بزغت شمس الإسلام وكانت المتعة أمراً رائجاً بين الناس غير انّ الإسلام حدَّ لها حدوداً و جعل لها شروطاً كما مرّ، ويكفيك في ذلك دراسة تاريخها وذلك بملاحظة ما يلي:
1. ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت متعة النساء في أوّل الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه، فيتزوج المرأةَ إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته، فتنظر له متاعه وتصلح له ضيعته.
2. أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام... فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه وتصلح له شأنه.(1)
3. أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وليس معنا نساؤنا فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد اللّه (يا أَيُّها الّذينَ آمَنُوا لاتُحرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُم)(2)
4. أخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم عن سبرة الجهني قال: أذن لنا رسول اللّه عام فتح مكة في متعة النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو قريب من الدمامة....(3)
6. أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد اللّه وسلمة بن الأكوع، قال: كنّا في جيش فأتانا رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: إنّه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا.
7. أخرج مسلم في صحيحه بسنده: خرج علينا منادي رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فقال: إنّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء.
8. أخرج مسلم في صحيحه أيضاً بسنده عن سلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد اللّه انّ رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أتانا فأذن لنا في المتعة.(4)
والأحاديث الأخيرة ـ بشهادة ما تقدّمها ـ تكشف عن كون الاستمتاع بالمرأة في ظروف خاصة لغايات عقلائية كان أمراً معروفاً، والنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ أرشد بإذنه إليه لا انّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ابتكره.
فإذا كان مثل هذا الزواج أمراً رائجاً بين الناس في عصر الرسالة فلا منتدح للشارع عن التعرض له من خلال الإمضاء أو الرد ولا يصحّ غض النظر عنه، بعد عدم كونها من قبيل السفاح، وإلاّ فمن المستحيل أن يحلله النبي ولو في فترة خاصة (قُل إِنَّ اللّهَ لا يأمُرُ بِالفَحشاءِ أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُون).(5)
الزواج المؤقت في الذكر الحكيم
قد سبق انّ المتعة كانت أمراً رائجاً بين الناس وانّه لا محيص للشارع من بيان حكمها إمضاءً أو ردّاً، و من حسن الحظ انّ الذكر الحكيم حسب نظر مشاهير المفسرين تعرض لها بالإمضاء(وإن ادّعى بعضهم كونها منسوخة) وذلك في قوله سبحانه:
1. (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأخَواتُكُمْ) ـ إلى أن قال سبحانه: (وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحيماً).(6)
2. (وَالْمُحْصناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنينَ غَيْرَ مُسافِحينَ فَما اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَريضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).(7)
3. (وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِن ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِنات).(8)
تفسير الآيات الثلاث
هذه الآيات الثلاث تحدد ما هو الحرام والحلال في أمر النساء.
أمّا الآية الأُولى وشيء من صدر الآية الثانية يُبيِّن ما هو الحرام من نكاح النساء و هو عبارة عن:
1. الأُمّهات، 2. البنات، 3. الأخوات، 4. العمّات، 5. الخالات، 6. بنات الأخ، 7. بنات الأُخت، 8. الأُمّهات المرضعة، 9. الأخوات من الرضاعة، 10. أُمّهات النساء، 11. الربائب التي دُخل بأُمّهاتهن، 12. حلائل الأبناء، 13. الجمع بين الأُختين، 14. النساء المتزوجات، وقد أشار إلى الأخير في أوائل الآية الثانية وقال: (وَالْمُحْصناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) والمحصنات جمع المحصنة وهي المتزوجة فهي محرمة لمكان زوجها إلاّ صورة واحدة أخرجت بقوله: ( إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ).
و أمّا ما هو المراد من هذا الاستثناء ففيه خلاف بين المفسرين فليرجع إلى محله.
إلى هنا تمّ بيان ما هو الحرام من نكاح النساء و قد أنهاها التشريع القرآني إلى 14، وبه تمّ تفسير الآية الأُولى وجزء من الآية الثانية التي عطف فيها «المحصنات» ذوات الأزواج إلى المحرمات.
