إنَّ الاِيمان بالله تعالى هو منبع الفضائل ، كما أنّ الكفر به هو مصدر الرذائل كلّها . فبينما كان الفرد مدَّنساً بالشرك ، وعبداً لاَهوائه ولاَصنامه الموهومة وللقوى الاِجتماعية المتنفذة ، أصبح ببركة الاِيمان مطهراً من الشرك وسيداً على نفسه ووجد طريقاً للخلاص من جاهليته في الاعتقاد والسلوك . وبينما كان المجتمع الجاهلي ممزقاً وفاقداً للعدالة غدا بفضل عقيدة التوحيد قوياً موحداً يرتكز على قواعد الحق والعدل .
ومن الشواهد التي تعكس لنا النَّقلة الحضارية الكبرى التي أحدثها الاِيمان على صعيد الفرد والمجتمع ما قاله جعفر بن أبي طالب قدس سره للنجاشي ملك الحبشة لمّا سأله الاَخير عن سبب هجرتهم ومفارقتهم دين قومهم ، فأجابه قائلاً : «أيُّها الملك ، كنّا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الاَصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الاَرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويُّ منّا الضعيف ، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ماكنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاَوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الاَمانة ، وصلة الرّحم ، وحسن الجوار ، والكفّ عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئاً..»(1)
وبذلك كشف له عن التحوّل الحضاري الذي أحدثه الاِسلام في فترة وجيزة . لما له من تأثير كبير على حياة الفرد والمجتمع كما سيتضح في المبحث الآتي :
أثر الاِيمان والكفر على الفرد :
كان الاِسلام نقطة البدء في ميلاد إنسان جديد ، يعشق القيم والحكمة ، ويتطلع إلى آفاق العلم والمعرفة ، ويمتاز بسكينة النفس والسلوك المثالي وعمق الحس الاِنساني .
إنَّ هذا التحوّل لم ينطلق من فراغ ، ولم يحدث على سبيل الصدفة ، وإنّما حصل نتيجة مباشرة لمعطيات الاِيمان الحضارية ، التي يمكن الاِشارة إلى أبرزها عبر آثاره المتعددة بالنقاط الآتية :
أولاً : أثره العلمي :
فتح الاِسلام بنوره النوافذ المغلقة أمام عقل الاِنسان الجاهلي الذي لم يكن له سابق عهد بأبسط العلوم والمعارف التي جاء بها الاِسلام العظيم ، ووجه تفكير ذلك الاِنسان الوجهة الصحيحة إذ دفعه إلى تعقّل ما في هذا الكون الفسيح من قوى وأسرار وطلب منه التأمل في أقطار السموات والاَرض لغايات كثيرة أهمها معرفة الحق تعالى والبرهان على وجوده الشريف من خلال ما يشعره الاِنسان وما يراه ، وكذلك ليكتشف من خلال هذا التأمل القوانين الرائعة التي تحكم هذا العالم بمنتهى الدقة ، مما ساعد هذا على ميلاد حركة علمية ومعرفية استفاد منها العلماء الالهيون ، وعلماء الطبيعة منذ فجر الاِسلام إلى يومنا هذا ، ولم تقتصر آثار الاِيمان بدين الاِسلام على تلك المعطيات العلمية ، بل هناك الكثير منها والتي لازالت منبعاً ثرّاً لعلماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ والفلسفة والكلام زيادة على ما في دستور الاِسلام القرآن العظيم من نظم ودساتير وسياسات هي في منتهى الدقة والاِحكام .
وبالجملة فإنّ الحضارة الاِسلامية التي دانت لها أوربا قروناً عديدة إنّما نشأت بفعل الاِيمان بهذا الدين وما أوجبه من السعي المتواصل نحو المعرفة والتي ترجمها في أحداثه التاريخية الاُولى بضرورة القضاء على الاُمّية ـ كما في فداء أسرى بدر ـ بصفتها وباء الاُمم ومعول هدمها ، ومن هنا جاء الحث على أهل العلم أن يعلّموا الناس ما يجهلون ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعلّموا » (2)
كما حثَّ الاِسلام مريديه على الاستزادة من العلم النافع الذي يقرّب الانسان من الله تعالى ، يقول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا أُتي عليَّ يوم لاأزداد فيه علماً يقرّبني إلى الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم» (3)
وقد حدد وصيه الاِمام علي عليه السلام المعطيات الاِيجابية للعلم ودوره المهم في تقدم الاِنسان وسعادته ، عندما قال : « اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة »(4)
لقد أولى الدين للعلم أهمية بالغة وجعل له تقدماً رتبياً حتى على العبادة ، يقول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.. » (5)... وروى أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : « عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد »(6)
وهذه النصوص تعطينا صورة صادقة على توجيه الاِسلام للفرد نحو ميادين العلم والمعرفة ، وذلك لاَنَّ المعرفة بصيرة ، والبصيرة قوة .
