إهتم أدباء العرب بالاعیاد الفارسیة إهتماماً بالغاً ، فسجلت کتب التاریخ والأدب هذه الأعیاد بصورة دقیقة مبینة سننها وعادات أقوامها وما فیها من طقوس .وصّوروها علی أنّها رمز للخیر والمحبة والوفاق والحوار ، ولم ینظروا إلیها علی أنها أعیاد لیست لها صلة بالاسلام وأنها عائد إلی العقائد الفارسیة القدیمة . لذلک رووا أجمل قصائدهم في مناسباتها ،وزیّنوا بها دواوینهم وکتبهم،ویظهرلنا جلیلاً من التاریخ أن عظماء المسلمین والخلفاء والسلاطین والامراء کانوا یقیمون الاحتفالات في هذه المواسم علی أنها أعیاد مبارکة لا أعیاد لا تمتّ إلی الاسلام بصلة . وفي هذا تبیین للتفاعل الثقافي والحضاري الذي حدث بین العرب والفرس عن طریق أعیادهم ،وهذا التفاعل بین الامتین العربیة والفارسیة یمثل واحدة من أفضل التجارب الانسانیة التي حصلت بین شعوب العام من النواحي الثقافیة والحضاریة والاجتماعیة والسیاسیة والدینیة . وبهذا الاتصال الروحي والعقلی استطاعت الامتان أن تشّیدا صرحاً عظیماً وحضارة إنسانیة نهلت منها الأمم الأخری. ففي هذا المجال کانت تنشد المئات من القصائد الشعریة الرائعة یتغني فیها أصحابها بجمال الطبیعة وما یواکبها من عطاء وبرکة ، کما تجلّی ذلک في الاعداد الهائلة من المقطوعات النثریة ،حتی اصبحت تشکل باباً مستقلاً من أبواب الأدب ،بحیث یمکن أن یکون موضوعاً خصباً لدراسة الدارسین والباحثین یطرحون فیه نظراتهم وتحلیلاتهم .
إن الصلات بین العرب والفرس ترجع إلی زمن قديم سابق علی الاسلام، وذلک بسبب الجوار بین البلاد العربیة والایرانیة والاختلاط والتبادل والمشارکة في الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة بین شعوبها، مما یؤدي إلی الترابط والتعاون بین الأمم، ویدفع إلی تأثیر الشعوب بعضها في بعض،ان الفرس تأثروا بالعرب سواء في اللغة والثقافة أو في السنن والآداب أو في التقالید والعادات. ومما لا شکّ فیه أنّ النوروز وإن کانت تمتدّ اصوله إلی أبعد من التاریخ المدّون، ولکن تخلّي عما علق به معتقدات الزردشتیة بعد أن إتخذ لوناً اسلامیاً واضحاً وارتبط بالمعاني الروحیة السامیة التي تصل الانسان بما هواسمی مما یعیش فیه. ان النوروز أکثر الاعیاد شهرة في التاریخ، وابعدها صیتاً، واقواها تأثیراً في الشعوب العربیة ، ذلک العید الذي خلقته البیئة الایرانیة منذ أقدم العصور، وظل خالداً علی الدهر في العهود الإسلامیة حتی وصل إلی زماننا هذا. کذلک کان النوروز أثر بارز في الادب العربي کما ترک العلماء والادباء تراثاً قیماً من روائع الشعر والنثر عند حلوله في کلّ عام، وهی کلّها تشهد الاهتمام البالغ الذي یواجهه رجال الفکر والادب إلی النوروز.
النوروز في اللغة والاصطلاح
النوروز في اللغة والاصطلاح تأتي بمعني «الیوم الجدید» وأما في إصطلاح فطلق علی عید رأس السنة الفارسیة الذي یقع في الیوم الاول من شهرفروردین الموافق 21مارس(آذار)أي فصل الربیع .(1)
إقترن لفظ (نوروز عبر القرون تسمیات عدیدة والاصل البهلوي لهذه الکلمة«نوک روز» أو نوگ روژ . (2)
امّاالجوالیقي فیقول:«النیروز والنوروز فارسي معّرب» (3) وقد وردت الکلمة بهاتین الصیغتین في النصوص العربیة،وان کانت کلمة«النیروز » أکثر استعمالاً.