وأمّا بقية الآية فقد ابتدأ بقوله:(وَأحلّ لكم ما وراء ذلكم ان تَبْتَغُوا بأَمولكم مُحصنين غير مُسافِحين فَما استمتَعْتُم بِهِ مِنهُنَّ فَ آتُوهُنَّ أُجورهنّ فَريضةً وَلا جُناح عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الفَريضة).
فلنأخذ بتفسيرها ضمن مقاطع:
1. (واحل لَكُمْ ما وَراء ذَلكُم): المرادمن الموصول هو النساء غير المذكورات ولا غرو في استعمال ما مكان «من» كما في قوله سبحانه: (فَانكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثنى و ثُلاث وَرُبَاع).(9)
قوله ذلكم مركّب من (ذا) و (كم) و الأوّل للإشارة إلى ما سبق و الثاني خطاب للمؤمنين كافة، والمراد أحل لكم ما وراء المذكورات من النساء أيّها المؤمنون. و أمّا ما هو الوجه في استعمال «ذا» مكان «ذي» فليطلب من محلّه.
2. (إِن تَبتَغُوا بأَموالِكُم ) هو بدل البعض من الكل أو عطف بيان من قوله (ما وراء ذلكُم) وقد حذف مفعوله، ولعله نكاح النساء: أي تبتغوا بأموالكم نكاح النساء. وعلى أي تقدير فالجملة تبين الطريق المشروع في نكاح النساء غير المذكورات وانّه يجوز لكم نكاح النساء بصرف المال. و مصاديقه في بادي النظر تنحصر في ثلاثة:
أ. النكاح بأُجرة.
ب. نكاح الأمة.
ج. السفاح و هو الزنا.
3. (محصنين غير مسافحين): أي أن تطلبوا بأموالكم نكاح النساء في حال انّكم تريدون العفة لا السفاح والزنا ومعنى الجملة: متعفّفين، لا زانين وبذلك حرم القسم الثالث، وانّه ليس للمسلم أن يبتغي بأمواله مباشرة النساء عن طريق السفاح والزنا.
وتنحصر الحلية في القسمين الآخرين وهو نكاح الحرة ونكاح الأمة.
4. (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهُن أُجورهن فريضة): وهذا المقطع يشير إلى نكاح الحرة كما أنّ الآية الثالثة تشير إلى نكاح الإماء(أي قوله سبحانه: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطع منكم أنْ يَنكح المحصنات...). وبما انّ نكاح الأُمّة خارج عن محط البحث لا نذكر فيه شيئاً، فالمهم هو تفسير ما يرجع إلى نكاح الحرائر الوارد في قوله سبحانه:(فما استمتعتم به منهنّ فآتوهُن أُجورهن ) وهذا المقطع من الآية هو بيت القصيد في المقام من دون فرق بين كون (ما) «فيما استمتعتم» شـرطيـة أو موصولـه عائدها هـو الضمير في لفظة «بـه» وعندئـذ يقـع الكلام في أنّ المراد منه هو النكاح الدائم أو النكاح المؤقت، والإمعان في القرائن الخارجية والقرائن المحتفة بالآية يعين الثاني ولا يبقى مجال لإرادة المعنى الأوّل وإليك القرائن المعينة للمقصود.
القرينة الأُولى: الاستمتاع هو عقد المتعة
إنّ لفظ الاستمتاع ـ يوم نزول الآيةـ كان منصرفاً إلى عقد المتعة والزواج المؤقت على النحو الذي مرّ في أوّل البحث لا التلذذ والجماع وإن كان يطلق عليه أيضاً كقوله سبحانه: (رَبّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْض)(10) ويرشدك إلى ما ذكرناه أمران:
1. تعابير الصحابة حيث يعبرون عن نكاح المتعة بلفظة «الاستمتاع».
أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول اللّه و أبي بكر حتّى ـ ثمة ـ نهى عنه عمر.(11)
أخرج مالك عن عروة بن الزبير انّ خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إنّ ربيعة بن أُمية استمتع بامرأة مولّدة فحملت منه، فخرج عمر يجرّ رداءه فزعاً، فقال: هذه المتعة لو كنت تقدمت فيه لرجمته.(12)
إلى غير ذلك من الروايات والآثار التي ورد فيها الاستمتاع بصورها المختلفة وأريد به نكاح المتعة والعقد على امرأة بأجل مسمّى وأُجرة مسمّاة.