ثانياً : أثره العملي :
ويظهر هذا الاَثر واضحاً على أخلاق المؤمن وسلوكه ، فبينما يتّبع الكافر سلوكاً إنتهازياً لا يؤمن بنظافة الوسيلة ولا شرف الغاية، ويضع مصالحه الآنية في سلّم الاَولوية ، غاضاً النظر عن القيم والاَخلاق ، نجد بالمقابل الاِنسان المتسلح بالاِيمان يسلك سلوكاً مثالياً يرتكز على الثوابت الاَخلاقية وقواعد السلوك السوّي ، والملاحظ أنّه كلما كمل إيمان الفرد كلّما حسنت أخلاقه وتكاملت فضيلته ، وفي الحديث الشريف :
«.. وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً.. » (7). ونظراً لوجود هذه العلاقة بين الاِيمان والاَخلاق نجد التوجهات الاَخلاقية تحتل حيزاً كبيراً من التعاليم الدينية .
لذلك نجد أنّ الافراد الذين يعيشون في مجتمعات بعيدة عن نور الاِيمان تغلب عليهم سمة الانحطاط الخلقي ، ذلك لاَنَّ الحياء فرع الاِيمان ، بل في التعبير النبوي « الحياء والايمان في قرن واحد ، فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر » (8)
أضف إلى ذلك أنّ الاِيمان يوجه الفرد نحو العمل والكسب الحلال ، ويحذّره من التكاسل والاتّكال على الآخرين ، فمن وصايا الاِمام الصادق عليه السلام لشيعته خاصة وللمسلمين عامّة : « لا تكسلوا في طلب معايشكم ، فإنَّ آباءنا قد كانوا يركضون فيها ويطلبونها » (9)
وقد ترجم هذا الاِمام العظيم وصيته الذّهبية هذه إلى سلوك مثالي ، فعن الفضيل بن أبي قرّة قال : دخلنا على أبي عبدالله عليه السلام وهو يعمل في حائط له فقلنا : جعلنا الله فداك ، دعنا نعمل لك ، أو تعمله الغلمان ؟! قال : « لا ، دعوني فإنّي أشتهي أن يراني الله عزَّ وجلّ أعمل بيدي وأطلب الحلال في أذى نفسي »(10)
وقد جسّد لنا بسلوكه المثالي مبدأ القدوة الحسنة ، الذي هو أحد الاَساليب التربوية التي يتّبعها أهل البيت عليهم السلام ، ذلك لاَنَّ «القدوة الحسنة والمثال الفعلي ـ أي التأثير دون إقناع منطقي ـ تقوم بدور كبير في تكوين الاتّجاهات . فالاَفعال أعلى صوتاً من الاَقوال ، وإيحاء السلوك أقوى من إيحاء الاَلفاظ»(11)
مما تقدم ظهر لنا أنّ الاِيمان يدفع الفرد نحو السلوك المثالي الذي يتجسد في الاَخلاق الحسنة والعمل الصالح .