یذهب بعض الباحثین إلي أن بدء لاحتفال به إنّما کان في القرن الثالث عشر قبل میلاد المسیح (4)
إختلف المورخون في سبب اتخاذهم لهذا العید ،فیقال إنه لما ولی جمشيد ،سمي الیوم الذي ملک فیه نوروز. وقیل الصا بئة ظهرت في أیام طهمورث،فلما ملک جمشید جدد الدین فجعل یوم ملکه عیداً (5)
وذکر الالوسي في کتابه بلوغ الأرب في معرفة الأحوال العرب بشأن النوروز فقال: "و هي کثیرة جداً [أعیاد الفرس] فأماالنیروز فهو تعریب نوروز وهو أعظم أعیادهم .إن اول من اتخذ جمشاد أحد ملوک الطبقة الاول من الفرس وهذا الاسم في الاصل مرکب من جم وهو الشمس وشيد وهو الشعاع والضیاء وسبب اتخاذهم لهذا الیوم عیداً،إنّ (طهمورث) لما مات ملک بعده جمشيد فسمی الیوم الذي ملک فیه نوروزاً اي الیوم الجدید" . (6)
جاء في کتاب «نوروزنامه »المنسوب إلی الخیام " طبقاً للحساب الذي یعمل به في عهد کیومرث ،علم ان شهر فروردین یتأخر کل سنة عدة ساعات عن موضعه الاصلي، ثم یعود بعد مرور 1461 سنة إلی الموضع الذي هو عبارة عن نقطة الاعتدال الربیعي ومنذ اوجد کیومرث حساب السنة الشمسیة إلی نهایة سنة 421 وهي المدة التي حکم فیها جمشید،إنتهت فترة 1461 سنة المذکورة ،وعاد فروردین إلی موضعه الاول في برج الحمل.ولأن جمشید قد أدرک هذا الیوم ،وسماه «نوروز»وأمر الناس بالاحتفال به عند ما یحل شهر فروردین الجدید في کل سنة فاعتبروا ذلک الیوم." (7)
إن النوروز،کما اتضح في اللغة إنّه یوم جدید.جدیدٌ،لأنّه أول یوم من أیام السنة الفارسیة.جدیدٌ ،لانّه اول یوم من أیام الربیع .جدیدٌ،لانه الیوم الذي یتعادل فیه اللیل والنهار. جدیدٌ ،لانه دخل في طور احیاء الطبیعة وایجاد الحرکة الاستمراریة والتفتح في الطبیعة.جدیدٌ، لان الطبیعة جعلت نفسها في خدمة الانسان . (8)
موقف الخلفاء العباسیین من النیروز
شارک الخلفاء العباسیون في إحیاء شعائر النوروز، وادخلوا سننه إلی قصورهم، واعتبروه عیداً رسمیاً یحتفل به کل عا م واغتنم الشعراء والخطباء والندماء حلول عید النوروز لیشارکوا خلفاهم في إقامة شعائره. من سنن التي ظهرت في العصر العباسي هي: إشعال النار وصب الماء وتقدیم الهدایاء وإقامة مجالس الطرب.(9)
إشعال النار وصب الماء
بدأ الناس یوقدون النیران لیلة العید ویصبون الماء في صبیحة کما کان متبعاً عند الفرس. ولم یبحث الناس عن سبب صب الماء أو إشعال النار، بل کانوا یحبون شعائر للتسلیة وقضاء الوقت والسخریة. فلقد منع الخلیفة المعتضد في سنة 282 هـ. إضرام النیران لیلة النوروز وصب الماء في صبیحته، ولکنه تراجع عن قراره، ولم نعرف سبباً لذلک وسمح للناس بوقود النیران وصب الماء. وهذا التراجع المفاجيء، شجع الناس أن یخرجوا علی المألوف ویصبوا الماء علی اصحاب الشرطة أنفسهم . (10)
قال الطبري في حوادث سنة 282 هـ بشأن ایقاد النار وصب الماء."في یوم الاربعاء لثلاث خلون من جمادي الاول، ولاحدي عشر لیلة خلت من حزیران، نودي في الارباع والاسواق ببغداد بالنهي عن وقود النیران لیلة النیروز، وعن صب الماء في یومه ونودي بمثل، ذلک في یوم الخمیس .فلما کانت عشیة یوم الجمعة نودي علی باب سعید بن یکسین صاحب الشرطة بالجانب الشرقي من مدینة الاسلام، بأن أمیر المومنین قد اطلق للناس في وقود النیران، وصب الماء ففعلت العامة من ذلک ما جاوز الحد، حتي صبّوا الماء علی أصحاب الشرطة في مجلس الجسر. (11)
إغتنم الشعراء فرصة ایقاد النار وصبّ الماء لیعبروا عن أمانیهم واشواقهم الصادرة من أعماق قلوبهم بصدق وصراحة وباسلوب بسیط وجمیل . وصف کشاجم نفسه في هذا الیوم السعید، والسنة فیه أن یوقد النار ویصب الماء ولکنه وحید بعید عن أحبائه وقلبه من الحب کلهیب من النار شوقاً إلیهم ، وتفیض الدموع من عینیه لعلها تطفيء نار قلبه، فأنشد:
لما رأیت النوروز سنته ***صبّ میاه وشب نیران
نوروزت وحدي والشوق یقلقني ***بنار قلبي وماء اجفان (12)
الهدایا
إن من السنن الفارسیة القدیمة هي تقدیم الهدایا یوم النوروز من جمیع طبقات الناس إلی الملک وکذلک العکس، وعادت تلک السنة القدیمة إلی الظهور في العصر العباسي، وبدأ الأمراء والشعراء والخطباء یهدون الهدایا الثمینة إلی الخلفاء وکان الخلفاء یقابلونهم بهدایا أکثر کانت ذات تأثیر أکبر في نفوسهم کما قال الشاعر في وصف الهدیة (13)
إن الهدَّیة حلوةٌ ***کالسَّحرِتَجتَلِبُ قلوباً
توني البغیض من الهوی ***حتّی تصّیره قریباً
وتُعیدُ مضطَغِنّ العدا *** وَة بعد نقرته جسیاً
والنوروز، هو یوم المحبة، ولقاء الأحبة، وهو الیوم الذي تتألف فیه القلوب، وتسود المحبة بین الناس، فیتبادلون أجمل واعلی الهدایا التي تزید العید بهجة وحبوراً. إهدی أحمد بن یوسف الکاتب إلی المأمون سفطاً من الذهب، فیه عود هندي في طوله وعرضه و کتب معها هذا یوم جرت فیه العادة بألطاف العید والسعادة فقال :
علی العبدِ حقٌّ فهوَ لابدَّ فاعلِهِ ***وإن عظِمَ المولی وجلَت فضائلُهُ
الم تَرنا نُهدي إلی الله ماله *** وَإن کان عَنهُ ذا غني فهوَ قابلُهُ (14)
ولم ینحصر تقدیم الهدایا بین الخلفاء والوزراء والشعراء فقط، وإنما کانت هذا السنة بین الناس ایضاً وتسابقوا إلی الاحتفال به، واحیوا فیه ما کان معروفاً عند الفرس القدماء من عادات کعادة ایقاد النیران وعادة التهادي (15)
مجالس الفرح
من السنن الفارسیة القدیمة التي ظهرت في العصر العباسي، إقامة مجالس الفرح. وکان الخلفاء والشعراء والناس یفرحون بحلول عید النوروز، لما یواکبه من روعة جمال الطبیعة ولما یرافقه من فرح وحبور وسرور، في إقامة مجالس الفرح وسماع الأصوات الجمیلة والألحان العذبة التي کان یقدمها الماجنون.
وهکذا عاد النوروز إلی الحیاة في العصر العباسي ببهجة وتجدد، کما جدد معه تقالیده وسننه التي کانت متبعة عند الاکاسرة. والفضل في إحیاء شعائر النوروز یعود إلی الخلفاء والوزراء والناس، الذین احتفلوا به واهتموا به وجعلوه، رمزاً للتحالف وشدّ وثاق الاخوة بین الأمتین العربیة والفارسیة. (16)
العوامل الدینیة
لقد جذب الدین الاسلامي الکثیر من آداب ورسوم الحضارات الأخری التي تعامل معها کالحضارتین الفارسیة والرومیة.ولهذا الامر سببان: یتمثل الاول بماهیة الدین الإسلامي الذي تعامل مع الأدیان الأخری وتقبل العدید من آدابهم ورسومهم ومنحها طابعاً دینیاً ووافق علیها. أما السبب الثاني فهو عدم خوض الاسلام لتجربة حکومیة من قبل لأنه ظهر في مکان لم یکن قد خاض أیة تجربة حکومیة من قبل وکان لابد له حفاظاً علی بقائه أن یقتبس من التجربة الحکومیة للحضارات الأخری. ولقد سعی العرب منذ البدایة إلی جذب الآثار الحضارة الفارسیة نتیجة لتجربتها المشرقة وبناءاً علی خط سیر الإسلام، واحترموا بعض الرسوم والتقالید الخاصة بها سواء أکانت ذات منشأ دیني أو غیر دیني وتقبلوها. کما کان بعض الموظفين وخاصة في العهد العباسي یبعثون برسائل إلی الخلفاء تحتوي في طیاتها علی التهاني بمناسبة حلول الأعیاد کالنوروز ومهرجان بالإضافة إلی الدعاء والابتهال من أجلهم. وبهدف حفظ سننهم وثقافتهم قام الفرس بمنح أعیادهم طابعاً إسلامیاً بنظرتهم المستقبلیة ، ونسبوا الحقائق التي حظیت بالاهتمام في الدیانة الإسلامیة إلی النوروز وهکذا کان عید النوروز من الأعیاد الکبری ومحط إهتمام المسلمین في عهد العباسي. (17)
العوامل الاقتصادیة
من العوامل الأخری التي أدت الإهتمام بالأعیاد الأیرانیة في العهد الاسلامي، یمکن أن نشیر إلی مجالاتها الإقتصادیة والتي کانت تجري علی صورتین: إفتتاح الخراج والهدایا.
