عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

الإمامة والمغالاة والرجعة والتناسخ

الإمامة والمغالاة والرجعة والتناسخ

عن الحسن بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون یوماً وعنده علی بن موسى الرضا علیه السلام وقد اجتمع الفقهاء وأهل الکلام من الفرق المختلفة.
فسأله بعضهم فقال له : یا بن رسول الله بأیّ شیء تصح الاِمامة لمدّعیها ؟
قال : بالنص والدلیل .
قال له : فدلالة الاِمام فیم هی ؟
قال : فی العلم واستجابة الدعوة .
قال : فما وجه إخبارکم بما یکون ؟
قال : ذلک بعهد معهود إلینا من رسول الله .
قال : فما وجه إخبارکم بما فی قلوب الناس .
قال له : أما بلغک قول الرسول « اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ینظر بنور الله »(1) .
قال : بلى .
قال : وما من مؤمن إلاّ وله فراسة ینظر بنور الله على قدر إیمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع الله فی الاَئمّة منا ما فرّقه فی جمیع المؤمنین .
وقال عزّ وجلّ فی محکم کتابه : ( إِنَّ فی ذلک لآیاتٍ للمُتَوسمین )(2) فأوّل المتوسمین رسول الله ثمّ أمیر المؤمنین من بعده ثمّ الحسن والحسین والاَئمّة من ولد الحسین إلى یوم القیامة .
قال : فنظر إلیه المأمون فقال له : یا أبا الحسن زدنا ما جعل الله لکم أهل البیت .
فقال الرضا : إنَّ الله عزّ وجلّ قد أیَّدنا بروح منه مقدسة مطهّرة لیست بملک لم تکن مع أحد ممن کان مضى إلا مع رسول الله وهی مع الاَئمّة منا تسددهم وتوفقهم وهو عمود من نور بیننا وبین الله عزّ وجلّ .
قال له المأمون : یا أبا الحسن ، بلغنی أن قوماً یغلون فیکم ویتجاوزون فیکم الحدّ ؟
فقال الرضا : حدّثنی أبی موسى بن جعفر، عن أبیه جعفر بن محمد عن أبیه محمد بن علی عن أبیه علی بن الحسین عن أبیه الحسین بن علی عن أبیه علی بن أبی طالب قال : قال رسول الله لا ترفعونی فوق حقّی فإن الله تبارک وتعالى اتّخذنی عبداً قبل أن یتّخذنی نبیاً(3).
قال الله تبارک وتعالى : ( ما کان لبشرٍ أنْ یُؤتِیهُ اللهُ الکِتَابَ والحُکمَ والنبوَّةَ ثُمَّ یقولَ للناسِ کُونُوا عِباداً لی مِنْ دُونِ اللهِ وَلَکن کُونُوا رَبَّانیّین بما کُنتم تُعَلِّمونَ الکتابَ وبما کُنتُم تدرسون ، ولا یأمرکم أن تَتَّخِذوا الملائکةَ والنبیین أرباباً أیأمرکم بالکفر بعد إِذْ أنتم مُسلِمون )(4).
قال علی : یهلک فیَّ اثنان ولا ذنب لی، محبٌّ مفرطٌ ومبغضٌ مفرط ، وأنا أبرأ إلى الله تبارک وتعالى ممن یغلو فینا ویرفعنا فوق حدّنا کبراءة عیسى بن مریم من النصارى(5).
قال الله تعالى : ( وإذ قَالَ الله یا عیسى بن مریم ءأَنتَ قُلتَ للناسِ اتَّخذونی وأُمّی إِلهین من دون الله قالَ سبحانک ما یکونُ لی أنْ أقول ما لیسَ لی بحقٍّ إن کنت قُلته فقد عَلِمته تعلَمُ ما فی نفسی ولا أَعلمُ ما فی نفسک إِنّک أنتَ علاّمُ الغیوبِ ، ما قُلتُ لهم إلاّ ما أمرتنی به أن اعبدوا اللهَ ربی وربَّکم وکنتُ علیهم شهیداً ما دمتُ فیهم فلمَّا توفَّیتنی کنتَ أنتَ الرَّقیبَ علیهم وأنتَ على کلِّ شیء شهید )(6). وقال عزّ وجلّ : ( لَن یَستنکِفَ المسیحُ أنْ یکونَ عَبداً للهِ ولا الملائِکةُ المُقَرَّبونَ )(7). وقال عزّ وجلّ : ( ما المسیح بن مریم إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرُّسلُ وأُمُّهُ صدّیقةٌ کانا یأکلان الطعامَ )(8) ومعناه أنهما کانا یتغوَّطان ، فمن ادَّعى للاَنبیاء ربوبیة وادَّعى للاَئمّة ربوبیة أو نبوة أو لغیر الاَئمّة إمامة فنحن منه براء فی الدنیا والآخرة.
فقال المأمون : یا أبا الحسن فما تقول فی الرجعة ؟
فقال الرضا : إنّها لحق کانت فی الاَمم السالفة ونطق بها القرآن ، (9) وقد قال رسول الله : یکون فی هذه الاُمّة کل ما کان فی الاَمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة(10).
قال : إذا خرج المهدی من ولدی نزل عیسى بن مریم فصلّى خلفه، وقال : إنّ الاسلام بدأ غریباً وسیعود غریباً(11)، فطوبى للغرباء(12)قیل : یا رسول الله ثمّ یکون ماذا ؟ قال : ثمّ یرجع الحق إلى أهله .
فقال المأمون : یا أبا الحسن فما تقول فی القائلین بالتناسخ(13)؟
فقال الرضا : من قال بالتناسخ فهو کافر بالله العظیم مکذب بالجنة والنار(14).
قال المأمون : ما تقول فی المسوخ ؟
