لحديث الغدير بالصحابة والبدريين منهم خاصة في أكثر من مورد، وأكثر من مناسبة، في رحبة الكوفة، وفي صفين وفي الجمل، وفي يوم الشورى، فشهد جم غفير منهم بسماعهم ذلك مباشرة منه (صلى الله عليه وآله وسلم).

كما أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد جمع الصحابة في موسم الحج، وذكرهم بفضائل أبيه، وبحديث الغدير، وبأفاعيل معاوية.(1)

تتبع كتب الحديث والأثر، والتاريخ والسير يوضح هذا الإصرار منهم عليهم السلام، لكثرة ما روي عنهم عليهم السلام في هذا المجال.

التأكيد على الركن الثاني:

أما بالنسبة للعلم الخاص فإن تأكيداتهم عليه تفوق حد الحصر، ونحن نكتفي بذكر نماذج ثلاثة ظهر فيها هذا الأمر بصورة جلية وواضحة، وهي التالية:

النموذج الأول: علي (عليه السلام) وإخباراته الغيبية:

وقـد بلغت الاخبارات عما سيحدث، الصادرة من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حداً جعل البعض ـ حسداً، أو حقداً، أو جهلاً أو سياسة يتهمونه ـ والعياذ بالله ـ بالكذب، وحديث الخرافة (2) وما ذلك إلا من أجل أن يُفهِم الناس أنه يأخذ علمه من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي اختصه بما لم يخص أحداً سواه. وذلك لأن الله سبحانه هو عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ثم يطلع الرسول من يرتضيه من أفراد الأمة، ومَنْ غير الأئمة يفوز بهذا الحظ العظيم والشرف الباذخ.(3)

علي (عليه السلام) في العراق:

والأمر الذي لابد من الإلماح إليه ولو بإيجاز هو: أنه لم يكن أهل العراق يعرفون أمير المؤمنين (عليه السلام) حق معرفته، ولا كانوا قد تربّوا على نهجه، ولا اطلعوا على أطروحته، وإنما عرفوا الإسلام من قبل آخرين، ممن هم في الخط الأخر المناوئ له عليه السلام.

وحتى معرفتهم هذه للإسلام، فإنها كانت ظاهرية وقشرية، وإنما تعمقت وتأصلت بفضل جهوده هو(عليه السلام)، حتى ليقول مخاطباً لهم:

(وركزت فيكم راية الإيمان، وعرفتكم حدود الحلال والحرام).(4)

ولأجل ذلك، فقد كان من الطبيعي أن يشدّد عليه الصلاة والسلام كثيراً على أمر النص، ويركّز على أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد اختصه بعلوم لم تكن لدى أحد من الناس غيره (عليه السلام) وهي علوم الإمامة.

ولكن الملفت للنظر هو أننا نجده (عليه السلام) يهتم بإظهار علومه الخاصة بصورة إخبارات غيبية ـ عما سيحدث في المستقبل ـ بصورة أكبر، وأشد إباّن حروبه مع الخوارج، حسبما ألمحنا إليه في كتابنا: الخوارج: تاريخياً وسياسياً، أما في حربي الجمل وصفين، فقد كان اهتمامه بذلك أقل كما يظهر للمتتبع.

التفسير المعقول:

ولعل التفسير المعقول والمقبول لهذه الظاهرة هو: أن حروبه عليه السلام مع الخوارج كانت هي الأصعب، والأقسى، والأشد مرارة، ولكن لا من حيث: أنه قد كانت لدى الخوارج قدرات قتالية فائقة!! إذ أنهم من هذه الناحية ليس كما يشاع عنهم، بل إن أمرهم كان أهون من غيرهم فقد قتل منهم في معركة واحدة من معارك النهروان، أربعة آلاف رجل ـ على ما قيل ـ ولم ينج منهم عشرة، ولم يقتل من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عشرة (5) بسبب الخطة القتالية الناجحة التي رسمها علي (عليه السلام) ولأسباب أخرى لا مجال لبحثها الآن.(6)

ولكن السر في صعوبة ومرارة هذه الحرب يعود إلى الأمور التالية:

1ـ إن الخوارج كانوا في ظاهر الأمر من القراء المسلمين، الذين يتظاهرون بالتقوى، والصلاح، والنسك، وقد عرف ذلك عنهم وشاع. وإذن.. فقتل هؤلاء بأيدي إخوانهم المسلمين لم يكن بالأمر المستساغ ولا المقبول لدى عامة الناس، الذين لم يعرفوا بواطن الأمور، ولا اطلعوا على خلفياتها.

2ـ إن الخوارج كانوا ـ من جهة ثانية ـ جزءاً من هذا الجيش الذي حارب إلى جانبه (عليه السلام) أعداءه في الجمل وصفين فكانوا ـ إذن ـ رفقاء السلاح والجهاد لهذا الجيش الذي يحاربونه اليوم، ويقتلهم، ويقتلونه، وكانت لهم به علاقات شخصية، وروابط، وذكريات، حلوة ومرة.

