الإمام باعتباره المسؤول الأول بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شؤون الأمة ، عليه أن يتفقد الرعية بما يصلحها ويقوم ما اعوج من أودها ، وابتعاده عن مركز المسؤولية العامة بتأثير من غلبة السياسات الظالمة ، لا يقلل من اهتمامه في هذا المجال ، بحسب ما تسمح به الظروف السياسية والاجتماعية العامة . فعن أبي حنيفة سائق الحاج ، قال : مر بنا المفضل أنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل فأتيناه ، فأصلح بيننا مائةبأربع درهم ، فدفعها إلينا من عنده ، حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه ، قال : أما إنها ليست من مالي ، ولكن أبا عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله ، فهذا من مال أبي عبد الله . وهذه الحادثة على بساطتها تعطينا المثل الرائع على مدى شعور الإمام بالمسؤولية ، واهتمامه بقضايا الأمة الحياتية ، ودفع ما ربما يوجب الانقسام فيما بينها . وفي مجال آخر من اهتمامات الإمام العامة ، يحدثنا معتب قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تزيد السعر في المدينة : كم عندنا من طعام ؟ قلت : عندنا ما يكفينا أشهرا كثيرة . قال : أخرجه وبعه . قلت له : وليس في المدينة طعام . قال : بعه . فلما بعته قال : اشتر مع الناس يوما بيوم ، يا معتب ، إجعل قوت عيالي نصفا شعيرا ونصفا حنطة ، فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها ،ولكني أحب أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة . فالإمام (عليه السلام) لا يريد أن يكون في معزل عن واقع الناس بما يزخر به من مشاكل وآلام ، بل يريد لنفسه أن يكون واحدا ، فهو يشاركهم مسؤوليات الحياة بما تفرضه تقلبات الأحوال وانعكاساتها على الصعيد العام . والمسؤولية التي تحملها الإمام هنا أولا : بعرض ما توفر لديه من الغلات في السوق ، مشاركة منه بحل جزء ولو يسير من مشكلة فقدان المادة الأولية للعيش ، وتوجيها عمليا للآخرين من أجل أن يقاوموا في أنفسهم عوامل الاحتكار والإثرة التي قد تتسبب عنها كارثة اجتماعية واقتصادية عامة . . . وثانيا : بمساواته لنفسه وعياله حياتيا مع الآخرين فيما يصيبهم من ضيق وعناء . . . وهذا أقصى ما يتمكن به الإمام من مشاركة واهتمام في هذا المجال . صبره وجلده كان الإمام الصادق (عليه السلام) ذا صبر منيع بالقوة ، وجلد يذوب معه عنف الشدة ، لا يجزع من أمر الله عندما ينزل به المصاب من فقد ولد أو أخ أو قريب ، ولا يتململ ضجرا من ضائقة تحل به ، بل يصبر على ذلك بروح يعمرها الشكر والرضا بما كتب الله وقضى به ، ولقد عانى الإمام من ملوك عصره وولاتهم قسوة الظلم ومرارة الاضطهاد ، ولقي من عنتهم ما يضيق عنه الصبر ويتلاشى معه الجلد ، ولكنه أقوى من ظلامة الأحداث وأصلب إرادة أمام عاديات المحن ، امتحنه الله بحمل مسؤولية خلافة الإيمان في الأرض ، وحفظ معطيات الرسالة من أجل خير بني الإنسان ، فكان الأمين على مكنونها ، والحارس لحقها ، رغم تحديات الكفر وانتهاكات الباطل ، ومضايقات الموغلين في البغي ، الذين وجدوا في علم الإمام وتقواه وهديه وما انطوت عليه نفسه من ملكات قدسية فريدة ، تحديا لجهلهم وفسقهم وابتعادهم عن الهدى ، وإيغالهم في معصية الله ، فكان عملهم الدائب هو ترقب الفرصة للقضاء على ذلك الوجود الرسالي المقدس ، وحبك المؤامرات لتصفيته جسديا وروحيا ، فلاحقوه بكل ما يمكنهم من الأذى والاضطهاد والتضييق عليه بما يقصر عنه احتمال الرواسي ، وكان صامدا كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، رافضا الاستسلام أمام التحديات الجائرة ، فهو الأمين على أداء رسالته ، شأنه شأن أصحاب الرسالات ، أن يضطهدوا فيصبروا ، ويقاوموا فيثبتوا . عاش الإمام من كد يمينه . ولقد مارس الإمام الصادق (عليه السلام) العمل المجهد من أجل العيش الكريم ، رغمما يتمتع به من مركز علمي واجتماعي وقيادي . فعن إسماعيل بن جابر ، قال : أتيت أبا عبد الله ، وإذا هو في حائط له بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء ، وعليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه . وربما يتصور البعض أن مركز الإمام يمنعه من ممارسته مثل هذا العمل فيعترض باستغراب . فعن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر ، فقلت : جعلت فداك ، حالك عند الله ، وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم ؟ ! فقال الإمام (عليه السلام) : يا عبد الأعلى ، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك . وبهذه الإجابة الدامغة حدد الإمام قيمة العمل ومعطياته .