إفتتاح الخراج
لقد واجه العرب في بلاد فارس تقسییمات زراعیة معقدة وتنوعاً دیوانیاً وخراجاً، حیث لقد کانت الإطاحة بهذا الامر نوعاً ما، ولذلک فقد تم فرض الضرائب في البلدان التي تم فتحها بناءاً علی الموازین التي کانت سائدي في تک البلدان. وإضافة إلی أن العرب اقتبسوا نظام الضرائب عن الفرس عند فتحهم لتلک البلاد، فقد جعلوا موعدها کذلک مطابقاً لما کان معمولاً به في بلاد فارس. ولقد کان یبدأ تحصیل الخراج عندما کانت أشعة الشمس تغدو عمودیة علی مدار السرطان ویبدأ الانقلاب الصیفي حیث کان الفلاحون یجنون قسماً من محاصیلهم ویغدو الوقت مناسباً لإفتتاح الخراج. وبما أن افتتاح الخراج کان فيعید النوروز حیث کانت تصلهم هدایا ثمینة، فقد اهتموا بحفظ تلک السنن والتقالید وتعیین عید النوروز وتثبیته وبالتالي فقد قام الخلفاء العباسیون ببعض الاصلاحات.
الهدایا
یعد تقدیم الهدایا إلی الحکام من التقالید القدیمة والثابتة عند الایرانیین في عید النوروز والمهرجان حیث کان هذا التقلید متداولاً في العصر الإسلامي. واضافة إلی إهتمام الخلفاء العباسیین بالسنن والتقالید الایرانیة، فقد اقتبسوا عن التجربة الحکومیة للسا سانیین. ولذلک فقد أولوا الإهتمام للأعیاد الفارسیة علی نطاق واسع حیث کان الرعایا والموظفون یقدمون الهدایا للخلفاء کما کانت الهدایا ترس للملوک الساسانیین فيعید النوروز والمهرجان. (18)
العوامل الاجتماعیة
من العوامل الأخری التي أدت إلی الاهتمام بالأعیاد الفارسیة یمکن ذکر العوامل الاجتماعیة. وبما أن نصف البلاد التي کانت تخضع لسیطرة العباسیین، کانت تشمل بلاد فارس، فلم یتخلی الفرس عن الکثیر من عاداتهم وتقالیدهم، وبعد اعتناقهم للإسلام حافظوا علیها. ورغم أن العرب استطاعوا دخول ایران سریعاً إلا أنهم لم یتمکنوامن استبدال الدین الزرادشتي والذي کان رائجاً في الکثیر من المناطق الایرانیة بالاسلام وحتی أثناء الخلافة العباسیة، وبقیت النظم والتقالید الخاصة به قید الإجراء. وعلی کل حال، فقد انتشر الاسلام بشکل تدریجي في بلاد فارس، وکلما کان الفرس یطلعون بشکل أوسع علی تعالیمه، کان تقدمه یجری بشکل أسرع وأسرع. ویبدوا أنه خلال الحکم الاموي، لم یکن بعض موسسي الخلافة الامویة یعارضون اعتناق أهل الذمة للإسلام حتی أنهم کانوا یمنحون بعض المحسوسات علی الجزیة لمن کانوا یرغبون بالبقاء علی دینهم ودفع الجزیة. کما تعد بیوت النار التي ظلت النار تشتعل فیها حتی القرن الرابع دلیلاً واضحاً علی فعالیات الزرادشتیین في ایران کما کانت تعتبر أحد العناصر الاجتماعیة المهمة للخلافة الإسلامیة. کما یبدوا أنه أثناء خلافة بعض الخلفاء العباسیین ونتیجة لتسامحهم مقابل بعض الادیان ومنه الدین الزرادشتي، فقد انتشر فعالیات مختلفة لأتباع تلک الأدیان. لقد کانت الأوضاع الاجتماعیة في القرون الثلاثة الأولی تشیر إلی النشاطات الملفتة للنظر بین الزرادشتیین في تطبیق الرسوم والتقالید کما کان تبین تغلب الثقافة