ثالثاً : أثره النفسي :
عندما يذكر المؤمن ربّه ويتصل بالقوة العظمى الاِلهية ، يتبدد خوفه ويتغلب على ضعفه ويطمئن قلبه ، قال تعالى : ( الَّذينَ آمنُوا وتَطمئنُّ قلُوبُهُم بذكرِ اللهِ ألا بذكرِ اللهِ تَطمَئنُّ القُلُوبُ ) (12)، وقال أيضاً : ( الَّذينَ آمنُوا ولم يَلبِسُوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أولئك لهُمُ الاَمنُ وهُم مُهتدُونَ ) (13)
فالاِيمان يضفي على النفس طمأنينة عند هبوب عواصف الاَحداث ، ويرفع الاِنسان فوق مستوى الخوف ، وفي تاريخ أهل البيت عليهم السلام شواهد جمّة على ذلك ، فهذا قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام وكان يحبُّ الاِمام عليّاً عليه السلام حباً شديداً ، فإذا خرج الاِمام علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال : « يا قنبر ! ما لك ؟ قال : جئتُ لاَمشي خلفك ، فإنَّ النّاس كما تراهم يا أمير المؤمنين ! فخفتُ عليك ، قال عليه السلام : ويحك أمن أهل السماء تحرسني ، أم من أهل الاَرض ؟! قال : لا ، بل من أهل الاَرض ، قال عليه السلام : إنَّ أهل الاَرض لا يستطيعون لي شيئاً إلاّ بإذن الله عزَّ وجلَّ من السّماء فارجع » فرجع (14)
وقال يعلى بن مرّة : (كان عليّ يخرج بالليل إلى المسجد يصلّي تطوّعاً، فجئنا نحرسه ، فلمّا فرغ أتانا فقال : « ما يجلسكم ؟ قلنا : نحرسك ، فقال : أمن أهل السماء تحرسون ، أم من أهل الاَرض ؟ قلنا : بل من أهل الاَرض ، قال : إنَّه لا يكون في الاَرض شيء حتى يُقضى في السماء ، وليس من أحد إلاّ وقد وكّل به ملكان يدفعان عنه ويكلآنه حتى يجيء قدره ، فإذا جاء قدره خلّيا بينه وبين قدره ، وإنَّ عليَّ من الله جُنّة حصينة فإذا جاء أجلي كشف عنّي... وأنّه لا يجد طعم الاِيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » ) (15)
فالاِيمان يبعث نحو التسليم بقضاء الله وقدره وبذلك يبعد عن النفس شبح الخوف وهاجس القلق ، وهو عنصر هام في معالجة أمراض النفس ، وقد اعترف بذلك كثير من علماء النفس المتخصصين منهم الدكتور : إرنست ادولف ، استاذ مساعد بجامعة سانت جونس الامريكية ، عندما سُئل عن الاَسباب الرئيسية للاَمراض العصبية ؟ فأجاب : (إنَّ من الاَسباب الرئيسية لهذه الاَمراض الشعور بالاِثم أو الخطيئة والحقد والخوف والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة والاِثرة والسأم ، ومما يؤسف له أنّ كثيراً ممن يشتغلون بالعلاج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب الاضطراب
النفسي الذي يسببه المرض ، ولكنهم يفشلون في معالجة هذه الاضطرابات ، لاَنهم لا يلجأون في علاجها إلى بث الاِيمان بالله في نفوس هؤلاء المرضى)(16)
والملاحظ أنّ أهم ما يعتمد عليه العلاج النفسي هو مساعدة الفرد على الاعتراف بخطاياه ، وذلك أنّ الاعتراف يعيد إلى النفس المضطربة اتزانها وطمأنينتها . وقد أقرَّ القرآن من حيث المبدأ بفكرة الاعتراف هذه ، ولكن حوّل وجهته من اعتراف الاِنسان المعروف أمام أبناء جنسه إلى الاعتراف أمام ربّه وخالقه ، فينفس الاِنسان ـ بذلك ـ عن الاحتقان والشعور بالاثم الذي يحسّه في قرارة نفسه ، عندما يقف ـ مثلاً ـ بالصلاة بين يدي ربّه رافعاً يده في قنوته قائلاً : ( .. ربَّنا ظَلمنَا أنفُسَنا وإن لم تَغفر لنا وتَرحَمنَا لنكُوننَّ مِنَ الخَاسِرينَ ) (17)
وقد نقل لنا القرآن الكريم إعترافات عديدة من هذا القبيل ومن ضمنها بعض أنبيائه ورسله كموسى عليه السلام عندما قتل رجلاً ولم يتعمد ذلك قال : (رَبِّ إنّي ظلمتُ نَفسي فاغفِر لي فَغَفَرَ لَهُ إنَّهُ هُوَ الغفُورُ الرحِيمُ )(18)
ثم إنّ شعور الاِنسان بأنّه ليس وحيداً وأنّ الله تعالى معه على الدوام ، يضفي عليه هذا الشعور نوعاً من الاطمئنان والثقة ويُبعد عنه أشباح الخوف والقلق والوحدة والشعور بالكآبة لذلك يُطمْئن الله تعالى الناس : (.. وهو معكم أين ما كنتُم واللهُ بما تعملون بصير ) (19)