وتقواه وهديه وما انطوت عليه نفسه من ملكات قدسية فريدة ، تحديا لجهلهم وفسقهم وابتعادهم عن الهدى ، وإيغالهم في معصية الله ، فكان عملهم الدائب هو ترقب الفرصة للقضاء على ذلك الوجود الرسالي المقدس ، وحبك المؤامرات لتصفيته جسديا وروحيا ، فلاحقوه بكل ما يمكنهم من الأذى والاضطهاد والتضييق عليه بما يقصر عنه احتمال الرواسي ، وكان صامدا كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، رافضا الاستسلام أمام التحديات الجائرة ، فهو الأمين على أداء رسالته ، شأنه شأن أصحاب الرسالات ، أن يضطهدوا فيصبروا ، ويقاوموا فيثبتوا . عاش الإمام من كد يمينه . ولقد مارس الإمام الصادق (عليه السلام) العمل المجهد من أجل العيش الكريم ، رغمما يتمتع به من مركز علمي واجتماعي وقيادي . فعن إسماعيل بن جابر ، قال : أتيت أبا عبد الله ، وإذا هو في حائط له بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء ، وعليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه . وربما يتصور البعض أن مركز الإمام يمنعه من ممارسته مثل هذا العمل فيعترض باستغراب . فعن عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر ، فقلت : جعلت فداك ، حالك عند الله ، وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم ؟ ! فقال الإمام (عليه السلام) : يا عبد الأعلى ، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك . وبهذه الإجابة الدامغة حدد الإمام قيمة العمل ومعطياته .
دينارا بدينار ، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة ، فدخل مصادف على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار ، فقال : جعلت فداك ، هذا رأس المال ، وهذا الآخر ربح . فقال الإمام (عليه السلام) : إن هذا الربح كثير ، ولكن ما صنعتم في المتاع ؟ فحدثه كيف صنعوا وكيف تحالفوا . فقال الإمام (عليه السلام) : سبحان الله ، تحلفون على قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلا بربح الدينار دينارا ! ! ثم أخذ أحد الكيسين ، فقال : هذا رأس المال ولا حاجة لنا في هذا الربح ، ثم قال : يا مصادف ، مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال . فكان موقف الإمام في هذا المقام هو موقف الإسلام الذي يرفض الاستغلال في أي مجال من مجالات الحياة ، ويحدد عمليا إنسانية الإسلام في المعاملة ورفضه التجاوزات ، سواء في ذلك الاستغلال المالي أو الاستغلال العملي ، وغير ذلك من وجوه الاستغلال البغيض ، لأنه تعبير آخر عن الخيانة والسرقة ، بصورة قد يتراءى منها وكأنها مشروعة . شجاعة الإمام (عليه السلام) والشجاعة إحدى السمات الأصيلة المميزة لرجالات بني هاشم عامة وأهل البيت خاصة ، التي عرفوا بها وعرفتها لهم المواقف الجريئة في مختلف مواطن الحرب والسلم . والإمام الصادق (عليه السلام) لم يمارس حربا ولا قتالا في جميع فترات حياته ، لأنه عاش في عزلة عن الحكم وبعدا عن المعترك السياسي العام ، ومظهر شجاعته كان حاصلا في تلك المواقف الصامدة التي واجه بها الطاغية المنصور الدوانيقي وولاته ، متحديا فيها ما كانوا يمارسون من جبروت وطغيان وتجاوزات ظالمة على كرامة الأفراد والجماعات ، عندما تكون هناك ضرورة رسالية للتحدي والمواجهة . وكما حدث له مع داود بن علي والي المنصور الدوانيقي على المدينة ، عندما أمر بقتل مولى الإمام المعلى بن خنيس ، وخروج الإمام مغضبا ، وأمره بقتل القاتل في مواجهة جريئة مع الوالي المستبد ، ويكفي في مظهر شجاعته ذلك الموقف الرسالي السلبي المستمر الذي اتخذه من الحكم . أخلاقه وصفاته لقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) مثلا أعلى للأخلاق الفاضلة والصفات الجميلة والمزايا الحميدة ، فهو الصادق في القول والفعل ، والناطق بالحق ، والعالم العامل بعلمه ، والموجه للأمة بدعوته ، وما أجمع علماء الإسلام على اختلاف نزعاتهم وطوائفهم كما أجمعوا على فضله وعلمه . لقد كان قويا في دينه ، لا يهن لشدة ، ولا يتزلزل عند النوازل ، ولا يضعف عند النكبة ، بل يتلقى كل ذلك بقلب لا يتسرب إليه الضعف . ولقد وصفه المنصور الدوانيقي وهو خصمه الألد بقوله : إنه ممن اصطفاه الله ، وكان من السابقين في الخيرات . شهد الأنام بفضله حتى العدا * والفضل ما شهدت به الأعداء وقد وصفه تلميذه مالك بن أنس بأنه : كان من العلماء العباد الذين يخشون الله . ووصفه أبو حنيفة بأنه : أعلم أهل زمانه ، وما رأى أعلم منه ، وإن هيبته تفوق هيبة المنصور صاحب الملك والصولجان . ووصفه عمرو بن المقدام بقوله : ما نظرت إلى جعفر بن محمد إلا وعلمت أنه من سلالة النبيين . وقد ثبت عن الإمام زيد بن علي (عليه السلام) أنه قال : إنه (أي الصادق) حجة الله ، لا يضل من تبعه ، ولا يهتدي من خالفه .
