السؤال: سؤالي بالنسبة لقول الإمام جعفر الصادق : " ولدني الصدّيق مرّتين " ، هل هذا حديث صحيح ؟
وثانياً : لو كان صحيحاً فهل يعتبر فضيلة لأبي بكر ؟ ودمتم رمزاً للحقّ والعدالة ؟
الجواب : إنّ قول الإمام الصادق (عليه السلام) : " ولدني أبو بكر مرّتين " يتناقله العامّة عند ذكر فضائل أبي بكر .
والحديث ينقله صاحب كتاب " كشف الغمّة " للأربلي وهو من الإمامية إلا أنّه صرّح في مقدّمة كتابه فقال : واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ، ليكون أدعى لتقبّله بالقبول .
فنقل في كتابه " كشف الغمّة " : وقال الحافظ عبد العزيز الأخضر الجنابذي وهو من العامّة في ذكر أُمّ الإمام جعفر الصادق ... ، ولذا قال جعفر : " ولدني أبو بكر مرّتين " (1) .
ولكن عندما نقل الفضل بن روزبهان الحديث عن " كشف الغمّة " أضاف إليه الصدّيق ، فصار الحديث : " ولدني أبو بكر الصدّيق مرّتين " ، وهذا شأنهم لرفع فضائل أصحابهم .
ومع التسليم أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قاله ، فلا دلالة في كلامه هذا على الثناء
____________
1- كشف الغمّة 2: 374 .
|
الصفحة 153 |
|
والتعظيم ، بل الظاهر أنّه ذكر ذلك عند تفصيل حال الآباء والأُمّهات ، لأنّ أُمّ الإمام (عليه السلام) هي أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فيكون أبو بكر جدّاً لأُمّ فروة من جهة الأب ومن جهة الأُمّ ، فعبّر الإمام (عليه السلام) بهذا التعبير ، ولا يكون فضلاً ، لأنّ الله تعالى يقول : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } (1) .
فإنّ أبا بكر وإنّ كان ما كان فإنّه يخرجُ الخبيث من الطيّب ، ويخرج الطيّب من الخبيث ، فهذا سام بن نبيّ الله نوح (عليه السلام) ، ما ضرّ أبوه عمله ، ولا نفعه قربه من أبيه ، بل الذي ينفع هو قوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } (2) .
ثمّ إنّ نفس محمّد بن أبي بكر على طرف نقيض مع أبيه ، فهو من خلّص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقتل في سبيل الدفاع عن أمير المؤمنين ، ولعلّه يكون السبب في التناسب بين الإمام (عليه السلام) وبين أبناء محمّد بن أبي بكر .
وخلو الحديث لو سلّمنا به عن لفظة الصدّيق ، أو أيّ لفظة أُخرى سوى أبو بكر يشعر بعدم إرادة المدح .
( أحمد . البحرين . 42 سنة . طالب أكاديمي )
السؤال: هل لكم أن تذكروا الرواية التي تقول : إنّ أبا بكر لم يخرج للصلاة بأمر النبيّ ، وأنّ النبيّ لما سمع ذلك خرج وصلّى بالناس ، ونحّى أبا بكر ، وياليت أن تذكروا سندها ، ودمتم سالمين .
الجواب : ورد في كتاب " بحار الأنوار " (3) وكتب أُخرى : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم
____________
1- المدثر : 38 .
2- الحجرات : 13 .
3- بحار الأنوار 28 / 135 .
|
الصفحة 154 |
|
يأمر أبا بكر بالصلاة ، وهكذا ورد في بعض كتب أهل السنّة ، مثل " شرح نهج البلاغة " (1) .
ودعوى أنّ ذلك كان بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعوى باطلة من وجوه :
الأوّل : إنّ الاتفاق واقع على أنّ الأمر الذي خرج إلى بلال قل لأبي بكر يصلّي بالناس ، أو قل للناس : صلّوا خلف أبي بكر كان بواسطة بينهما ، لأنّ بلالاً لم يحصل له الإذن في ذلك الوقت بالدخول على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وهو على الحالة التي كان عليها من شدّة المرض ، وإذا كان بواسطة احتمل كذب الواسطة ، لأنّ الواسطة غير معصوم عن الكذب ، والخبر المحتمل الكذب لا يكون حجّة ، لجواز أن يكون بغير أمر النبيّ ولا علمه كما تذهب إليه ، ويدلّ عليه خروج النبيّ في الحال لمّا علم ، وعزله أبا بكر وتوليه الصلاة بنفسه .
الثاني : إنّه لو كان بأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) لكان خروج النبيّ مع ضعفه بالمرض وتنحيته أبا بكر عن المحراب ، وتوليه الصلاة بنفسه بعد صدور أمره بتقديمه ، مناقضة صريحة لا تليق بشأن من لا ينطق عن الهوى ، لأنّ الاتفاق واقع على أنّ أبا بكر لم يتمّ الصلاة بالناس ، وقد رواه أهل السنّة في كثير من مصنّفاتهم .
الثالث : لو سلّمنا جميع ذلك ، يعني أنّ الأمر من الرسول مشافهة ، وأنّه يدلّ على الإمامة ، لكان خروج النبيّ في مرضه وعزله له مبطل لتلك الإمامة ، لأنّه نسخها بنفسه ، فكيف يكون ما نسخه النبيّ بنفسه حجّة على ثبوته ؟!
ثمّ إنّ عزل النبيّ له بعد تقديمه إنّما كان لإظهار نقصه عند الأُمّة ، وعدم صلاحيته للتقديم في شيء أصلاً ، فإنّ من لا يصلح أن يكون إماماً للصلاة ، كيف يصلح أن يكون إماماً عامّاً ، ورئيساً مطلقاً مطاعاً لجميع الخلق ؟!