فالاِيمان ـ إذن ـ أشبه بمانعة الصواعق تفرّغ كل ما في الاِنسان من شحنات القلق والخوف والاضطراب ، فتمنحه الصحة النفسية والجسدية معاً . وقد أثبت علم النفس أنّ : «الاِنسان حين يغشاه انفعال كالخوف أو الحزن أو الغضب ، فإنّ هذه التأثيرات الوجدانية والانفعالية تصحبها تغيرات أو اضطرابات جسمية وفسيولوجية قد تكون بالغة الخطورة إن أزمن الانفعال . فقد اتّضح أنّ القلق المزمن الموصول قد يؤدي إلى ظهور قرحة في المعدة أو الاثني عشر ، وأنّ الكراهة المكظومة لمدة طويلة قد تؤدي إلى ارتفاع في ضغط الدم..» (20)
أضف إلى ذلك أنّ الاِيمان يؤدي إلى الاَنس والراحة النفسية فيبدد بذلك الشعور بالعزلة ومن خطبةٍ لاَمير المؤمنين عليه السلام قال فيها : « اللَّهمَّ إنَّك آنسُ الآنسين لاَوليائك... إن أوحشتهم الغُربةُ آنسهُم ذكرُكَ ، وإن صُبَّت عليهم المصائب لجؤوا إلى الاستجارة بك ، علماً بأنَّ أزمّة الاُمور بيدك..»(21)
رابعاً : أثره في تكوين شخصية المؤمن :
الاِيمان يشكّل محطة إنطلاق أمام الاِنسان إلى ذرى المجد والرفعة لكونه يزوده بالقيم والمثل ، ويساعده على ضبط نفسه وجوارحه ويجعله يقبض بإحكام على الدَّفة الموجهة لمساره ، فيسير بخطى ثابتة حتى يبلغ قمة الرُّقي والرِّفعة : «قيل للقمان عليه السلام : ألست عبد آل فلان ؟ قال : بلى ، قيل: فما بلغ بك ما نرى ؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الاَمانة ، وترك ما لا يعنيني ، وغض بصري ، وكف لساني ، وعفة طعمتي ، فمن نقص عن هذا فهو دوني ، ومن زاد عليه فهو فوقي ، ومن عمله فهو مثلي» (22)
ثم أنّ الاِيمان يوفر للفرد العزّة والمكانة والكرامة ، قال تعالى : ( وللهِ العزَّةُ ولِرسُولِهِ وللمُؤمِنينَ ولكنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمُونَ ) (23)
فالمؤمن عزيز مكرّم ، لم يدع للذل إليه سبيلاً ، فقد ورد عن الاِمام الصادق عليه السلام : « إنَّ الله فوّض إلى المؤمن أمره كلّه ، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً »(24)
والاِيمان يجعل للفرد مهابة ينظر الناس إليه بعين الاِعظام والاِكبار ، وقد قيل للاِمام الحسن بن علي عليهما السلام : فيك عظمة ! فقال عليه السلام : « بل فيَّ عزَّة قال الله : ( وللهِ العزَّةُ ولِرسُولِهِ وللمُؤمِنينَ ) ..» (25)
فالاِيمان يُحدث إنعطافاً حاداً في مسير الاِنسان يُخرجه من ذل المعصية إلى عزِّ الطاعة ، ومن خلال هذا التحور الكبير يحصل على معطيات لا تقدر بثمن ، قال الاِمام الصادق عليه السلام : « ما نقل الله عزَّ وجلَّ عبداً من ذلِّ المعاصي إلى عزِّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال ، وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر »(26)
فالعبودية لله تعالى هي مبعث العزّة والكرامة ومصدر الفخر والرفعة .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا شرف أعلى من الاِسلام ولا عزّ أعزّ من التقوى»(27)
ومن مناجاته عليه السلام : « إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً »(28)
وهكذا نجد الاِيمان يزيد في مكانة الاِنسان المؤمن ، ويرفع من رصيده المعنوي مما ينعكس ذلك على قوة شخصيته ورفعتها ، وهناك آثار كثيرة أُخرى للاِيمان يمكن الاِشارة إليها بنحو الاِجمال وتحت عنوان :
خامساً : آثار اُخرى للاِيمان :
1 ـ ضبط النفس واللسان : الاِيمان يمد النفس بقوة ضبط ذاتية تتمكن من خلالها من كتمان المصائب والهموم والاَمراض وأعمال الخير خوفاً من الرياء ، وقد إمتدح تعالى أولئك الذين يسيطرون على أنفسهم فيكظمون غيظهم: (.. والكاظمين الغيظ.. )(29)
الاِيمان يؤثر تأثيراً بالغاً في ضبط لسان المؤمن ، فلا يقول شيئاً بسخط الله عزَّ وجلَّ لاَنه يعيش حالة تدبّر الاَقوال والافعال بخلاف الكافر، وفي الحديث الشريف : « إنَّ لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلّم بشيء تدبّره بقلبه ثم أمضاه بلسانه ، وإنَّ لسان المنافق أمام قلبه فإذا همَّ بشيء أمضاه بلسانه ولم يتدبّره بقلبه »(30)
2 ـ الصمود والشجاعة : الاِيمان يمدّ المؤمن بشحنات عالية من الصمود والشجاعة في مواطن الجهاد في سبيل الله ، فيمكّنه من التغلّب على نفسه التي تميل إلى الدّعة والراحة وتحب العافية . ولقد انتصر المسلمون يوم بدر بفضل إيمانهم على الرغم من قلّة عددهم وعدَّتهم .