ونود في هذا المقام أن نقتطف شذرات من عظمة الإمام (عليه السلام) وشخصيته الفذة ، وصفاته الحميدة ، ومزاياه الفريدة . عن الشيخ محمد أبو زهرة من علماء الأزهر الذي كتب مؤلفا عن حياة الإمام الصادق (عليه السلام) .
انطباعات أبي زهرة عن شخصية الإمام عليه السلام
1- ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق وعلمه ، فأئمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه وأخذوا ، أخذ عنه مالك ابن أنس ، وأخذت عنه طبقة مالك : كسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وغيرهما كثير ، وأخذ عنه أبو حنيفة مع تقاربهما في السن واعتبره أعلم الناس ، لأنه أعلم الناس باختلاف الناس ، وقد تلقى عليه رواة الحديث طائفة كبيرة من التابعين ، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وأبان بن تغلب وأبو عمرو بن العلاء وغيرهم من أئمة التابعين في الفقه والحديث . وذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين ومن جاء بعدهم والأئمة المجتهدين الذين أشرنا إلى بعضهم . وفوق هذه العلوم كان الإمام الصادق على علم بالأخلاق وما يؤدي إلى فسادها ، وقد أتى هذا العلم لإشراق روحه ولكثرة تجاربه ولالتزامه جادة الحق ، مع اضطراب الدنيا في عهده ، فقد ثقفته التجارب كما تثقف بالتقوى ، وأرهفت حسه دراساته الإسلامية مع قوة الوجدان الديني وقوة استمساكه بالفضيلة ، مما رآه من تفشي الرذيلة للمجتمعات ، وهكذا النفس المشرقة المؤمنة لا يزيدها شيوع الرذيلة إلا استمساكا بالحق ، ولذلك نطق بالحق . ولننقل لك وصيته لابنه موسى ، فهي خلاصة تجارب نفس مؤمنة مستمسكة تمرست بالحياة وعلمت ما فيها ، فقد جاء في حلية الأولياء ما نصه : حدث بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق ، قال : دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه ، فكان مما حفظت منها أن قال : يا بني اقبل وصيتي ، واحفظ مقالتي ، فإنك إن حفظتها تعيش سعيدا ، وتموت حميدا . يا بني ، من رضي بما قسمه الله له استغنى ، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسمه الله اتهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره . يا بني : من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ، ومن داخل السفهاء حقر ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن دخل مداخل السوء اتهم . يا بني ، إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك ، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك . يا بني ، قل الحق لك أو عليك ، يا بني ، كن لكتاب الله تاليا ، وللسلام فاشيا ، وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، ولمن قطعك واصلا ، ولمن سكت عنك مبتدئا ،ولمن سألك معطيا ، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال ، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف . . .(1)
2- إن الصادق كان على علم دقيق بالفلسفة ومناهج الفلاسفة وعلى علم بمواضع التهافت عندهم ، وإنه مرجع عصره في رد الشبهات ، وقد كان بهذا جديرا ، وذلك لانصرافه المطلق إلى العلم ، ولأنه كان ذا أفق واسع في المعرفة لم يتسن لغيره من علماء عصره ، فقد كانوا محدثين أو فقهاء ، أو علماء في الكلام ، أو علماء في الكون ، وكان هو في كل ذلك (عليه السلام) .