وإنّما كان قصده (صلى الله عليه وآله) إن كان الأمر صدر منه أن يظهر نقصه ، وأنّه غير صالح للتقديم للناس ليكون ذلك حجّة عليهم ، ولئلا يكون لهم عذر غداً
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 / 197 .
|
الصفحة 155 |
|
عند الله بجهلهم حال هذا الرجل ، وما أشبه هذه القصّة بإعطاء سورة براءة وعزله عنها ، وإنفاذه بالراية يوم خيبر ، فإنّ ذلك كلّه كان لإظهار نقصه ، وبيان أنّه لا يصلح لشيء من الأشياء ، ولا لأمر من الأُمور البتة ، وأراد الله ورسوله إظهار نقصه للناس ليعرفوه فلا يغتروا به ، وإلاّ فكيف يأمره بتبليغ آيات من القرآن ، ثمّ يعزله عنها ؟ أتظنّ أنّ ذلك كان تشهّياً من رسول الله ؟ كلاّ فما كان أمره وعزله إلاّ بوحي من ربّه ، لا ينطق عن الهوى .
والعجب ، كيف يستدلّون على إمامته بالصلاة التي عزل عنها ، ولم يتمّها بالإجماع ، ولا يستدلّون على إمامة علي (عليه السلام) باستخلاف النبيّ له على المدينة يوم غزوة تبوك ، المتّفق على نقله عنه ، وحصوله منه (صلى الله عليه وآله) لعلي ، وعدم عزله عنها بالاتفاق ؟!
( يونس مطر سلمان . البحرين . 17 سنة . طالب ثانوية )
السؤال: قال الله تعالى في كتابه العزيز : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... } ، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : " ولدني أبو بكر مرّتين ... " وهذا حديث صحيح ، والكلّ يعرف أنّ هذه الآية نزلت في حقّ أهل البيت والأئمّة من ذرّيتهم .
ولو رجعنا للإمام جعفر الصادق نرى أنّ أُمّه تنتسب إلى أبي بكر ، معنى ذلك أنّ أبا بكر ذرّية بعضها من بعض، ونور على نور، ما هو تفسيركم لهذا ؟! أرجو الردّ مشكورين ، ودمتم موفّقين في رعاية الله .
الجواب : قال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } (1) .
إنّ الكلام في هذه الآية على من اصطفاه الله من الرسل والأنبياء والأوصياء على بقية الخلق { الْعَالَمِينَ } ، وأنّ من اصطفاهم { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا
____________
1- آل عمران : 33 ــ 34 .
|
الصفحة 156 |
|
مِن بَعْضٍ } ، فلا يزال في الناس من آل إبراهيم مصطفى مادام هناك من يحتاج إلى إمام وحجّة على الأرض ، وقلنا : إنّ هذا المصطفى من آل إبراهيم لقوله تعالى : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } ، وقد ثبت في موضعه بما لا يقبل الشكّ أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلي وأولاده المعصومين (عليهم السلام) هم المصطفون من آل إبراهيم .
فبعد إبراهيم أصطفى إسماعيل وهكذا ، حتّى وصلت إلى هاشم وعبد المطّلب ، ثمّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ بقية الأئمّة (عليهم السلام) ، فكلّهم { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } .
ثمّ ليس كلّ ذرّية الأنبياء مصطفون ، وإنّما يصطفي الله من اختاره منهم خاصّة .
ولا يمكن أن يكون أبو بكر من المصطفين ، فإنّه وأباه كانا مشركين ، ولأنّه سيكون من بطن دون بطنهم جميعاً ، فلا تصدق فيه { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } إذ لا يصدق بين أبي بكر والنبيّ (صلى الله عليه وآله) مثلاً ذرّية بعضها من بعض ، ولاحظ قوله :{ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } أي بعض الذرّية وهي المصطفاة من بعض الآباء وهم من اصطفي من الأنبياء والرسل والأوصياء السابقين .
فإنّ الوصاية والعلم وميراث النبوّة كان ينتقل في بيوت الأنبياء ، من بيت إلى بيت في ذرّيتهم ، ليس كلّ ذرّيتهم ، وإنّما البيوت المصطفاة ، قال الله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ ... } (1) ، وهي بيوت الأنبياء والرسل والأوصياء .
فإبراهيم (عليه السلام) هو أصل الشجرة الواردة في القرآن ، وقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّها هو وأهل بيته { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء } (2) .
وإلاّ إذا ادعى مدّع أنّ { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } تشمل كلّ ذرّية الأنبياء
____________
1- النور : 36 .
2- النور : 35 .
|
الصفحة 157 |
|
، فالبشر كلّهم ولد آدم ، وهو من المصطفين ، فهل البشر كلّهم مصطفون ؟ وأيّ اختصاص إذاً لآل إبراهيم وآل عمران ؟!
ثمّ هل تقول : أنّ أُمّهات الإمام الصادق (عليه السلام) كن من الرسل أو الأنبياء أو الأوصياء ؟!
ثمّ إنّ التوالد في الذرّية بلحاظ انتقال النطفة من الأصلاب والأرحام ، وهو لا يشمل نسب الأُمّ ، لأنّ قبل الرحم كان في صلب الأب ورحم أُمّ الأب ، وقبله في صلب أب الأب وهكذا ، بنحو دوري لا بنحو مستقيم ممتد في جانب الأُمّهات .
( أبو فاطمة ... ... )