2. انّ المراد من الاستمتاع في الآية هو العقد لا الاستمتاع بمعنى الانتفاع والتلذذ، بشهادة ترتب دفع الأُجرة على الاستمتاع ترتّبَ الجزاء على الشرط ويقول (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أُجورهن) فلو أُريد من الاستمتاع هو العقد لصحّ الترتب، لأنّ المهر كلّه يجب بمجرد العقد غاية الأمر يسقط النصف بالطلاق قبل الدخول في العقد الدائم و بانقضاء المدة قبله في المؤقت.
وأمّا لو أُريد من الاستمتاع هو التلذذ والانتفاع فلا يصحّ الترتب، لأنّ الأُجرة تلزم على الزوج قبل الاستمتاع، فالزوج يكون مكلّفاً بدفع المهر كلّه. سواء أكان هناك تلذذ أو لا، كلّ ذلك يؤيد على أنّ المراد من الاستمتاع هو العقد.
قال الطبرسي:إنّ لفظ الاستمتاع ، و التمتع وإن كان في الأصل واقعاً على الانتفاع والالتذاذ، فقد صار بعرف الشرع مخصوصاً بهذا العقد المعيّن، لا سيما إذا أضيف إلى النساء. فعلى هذا يكون معناه فمتى عقّدتم عليهن هذا العقد المسمّى متعة فآتوهن أجورهن.
ويدلّ على ذلك انّ اللّه علّق وجوب عطاء المهر بالاستمتاع وذلك يقتضي أن يكون معناه، هذا العقد المخصوص دون الجماع والاستلذاذ، لأنّ المهر لا يجب إلاّ بالعقد.(13)
ولعلّ الزمخشري وقف على أنّ وجوب المهر لا يتوقف على الاستمتاع، عطف العقد على الجماع، و قال «فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن».(14)
القرينة الثانية: الحمل على المتعة يستلزم التكرار يجب علينا إمعان النظر فيما تهدف إليه جملة: (فما استمتعتم به منهنّ فآتُوهنّ أُجورهنّ)، هنا احتمالات:
أ. تحليل النكاح الدائم.
ب. التأكيد على دفع المهر بعد الاستمتاع.
ج. نكاح المتعة.
أمّا الأوّل فالحمل عليه يوجب التكرار بلا وجه، لأنّه سبحانه بيّن حكمه في الآية الثالثة من تلك السورة، قال سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا في اليَتامى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثنَى وثُلاثَ ورُباعَ فإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدة).(15)
وأمّا الثاني فمثل الأوّل فقد بيّنه في الآية الرابعة من هذه السورة وقال: (وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)(16) بل بينه في آيتين أُخريين أعني قوله: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتتَيْتُمُوهُنّ).(17)
وقال سبحانه: (وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبدالَ زَوج مَكان زَوج وَآتَيْتُمْ إِحداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئاً أَتأْخُذُونَهُ بُهتاناً وَإِثماً مُبِيناً).(18)
فلم يبق من الوجوه المحتملة التي تهدف إليها الجملة إلاّ نكاح المتعة .
القرينة الثالثة: الجملتان المتقدّمتان
إنّ في الجملتين المتقدّمتين على قوله: (فما استمتعتم به...) أعني:
1. (إِن تبتغوا بأموالكم).
2. (محصنين غير مسافحين).
إشارة إلى الزواج المؤقت وانّ المراد من الاستمتاع هو نكاح المتعة والعقد على المتمتع بها.
