لقد أوضح الذکر الحکیم المنزلة الرفیعة والمکانة العظیمة للعلماء فی العدید من ایاته مبیّناً أن لهم من الشأن ما لا یمکن بلوغه لغیرهم حیث یمتلکون خصائص ربانیة فی قطع الأشواط إلى العالم العلوی ومیّزات إلهیة حصیلة الملکات الفاضلة التی حازوا علیها والمجاهدا
لقد أوضح الذکر الحکیم المنزلة الرفیعة والمکانة العظیمة للعلماء فی العدید من ایاته مبیّناً أن لهم من الشأن ما لا یمکن بلوغه لغیرهم حیث یمتلکون خصائص ربانیة فی قطع الأشواط إلى العالم العلوی ومیّزات إلهیة حصیلة الملکات الفاضلة التی حازوا علیها والمجاهدات التی أوصلتهم إلى ما لا عین رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهم حملة أشرف العلوم وورثة الأنبیاء والحماة عن دین اللَّه تعالى أن تدخله البدع والانحرافات کما هناک حماة ومرابطون على الثغور یدافعون عن الأرض والعرض فإن العلماء بأیدیهم کانت صیانة المعنویات الإسلامیة من الانقراض والعقائد الدینیة من الانتقاض، وإن ثبات المجاهدین وصبر الصابرین إنما کان حصاد غذائهم الروحی وزرعهم النورانی حیث حرصوا على مدى العقود ورغم اضطهادهم من الظالمین والولاة على اداء الرسالة کما أرادها صاحبها محققّین الأهداف وغیر مبالین ولا خائفین فحفل تاریخهم بأشجع المواقف وأصدق المعارف مع التضحیات الکبرى لیکتب الواحد منهم فی سجّل الخالدین کل یوم شهیداً بل فاق ذلک حیث یقول الصادق علیه السلام: (إذا کان یوم القیامة جمع اللَّه عزّ وجلّ الناس فی صعید واحد ووضعت الموازین فیوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فیرجّح مداد العلماء على مداد الشهداء)(1)
وربما کان ذلک لوقوع تلقی العلم منهم فی سلسلة الأسباب الممهّدة والمساعدة على الشهادة ولأنهم الأدّلاء على اللَّه کما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام (2) وهم لیسوا حاجة فقط بل ضرورة تشکل صمّام الأمان فی هذا الوجود کما یعبر عن ذلک الإمام الخمینی رضوان الله علیه قائلاً: (لولا وجود هؤلاء العلماء لانمحى الإسلام، فأولئک هم خبراء الإسلام، ولقد صانوا الإسلام حتى الان ویجب أن یبقوا لیبقى الإسلام مصون)(3)
أهمیة اتباع العلماء:
إن ما یبرز هذه الأهمیة مضافاً إلى ما تقدم إنها ذات أثر فی کلا العالمین ومحل تأکید وتشدید فی وصایا الأنبیاء والأولیاء علیهم السلام حیث یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: (واعلموا أن صحبة العالم واتباعه دین یدان اللَّه به، وطاعته مکسبة للحسنات، ممحاة للسیئات، وزخیرة للمؤمنین ورفعة فی حیاتهم)(4)وإنما کان ذلک لأن العلماء مظهر الإسلام الذی یحکی عن جوهره الحقیقی، فینطق الصواب ویفصل الخطاب، بمثابة ربّان السفینة المبحرة وسط الأمواج الهائجة إلى شاطىء الأمان الإلهی.
حقوق العلماء:
إن هناک جملة من الاداب والحقوق لا بد من مراعاتها مع العالم ولا یجدر بنا الانحراف عن جادتها، بل لا بد من التعرّف علیها حتى لا یقودنا الجهل بها إلى الوقوع فی حفیرتها أو الانزلاق إلى شرکها وهی على قسمین: الأول: ما ینبغی فعله والقیام به، والثانی: ما ینبغی ترکه والاجتناب عنه.القسم الأول: ما ینبغی فعله:
الحق الأول: مجالستهم.
فقد جاء عن النبی صلى الله علیه وآله: (ما من مؤمن یقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه عزّ وجلّ: جلست إلى حبیبی وعزتی وجلالی، لأسکننّک الجنة معه ولا أبالی)(5)ومما جاء فی وصیة لقمان لولده: (یا بنی جالس العلماء وزاحمهم برکبتیک فإن اللَّه عزّ وجلّ یحیی القلوب بنور الحکمة کما یحیی الأرض بوابل السماء)(6)
فیتضح أن حیاة القلوب بل أحیاؤها بنور الحکمة والمعرفة التی من یؤتاها فقد أوتی خیراً کثیراً هو على أیدیهم وبواسطتهم، فالعازف من مجالستهم سائق لقلبه نحو الموت.
الحق الثانی: زیارتهم.
حیث أن اللَّه تعالى قد رتّب على ذلک ثواباً کبیراً إضافة إلى الاستفادة العاجلة مصرّحاً بأن زیارتهم أحبّ إلیه من الحج والعمرة، فقد جاء عن النبی صلى الله علیه وآله: (زیارة العلماء أحبّ إلى اللَّه تعالى من سبعین طوافاً حول البیت، وأفضل من سبعین حجة وعمرة مبرورة مقبولة، ورفع اللَّه تعالى له سبعین درجة، وأنزل اللَّه علیه الرحمة، وشهدت له الملائکة أن الجنة وجبت له)(7)الحق الثالث: توقیرهم وإکبارهم.
