السؤال: يقول المعصوم (عليه السلام) : " لولا الحجّة لساخت الأرض " ، ومن المعلوم أنّ الحجّة في يومنا هذا هو الإمام المهدي (عليه السلام) ، فمن هو الحجّة في الفترة التي قبل أن يكون النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) حجّة ؟
الجواب : قد جاء في رواياتنا ، أنّ الحجّة قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو أبو طالب (رضي الله عنه) .
قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) : " وقد أجمعت الشيعة على إسلامه ، وأنّه قد آمن بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) في أوّل الأمر ، ولم يعبد صنماً قط ، بل كان من أوصياء إبراهيم (عليه السلام) ... " (1) .
ولكنّه كان يعمل بالتقية ، أي لم يظهر أنّه حجّة ، وإلاّ لقتل كأهل الكهف .
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : " إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الكفر ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبا طالب أسرّ الإيمان ، وأظهر الشرك ، فآتاه الله أجره مرّتين " (2) .
____________
1- بحار الأنوار 35 / 138 .
2- شرح نهج البلاغة 14 / 70 .
|
الصفحة 200 |
|
( إبراهيم عبد الله . السعودية ... )
آية عدم الاستغفار للمشركين لم تنزل في حقّه :
السؤال: هل صحيح أنّ آية : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } نزلت في أبي طالب ؟
الجواب : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) ، فوضع في حقّ الإمام علي (عليه السلام) وأبيه أبي طالب (عليه السلام) الأراجيف والتهم انتقاماً منهما .
ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالب (عليه السلام) مات مشركاً ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في " صحيح البخاري " عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلاّ الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ... } (1) .
وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة .
والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية .
أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن
____________
1- صحيح البخاري 4 / 247 ، التوبة : 113 .
|
الصفحة 201 |
|
القادحين فيه ابن أبي الحديد في " نهج البلاغة " (1) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن علي (عليه السلام) ، وأنّ في قلبه شيئاً منه .
إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح علي (عليه السلام) من شخص متهم عليه ؟
وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : " من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب " (2) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالب (عليه السلام) .
وأمّا الآية ففيها :
1-تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام .
فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسول (صلى الله عليه وآله) لعمّه وهو كذلك ولم ينقطع إلاّ عند نزول هذه الآية : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ... } .
وهنا نتساءل : كيف جاز للرسول (صلى الله عليه وآله) أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية ؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله : { لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ } (3) فهل يجوز للرسول (صلى الله عليه وآله) أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين ؟
2-هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية .
____________
1- شرح نهج البلاغة 4 / 101 .
2- تاريخ مدينة دمشق 59 / 207 .
3- المجادلة : 22 ، وقوله في سورة النساء : 139 و 144 ، وآل عمران : 28 ، والمنافقون : 6 ، وغيرها .
|
الصفحة 202 |
|
على سبيل المثال :
أ عن الإمام علي (عليه السلام) قال : " سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فنزلت الآية المذكورة " (1) .
ب وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم ؟ فنزلت (2) .
3-اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار .
إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ .
4-لو سلّّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك .
والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالب (عليه السلام) ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً .
____________
1- الغدير 8 / 12 ، مسند أحمد 1 / 99 و 131 ، الجامع الكبير 4 / 344 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 335 ، فتح الباري 8 / 391 ، مسند أبي يعلى 1 / 458 ، كنز العمّال 2 / 421 ، جامع البيان 11 / 60 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 407 ، الدرّ المنثور 3 / 282 ، فتح القدير 2 / 411 .
2- فتح الباري 8 / 391 ، جامع البيان 11 / 57 ، زاد المسير 3 / 345 ، أسباب نزول الآيات : 178 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 329 .
|
الصفحة 203 |
|
( بدر . عمان )
الأدلّة على إيمانه من كتب الفريقين :
السؤال: ما الأدلّة على إسلام أبي طالب ؟
الجواب : فقد أجمع علماء الشيعة على إسلام أبي طالب (عليه السلام) تبعاً لأئمّتهم (عليهم السلام) .
والأحاديث الدالّة على إيمانه والواردة عن أهل بيت العصمة كثيرة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة ، وكان من الكتب الأخيرة : " منية الراغب في إيمان أبي طالب " للشيخ الطبسي .
وقد أُلّف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب ، من السنّة والشيعة على حدّ سواء ، وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : " أبو طالب مؤمن قريش " للأُستاذ عبد الله الخنيزي .
هذا عدا البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخصّ بالذكر هنا ما جاء في كتاب " الغدير " للعلاّمة الأميني (قدس سره) في الجزء السابع والثامن منه .
وقد نقل العلاّمة الأميني عن جماعة من أهل السنّة : أنّهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في " أسنى المطالب " ، والاجهوري ، والاسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : " شهاب الأخبار " ، والتلمساني في " حاشية الشفاء " ، والشعراني ، وسبط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم .
بل لقد حكم عدد منهم كابن وحشي ، والاجهوري ، والتلمساني بأنّ من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر (1) .
بعض الأدلّة على إيمان أبي طالب :
1- ما روي عن الأئمّة (عليهم السلام) والنبيّ (صلى الله عليه وآله) ممّا يدلّ على إيمانه ، وهم أعرف بأمر كهذا من كلّ أحد .
____________
1- أُنظر : الغدير 7 / 381 .
|
الصفحة 204 |
|