أمّا الجملة الأُولى فتدلّ على أنّها بصدد بيان النكاح الذي يُبتغى بالأموال على نحو يكون فيه للمال (الصداق) دور كبير، بحيث لولاه لبطل، وليس هو إلاّ نكاح المتعة الذي عرف بقوله: «أجل مسمّى وأجر مسمّى» فالأجر في نكاح المتعة ركن ولولاه لبطل بخلاف النكاح الدائم إذ لا يجب فيه ذكره، يقول سبحانه: (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَريضَةً)(19) ولذلك قالوا يُستحبّ أن لا يعرى النكاح عن تسمية الصداق، لأنّ النبي كان يزوّج بناته وغيرهن ويتزوج فلم يكن يخلي ذلك من صداق.(20)
أمّا الجملة الثانية فاللّه سبحانه يؤكد قبل الأمر بعقد الاستمتاع على كون الزوجين ـ محصنين غير مسافحين ـ بأن يكون اللقاء بنيّة التعفّف لا الزنا وبما انّ عقد المتعة ربما ينحرف عن مجراه ومسيره الصحيح فيتخذ لنفسه لون السفاح لا الزواج، أمر سبحانه بأن يكون الهدف هو الزواج لا السفاح.
وبما انّ نكاح الإماء أيضاً مظنة لذلك الأمر إذ الغالب على الإماء هو روح الابتذال، قيّد سبحانه نكاح الإماء في الآية الثالثة بقوله: (مُحصَنات غَيْرَ مُسَافِحات وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدَان).(21)
فافتتاح الكلام بجملتين حاملتين مفهوم المتعة قرينة على أنّ المراد من قوله: (فَما استمتعتم) عقد النكاح كما أنّ هاتين الجملتين بما انّهما يحملان مفهوم نكاح المتعة سوّغ دخول الفاء على قوله: (فما استمتعتم به منهن)لأنّ فاء التفريع لا يستعمل إلاّ إذا سبق الكلام فيه ولو إجمالاً.
القرينة الرابعة: تفسيره في لسان الصحابة بنكاح المتعة
إنّ لفيفاً من الصحابة والتابعين فسروا قوله: (فما استمتعتم به منهن) بنكاح المتعة نذكر منهم ما يلي:
1. أخرج الحاكم وصحّحه من طرق عن أبي نضرة قال ابن عباس«فما استمتعتم به منهنّ» «إلى أجل مسمّى» فقلت ما نقرأها كذلك، فقال ابن عباس: واللّه لأنزلها اللّه كذلك.
2. أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة في قراءة أُبيّ بن كعب«فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى».
3. أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير، قال: في قراءة أُبيّ بن كعب «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى».(22)
وظهور هذه الروايات في كون قوله «إلى أجل مسمّى» جزءاً من الآية محمول على تأويل الآية وتحقيق معناها. وإلاّ فالقرآن مصون من التحريف والنقص والزيادة.
4. أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن مجاهد فما استمتعتم به منهن، قال: يعني نكاح المتعة. (23)
5. أخرج الطبري عن السدي قال: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أُجورهن فريضة قال: فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ويشهد شاهدين وينكح بإذن وليها وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برية وعليها أن تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث ليس يرث واحد منهما صاحبه.(24)
6. أخرج الإمام أحمد باسناد رجاله كلّهم ثقات عن عمران بن الحصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه وعملنا بها مع رسول اللّه فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتّى مات.(25)
7. أخرج الطبري في تفسيره باسناد صحيح عن شعبة عن الحكم قال: سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ قال: لا.(26)
8. أخرج البيهقي عن أبي نضرة عن جابر قال: قلت: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة وانّ ابن عباس يأمر بها، قال: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ومع أبي بكر فلمّا ولي عمر خطب الناس: إنّ رسول اللّه هذا الرسول، و إنّ
القرآن هذا القرآن، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، والأُخرى متعة الحجّ.(27)
إلى غير ذلك من الروايات الواردة حول تفسير الآية الحاكية عن استمرار الحلية أو منسوخيتها فانّ النسخ فرع القول بدلالتها على نزولها في نكاح المتعة من الصحابة والتابعين وفي مقدمهم الإمام أمير المؤمنين و أهل بيته فقد فسروا الآية بنكاح المتعة.
القرينة الخامسة: اتّفاق أئمّة أهل البيتعليهم السَّلام على نزول الآية في المتعة
اتّفق أئمّة أهل البيتعليهم السَّلام على نزول الآية في نكاح المتعة، والروايات عنهم متضافرة أو متواترة نكتفي بالقليل من الكثير.
1. أخرج الكليني عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عن المتعة فقال: نزلت في القرآن (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أُجورهن فريضة).