3- ولقد اشتهرت مناظرات الإمام الصادق حتى صارت مصدرا للعرفان بين العلماء ، وكان مرجعا للعلماء في كل ما تعضل عليهم الإجابة عنه من أسئلة الزنادقة وتوجيهاتهم ، وقد كانوا يثيرون الشك في كل شيء ، ويستمسكون بأوهى العبارات ليثيروا غبارا حول الحقائق الإسلامية والوحدانية التي هي خاصة الإسلام . (2)
4- وبقي أن نقول كلمة في صفاته وشخصيته العلمية ، نتيجة لما سقناه ، والنتيجة دائما مطوية في مقدماتها وكل ما أوتي به من علم ، وما أثر عنه من فقه ، هو نتيجة لتلك الشخصية التي تميزها صفاته . وأول ما يستشرف له القارئ هو أن يقدم له الكاتب وصفا جسميا يقربه إلى خياله وتصويره ، وقد قال كتاب مناقبه : إنه ربعة ليس بالطويل ولا القصير ، أبيض الوجه أزهر ، له لمعان كأنه السراج ، أسود الشعر جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه ، وعلى خده خال أسود . ويظهر أن هذا الوصف كان في شبابه قبل أن يعلوه الشيب فيزيده بهاء ووقارا وجلالا وهيبة .(3)
هذا وصفه الجسمي ، أما وصفه النفسي والعقلي فقد بلغ فيه الذروة ، وها هي ذي قبسة من صفاته التي علا بها في جيله حتى نفس حكام الأرض عليه مكانه ، ولكنها هبة السماء ، وأنى لأهل الأرض أن يساموا أهل السماء . الإخلاص : قد اتصف الإمام الصادق التقي بنبل المقصد وسمو الغاية والتجرد في طلب الحقيقة من كل هوى ، أو عرض من أعراض الدنيا ، فما طلب أمرا دنيويا تنتابه الشهوات أو تحف به الشبهات ، بل طلب الحقائق النيرة الواضحة وطلب الحق لذات الحق لا يبغي به بديلا ، لا تلتبس عليه الأمور ، وإذا ورد عليه أمر فيه شبهة هداه إخلاصه إلى لبه ، ونفذت بصيرته إلى حقيقته ، بعد أن يزيل عنه غواشي الشبهات ، وإذا عرض أمر فيه شهوة أو إثارة مطمع بدد الظلمات بعقله الكامل ، وهو في هذا متصف بما ورد في حديث مرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال : إن الله يحب ذا البصر النافذ عند ورود الشبهات ، ويحب ذا العقل الكامل عند حلول الشهوات ومن غير الإمام الصادق يبدد الشهوات بعقله النير وبصيرته الهادية المرشدة ؟ ! إن الإخلاص من مثل الصادق هو من معدنه ، لأنه من شجرة النبوة ، فأصل الإخلاص في ذلك البيت الطاهر ثابت ، وإذا لم يكن الإخلاص غالب أحوال عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحفاد إمام الهدى علي (عليه السلام) ، ففيمن يكون الإخلاص ؟ لقد توارثوا خلفا عن سلف ، وفرعا عن أصل ، فكانوا يحبون الشيء ولا يحبونه إلا لله ، ويعتبرون ذلك من أصول الإيمان وظواهر اليقين . فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله .
وقد أمد الله تعالى الإخلاص في قلب الإمام الصادق بعدة عناصر غذته ونمته فأتي أكله . أولها : ملازمته للعلم ورياضته نفسه وانصرافه للعبادة ، وابتعاده عن كل مآرب الدنيا . ولنترك الكلمة للإمام مالك بن أنس يصف حاله فيقول : كنت آتي جعفر ابن محمد ، وكان كثير التبسم ، فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخضر واصفر ، ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على إحدى ثلاث خصال : إما مصليا ، وإما صائما ، وإما يقرأ القرآن ، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا على طهارة ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العباد الزهاد الذين يخشون الله . وثانيها : الورع ، ولكن ورعه لم يكن حرمانا مما أحل الله ، فلم يكن تركا للحلال ، بل كان طلب الحلال من غير إسراف ولا خيلاء ، وقد أخذ بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلوا واشربوا والبسوا في غير سرف ولا مخيلة . ولكنه مع طلبه الحلال كان يميل إلى الحسن من الثياب ، وكان يحب أن يظهر أمام الناس بملبس حسن لكيلا تكون مراءاة فيما يفعل ، فكان يخفي تقشفه تطهيرا لنفسه من كل رياء . ولقد دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله الصادق فرأى عليه ثيابا حسنة لها منظر حسن ، ويقول الثوري : فجعلت أنظر إليه متعجبا ، فقال لي : يا ثوري ، ما لك تنظر إلينا ؟ لعلك تعجب مما رأيت ؟ ! قلت : يا ابن رسول الله ، ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك . فقال لي : يا ثوري ، كان ذلك زمانا مقفرا مقترا ، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره ، وهذا زمان قد أقبل كل شيء فيه ، ثم حسر عن ردن جبته ، وإذا تحته جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن ، ثم قال الصادق : يا ثوري ، لبسنا هذا لله ، وهذا لكم ، فما كان لله أخفيناه ، وما كان لكم أبديناه . وثالثها : إنه لم ير لأحد غير الله حسابا ، فما كان يخشى أحدا في سبيل الله ولا يقيم وزنا للوم اللائمين ، ولم يخش أميرا لإمرته ، ولم يخش العامة لكثرتهم ، ولم يغيره الثناء ، ولم يثنه الهجاء ، أعلن براءته ممن حرفوا الإسلام وأفسدوا تعاليمه ، ولم يمال المنصور في أمر ، وكان بهذا الإخلاص وبتلك التقوى السيد حقا وصدقا . نفاذ بصيرته وقوة إدراكه : وإن الإخلاص إذا غمر النفس أشرقت بنور الحكمة ، واستقام الفكر والقول والعمل ، ولذلك الإخلاص نفذت بصيرته ، فصار يعرف الحق من غير عائق يعوقه ، وكان مع ذلك فيه ذكاء شديد ، وإحاطة واسعة وعلم غزير . حضور بديهته : وكان حاضر البديهة ، تجيئه أرسال المعاني في وقت الحاجة إليها من غير حبسة في الفكر ، ولا عقدة في اللسان ، وإن مناظراته الفقهية الكثيرة تكشف عن بديهة حاضرة ، وانظر إليه وأبو حنيفة يسأله في أربعين مسألة ، فيجيب عنها من غير تردد ولا تلكؤ ، مبينا اختلاف الفقهاء فيها ، وما يختار من أقوالهم ، وما يخالفهم جميعا فيه . وإن مناظراته التي كان يلقم بها الزنادقة وغيرهم الحجة ، ما كانت ليستقيم فيها الحق لولا بديهة تسعفه بالحق في الوقت المناسب ، ولننقل لك مناظرة له في العدل بين الأزواج أثارها زنديق . قال الزنديق : أخبرني عن قول الله تعالى : *(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)* ، وقال في آخر السورة : *(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل)* . قال الصادق : أما قوله تعالى : *(فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)* فإنما عنى النفقة وقوله تعالى : *(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)* فإنما عنى بها المودة ، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة . وإن حضور البديهة من ألزم اللوازم لقادة الأفكار والأئمة المتبعين ، فلا توجد قيادة فكرية لعيي في البيان ، ولا توجد قيادة فكرية لمن عنده حبسة في المعاني . جلده وصبره : لقد كان أبو عبد الله الصادق ذا جلد وصبر وقوة نفس ، وضبط لها ، وإن الصابرين هم الذين يعلون على الأحداث ، ولا يزعجهم اضطراب الأمور عليهم ونيلهم بالأذى ، وكان الإمام الصادق صبورا قادرا على العمل المستمر الذي لا ينقطع ، فقد كان في دراسة دائمة . وكان مع ذلك الصبر وضبط النفس عبدا شكورا ، وأنا أرى أن الصبر والشكر معنيان متلاقيان في نفس المؤمن القوي الإيمان ، فمن شكر النعمة فهو الصابر عند نزول البلاء ، بل إن شكر النعمة يحتاج إلى صبر ، والصبر في البلاء لا يتحقق إلا من قلب شاكر يذكر النعمة في وقت النقمة ، والصبر في أدق معناه لا يكون إلا كذلك ، إذ الصبر الحقيقي يقتضي الرضا ، وهو الصبر الجميل . ولقد كان أبو عبد الله صابرا شاكرا خاشعا قانتا عابدا ، صبر في الشدائد ،وصبر في فراق الأحبة ، وصبر في فقد الولد ، مات بين يديه ولد له صغير من غصة اعترته فبكى وتذكر النعمة في هذا الوقت ، وقال : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت فقد عافيت . ثم حمله إلى النساء ، فصرخن حين رأينه ، فأقسم عليهن ألا يصرخن ، ثم أخرجه إلى الدفن وهو يقول : سبحان من يقبض أولادنا ولا نزداد له إلا حبا . ويقول بعد أن واراه التراب : إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا ، فإذا أنزل ما نكره في من نحب رضينا . وها أنت ذا ترى أنه (عليه السلام) يذكر عطاء الله فيما أنعم ، في وقت نزول ما يكره ، وذلك هو الشكر الكامل مع الصبر الكامل . وإن الصبر مع