قال المستشرق المعاصر : جاك ريزلر صاحب كتاب : يقظة الاِسلام ، وكتاب : الحضارة العربية ، الذي طبع في فرنسا سنة 1962 م : (بظهور الدين الاِسلامي بدأت مراحل الحضارة العربية ، ويُعزى نجاح قيام هذه الحضارة وانتشارها إلى عدة أسباب : أهمها إرتفاع الروح المعنوية لدى المسلمين بفضل الدين الجديد ، الاَمر الذي أكسبهم جرأة جعلتهم يستهينون بالموت في سبيل الله) (31)
3 ـ النظرة الواعية : ومن آثار الاِيمان العجيبة أنّه يجعل المؤمن ذا نظرة واعية لجميع ما حوله ، ولا يغتر بمغريات الدنيا بأسرها فيقنع بالقليل منها، ولا يبطره الغنى فيقنع بالقليل منها ، ولا يبطره الغنى . قال أمير المؤمنين عليه السلام : «..إنَّما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ، ويقتات منها ببطن الاضطرار ، ويسمع فيها بإذن المقت والابغاض »(32)
وعن سويد بن غفلة ، قال : «دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بعدما بُويع بالخلافة وهو جالس على حصير وليس في البيت غيره، فقلت : ياأميرالمؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً ممّا يحتاج إليه البيت ؟ فقال : « يابن غفلة إنَّ اللبيب لا يتأثث في دار النقلة ، ولنا دار أمن قد نقلنا إليها خير متاعنا ، وإنّا عن قليل إليها صائرون » » (33)
المصادر :
1- السيرة النبوية ، لابن هشام 1 : 349 دار الفكر ـ القاهرة
2- نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 559 / حكم 478
3- كنز العمال 10 : 136 / خ 28687
4- غرر الحكم
5- كنز العمال 10 : 145 / خ 28740
6- اُصول الكافي 1 : 33 / 8 كتاب فضل العلم
7- كنز العمال 1 : 38 / ح 77
8- كنز العمال 1 : 120 / ح 5766
9- من لا يحضره الفقيه 3 : 95 دار صعب ـ بيروت 1981 م
10- من لا يحضره الفقيه 3 : 99
11- اُصول علم النفس ، دكتور أحمد عزت راجح : 120 المكتب المصري الحديث ـ الاسكندرية ه 1970 م ط8
12- سورة الرعد 13 : 28
13- سورة الانعام 6 : 82
14- توحيد الصدوق : 338
15- كنز العمال 1 : 347 / خ 1564
16- الخطايا في الاِسلام ، لعفيف عبدالفتاح طبارة : 22 ـ 23 دار العلم للملايين ـ بيروت ط1
17- سورة الاعراف 7 : 23
18- سورة القصص 28 : 16
19- سورة الحديد 57 : 4
20- اُصول علم النفس ، للدكتور أحمد عزت راجح : 12
21- نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 349 / خطبة 227
22- تنبيه الخواطر ، للاَمير ورّام 2 : 230
23- سورة المنافقون 63 : 8
24- التهذيب ، للطوسي 6 : 179 . وبحار الانوار 100 : 93
25- تحف العقول : 234
26- اُصول الكافي 2 : 76 / 8
27- نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 540 / حكم 371
28- الخصال ، للصدوق : 420 / باب التسعة
29- سورة آل عمران 3 : 134
30- المحجة البيضاء 5 : 195
31- التفسير الكاشف ، للشيخ مغنية 6 : 265 دار العلم للملايين ـ بيروت 1981 م ط2
32- نهج البلاغة ، صبحي الصالح : 539 / 367 حكم
33- تنبيه الخواطر : 275 . والبحار 70 : 321 ـ 322
source : www.abna.ir