2. أخرج الكليني عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد اللّه عن المتعة، فقال : «عن أي المتعتين تسأل؟» فقال: سألتك عن متعة الحجّ فأنبئني عن متعة النساء أحق هي؟ فقال:«سبحان اللّه أما تقرأ كتاب اللّه (فما استمتعتم به منهن فاتوهن أُجورهن فريضة) فقال أبو حنيفة: واللّه كأنّها آية لم أقرأها قط.(28)
القرينة السادسة: تصريح الصحابة بالحلّية
لا شكّ انّ من سبر تاريخ المسألة في عصر ظهر الاختلاف في استمرار الحلية وعدمها، يقف على أنّ الصحابة قالوا بحلية المتعة سواء أقالوا ببقائها واستمرارها أم ذهبوا إلى منسوخيتها و كان أفضل مصدر لقولهم، هو نفس الآية مضافاً إلى تقرير النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ، وقد عرفت فيما سبق أسماء لفيف من الصحابة فسروا الآية بنكاح المتعة، ونأتي الآن بأسماء من قالوا بحلية المتعة وإن لم يصرحوا بمصدر فتواهم. وقد ذكرهم ابن حزم في «المحلّى».
قال:ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل وكان حلالاً على عهد رسول اللّه ثمّ نسخها اللّه تعالى على لسان رسوله نسخاً باتاً إلى يوم القيامة وقد ثبت على تحليلها بعد رسول اللّه جماعة من السلف رضي اللّه عنهم، منهم من الصحابة رضي اللّه عنهم: أسماء بنت أبي بكر الصديق، و جابر بن عبد اللّه، و ابن مسعود، وابن عباس، و معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث ، و أبو سعيد الخدري، و سلمة، و معبد أبناء أُمية بن خلف، و رواه جابر بن عبد اللّه عن جميع الصحابة مدة رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ و مدة أبي بكر و عمر إلى قرب آخر خلافة عمر، واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف وعن عمر بن الخطاب انّه إنّما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط و أباحها بشهادة عدلين.
ومن التابعين: طاووس و عطاء و سعيد بن جبير و سائر فقهاء مكة.(29)
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد اللّه، فقال: على يديَ دار الحديثُ تمتعنا مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلما قام عمر، قال: إنّ اللّه كان يُحل لرسوله ما شاء بما شاء و انّ القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحجّ والعمرة للّه كما أمركم اللّه وأبتُّوا نكاح هذه النساء فلئن أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(30)
فبالتمسك بقوله سبحانه: (فأتموا الحجّ والعمرة للّه)حرّم فصل العمرة عن الحجّ بالتحليل بينهما. وبالتالي أنكر حجّ التمتع.
وبقوله: «ابتُّوا نكاح هذه النساء» أنكر نكاح المتعة.
المصادر :
1- الدر المنثور:2/139ـ 140
2- المائدة:87./ صحيح البخاري:7/4
3- الدر المنثور:2/140.
4- صحيح مسلم:4/130ـ131، باب نكاح المتعة.
5- الأعراف:28.
6- النساء:23.
7- النساء:24.
8- النساء:25.
9- النساء:3.
10- الأنعام:128.
11- صحيح مسلم:4/131، باب نكاح المتعة من كتاب النكاح.
12- الموطأ:2/30; سنن البيهقي:7/206.
13- مجمع البيان:2/32، ط صيدا.
14- الكشاف:1/391، في تفسير الآية.
15- النساء:3.
16- النساء:4.
17- النساء:19.
18- النساء:20.
19- البقرة:236 .
20- المغني:7/136.
21- النساء:25.
22- الدر المنثور:2/484ـ 488.
23- انظر الدر المنثور:2/484ـ 488/ تفسير الطبري:5/8ـ10.
24- تفسير الطبري:5/8ـ10.
25- مسند أحمد:4/446.
26- تفسير الطبري:5/9.
27- سنن البيهقي:7/206.
28- الكافي:5/448ـ449، أبواب المتعة، الحديث1و6.
29- المحلى:9/519ـ520.
30- صحيح مسلم:4/38، باب في المتعة بالحجّ والعمرة من كتاب الحجّ.
source : .www.rasekhoon.net