3ـ لقد كانت هناك وشائج قرى ونسب، تربط بين هاتين الفئتين المتناحرتين، حيث إن القوم كانوا أبناء القوم، وآبائهم، وإخوانهم، وأبناء عمهم.

ومن الطبيعي أن تترك الحرب فيما بين هؤلاء آثاراً سلبية بليغة على البنية الاجتماعية، وعلى العلاقات العشائرية والقبلية في داخل جسم الأمة.

هذا بالإضافة إلى الصعوبات العاطفية، والصدمات الروحية، والعقد النفسية التي تنشأ ـ عادة ـ عن قتل وقتال المرء لأخيه، وصديقه، وابن عمه. ولا ندري حقيقة المشاعر التي كانت تنتاب عدي بن حاتم حينما دفن ولده بعد انتهاء المعركة. وكذا غيره، حينما دفن رجال من الناس قتلاهم بإذنه عليه السلام.(7)

4ـ إن الشعارات التي رفعها الخوارج كانت خداعة وبراقة إلى حد كبير، وكانت تستهوي أولئك الذين ينساقون وراء مشاعرهم، وعواطفهم، دونما تأمل أو تعقل، أو تمحيص لحقيقة ما يجري وما يحدث، ودونما دراسة واعية لدوافعه وخلفياته. ولم تكن لديهم معرفة كافية تخولهم تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال.

وهذا الواقع الذي كان يعاني منه مجتمع أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل من الشعارات البراقة والخادعة وسيلة فعالة في تخفيف هيمنة العقل والتقليل من زنته ورجاحته وجعل الأهواء، والمشاعر هي الطاغية والمسيطرة، وهذا هو السبب في أن فرعون قد استخف قومه ـ أي عقولهم ـ فأطاعوه حتى عبدوه.

وهو السبب في أن يتمكن الشيطان من أن يزين القبيح للإنسان ويظهره بصورة أحسن، حتى يقع فيه. ولو كان ثمة أثارة من علم لعرف الصحيح من الزائف والحسن من القبيح، والحق من الباطل.

5ـ إننا إذا درسنا واقع المجتمع الذي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتعامل معه، ولاسيما بعد حربي الجمل وصفين، فلسوف نخرج بنتيجة مثيرة، وقد يرى البعض أنها تستند إلى نظرة مفرطة في التشاؤم.

فأما بالنسبة لفريق الخوارج، فإن أمرهم واضح، إذ يعلم كل أحد: أنهم كانوا أعراباً جفاةً، أخفاء الهام، سفهاء الأحلام.

وحتى بعد مرور قرنين من الزمن وفشوا العلم بين الناس، وظهور الفرق والنحل، حتى نحلة الاعتزال المفرطة في الاعتماد على العقل، وكذلك بعد ترجمة الكتب اليونانية، وبعد أن صار كل فريق يحاول تقديم آرائه، بقوالب علمية، وبصيغ حضارية ـ نعم، حتى بعد هذا وذاك وذلك، فإن حالة الخوارج الثقافية قد بقيت في منتهى السوء، حتى لقد قال فيهم بشر بن المعتمر:

 

 

 

 

 

 

هيهات ما سافلـة كعالـيـة ما معدن الحكمة أهل البادية(8)

وأما بالنسبة لمن عدا الخوارج من أصحابه وأعوانه (عليه الصلاة والسلام)، فإن حربي الجمل وصفين، والاغتيالات التي قام بها أعداؤه، قد أفقدته الكثير من خلّص أصحابه، ولم يبق معه إلا القليل. وقد قال الأشتر لهؤلاء الناس بعد انتهاء حرب صفين:
(قتل أماثلكم، وبقي أراذلكم).
(9)

وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتلهف على أصحابه المخلصين، الذين فقدهم.(10)

وقد قال (عليه السلام) حين تكلّموا حول مدى طاعة الأشتر لأوامره (عليه السلام): (ليت فيكم مثله إثنان، وليت فيكم مثله واحد).(11)

ويقول (عليه السلام): (ذهب والله أولوا النهى، والفضل والتقى، الذين كانوا يقولون فيصدقون، ويدعون فيجيبون، ويلقون عدوهم فيصبرون وبقيت لي حثالة قوم لا يتعظون بموعظة ولا يفكرون في عاقبة لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان).(12)

وكل ذلك يوضح: أنه (عليه السلام) لم يعد بإمكانه تحريك الساحة بنفس الفاعلية وبنفس الحماس، إذ أن مراكز الثقل قد تلاشت، والكوادر الفاعلة التي كان لها تأثير كبير في توجيه الفكر، وبلورة الرؤية السياسية لدى الجماهير قد فقدت، فليس لعلي (عليه السلام) بعد اليوم، لا عمار، ولا أبو الهيثم بن التيهان، ولا الأشتر، ولا، ولا..

أما من تبقى معه من المخلصين، فقد كان عليهم أن يمسكوا بالمفاصل الحساسة للدولة التي تتناوشها ذؤبان معاوية، ويعبث فيها الأخطبوط الأموي، وغيره من فلول الحاقدين فساداً وإفساداً.

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مكانة السيدة المعصومة (عليها السلام):
يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه

 
user comment