قال الرضا : إن أُولئک قومٌ غضب الله علیهم فمسخهم فعاشوا ثلاثة أیّام ثمّ ماتوا ولم یتناسلوا ، فما یوجد فی الدنیا من القردة والخنازیر وغیر ذلک مما وقع علیهم اسم المسوخیة فهو مثل ما لا یحل أکلها والانتفاع بها.
قال المأمون : لا أبقانی الله بعدک یا أبا الحسن فوالله ما یوجد العلم الصحیح إلاّ عند أهل البیت وإلیک انتهت علوم آبائک فجزاک الله عن الاِسلام وأهله خیراً.
قال الحسن بن الجهم : فلمّا قام الرضا تبعته فانصرف إلى منزله فدخلت علیه وقلت له : یا بن رسول الله الحمد لله الذی وهب لک من جمیل رأی أمیر المؤمنین ما حمله على ما أرى من إکرامه لک وقبوله لقولک .
فقال : یا بن الجهم لا یغرّنّک ما ألفیته علیه من إکرامی والاستماع منی، فإنّه سیقتلنی بالسم ، وهو ظالم لی ، إنّی أعرف ذلک بعهد معهود إلیَّ من آبائی عن رسول الله فاکتم هذا ما دمت حیّاً .
قال الحسن بن الجهم : فما حدّثت أحداً بهذا الحدیث إلى أن مضى بطوس مقتولاً بالسم ودفن فی دار حمید بن قحطبة الطائی فی القبة التی فیها قبر هارون الرشید إلى جانبه(15).
المصادر :
1- سنن الترمذی : ج5 ص278 ح3127 ، حلیة الاَولیاء : ج4 ص94 ، المعجم الکبیر للطبرانی : ج8 ص121 ح7497 ، مجمع الزوائد : ج10 ص268 .
2- سورة الحجر: الآیة 75 .
3- المعجم الکبیر للطبرانی : ج3 ص138 ـ 139 ح2889 ، مجمع الزوائد ج9 ص21 .
4- سورة آل عمران : الآیة 79 و80 .
5- ورد هذا الحدیث بتفاوت أنظر : مسند أحمد : ج 1 ص 160، المستدرک للحاکم: ج3 ص123، ذخائر العقبى: ص92، نظم درر السمطین: ص104، مجمع الزوائد: ج9ص133.
6- سورة المائدة : الآیة 116 و117 .
7- سورة النساء : الآیة 172 .
8- سورة المائدة : الآیة 75 .
9- کما فی قوله تعالى : ( ألم ترَ إلى الَّذین خَرجُوا مِن دیارهم وَهُم أُلوفٌ حَذَرَ الموت فقال لهم الله موتوا ثُمَّ أحیاهُم ) البقرة /243 . کما یدلّ على وقوع الرجعة مستقبلاً قوله تعالى : ( وَیومَ نَحشرُ مِن کُلِّ أُمةٍ فَوجاً ممّن یُکذبُ بآیاتِنا فَهم یُوزعُون ) النمل / 83.
10- مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ص 340 ، کنز العمال : ج 11 ص 134 ح 30924 ، کمال الدین وتمام النعمة للصدوق : ج2 ص576 ، عنه بحار الاَنوار : ج28 ص10 ح15 ، مجمع البیان للطبرسی : ج 7 ص 367 .
11- قال الجزری : أی أنّه کان فی أول أمره کالغریب الوحید الذی لا أهل له عنده لقلّة المسلمین یومئذٍ ، وسیعود غریباً کما کان أی یقلّ المسلمون فی آخر الزمان فیصیرون کالغرباء فطوبى للغرباء أی الجنّة لاَولئک المسلمین الذین کانوا فی أوّل الاسلام ویکونون فی آخره ، وإنّما خصّهم بها لصبرهم على أذى الکفّار أوّلاً وآخراً ولزومهم دین الاِسلام . (بحار الاَنوار : ج 8 ص 12) .
12- صحیح مسلم : ج1 ص130 ح232 ـ (145) ، مسند أحمد : ج4 ص73 ، تاریخ بغداد للخطیب : ج3 ص272 ، مجمع الزوائد : ج7 ص278 ، مشکل الآثار للطحاوی : ج 1 ص297.
13- وهناک من التبس علیه الحقّ فخلط بین الرجعة والتناسخ ولم یفهم الفرق بینهما وادَّعى أنّ الرجعة نوعٌ من التناسخ ، وکما لا یخفى أنّ التناسخ کما یعتقد أصحابه هو : انتقال النفس الناطقة من بدن إلى بدن آخر غیر الاَوّل، والذین یعتقدون ذلک یُسمون (التناسخیة)، وهؤلاء من جملة اعتقاداتهم کما روی عن أبی عبدالله (البحار ج4 ص320 ح 3) : ...والقیامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه فی قالب آخر، إن کان محسناً فی القالب الاَوّل أُعید فی قالب أفضل منه حسناً فی أعلى درجة الدنیا، وإن کان مسیئاً أو غیر عارف صار فی بعض الدواب المتعبة فی الدنیا، أو هوام مشوّهة الخلقة الخ .
14- وأمّا الرجعة فهو رجوع النفس إلى البدن الاَوّل بمشخصاته النفسیة لا أنّها تحلّ فی بدن آخر غیر الاَوّل .
15- بحار الاَنوار للمجلسی : ج 4 ص 320 ح 1 .
16- عیون أخبار الرضا للصدوق : ج1 ص216 ـ 218 ب 46 .


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عندما تتعب الروح ما هو العلاج؟
آية الله الآصفي: من سمع مظلوما يستغيث فلم يغثه ...
تربية الأطفال بين الهدف والوسيلة
زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة
تأثير التلفزيون على الأطفال
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت

 
user comment