الفارسیة علی العربیة حیث لم یستطیع حتی تعصب حکام بني أمیة أن یستبدل بالثقافة الایرانیة. ومنذ بدایة فتح ایران هاجر الکثیر من العرب إلیها نتیجة لحوافز إقتصادیة وإجتماعیة وسیاسیة ودینیة حیث کان الولاة یشجعون علی تلک الهجرة ویدعمونها. وقد اعتنق العرب الذین هاجروا إلی الکثیر من المناطق الایرانیة بما فیها خراسان الثقافة الفارسیة التي کانت سائدة أنذاک وتزوجوا من النساء الفارسیات وارتدوا الملابس الفارسیة وکانوا یحتفلون کالفرس بأعیاد النوروز والمهرجان والسده حتی أنهم کانوا یتکلمون باللغة الفارسیة. (19)
بما أن الخلفاء العباسیین کانوا أنفسهم مدينین للفرس بمن فیهم الخراسانیین في حکومتهم،خلافاً للامویین الذین کانوا ذوي تعصب للعرق العربي واللغةالعربیة؛ فقد حاولوا منذ البدایة استغلال دعم الفرس لهم في شوون الحکومة. ورغبة منهم في الحافظ علی حکومتهم وسلطتهم وفي الاستفادة من حمایة الفرس لهم، وبالنظر إلی أغلبیة الفرس الذین کانوا یشکلون نصف عدد السکان في الحکومة الاسلامیة، فقد اضطروا إلی تداول السنن الفارسیة بشکل عام والأعیاد الفارسیة بشکل خاص. (20)ومن المراسم التي کانت متداولة في عید النوروز إشعال النار ورشق الناس لبعضهم البعض بالماء وإضاءة المنازل. وکانت تلک المراسم تصل المراسم إلی الافراط في بعض الاحیان وتودي إلی الفوضی والهرج والمرج في المجتمع حیث کان الخلفاء والحکومة یمنعونها، ورغم ذلک فقد ظلت الثقافة الفارسیة هي الغالبة وظلت تلک التقالید جزءاً لا یتجزأ من تلک الثقافة ولم یقدر الخلفاء علی منعها، کما حدث عام(284 هـ) حیث منعوا في البدایة تلک الرسوم والتقالید ولکنهم عادوا وسمحوا بها نتیجة لتفوق العنصر الفارسي. (21)
العوامل السیاسیة
لقد کان النظام القبلي والعشائري هو السائد في شبه الجزیرة العربیة بدلیل الظروف الاقلیمیة والجغرافیة الخاصة. وبعد تشکیل الحکومة الإسلامیة في شبه الجزیرة العربیة فقد دعا الامر إلی تشکیل منظمات سیاسیة، إقتصادیة، إجتماعیة نشأت إما عن الدین الإسلامي أو الحضارة الفارسیة أو الرومیة. لقد اکتسب العرب حضارتهم من الإسلام الذي شکل عاملاً لوحدة القبائل العربیة وانسجامها. وبعد تشکیل حکومة بني أمیة وبدلیل عدم شرعیة زعمائها فقد اضطروا إلی إحیاء النظام القبلي الذي کان سائداً قبل الإسلام للحفاظ علی سلطتهم، مما أدی إلی طرح مسائل مثل التفوق العرقي وعدم رضا القبائل العربیة. لم یکن الفرس راضین عن النظام العشائري لبني أمیة وسیاسة التفوق العرقي والتعصب العرقي التي کانوا یتبعونها ولذلک فقد کانوا یشارکون في أي نهضة تقوم ضدهم. أما العباسیون الذین کانوا واعین لمخالفة الفرس لبني أمیة ، فقد جعلوا مرکز نشاطهم منذ البدایة في خراسان، حتی أن الخلفاء العباسیین کانوا یرسلون ولي عهدهم إلی داخل ایران لیتواصل بشکل أوسع مع الناس وذلک في محاولة منهم لإرضاء الفرس والحصول علی شرعیة لحکومتهم. (22)