التململ لا يعد صبرا ، إنما هو الضجر ، والضجر والصبر متضادان ، وإنا نقول بحق إن أوضح الرجال الذين يلتقي فيهم الصبر مع الشكر ، هو الإمام الصادق . سخاؤه : قال كثيرون من المفسرين في قوله تعالى : *(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)* إنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، السبب ، ومهما يكن من القول في ذلك فإنه من المؤكد أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان من أسخى الصحابة ، بل من أسخى العرب ، وقد كان أحفاده كذلك من بعده ، فعلي زين العابدين كان يحمل الطعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلا من بعده .ولم يكن غريبا أن يكون الإمام الصادق النابت في ذلك المنبت الكريم سخيا جوادا ، فكان يعطي من يستحق العطاء ، وكان يأمر بعض أتباعه أن يمنع الخصومات بين الناس بتحمل ما يكون فيها من الخسائر . وكان (عليه السلام) يقول : لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله وتصغيره وستره . ولهذا كان يسر العطاء في أكثر الأحيان ، وكان يفعل ما كان يفعله جده علي زين العابدين ، فكان إذا جاء الغلس يحمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم ، فيحمله على عاتقه ، ثم يذهب إلى ذوي الحاجة من أهل المدينة ويعطيهم ، وهم لا يعلمون من المعطي حتى مات ، وتكشف ما كان مستورا ، وظهرت الحاجة في من كان يعطيهم ، وجاء في حلية الأولياء : وكان جعفر بن محمد يعطي حتى لا يبقي لعياله شيئا . وإن السخاء بالمال يدل على مقدار قوة الإحساس الاجتماعي ، وإن ستره يدل على مقدار قوة الوجدان الديني وملاحظته جانب الله وحده ، وليس ذلك بعجب ممن نشأ مثل نشأة الإمام الصادق . حلمه وسماحته : ولقد كان (عليه السلام) سمحا كريما لا يقابل الإساءة بمثلها ، بل يقابلها بالتي هي أحسن ، عملا بقوله تعالى : *(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)* . وكان يقول : إذا بلغك عن أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم ، فإن كنت كما يقول القائل كانت عقوبة قد عجلت ، وإن كنت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها .
وكان رقيقا مع كل من يعامله ، من عشراء وخدم ، ويروى في ذلك أنه بعث غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج يبحث عنه ، فوجده نائما فجلس عند رأسه ، وأخذ يروح له حتى انتبه ، فقال : ما ذلك لك تنام الليل والنهار ، لك الليل ولنا النهار . علىأن التسامح والرفق ليبلغ به أن يدعو الله بأن يغفر الإساءة لمن يسئ إليه ، ويروى في ذلك أنه كان إذا بلغه شتم له في غيبة يقوم ويتهيأ للصلاة ، ويصلي طويلا ، ثم يدعو ربه ألا يؤاخذ الجاني ، لأن الحق حقه وقد وهبه للجاني ، غافرا له ظلمه ، وكان يعتبر من ينتقم من عدوه وهو قادر على الانتقام ذليلا ، وإذا كان في العفو ذل فهو الذل في المظهر لا في الحقيقة ، بل إنه لا ذل فيه ، والانتقام إذا صدر عن القوي إذ أهانه الضعيف هو الذل الكبير ، فلا ذل في عفو ، ولا عظمة في انتقام . ولقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما نقص مال من صدقة ، وما زاد عبد بالعفو إلا عزا ، ومن تواضع لله رفعه . وإن الحلم والتسامح خلق قادة الفكر والدعاة إلى الحق كما قال تعالى : *(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)* وكما قال آمرا نبيه ، وكل هاد ، بل كل مؤمن : *(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)* .
