لما كانت التربية معنية في الأساس بالإنسان كأهم ركائز المجتمع، لذلك كان لا بد لها أن تهتم بالمسرح، وتستخدمه كوسيلة تربوية تعليمية، إن وسائل التربية تجدد باستمرار بما لا يتعارض مع قيمنا الإسلامية، وتراثنا المجيد، ولهذا كان لزاماً علنيا إستخدام المسرح لحماية أبنائنا من الغزو الثقافي، والمسرح المدرسي أصبح إحدى الدعامات التربوية الحديثة لما يتيحه للتلميذ من الفرص الثمينة، للتعبير عن النفس، واكتساب الخبرات والمهارات اللغوية والإجتماعية، في جو تسوده روح التعاون والالفة والمحبة، ومن أهداف المسرح المدرسي:
1- ترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة.
2- تعويد التلاميذ على العمل التعاوني الجماعي، وتدريبهم على مواجهة الجمهور، واكتساب الثقة بالنفس.
3- التعرف على الحياة، والطبائع البشرية، بما يؤهله لحياة أكثر نضجاً وخصوبة.
4- تبسيط المادة العلمية، وتحويل جفافها إلى خبرات ذات معنى يمكن استيعابها وتذوقها، أي أن المسرح يعتبر طريقة من طرق التدريس.
5- إضفاء جو من المرح والسرور على الحياة الرتيبة.
6- معالجة بعض الإضطرابات النفسية لدى التلاميذ مثل: ـ الإنطواء والخجل ـ التردد ـ بعض العيوب الخلقية كعيوب النطق وأمراض الكلام.
7- تربية التعبير الحركي (كالمشي والجلوس وغيره)، والتعبير العاطفي بما يكفل الإستقرار النفسي.
8- توعية الطفل ذاتياً واجتماعياً، وإذكاء روح العمل والأمل في نفسه.
والمسرحية المدرسية هي إحدى الأسس لتربية التلميذ في جميع مراحل حياته، إبتداء من سن أربع سنوات، وحتى بلوغه طور الرجولة والإعتماد على النفس، وواجبنا أن نجعل لهذه المراحل خطاً واحداً، وبناء متكامل التكوين، مع ملاحظة ما يطرأ من تغييرات في عالمه المليء بالأحداث، وعلى ضوء ذلك يمكن تقسيم المسرحيات المدرسية حسب المراحل التعليمية.
ففي مراحل رياض الأطفال نهتم بالآتي:
1- المسرحية الحركية المنطوقة.
2- المسرحية الأخلاقية.
3- المسرحية الرمزية أي التي ترمز إلى معنى معين وفي المرحلة الإبتدائية: المسرحية السلوكية والأخلاقية. المسرحية البيئية المنطوقة. المسرحية التعليمية (التي تعبر عن المواد العلمية)
4- المسرحية الترفيهية.
5- مسرحية المناسبات (كالهجرة ـ عيد النصر... ألخ)
وفي المرحلة الإعدادية:
1- المسرحيات التاريخية
2- المسرحيات الإجتماعية
3- المسرحيات العلمية
4- ـ المسرحيات الترفيهية.
هذا، ومن البديهي أن يراعى في كل مرحلة، مناسبة النص لغوياً، وتحديد الهدف بصورة واضحة، وإدراك الأبعاد الفكرية والنفسية للأثر الفني بصفة عامة.
ونقصد (بالمسرحية الحركية المنطوقة) أن يكون الموضوع عبارة عن معلومات عامة صغيرة للمشاهدات التي يستقبلها الأطفال، وبحوث عن معرفتها، ففي رياض الأطفال يمكن أن نقدم ـ مثلاً ـ مشهداً لعملية حرث الأرض، والاطفال هم الذين يمثلون الزرَّاع، ثم تتم عملية بذر البذور، على أن تكون الحركات مصحوبة بالإيقاع الموسيقي المعبر، مع النطق ببعض الكلمات البسيطة التي تعرف المتفرج بشخصية الدور الذي يؤديه الأطفال، وهنا من الممكن ان يدور حوار قصير بين الأطفال عن فوائد الشجرة من ثمار وتجميل وتظليل وحماية المدينة من الأتربة... الخ.
أما المسرحية (البيئية المنطوقة)، فهي تمثل قطاعاً من الشعب، بما فيه من عادات وتقاليد وملابس وغير ذلك.
و(المسرحية السلوكية) توجه الطفل إلى ما يجب أن يكون عليه السوك في المنزل والمدرسة والمسجد والشارع والملعب والزيارات، ويركز فيها على أن الطفل الذي لا يطيع والديه وأساتذته، ولا يعمل بنصائحهم يجد الضرر، أما المطيع المؤدب فيجد دائماً السلامة والنجاح والحب والتقدير.