ومن العوامل التي أدت إلی نفوذ الفکر الفارسي وانتشار ورواج الأعیاد الفارسیة وجود الفرس في مناصب في الحکومة العباسیة کانت عبارة عن: الوزراء، المسوولون، القادة العسکریون، السیاسیون، الأمراء وغیرهم. کما أن نفوذ الساسانیین في الوزارات العباسیة کان وسیلة لترویج تقالید الفرس وتقویة نفوذهم. ویبدو أن الخلفاء العباسیین حتی هارون الرشید کانوا یهتمون بشکل ظاهري ببعض الأعیاد الإیرانیة لکسب رضا الفرس حیث تحولت تلک الأعیاد إلی سنن في الحکومة العباسیة بدءً من عهد هارون الرشید الذي ترافق مع منح البرامکة مناصب في الوزارة. (23)
وبعد تمکن العباسیین من التغلب علی أعدائهم وبلوغهم مرحلة الاستقرار أرادوا الحصول علی نتائج سلطتهم فعمدوا إلی التجمل حیث کانت الأعیاد الفارسیة تلبي رغباتهم، وکان ذلک أیضاً عاملاً لرواج تلک الأعیاد خلال الحکومة العباسیة. ومن الجوانب السیاسیة الأخری یمکننا أن نذکر زواج الخلفاء العرب من بنات أشراف الفرس والذي لعب دوراً مهماً في إحیاء الثقافة الفارسیة ورسومها وآدابها. کما أن أم المأمون کانت فارسیة وتزوج هو ذاته بابنتة حسن بن سهل والذي أدی نفوذه علی الخلیفة إلی تمایل الخلیفة إلی الآداب والرسوم الفارسیة. (24)
النوروز في الشعر
النوروز، هو عید الطبیعة والطبیعة في النوروز کشفت حجابها واظهرت محاسن وجهها، وابدت طرائف شتی من زواهرها. فابدت للعیون بشاشة، واصبحت الارض ضاحکة، والطیر مسروراً والنبت سکران ومخموراً. إغتنم شعراء العرب والفرس قدوم النوروز، لکي ینظموا قصائداً في مدح خلیفة أو تهنئة امیر وذلک لأجل تمکین الصلة وتوطید أو أصل الصداقة. هنأ ابوتمام أبا دلف القاسم بن عیسی بسلامة من الأفشین ومن علة لحقته فأنشد:
قد شَرَّد الصبّحُ هذا اللیل عن أُفقِه ***وسوَّغ الدّهرِ ماقد کان مِن شَرَقِه
سِیقَت إلی الخلقِ في النَّیروزِ عافیَةٌ *** بها شَفاهُم جدیدُ الدَّهرِ مِن خَلَقِه(25)
شبه ابو تمام ابا دلف بالصبح. والصبح رمز للضیاء والنور. هذا النور قضی علی الظلام الذي تمثّل في شخصیة الافشین، الذي عبر عنه ابوتمام باللیل. وهنّأ ابن الرومي عبید الله بن عبد الله بمناسبة عید النوروز فأنشده:
یَوم الثُلاثاءِ: ما یَومَ الثُلاثاء؟ ***في ذُروةٍ من ذُرا الأیامِ علیاءِ
کأنَّها هو في الأسبُوعِ واسطةٌ ***في سمطِ دُرِّ یُحلّي جید حَسناءِ
ما طابق الله نیروز الامیر بهِ ***الاّ لِتلقءُ فیه کُلُّ سَرّاءِ
لا سیَّما في ربیعِ مُمرع غَدِقٍ ***ما اَنفَکَّ یُتبعُ انواءً بأنواءِ (26)
مدح المتنبي ابا الفضل بعید النوروز قائلاً: أقبل النوروز تیمّنا بطلعتک وحقق مراد. حین وفد علیک ورآک. وهذه النظرة التي ظفر بها النوروز منک الیوم إنما یتزود بها علیه عامه لأنّه لا یزورک الامرة واحدة في کل عام وفي آخر یفارقکّ وهو آسف محزون، فلاینام ولایسر برؤیة غیرک حتی یراک فانیة. ونحن في سرور بأرض فارس وقد ولو هذا السرور في هذا الصباح، لأن الناس یفرحون فيه ویمرحون. وإن ممالک الفرس قد عظمت هذا الیوم حتی حسدته کل أیام السنة