عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

التقية ومقامتها

التقية : اسم لاتقى يتقي ، والتاء بدل عن الواو كما في التهمة والتخمة. والمراد هنا : التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق .. والكلام تارة يقع في حكمها التكليفي ، وأخرى في حكمها الوضعي. والكلام في الثاني تارة من جهة الآثار الوضعية المترتبة على الفعل المخالف للحق ، وأنها تترتب على الصادر تقية كما تترتب على الصادر اختيارا ، أم وقوعه تقية يوجب رفع تلك الآثار ، وأخرى في أن الفعل المخالف للحق هل تترتب عليه آثار الحق بمجرد الاذن فيها م
التقية ومقامتها

التقية : اسم لاتقى يتقي ، والتاء بدل عن الواو كما في التهمة والتخمة.

والمراد هنا : التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق ..

والكلام تارة يقع في حكمها التكليفي ، وأخرى في حكمها الوضعي.

والكلام في الثاني تارة من جهة الآثار الوضعية المترتبة على الفعل المخالف للحق ، وأنها تترتب على الصادر تقية كما تترتب على الصادر اختيارا ، أم وقوعه تقية يوجب رفع تلك الآثار ، وأخرى في أن الفعل المخالف للحق هل تترتب عليه آثار الحق بمجرد الاذن فيها من قبل الشارع أم لا ؟

ثم الكلام في آثار الحق الواقعي قد يقع في خصوص الاعادة والقضاء إذا كان الفعل الصادر تقية من العبادات ، وقد يقع في الآثار الاخر ، كرفع الوضوء الصادر تقية للحدث بالنسبة إلى جميع الصلوات ، وإفادة المعاملة الواقعة تقية الآثار المترتبة على المعاملة الصحيحة.

 

فالكلام في مقامات أربعة :

أما الكلام في حكمها التكليفي (1) :

فهو أن التقية تنقسم إلى الاحكام الخمسة :

فالواجب منها : ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا ، وأمثلته كثيرة.

والمستحب : ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر : بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر ، كترك المداراة مع العامة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم ، فإنه ينجر غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم.

والمباح : ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع ، كالتقية في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الاصحاب ، ويدل عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة وأمرا بسب أمير المؤمنين صلوات الله عليه (2).

والمكروه : ما كان تركها وتحمل الضرر أولى من فعله ، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر ، وأن الاولى تركها ممن يقتدي به الناس ، إعلاء لكلمة الاسلام ، والمراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضده أفضل.

والمحرم منه : ما كان في الدماء.

 

وذكر الشهيد قدس سره (3) في قواعده :

أن المستحب : إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا ويتوهم ضررا آجلا أو ضررا سهلا ، أو كان تقية في المستحب ، كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وترك بعض فصول الاذان.

والمكروه : التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا ، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.

والحرام : التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا ، أو في قتل مسلم.

والمباح : التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة ولا يصل (4) بتركها ضرر (5) ، انتهى.

وفي بعض ما ذكره قدس سره تأمل.

ثم الواجب منها يبيح كل محظور من فعل الواجب وترك المحرم.

والاصل في ذلك : أدلة نفي الضرر (6) ، وحديث رفع عن أمتي تسعة أشياء ، ومنها : « ما اضطروا إليه » (7) ، مضافا إلى عمومات التقية ، مثل قوله في الخبر : « إن التقية واسعة ، ليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور » (8) ، وغير ذلك من الاخبار المتفرقة في خصوص الموارد. (9).

وجميع هذه الادلة حاكمة على أدلة الواجبات والمحرمات ، فلا يعارض بها شيء منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى الاصول بعد فقده ، كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة.

الشيخ مرتضى الانصاري

--------------------------------------------------

الهوامش:

1 ـ هذا هو المقام الاول.

2 ـ وهو الخبر الذي رواه ثقة الاسلام الكليني رحمه الله بسنده عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لابي جعفر عليه السلام : رجلان من أهل الكوفة اخذا ، فقيل لهما : ابرئا من أمير المؤمنين ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلي سبيل الذي بريء وقتل الآخر ، فقال : « أما الذي بريء فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة » الكافي 2 / 175 حديث 21.

3 ـ هو : الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، ويعرف بالشهيد على الاطلاق أو الشهيد الاول ، عالم نحرير ، فضله أشهر من أن يذكر ونبله أعظم من أن ينكر ، له عدة مؤلفات قيمة ، منها : القواعد والفوائد ، وهو مختصر مشتمل على ضوابط كلية أصولية وفرعية يستنبط منها الاحكام الشرعية ، استشهد مظلوما سنة 786.

لؤلؤة البحرين : 143 ، الذريعة 17 / 193.

4 ـ في المصدر : ولا يحصل.

5 ـ القواعد والفوائد 2 / 157 و 158 ، باختلاف.

6 ـ مثل قوله عليه السلام : « لا ضرر ولا ضرار » كما ورد في عدة روايات ، انظر : الكافي 5 / 280 حديث 4 و 292 حديث 2 و 293 حديث 6 و 294 حديث 8 ، الفقيه 3 / 45 حديث 154 حديث 154 و 59 حديث 208 و 147 حديث 648 ، التهذيب 7 / 146 حديث 651 و 164 حديث 727 ، دعائم الاسلام 2 / 499 حديث 1781 و 504 حديث 1805.

7 ـ روى هذا الحديث الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة » الخصال 2 / 417 حديث 9 من باب التسعة.

8 ـ الكافي 3 / 380 حديث 7 ، التهذيب 3 / 51 حديث 177.

9 ـ راجع : وسائل الشيعة 11 / 459 ـ 483 ، من باب 24 إلى باب 32 من أبواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.


source : tebyan
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ماذا يحب الرجل في المرأه ..
دعوة للتكامل مع الاحتفاظ بخصوصية الآخر
خصائص الأسرة المسلمة
هل يعاني الشباب حقاً من مشكلة؟
إصدار كتاب "كربلاء كما شاهدت
اعتصام “زينبيات صمود” ومسيرات “أنات الإنتصار” ...
الواصلية
الإمام الخميني (ره) أحيا الإسلام وبث روح المقاومة ...
الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بالشيخ صاحب ...
اليك عشر طرق للنوم الهاديء

 
user comment