و(المسرحية الأخلاقية) هي التي تحمل عناصرها الدعوة إلى القيم والمبادئ العالية، والتحلي بالأخلاص الحميدة، مثل الأمانة والصدق، والعدل والشجاعة، ومساعدة المحتاج، وحب الوطن... الخ.
و(المسرحية الإجتماعية) هي التي تعالج شئون المجتمع، وما يشغل أذهان الناس في حياتهم العامة والخاصة، مما ينعكس على الأطفال في حياتهم، وتعالج المسرحية الإجتماعية مشاكل مختلفة منها:
ـ ضرر مصاحبة الأشرار
ـ التدليل وعواقبه الوخيمة
ـ الكسل أو اللهو الزائد وضرره... ألخ.
ومن خلال هذا النوع يستفيد الطالب من معايشته للمسرحية في حل مشاكله الإجتماعية، وتبصره بشئون حياته الخاصة والعامة أما (المسرحية الخيالية) فهي تشمل جانبين. أولهما ما يجري على ألسنة الطير والحيوانات ومظاهر الطبيعة، والثاني يتعلق بما وراء الطبيعة ـ أو الغيبيات ـ وما يعرف عنها من أسرار وعجائب وشخصيات.
وهذا النوع ينمي في الطالب جانب الخيال والإهتمام، ويعلمه الإنصات والتأدب أثناء الدرس، فضلاً عما يستفيده من قيم ومعتقدات طبقاً لفكرة المسرحية.
و(المسرحية الترفيهية) هي المسرحية التي تؤدى بلغة خاصة، وحركة خاصة، فتبعث على المرح والضحك والتسلية، وهي في الواقع فكاهة هادفة لا تقصد السخرية، ولكنها ذات جانب ترفيهي وجانب نافع، في نطاق الآداب الإسلامية المتعارف عليها...
أما (المسرحية العلمية) أو (مسرحية المناهج) فهي تعنى بتقديم المواد العلمية المقررة بصورة مسرحية، تعتمد على شخصيات، تقوم بترجمتها إلى (حركة) ومواقف، وعنصر الإختيار مهم، فهناك مواد قد لا تصلح لذلك، ومواد أخرى صالحة تماماً مثل التاريخ والتربية الإسلامية والعلوم المتعلقة بالحيوان والطير... ألخ.
وفي معظم لغات العالم تطلق كلمة واحدة على كل من التمثيل واللعب، وهذا يعني أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الفعلين (يمثل) و(يلعب). إذن هي لعبة المحاكاة عند الأطفال، وصغار المراهقين، والتي تعتبر من ألعابهم المفضلة، وكلنا يعرف أن الصغار يحاولون تقليد أو محاكاة الكبار.. وهذا يعني أن لعبة المحاكاة هي لعبة إنسانية عميقة الجذور في نفوس البشر، وأنها سواء أكانت جادة أم هازلة تمثل تلبية لحاجة إنسانية، لا تقل في ضرورتها عن الإحتياجات البيولوجية كالطعام والشراب، وإن كانت تتميز عن الإحتياجات البيولوجية في تعاملها مع الفكر وأثره الأخلاقي في النفس، وقيمتها في تقويم السلوك، وزيادة الروابط بين الناس في المجتمع...
ويعتبر عامل التشويق في المسرحية الخاصة بالطفل، من أكبر العوامل المؤثرة إيجابياً أو سلبياً في مسرحيات الأطفال. إن هناك اللحظات التي يحبس فيها المتفرجون الصغار أنفاسهم، وهم يتخيلون ما سيكون من امر الحدث الذي يراه الطفل، وهو حدث المغامرة أو الموت, ويترقب الفشل أو النجاح. إنه أمر يثير الترقب والرهبة فيجلسون في سكون واهتمام...
إن الأطفال يتعشقون مثل هذه اللحظات أكثر من أي جزء آخر في المسرحية، ولهذا فإن من يكتبون لمسرح الأطفال عليهم أن يركزوا إهتمامهم الفني على عملية التشويق تلك. لأن الإخفاق فيها إخفاق للعمل المسرحي كله، ألا وإن المسرحية الجيدة هي التي يتوافر لها جميع عناصر التشويق والإثارة وربط المشاهد بالأحداث والتعايش معها.
إن الفنون على اختلاف أشكالها هي مجموعة من المشاعر والأفكار والإنطباعات والإيحاءات، التي تأخذ مظهراً حسياً نطلق عليه اسم (الشكل الفني).
