متعة النساء هی : أن تزوّج المرأة العاقلة الکاملة الحرّة نفسها من رجل ، بمهر مسمّى ، وبأجل معیّن ، ویشترط فی هذا النکاح کلّ ما یشترط فی النکاح الدائم ، أی لابدّ أن یکون العقد صحیحاً ، جامعاً لجمیع شرائط الصحّة ، لابدّ وأن یکون هناک مهر ، لابدّ وأن لا یکون هناک مانع من نسب ، أن لا یکون هناک مانع من محرمیّة ورضاع مثلاً ، وهکذا بقیّة الاُمور المعتبرة فی العقد الدائم ، إلاّ أنّ هذا العقد المنقطع فرقه مع الدائم :
أنّ الدائم یکون الافتراق فیه بالطلاق ، والافتراق فی هذا العقد المنقطع یکون بانقضاء المدّة أو أن یهب الزوج المدّة المعیّنة.
وأیضاً : لا توارث فی العقد المنقطع مع وجوده فی الدائم.
وهذا لا یقتضی أن یکون العقد المنقطع شیئاً فی مقابل العقد الدائم ، وإنّما یکون نکاحاً کذاک النکاح ، إلاّ أنّ له أحکامه الخاصّة.
هذا هو المراد من المتعة والنکاح المنقطع ، وحینئذ هل أنّه موجود فی الشریعة الاسلامیّة أو لا ؟ هل هذا النکاح سائغ وجائز فی الشریعة ؟
نقول : نعم ، ویدل علیه الکتاب و السنّة و سیرة الصحابة والمسلمین جمیعاً. وحینئذ إذا ثبت الجواز بالکتاب ، وبالسنّة المقبولة عند المسلمین ، وبه أفتى الصحابة وفقهاء الاُمة بل کانت علیه سیرتهم العملیّة ، فیکون على القائلین بالقول الثانی ، أی یجب على من یقول بالحرمة أن یقیم الدلیل.
حینئذ ، نقرأ أوّلاً أدلّة الجواز قراءةً عابرة حتّى ندخل فی معرفة من حرّم ، ولماذا حرّم ، وما یمکن أن یکون وجهاً مبرّراً لتحریمه ، حتّى نبحث عن ذلک بالتفصیل ، وبالله التوفیق.
أدلّة جواز المتعة
الاستدلال بالقرآن
هناک آیة فی القرآن الکریم یُستدل بها على حلّیّة المتعة وإباحتها فی الشریعة الاسلامیّة ، قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً ) (1).
هذه الایة نصّ فی حلیّة المتعة والنکاح المنقطع ، النکاح الموقّت بالمعنى الذی ذکرناه.
القائلون بدلالة هذه الایة المبارکة على المتعة هم کبار الصحابة وکبار علماء القرآن من الصحابة ، وعلى رأسهم أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب ( علیه السلام ) ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود ، وأُبیّ بن کعب ، وهذه الطبقة الذین هم المرجع فی فهم القرآن ، فی قراءة القرآن ، فی تفسیر القرآن عند الفریقین.
ومن التابعین : سعید بن جبیر ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدّی.
فهؤلاء کلّهم یقولون بأنّ الایة تدلّ على المتعة وحلّیّة النکاح الموقّت بالمعنى المذکور.
فلاحظوا هذه الاُمور التی ذکرت فی : تفاسیر الطبری والقرطبی وابن کثیر والکشّاف والدر المنثور فی تفسیر هذه الایة ، وفی أحکام القرآن للجصّاص (2) ، وسنن البیهقی (3) ، وشرح النووی على صحیح مسلم (4) ، والمغنی لابن قدامة (5).
فهذا هو الاستدلال بالکتاب ، بل ذکر القرطبی فی ذیل هذه الایة أنّ القول بدلالتها على نکاح المتعة هو قول الجمهور ، قال : قال الجمهور : المراد نکاح المتعة الذی کان فی صدر الاسلام (6).
