أحكام الإسلام ، تقوم كلها على أساس الحكمة و المصلحة ، و جميعها لها دلالاتها الخاصة ، و خاصة دلالاتها الإجتماعية. و من هذه الأحكام ما يتعلق بالميت من غسل ، و تكفين و صلاة و دفن . و كلها ذات معان خاصة لسنا بصدد الحديث عنها .
إلاّ أن أحكام الميت هذه ، لها استثناء .. و هذا الإستثناء ، يختص بجسد الشهيد . فأحكام الميت لا تطبق على جسد الشهيد ، سوى الصلاة و الدفن . أما الغسل و التكفين .. فلا . الشهيد يدفن بدمه و ملابسه . و هذا الإستثناء له مغزاه العميق ، انه يرمز إلى أن روح الشهيد ، بلغت درجة من السمو و الطهارة ، بحيث ترك هذا السمو و الطهر آثاره على جسد الشهيد و على دمه ، بل و حتى على ما يرتديه من لباس . بدن الشهيد "جسد متروح " إن صح التعبير ، أي أضحى وجودا تجري عليه أحكام الروح . و لباسه أضحى .. " لباسا متجسدا " أي تجري عليه أحكام الجسد ، الذي يضم تلك الروح الطاهرة . فجسد الشهيد و لباسه ، اكتسبا الشرف من طهر روحه و علو فكره و سمو تضحيته . و تلك دلالة أخرى على قداسة الشهيد في المفهوم الإسلامي .
منشأ القدسية
ما هو مبعث القدسية في " الشهادة " ؟! ، من الواضح أن هذه القدسية لا تأتي من كونها مقرونة بالقتل . فكثير من القتل لا تعدو أن تكون هلاك إنسان ، و ربما اقترنت أحيانا بالعار بدلا من الفخار . لنوضح هذه المسألة أكثر ، موت الأشخاص ذو أنواع و أقسام :
1- الموت الطبيعي : الإنسان يموت بشكل طبيعي بعد أن يقضي عمره الطبيعي ، و مثل هذا الموت لا ينطوي على عار و لا فخار . و لا يستتبعه عادة أسف عميق .
2 - الموت الإخترامي ( اخترمه : أهلكه و استاصله) : و هو ما يحدث على أثر انتشار الأمراض الفتّاكة و الأوبئة أو وقوع الزلازل و السيول و نظائرها من السوانح الطبيعية . هذا النوع من الموت لا يتضمن عارا و لا فخارا أيضا.. لكنه يقترن بالأسف عادة ، لأنه يودي إلى إتلاف الأفراد .
3- الموت المصحوب بعمل جنائي : حيث المقتول برئ ، و القاتل ينقض على فريسته ارضاءا لهواه و قضاء على من يتصور أنه يزاحمه في مصالحه الشخصية . مثل أنواع هذا القتل نقرا أخبارها باسمرار على أعمدة الصحف و في صفحات التاريخ . فهذا رجل قتل صاحبه لمنافسة بينهما على مال أو متاع . و هذه إمرأه قتلت طفل زوجها ، كي تستأثر وحدها بحب الزوج . و ذاك الوالي أعمل السيف ، فيرقاب أبناء وال آخر تجنبا لمنافستهم إياه في المستقبل . و على مسرح مثل هذه الحوادث جانبان .. جانب يقف فيه القاتل و يداه ملطختان بدم الجناية ، و عيناه يتطاير منهما الخبث و الشرر و منظره ، يثير النفرة و الإحتقار .. ، و جانب آخر ، يظهر فيه المقتول صريعا مظلوما ، مهدور الدم ، يثير تجاهه عواطف الأسف و الترحم . و من الواضح ، أن هذا النوع من الموت _ مع ما يتضمنه من أسف و ترحم على القتيل _ لا يقترن بالإعجاب و الإفتخار ، لأن المقتول لم يكن له دور في العملية ، بل إن عوامل الحسد و العداء و الحقارة ، هي التي أردت هذا الإنسان قتيلا .
4_ الموت الجنائي : و هو ما يحدث على أثر جناية يرتكبها القتيل كالإنتحار ، و هو أحط أنواع الموت . و أولئك الذين يقتلون في حوادث اصطدام السيارة نتيجة ارتكابهم خطأ عمديا و كل الذين يلاقون حتفهم على طريق الإنحرافات ، يموتون بهذا النوع الجنائي .
5_ الإستشهاد : و هو الموت الذي يتجه نحوه القتيل تحقيقا لهدف مقدس إنساني ، أو " في سبيل الله"، على حد التعبير القرآني ، مع ما يحتمله أو يظنه أو يعلمه من أخطار في طريقه .
source : tebyan