والفن المسرحي يتميز عن غيره بصفات خاصة، أهمها هو أنه يظهر للوجود ويخاطب الإدراك بواسطة الألفاظ التي تتمثل فيها مجموعة من المشاعر والأفكار والإنطباعات والإيحاءات.
وحتى تكمل عناصر الفن، وينضح مضمونه، فلا بد أن يخاطب الإدراك بأسلوب آخر غير الألفاظ المجردة، وهو ما يُطلق عليه (التمثيل)، والتمثيل فن كبقية الفنون يتميز عنها بأن قوامه الألفاظ والحركات وغير ذلك مما يتطلبه الفن المسرحي، فالمسرحية لا تُقدم كألفاظ منسقة أو كعمل أدبي فحسب، وإنما كألفاظ تُحكى بشكل معين، وتُصاحب بحركات معينة في جو مسرحي معين أيضاً، فقد تفقد مسرحية رائعة قيمتها الفنية، بسبب رداءة تقديمها، أو سقم الحركات التي صاحبتها.
والمسرحية كعمل أدبي وفني لها صفاتها الخاصة التي تميزها عن باقي أنواع الأدب والفنون الأخرى، سواء أكان ذلك في طبيعتها أم في صياغتها، أم في طريقة إدراكها وتذوقها. فهي ترتكز على فنين كدعامتين أساسيتين لها، هما: الأدب والتمثيل، ثم إلى بقية الفنون الأخرى من رسم وديكور وإضاءة... وغيرها، كعوامل مساعدة لإبراز الحدث بالشكل الذي يتطلبه الموقف البنائي للعمل المسرحي.
وعلى هذا يصل هذا الفن إلى الإدراك عن طريق حاستين من حواس الإنسان هما: ـ السمع ـ والنظر والبصر.
وبإيجاز فإن (الكلمة) هي الخيط الذي يُنسج منه العمل المسرحي، وهي اللبنة الأساسية للبناء المسرحي، وتتضافر الفنون الأخرى بإمكاناتها المختلفة في خدمة الكلمة، وصقلها وتجميلها وتقديمها في إطار مشوق جداً، يغري المشاهد بالنظر والإدراك، لما يهدف له العمل من توجه وإيحاء.
أدب المسرح جزء من أدب الأطفال.
لكن مسرحية الطفل لها مواصفاتها الخاصة، فليس من المعقول أن يستوعب الطفل أدباً مسرحياً معقداً غامضاً، أو قصة ذات أبعاد فوق مستواه، ولهذا السبب خصصت مسارح للأطفال مثل (مسرح الطفل) في الكويت، و(مسرح ليلى) في الإمارات العربية المتحدة، و (مسرح الأطفال) في مصر وغيرها، وفي نفس النطاق اهتم التلفاز والإذاعة بالتمثيليات التي تناسب الأطفال، سواء ما كان منها مسلسلاً أو كان في فقرة واحدة مستقلة، وتبدو الشخصيات في المسرحية أو التمثيلية كبشر أو كحيوانات أو طيور أو زهور، وهي في مجملها تؤدي معنى معيناً، أو هدفاً محدداً، وتقصد إلى سلوكيات خاصة، وفق الأصول التربوية والإسلامية والنفسية المتعارف عليها.
أدب المسرح إذن لون لا يمكن إغفاله في نطاق الحديث عن أدب الأطفال.
وأدب مسرح الأطفال لا يُكتب ليُمثل.. هذه حقيقة هامة لا يصح إغفالها، فالطفل لا يستطيع أن يستمتع الإستمتاع الكافي بقراءة مسرحية له، حتى ولو كانت في أسلوب سهل مبسط، إنه يسعد ويطرب لقراءة القصة الناجحة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للمسرحية، لأنها تفتقد ـ إذا ما قُرأت ـ باقي المؤثرات الحيوية التي ترتبط بالبناء المسرحي الناجح، وسوف يتضايق الطفل وهو يقرأ الحوار وحده دون سرد، ثم وهو يتوقف عند بعض الملاحظات أو الوصف الزماني والمكاني والحركي... وذلك كله على النقيض من مسرح الكبار، حيث يمكننا الإستمتاع بقراءة مسرحية لتوفيق الحكيم كأهل الكهف أو مسرحية مترجمة من روائع الأدب العالمي، نقرأ هذه أو تلك ونتابعها في شيء من الشغف ونستمتع ونستفيد منها، أما الطفل فيختلف عنا نحن الكبار في هذا الجانب..
إن أدب الأطفال المسرحي يكون للتمثيل، وليس للقراءة.. وبديهي أن هناك كثيراً من الموضوعات التي يحفل بها مسرح الكبار، لكنها لا تصلح لمسرح الطفل.
المصدر :
من أدب الأطفال، د. علي الحديدي
source : .www.rasekhoon.net