رغم أنّ مصطلح «الحرية» دخل حيّز التداول الواسع في القرون الأخيرة، إلّا أنها كنزوع إنساني ليست كذلك. فالحرية ترافقت مع الإنسان دائماً واحتلت في تكوينه الفكري بعداً عميقاً وهي بعد ذلك من أمنياته التي يتطلع إليها أبداً.
إنّ علاقة الإنسان بالحرية لها - كسائر علاقاته الأخرى - جذر تكويني في وجوده، إذ يعود منشوها إلى «إرادة» الإنسان نفسه. فالإنسان إذا أدرك شيئاً بحيث تعلّقت به إرادته، فسيميل إلى أن يكون حراً فيما تعلقت به إرادته بحيث يقدم على تنفيذه من دون أن يرغب أن تكون ثمة قيود وموانع في طريقه.
وطالما كانت إرادة الإنسان ليست شيئاً مفصولاً عنه، وإنما ترافقه دائماً، لذا فإنّ علاقته بالحرية وميله إليها هي نزوع ثابت لا ينفكّ عنه مطلقاً.
بيد أنّ الذي يحصل حين يريد أن يعيش الإنسان في إطار الجماعة، أن يتخلّى عن بعض جوانب الحرية وآفاقها. فالإنسان بحكم كونه موجوداً اجتماعياً، ونظراً لما تمليه عليه الفطرة والغريزة من بواعث للاشتراك مع الآخرين في حل المشكلات الأساسية بحيث تقوم الحياة على أسس التعاون الجماعي، يتقدم نحو إرساء معالم الحياة المدنية التي تقضي وجود قوانين وضوابط تحدّ عادة من الإرادة الفردية المطلقة.
فلو أراد جميع أفراد البشر أن يكونوا أحراراً بالمطلق بحيث لا تخضع إرادتهم الفردية لأيّ نوع من الضوابط والقوانين، فإنّ حصيلة ذلك ستفضي إلى انهيار الحياة الجماعية وتمزّق النسيج الاجتماعي في فترة قصيرة.
من هنا لا مفرّ للإنسان من أن يقبل القيود على إرادته وحريته المطلقة.
وهذا ما نلمسه عملياً حيث لا مكان للحرية المطلقة في أي مجتمع من مجتمعات الدنيا، للتعارض البيّن بينهما (بين الكيان الاجتماعي للإنسان وحريته المطلقة) وبهذا فمتى ما دار الحديث عن الحرية فإنما يقصد بها الحرية النسبية في حدود ما تختلف به بين هذا المجتمع أو ذاك.
المصدر: رسالة الإسلام والحرية - العلامه الطباطبائي
source : www.tebyan.net