الاستدلال بالسنة
وأمّا السنّة ، أکتفی من السنّة فعلاً بقراءة روایة فقط ، وهذه الروایة فی الصحیحین ، هی :
عن عبدالله بن مسعود قال : کنّا نغزوا مع رسول الله ( صلى الله علیه وسلم ) لیس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصی ! فنهانا عن ذلک ، ثمّ رخّص لنا أن ننکح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبدالله [ لاحظوا هذه الایة التی قرأها عبدالله بن مسعود فی ذیل هذا الکلام ] : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَیِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ ) (7) وکان له قصد فی قراءة هذه الایة بالخصوص فی آخر کلامه.
هذا الحدیث فی کتاب النکاح من البخاری ، وفی سورة المائدة أیضاً ، وفی کتاب النکاح من صحیح مسلم ، وفی مسند أحمد (8).
الاستدلال بالاجماع
وأمّا الاجماع ، فلا خلاف بین المسلمین فی کون المتعة نکاحاً ، نصّ على ذلک القرطبی فی تفسیره وذکر طائفة من أحکامها حیث قال بنصّ العبارة : لم یختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نکاح إلى أجل لا میراث فیه ، والفرقة تقع عند انقضاء الاجل من غیر طلاق. ثمّ نقل عن ابن عطیّة کیفیّة هذا النکاح وأحکام هذا النکاح (9).
فظهر إلى الان أنّ الکتاب یدل ، والسنّة تدل ، والاجماع قائم وهو قول الجمهور وإلى آخره.
وکذا تجدون فی تفسیر الطبری ، ونقل عن السدّی وغیره فی ذیل الایة : هذه هی المتعة ، الرجل ینکح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ، هذا فی تفسیر الطبری (10).
وفی التمهید لابن عبد البر یقول : أجمعوا على أنّ المتعة نکاح لا إشهاد فیه ، وأنّه نکاح إلى أجل ، تقع الفرقة بلا طلاق ولا میراث بینهما.
وهذا فی کتاب التمهید کتاب النکاح منه لابن عبد البر بشرح الموطأ (11).
إذن ، ظهر إلى الان أنّ هذا التشریع والعمل به کان موجوداً فی الاسلام ، وعلیه الکتاب والسنّة والاجماع.
منشأ الاختلاف فى مسألة المتعة
إذن ، من أین یبدأ النزاع والخلاف ؟ وما السبب فی ذلک ؟ وما دلیله ؟
المستفاد من تحقیق المطلب ، والنظر فی أدلّة القضیّة ، وحتّى تصریحات بعض الصحابة والعلماء ، أنّ هذا الجواز ، أنّ هذا الحکم الشرعی ، کان موجوداً إلى آخر حیاة رسول الله ، وکان موجوداً فی جمیع عصر أبی بکر وحکومته من أوّلها إلى آخرها ، وأیضاً فی زمن عمر بن الخطّاب إلى أواخر حیاته ، نظیر الشورى کما قرأنا ودرسنا.
وفی أواخر حیاته قال عمر بن الخطّاب فی قضیّة ، قال کلمته المشهورة : متعتان کانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب علیهما !! یعنی متعة النساء ومتعة الحج ، وبحثنا الان فی متعة النساء.
تجدون هذه الکلمة فی المصادر التالیة : المحلى لابن حزم (12) ، أحکام القرآن للجصّاص (13) ، سنن البیهقی (14) ، شرح معانی الاثار للطحاوی (15) ، تفسیر الرازی (16) ، بدایة المجتهد لابن رشد (17) ، شرح التجرید للقوشچی الاشعری فی بحث الامامة ، تفسیر القرطبی (18) ، المغنی لابن قدامة (19) ، زاد المعاد فی هدی خیر العباد لابن قیّم الجوزیّة (20) ، الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور (21) ، کنز العمّال (22) ، وفیات الاعیان لابن خلّکان بترجمة یحیى بن أکثم (23) ، وسنقرأ القضیّة.
ومن هؤلاء من ینصّ على صحّة هذا الخبر ، کالسرخسی الفقیه الکبیر الحنفی فی کتابه المبسوط فی فقه الحنفیّة فی مبحث المتعة (24) ومنهم أیضاً من ینصّ على ثبوت هذا الخبر ، کابن قیّم الجوزیّة فی زاد المعاد ، وسنقرأ عبارته.