لتفضیلهم ایاه علیها. وما لبسنا أکالیل في هذا الیوم حتی کسبت الجبال والودیان الاکالیل من النبات والأزهار. کشف المتنبي في هذه القصیدة عن مشاعره واحساساته، وبین ما في نفسه في صراحة وصدق، علی إن النوروز خیر صلة بین الأمتین العربیة والفارسیة وشارک إخوانه الفرس وهو في أرض فارس بهذا العید السعید. والصنوبري شاعر الطبیعة، صوّر لنا جمال الربیع في أروع قصیدة انشدها في وصف الربیع بقوله:
ما الدَّهرُ الاّ الرّبیعُ المُستَنیرُ إذا ***أتی الرّبیعُ أتاکَ النوَّر والنوُر
الأرضُ یاقوتةٌ، والجوُّ لؤلؤةٌ ***والنبتُ فیروزجٌ، والماءُ بلوّرُ
ما یعدمُ النبتُ کأساً من سحائبه ***فالنبتُ ضربان: سکرانٌ ومخمورُ
تظلُّ تنشُر فیه السُّحبُ لؤلؤَها ***فالأرضُ ضاحکةً، والطیر مسرورُ
حیث التفتَّ فقمريٌّ و فاختةٌ ***فیه تغنّي شفنینٌ وزرزورُ
إذا الهزاران فیه صَوَّتا فهما السّـ ***ورنايُ، بل عودٌ و طنبورُ
تبارک الله احلي الرَّبیعَ فلا ***تُغرَر فقائسُهُ بالصَّیفَ مغرُور
مَن شَمَّ ریحَ تَحّیاتِ الرّبیع یَقُل ***لا المسکُ مسکٌ ولا الکافوُر کافورُ(27)
هذه القصیدة رسمت لنا صورة الربیع في غایة الجمال والابداع. یری الشاعر أن ید الربیع هي التي رسم هذه اللوحة الفنیة الجمیلة، واخرجها للعیان، کم أنه یعتقد ان الارض من کثرة الشقائق، والبراعم التي تتفتح کل یوم فأصبحت کالیاقوت. ورفعت السماء حجاب وجهها، واظهرت جمالها الذي هو کالؤلؤة البیضلء. وتحولت الأعشاب من اصفر إلی إحمرار عندما اعاد الربیع الیها دم الشباب المورق الجمیل وذابت الثلوج من قمم الجبال، وجرت في الانهار والودیان کالبلور من شدة هیجانها وجریانها. والریح الربیع جعلت الزهور والورود في حالة النشوان والسکران. وشارکت الطیور افراح الطبیعة، وجددت نشاطها وانشدت اعذب الحانها بهذه المناسبة السعیدة. فالنوروز حوّل الصحراء إلی جنة وحلّ علی الکون والانسان، مبشرا الجمیع بالخیر السعادة والمحبة والتجدد. ووصف ابونواس جمال الربیع، ومجالس جماعات السکاری الشاربین تحت باقات من الزهور، فقال:
یُباکرُنا النُّوروزُ في غَلَسِ الدُّجی ***بنورٍ علی الأغصانِ کالانجم الزُّهرِ
یلوحُ کأعلامِ المطارفِ وشیُهُ ***من الصُّقر فوق البیضِ والخُضر والحُمرِ
ادا قابَلتَهُ الریّحُ أو ما برأسهِ ***إلی الشَّربِ أن سُرُّوا ومالَ إلی السُّکر
ومسمعةٍ جاءَت بأخَرَس ناطقٍ ***بغیرلسانٍ ظلّ ینطقُ بالسّحرِ
لتبديَ سرّ العاشقین بصوتِهِ ***کما تنطِقُ الاقلامُ تجهر بالسَّرِّ
تَری فَخُذ الألواح فیها کأنّها ***إلی قَدَم نیطَت تضجُّ ألی الزَّمرِ(28)