شجاعته : أولئك ذرية علي ونسله الكرام صقلتهم الشدائد ، ولم تهن من عزائمهم المحن ، فالشجاعة فيهم من معدنه ، وهي فيهم كالجبلة لا يهابون الموت ، وخصوصا من يكون في مثل أبي عبد الله الصادق الذي عمر الإيمان قلبه ، وانصرف عن الأهواء والشهوات ، واستولى عليه خوف الله وحده ، ومن عمر الإيمان قلبه ومن لا يخش إلا الله فإنه لا يخاف أحدا من عباده ، مهما تكن سطوتهم وقوتهم ، وقد كان (عليه السلام) شجاعا في مواجهته من يدعون أنهم أتباع له ، وهم مع ادعاء هذه التبعية الرفيعة يحرفون الكلم عن مواضعه ، فهو لم ين عن تعريفهم الحق ، وتصحيح أخطائهم وعن توجيههم حتى إذا لم يجد التوجيه والملام أعلن البراءة منهم وأرسل من يتحدثون باسمه ليعلنوا هذه البراءة . وكذلك كان شجاعا أمام الأقوياء ذوي السلطان والجبروت ، لا يمتنع عن تذكيرهم بالطغيان تعريضا أو تصريحا على حسب ما توجبه دعوة الحق من مراعاة مقتضى الحال ، ويحكى أن المنصور سأله : لم خلق الله تعالى الذباب ؟ وذلك عندما وقعت ذبابة على وجه المنصور عدة مرات ، فأجاب الصادق معرضا بأهل الجبروت والطغيان : ليذل به الجبارين . وقد كان هذا في لقائه للمنصور ، وقد تقول عليه الذين يطوفون بالحكام الأقاويل ، وإن هذه الإجابة في هذا اللقاء لأكبر دليل على ما كان يتحلى به من شجاعة ، وإنه في هذا اللقاء لا يكتفي بذلك ، بل ينصح المنصور قائلا له : عليك بالحلم فإنه ركن العلم ، واملك نفسك عند أسباب القدرة ، فإنك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن يحب أن يذكر بالصول ، واعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم تكن غاية ما توصف به إلا العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر . ويروى أن بعض الولاة نال من علي بن أبي طالب عليه السلام في خطبته ، فوقف أبو عبد الله الصادق ورد قوله في شجاعة المحق المؤمن بالله وحده ، وختم كلامه بقوله : ألا أنبئكم بأخلى الناس ميزانا يوم القيامة وأبينهم خسرانا ، من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا الفاسق . فراسته : كان الصادق ذا فراسة قوية ، ولعل فراسته هي التي منعته أن يقتحم في السياسة ، ويستجيب لما كان يدعوه إليه مريدوه ، مع ما يراه من حال شيعته في العراق من أنهم يكثر قولهم ويقل عملهم ، وقد اعتبر بما كان منهم لأبي الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
وإن الأحداث التي نزلت بأسرته ووقعت حوله ، وأحيط به في بعضها قد جعلته ذا إحساس قوي يدرك به مغبة الأمور ، مع ذكائه الألمعي وزكاة نفسه فكان بهذا من أشد الناس فراسة وألمعية ، وأقواهم يقظة حس وقوة إدراك . . . الخ . هيبته : أضفى الله على جعفر بن محمد الصادق جلالا ونورا من نوره ، وذلك لكثرة عبادته ، وصمته عن لغو القول ، وانصرافه عما يرغب فيه الناس ، وجلده للحوادث ، كل هذا جعل له مهابة في القلوب ، فوق ما يجري في عروقه من دم طاهر نبيل ، وما يحمل من تأريخ مجيد لأسرته ، وما آتاه الله من سمت حسن ومنظر مهيب وعلو عن الصغائر واتجاه إلى المعالي ، وحسبك ما ذكرنا من أن أبا حنيفة عندما رآه
في الحيرة وهو جالس مع المنصور الذي لا تغيب الشمس عن سلطانه ، راعه منظر الصادق واعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الحول والطول والقوة ، ولقد كانت هيبته تهدي الضال وترشد الحائر وتقوم المنحرف ، وكان يلقى الرجل من دعاة رؤوس الفرق المنحرفة ، فإذا رأى ما عليه الإمام من مهابة وجلال وروعة ، تلعثم بين يديه ، وهو اللجوج في دعايته ، ذو البيان القوي ، فإذا جادله الإمام بعد أن أخذته مهابته لا يلبث أن يقول ما يقول الإمام ، ويردد ما يرشده إليه . وقد التقى مرة بابن أبي العوجاء ، وهو داعية من دعاة الزنادقة بالعراق ، فلمارأى الصادق واسترعاه ما عليه من سمت ، وأخذ الصادق يتكلم لم يحر جوابا حتى تعجب الصادق والحاضرون فقال له : ما يمنعك من الكلام ؟ ويقول الزنديق : ما ينطق لساني بين يديك ، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما داخلتني هيبة قط مثلما داخلني من هيبتك . ويختم الأستاذ هذا الفصل بقوله : تلك بعض سجايا الصادق ، وإنه ببعض هذه الصفات يعلو الرجال على أجيالهم ويرتفعون إلى أعلى مراتب القيادة الفكرية ، فكيف وقد تحلى بهذه الصفات وبغيرها ، وقد كان عطوفا ألوفا لين الجانب حلو العشرة ، وكان زاهدا عابدا قنوتا شاكرا صابرا .
هذا ما أردنا ذكره - على انفراد - من انطباعات الأستاذ أبي زهرة عن شخصية الإمام الصادق (عليه السلام) في كتابه الذي خصصه لدراسة حياته (عليه السلام) .