صریح الاخبار : أنّ هذا التحریم من عمر ـ کانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب علیهما ـ کان فی أواخر أیّام حیاته ، ومن الاخبار الدالّة على ذلک : ما عن عطاء عن جابر قال : استمتعنا على عهد رسول الله وأبی بکر وعمر ، حتّى إذا کان فی آخر خلافة عمر ، استمتع عمرو بن حریث بامرأة سمّاها جابر فنسیتها ، فحملت المرأة ، فبلغ ذلک عمر ، فذلک حین نهى عنها.
فی أواخر حیاته ، حتّى إذا کان فی آخر خلافة عمر ، هذا نصّ الحدیث.
وهو فی المصنّف لعبد الرزّاق (25) ، وفی صحیح مسلم (26) ، وفی مسند أحمد (27) ، وفی سنن البیهقی (28).
وأمّا هذا التحریم فلم یکن تحریماً بسیطاً ، لم یکن تحریماً کسائر التحریمات ، وإنّما تحریم وعقاب ، تحریم مع تهدید بالرجم.
لاحظوا أنّه قال : لو أنّی بلغنی أنّ أحداً فعل کذا ومات لارجمنّ قبره. وأیّ المحرّمات یکون هکذا ؟
وفی بعض الروایات أنّه هدّد برجم من یفعل ، ففی المبسوط للسرخسی : لو أُوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته ، ولو أدرکته میّتاً لرجمت قبره (29).
وحینئذ نرى بأنّ هذا التحریم لم یکن من أحد ، ولم یصدر قبل عمر من أحد ، وکان هذا التحریم منه ، وهذا من أوّلیّات عمر بن الخطّاب.
ویقال بأنّه جاء رجل من الشام ، فمکث مع امرأة ما شاء الله أن یمکث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر بذلک عمر بن الخطّاب ، فأرسل إلیه فقال : ما حملک على الذی فعلته ؟ قال : فعلته مع رسول الله ثمّ لم ینهانا عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ مع أبی بکر فلم ینهانا حتّى قبضه الله ، ثمّ معک فلم تحدث لنا فیه نهیاً ، فقال عمر : أما والذی نفسی بیده لو کنت تقدّمت فی نهی لرجمتک (30).
فإلى هذه اللحظة لم یکن نهی ، من هنا یبدأ النهی والتحریم.
ولذا نرى أنّ الحدیث والتاریخ وکلمات العلماء کلّها تنسب التحریم إلى عمر ، وتضیفه إلیه مباشرة.
فعن أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقی.
هذا فی المصنّف لعبد الرزّاق (31) ، وتفسیر الطبری (32) ، والدر المنثور (33) ، وتفسیر الرازی (34).
وعن ابن عبّاس : ما کانت المتعة إلاّ رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهی عمر ما زنى إلاّ شقی.
هذا فی تفسیر القرطبی (35).
وفی بعض کتب اللغة یذکرون هذه الکلمة عن ابن عبّاس أو عن أمیر المؤمنین ، لکن لیست الکلمة : إلاّ شقی ، بل : إلاّ شفى ، ویفسرون الکلمة بمعنى القلیل ، یعنی لولا نهی عمر لما زنى إلاّ قلیل.
المهم أنّ تحریم المتعة من أوّلیات عمر بن الخطّاب فی کتاب تاریخ الخلفاء للسیوطی (36).
فإلى هنا رأینا الجواز بأصل الشرع ، بالکتاب والسنّة والاجماع ، وإلى آخره ، ورأینا التحریم من عمر بن الخطّاب وفی آخر أیّام خلافته إلى الان ، ولابد أنّ بعض الصحابة اتّبعوه فی هذا التحریم ، وفی مقابله کبار الصحابة وعلى رأسهم أمیر المؤمنین سلام الله علیه ، إذ کان موقف هؤلاء موقفاً صارماً واضحاً فی هذه المسألة.
ویقول ابن حزم : وقد ثبت على تحلیلها بعد رسول الله جماعة من السلف ، منهم ـ من الصحابة ـ :
1 ـ أسماء بنت أبی بکر.
2 ـ جابر بن عبدالله.
3 ـ وابن مسعود.
4 ـ وابن عبّاس.