فالنوروز هو عید الطبیعة في خدمة الانسان. ان اهتمام الملوک والخلفاء والأمراء بالنوروز عبر التاریخ کان من اجل عامله الاقتصادي الذي ساهم في زیادة الاموال والواردات التي کانت تغدق علی خزانة الدولة. اتخذ الشعراء في العهد العباسي من هذه المناسبة فرصة سانحة لاظهار الولاء للممدوحین (خلفاء، امرا، ولاة، وزراء)وعهدوا إلی المقارنة بین الممدوحین ومظاهر الطبیعة عبر استذکارهم بعطاء الطبیعة في اشارة إلی دفع الممدوح لیمثل بالطبیعة فیجزل العطاء للشاعر. ان استیفاء الخراج والضریبة في یوم النیروز علامة جلیة لسعة الملک وقوة السلطان، اذ یتمثل الامر کل الاجناس عربا وعجما وکردا وفرسا. فتدفع اموال الخراج وضریبة النیروز لتملأ خزائن الخلافة فیصور الشاعر کل ذلک علی انه دلیل علی حب الرعیة من جهة ومهابة الخلیفة والخلافة من جهة أخری. اهمیة النوروز الاقتصادیة في العصر العباسي ومحاولات الخلفاء لتثبیت النوروز في یوم مناسب لأخذ الاموال والضرائب من الارض الزراعیة وهدایا النوروز وسنة تقویم الهدایا الی کانت جاریة في زمن الاکاسرة، احییت من جدید في العصر العباسي، فالخلفاء والوزراء والامراء ورجال الدولة کانوا یعیشون عیشة الاکاسرة، ویأخذون التقالید والعادات الفارسیة التي تمیزت بها الحیاة الاجتماعیة الفارسیة القدیمة.
المصادر :
1- الصیاد،عبدالمعطي،فواد، نوروز واثره في الادب العربي، ص13
2- کریستین ،ایران في عهدالساساني ،ترجمه یحیی خشاب،ص،162
3- الجوالیقي،ابومنصور،الخطط المقریزیة،ج3،ص 396
4- مینوی،مجتبی،النیروز،مجلة،الدراسات الأدبیة،السنة الثانیة، العدد الاول ،ص،26
5- النویري،بلوغ الارب في الاحوال العرب،ج1،ص،349
6- الالوسي، محمد شکري،بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب . ج1،ص، 348
7- عمر خیام ،نوروز نامه،چاپ سرعت،تهران 1343،ص 908
8- الصیاد، عبد المعطي فواد، النوروز واثره في الادب العربي، ص9
9- ابن الجوزي في المنتظم تاریخ الملوک والامم،ج5،ص171
10- الطبري، تاریخ الرسل والملوک، ج1، ص53
11- دیوان کشاجم، تحقیق خیریة محمد محفوظ ، مطبعة دار الجمهوریة، ص 466
12- المقریزي،خططالمقریزیة،ج2،ص396
13- العسکري، کتاب الاوائل ،ص238
14- طه ندا، الاعیاد الفارسیة في العالم الاسلامي، ص14
15- البیروني، الاثار الباقیة عن القرون الخالیة، ص31
16- الاصطخراري، ابوالسحق ابراهیم، المسالک والممالک، ج2، ص255
17- محمدی ملایری، محمد، فرهنگ ایرانی پیش از اسلام، چاپ چهارم، ص70
18- البیروني، الاثار الباقیة عن القرون الخالیة، ص52
19- العاکوب، عیسی، تاثیر پند پارسی بر ادب عرب، ترجمه عبدالله شریفی، چاپ اول، ص، 11و10
20- الجاحظ، عمر بن بحر، البیان والتبیین، بیروت،دارالمکتبة الهلال، ص237
21- الطبري، محمد بن جریر، تاریخ الامم والملوک، ج6، ص2156
22- الخضري، محمد، تاریخ الامم الإسلامیة، ج1، مکتبة التجاریة الکبری، ص14
23- یاشار، احسان، حضور ایران در جهان اسلام، ترجمه فریدون مجسی،چاپ اول، ص26
24- افتخار زاده، محمود رضا، شعوبیه ناسیونالیسم ایرانی، چاپ اول قم، ص156
25- دیوان ابي تمام بشرح الخطیب التبریزی، تحقیق محمد عبده عزام،ج2،ص402
26- دیوان ابن الرومي،شرح مجید طراد، ج1، ص70
27- دیوان الصنوبری، حققه احسان عباس، بیروت،ص42،43
28- دیوان ابي نواس، شرحه أحمد عبد المجید الغزالي، ص179
source : rasekhoon