حينما انطلق أبو الفضل العباس - عليه السلام - كالسهم الى المشرعة ، يحمل السقاء والسيف واللواء ، وقف الحسين - عليه السلام - على مقربة من المخيم يستشرف المعركة ، ولعل بعض النسوة من أهل البيت كن يرمقن وجه الحسين - عليه السلام - ، لان في وجهه كانت ترتسم صورة تلك المعركة الفاصلة .
يقتحم العباس المشرعة ، يفر المدافعون عنها فرار المعزى عن الأسد الهصور ، يحمل الماء ويأتي به . ولعل هذه الصور المشرقة كانت ترتسم في ملامح سيد الشهداء - عليه السلام - فتزداد اشراقا وانشراحا ..
ولكن العباس - عليه السلام - يختار طريقا قريبا الى المخيم ، وهو طريق النخيل . فيكمن له الاعداء بينها ، وينادي عمر بن سعد بجنده البالغ عددهم ثلاثين ألفا ؛ لا تدعو العباس يصل الى اصحاب الحسين ، فإنهم لو شربوا الماء لم ينج احد منكم من المقتل .
وهكذا تتعبأ كل القوات ضد البطل ؛ أربعة آلاف من الرماة يوجهون نبالهم على العباس .. وينتشر سائر المقاتلين بين النخيل ليحولوا بين العباس وبين المخيم . فيكمن بعضهم له بين النخيل ، ويقطعون يمينه ثم يساره ، ولكن العباس ينطلق كالسهم الى المخيم لعله ينجح في مهمته التي أمره بها الامام الحسين - عليه السلام - .
كانت لحظات حاسمة ، وكانت السهام تتقاطر عليه كوابل من المطر ، وكان العباس - عليه السلام - يرتجز ويقول :
لا أرهب المــــوت اذا المــوت رقا حتى أوارى في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا انـــي أنــا العباس اغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقى (1)
فجاء سهم فأصاب القربة واريق ماؤها ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره فانقلب عن فرسه وصاح الى أخيه الحسين : أدركني .
فلما رأه صريعا بكى . وقال : الان انكسر ظهري وقلت حيلتي .
وقالت رواية : ضربه ملعون بعمود من حديد ، فلما رأه الحسين - عليه السلام - انشأ يقول :
تعديتـــم يا شر قـــوم ببغيكــــــم وخالفتــم ديـــن النبــي محمــــد
اما كان خير الرسل اوصاكم بنا اما نحن من نجل النبي المســدد
اما كانت الزهراء أمــي دونكــم اما كان من خير البريـــة أحمـــد
لعنتم وأخزيتـم بما قـــد جنيتــــم فسوف تلاقوا حر نار توقد (2)
وعاد الامام الحسين - عليه السلام - الى المخيم ، وارتسمت على محياه علامات حزينة .
لقد فقد نصيره الأول : وصاحب لواءه ، والعلامة من عسكره . تقول الرواية انه لم يخبر النسوة بمصرع أخيه العباس وانما تقدم نحو خيمته ، وأنام عمودها وبهذه العلامة عرفت النسوة ان صاحب هذه الخيمة قد استشهد .
وقد أجاد الشاعر حين قال :
عمد الحديد بكربلاء خسف القمر من هاشم فلتبكه عليا مضر
فمشى اليه السبط ينعــــــاه كسر ت الان ظهري يأ أخي ومعيني
فسلام الله عليك يا أبا عبد الله ، وسلام الله على أخيك وناصرك العباس ، وعلى الدماء السائلات بين يديك ورحمة الله وبركاته .
__________________
(1) بحار الانوار / ج 45 / ص 40 - طبعة بيروت
(2) المصدر / ص 42
source : sibtayn