5 ـ ومعاویة بن أبی سفیان.
6 ـ وعمرو بن حریث.
7 ـ وأبو سعید الخدری.
8 و 9 ـ وسلمة ومعبد ابنا أُمیّة بن خلف.
ورواه جابر عن جمیع الصحابة مدّة رسول الله [عبارة عامّة مطلقة : ورواه جابر عن جمیع الصحابة مدّة رسول الله ]ومدّة أبی بکر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر.
هذه عبارة ابن حزم ویقول : ومن التابعین :
1 ـ طاووس.
2 ـ وعطاء.
3 ـ وسعید بن جبیر.
4 ـ ... وسائر فقهاء مکّة أعزّها الله (37).
أمّا القرطبی ، فذکر بعض الصحابة منهم : عمران بن حصین ، وذکر عن ابن عبد البر أنّ أصحاب ابن عبّاس من أهل مکّة والیمن کلّهم یرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس (38).
إذن ، ظهر الخلاف ، ومن هنا یبدأ التحقیق فی القضیّة ، ولنا الحق فی تحقیق هذه القضیّة أو لا ؟ وتحقیقنا لیس إلاّ نقل نصوص وکلمات لا أکثر کما ذکرنا من قبل.
ولننظر فی تلک الاحادیث والکلمات ، لنرى أنّ الحقّ مع من ؟
کان شیء حلالاً فی الشریعة الاسلامیّة ، ورسول الله ( صلى الله علیه وآله وسلم ) لم یحرّمه ، وأبوبکر لم یحرّمه ، والصحابة لم یحرّموه ، وعمر أیضاً لم یحرّمه إلى أواخر أیّام حیاته ، وقد عملوا بهذا الحکم الشرعی ، وطبّقوه فی جمیع هذه الادوار ، فماذا یقول العلماء فی هذه القضیّة ؟
أمّا علماء الامامیّة فیجعلون هذه القضیّة فی جملة الموانع من صلاحیّة عمر بن الخطّاب للخلافة بعد رسول الله ، لانّ وظیفة الخلیفة أن یکون حافظاً للشریعة لا مبدّلاً ومغیّراً لها.
المصادر :
1- سورة النساء : 24
2- أحکام القرآن للجصّاص 2/147.
3- السنن الکبرى 7/205.
4- المنهاج فی شرح صحیح مسلم بن الحجاج 7/126 هامش القسطلانی على البخاری.
5- المغنی فی الفقه الحنفی 7/571.
6- الجامع لاحکام القرآن 5/130.
7- سورة المائدة : 87.
8- مسند أحمد بن حنبل 1/420.
9- الجامع لاحکام القرآن 5 / 132.
10- تفسیر الطبری 5 / 9.
11- التمهید لما فی الموطّأ من المعانی والمسانید لابن عبدالبر القرطبی 4 / 317.
12- المحلّى 7 / 107.
13- أحکام القرآن 1 / 279.
14- سنن البیهقی 7 / 206.
15- شرح معانی الاثار : 374.
16- تفسیر الرازی 2 / 167.
17- بدایة المجتهد 1 / 346.
18- تفسیر القرطبی 2 / 370.
19- المغنی 7 / 527.
20- زاد المعاد 2 / 205.
21- الدر المنثور 2 / 141.
22- کنز العمال 8 / 293.
23- وفیات الاعیان 5 / 197.
24- المبسوط فی فقه الحنفیة 5 / 153.
25- المصنف لعبدالرزاق بن همام 7/469.
26- صحیح مسلم بشرح النووی على هامش القسطلانی 6/127.
27- مسند أحمد بن حنبل 3/304.
28- السنن الکبرى 7/237.
29- المبسوط فی فقه الحنفیة 5/153.
30- کنز العمال 8/298.
31- المصنف لعبد الرزاق 7/500.
32- تفسیر الطبری 5/17.
33- الدر المنثور 2/40.
34- تفسیر الرازی 3/200.
35- الجامع لاحکام القرآن 5/130.
36- تاریخ الخلفاء : 137.
37- المحلّى فی الفقه 9/519.
38- الجامع لاحکام القرآن للقرطبی 5/133
source : rasekhoon