عن أمیر المؤمنین علیه السلام: (من وقّر عالماً فقد وقّر ربه)(8) وفی رسالة الحقوق: "وأما حق سائسک بالعلم التعظیم له والتوقیر لمجلسه".لعل من أکثر المشکلات التی نمارسها مع العلماء، التعاطی معهم کالاخرین، وربما نتجرأ أکثر اعتماداً على رحابة الصدر أو قوة التحمل، أو التواضع الذی یتحلى به العالم حیث أنه رأى الحکمة، وما ذلک إلا لجهلنا بأن اللَّه تعالى رفعهم حیث یقول سبحانه:(یرفع اللَّه الذین امنوا منکم والذین أوتوا العلم درجات)(9) أو لعلمنا وعدم مراعاتنا لهذا الحق مع أنها عبادة یصح التقرب بها إلى اللَّه سبحانه کما عن النبیصلى الله علیه وآله: (النظر إلى وجه العالم عبادة)(10)، (وخیر لک من عتق ألف رقبة)(11)
الحق الرابع: تخصیصهم بالتحیة.
وإنما کان ذلک لأن الإسلام خصّهم وقدّمهم وأمرنا أن نعاملهم على وفق الموقع والمقام الذی دفعهم به غیر منتقصین لقدرهم مقدار ذرّة، یقول أمیر المؤمنین علیه السلام: (من حق العالم علیک أن تسلّم على القوم عامة وتخصّه دونهم بالتحیة)(12)الحق الخامس: حسن الإصغاء إلیهم.
فإن عدم مراعاة هذا الأمر یحوج العالم إلى کلامه، أو یوقع السامع حین التعلم فی بعض الشبهات لفوات بعض فقرات الکلام حیث لم یکن مقبلاً علیه بکلیته وعقله لذا جاء فی حقّه: (وحسن الاستماع إلیه والإقبال علیه والمعونة له على نفسک فیما لا غنى بک عنه من العلم بأن تفرغ له عقلک وتحضر فهمک)(13)الحق السادس: الحزن على فقدهم.
وهو بمنزلة فقد الأب الحقیقی الذی یرعى شؤونه ویهتدی بهدیه بل أعظم منه حیث ورد عن النبی صلى الله علیه وآله: "موت العالم مصیبة لا تجبر وثلمة لا تسدّ، وهو نجم طُمِس، وموت قبیلة أیسر من موت عالم)(14)القسم الثانی: ما ینبغی ترکه.
أولاً: التخلّی عنهم.
وهو سبب لبلاءات عظیمة وللخذلان من اللَّه تعالى کما فی الدعاء: (أو لعلک فقدتنی من مجالس العلماء فخذلتنی)(15) وعن النبی صلى الله علیه وآله: (سیأتی زمان على أمتی یفرون من العلماء کما یفر الغنم عن الذئب ابتلاهم اللَّه تعالى بثلاثة أشیاء:
الأول: یرفع البرکة من أموالهم.
الثانی: سلّط اللَّه علیهم سلطاناً جائراً.
الثالث: یخرجون من الدنیا بلا إیمان)(16) .
ألا أن هذه المسبَّبات الناتجة عن ترکهم لخیر دلیل على مدى قبح هذا الأمر.
ثانیاً: النقد الهدّام.
وهو الذی یقوم على أساس تتبع ثغراتهم وإحصاء عیوبهم أو ادّعاء أکاذیب لیس لها صلة بواقعهم لا لأجل تصحیح المسار ولا إصلاح الأمر وإنما بغیة التحطیم وغالباً ما یکون من أهل الجهل تفاعلاً مع بعض المؤثرات التی یتلاعب بها الهوى وانسجاماً مع المصالح الخاصة ویبدی الإمام الخمینی رضوان الله علیه استیاءه من ذلک قائلاً: (کل من یرى کتاب جواهر الکلام یدرک مدى جهود المجتهدین الذین یتطاول الیوم علیهم عدد من روّاد الأزقة لیحددوا لهم تکلیفهم)(17).
ثالثاً: انتهاک مجالسهم.
وهو ما یتمّ ببعض التصرفات التی تتنافی وشخصیة المؤمن عدّ منها الإمام زین العابدین علیه السلام: (رفع الصوت علیهم، وسبقهم بالجواب إذا سألهم أحد من الناس، والإلحاح، والمحادثة مع غیرهم رغم حضورهم، والغیبة عندهم والإشارة بالید والغمز بالعین، والأخذ بالثوب، والهمس مع الاخرین بالأسرار وإفشاءها وغیر ذلک مثل قال فلان وقال فلان خلافاً لهم وطعناً بمقالهم)(18)
المصادر :
1- میزان الحکمة، ج3، ص7602.
2- میزان الحکمة ج4، ص0242.
3- صحیفة النور، ج15، ص051.
4- 4تحف العقول، ص141.
5- البحار، ج1، ص198.
6- میزان الحکمة، ج1، ص402.
7- عدة الداعی، ص66.
8- غرر الحکم، ص285.
9- المجادلة، ایة/11.
10- البحار، ج1، ص591.
11- میزان الحکمة ، ج1، ص402.
12- میزان الحکمة، ح39831.
13- رسالة الحقوق، ص47.
14- میزان الحکمة ج3، ص0702.
15- الصحیفة السجادیة، ص222 / مصباح المتهجد للطوسی، ص885.
16- میزان الحکمة، ج3، ص4232.
17- أسرار الصلاة للخمینی.
18- میزان الحکمة، ح19831.
source : rasekhoon