استنتاج وتعقيب :
لعل ما قدمناه من البيان ينتهي بنا إلى نتيجة يحسن أن يقف عندها الباحثون عن تأريخ الشيعة وما اعتراه من ملابسات وما أحيط به من غموض ، وكل ذلك يعود إلى الخصومة المتكونة بين الشيعة وبين الدولتين الأموية والعباسية ، لأن أهل البيت (عليهم السلام) هم حملة لواء معارضة الظلم في جميع الأدوار ، وشيعتهم ينضمون إلى جانبهم مهما كلفهم الأمر ، وهم أنصار تلك المعارضة ، وحملة تلك الدعوة ، وقد نكل بهم الأمويون أشد تنكيل واضطهدهم أعظم اضطهاد ، وقد بلغ الأمر إلى حد مؤلم إذ أصبحت التسمية باسم علي توجب الاتهام بالتشيع ، وأصبح اسم علي (عليه السلام) خطرا على من يذكره بخير حتى التجأ المحدثون إلى أن يكنوا عنه . قال ابن عساكر : وفد زريق القريشي على عمر بن عبد العزيز ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني رجل من أهل المدينة ، وقد حفظت القرآن والفرائض ، وليس لي ديوان . فقال له عمر : من أي الناس أنت ؟ قال زريق : أنا رجل من موالي بني هاشم . فقال عمر : مولى من أنت ؟ قال : رجل من المسلمين . فقال عمر : أسألك من أنت وتكتمني ؟ قال زريق : أنا مولى علي بن أبي طالب ، وكان بنو أمية لا يذكر علي بين أيديهم ، فبكى عمر حتى وقعت دموعه على الأرض وقال : أنا مولى علي ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن سعد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى . (4)
ومن سيرته (عليه السلام) وأخلاقه :
كان الإمام الصادق (عليه السلام) مثالا كاملا لدعاة الإصلاح ، وعلما من الأعلام ، يأمر بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة ، واكتساب الفضائل والابتعاد عن الرذائل ، ولا يدخر النصح عن أحد . كان يدعو الناس بلين ورفق ، ويجادلهم بالتي هي أحسن ، لا يتشدد على الشاك في الدين ، بل كان يوضح له ما أشكل ، ويبين له ما أبهم ، حتى يظهر له الحق ويجلو له السبيل . وكان يتشدد على أصحابه المتشددين في معاملة المنحرفين عن الحق ويأمرهم بأن يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويقول لهم : لأحملن ذنوب سفهائكم على علمائكم ، ما يمنعكم إذا بلغكم عن رجل منكم ما تكرهون ، وما يدخل به الأذى علينا ، أن تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه وتقولوا له قولا بليغا . فقال له بعض أصحابه : إذا لا يقبلون منا . قال (عليه السلام) : اهجروهم واجتنبوا مجالسهم . فهو يوجب على العالم أن لا يتخلى عن تعليم الجاهل الذي يتردى لجهالته ، فيرتكب ما يخالف الدين ، ويدخل به الأذى على دعاة الإصلاح وحماة المسلمين ، ولا يصح لهم هجره إلا بعد اليأس من إصلاحه ، وإزالة الغشاوة التي أعمت بصره ، ففي هذه الحالة تكون مواصلته تشجيعا ، ومجالسته إغراء . وكان (عليه السلام) يبذل جهده في توجيه الناس وتقويم أخلاقهم وإصلاح شؤونهم ما استطاع ، ويريد منهم أن يلتزموا الجوهر ويتركوا العرض ، ويأمرهم بالعمل ، ويدعو ذوي اليسر إلى الإنفاق على ذوي العسرة ، وأن يوسعوا على المضيق منهم حتى يمنعوهم من ذل السؤال ، وكان (عليه السلام) ينفق حتى لا يبقى شيء لعياله (5) ، كما يحدث عنه الهياج بن بسطام . يقول شعيب بن ميثم : قال لي الصادق : يا شعيب ، أحسن إلى نفسك ، وصل قرابتك ، وتعاهد إخوانك ، ولا تستبد بالشئ فتقول : ذا لنفسي وعيالي ، إن الذي خلقهم هو يرزقهم . إلى غير ذلك من أقواله وأفعاله التي كان يبعث فيها الشعور لسامعيه على لزوم التخلق بالسجايا الحسنة اقتداء به ، لأنه (عليه السلام) كان حريصا على توجيه المجتمع والتحلي بآداب الإسلام ، فهو يدعو الأغنياء لمواساة الفقراء والإحسان إليهم ، لتزول عوامل العداء والحسد والبغضاء ، ويكون الجميع إخوة ، كل يحب الخير لأخيه ، فلا إثرة ولا بخل ، ولا إهانة بعض لبعض ، ولا خصومة ولا مشاحنة ، إلى غير ذلك مما دعا الإسلام كل مسلم أن يتصف به . ولحرصه (عليه السلام) على تأليف القلوب وإزالة الشحناء وإطفاء نار العداوة والبغضاء ، كان يدفع إلى بعض أصحابه من ماله ليصلح به بين المتخاصمين على شيء من حطام الدنيا تسوية للخلاف ، ودفعا للتقاطع والتهاجر ، ومنعا من الترافع لحكام الجور . نهيه عن المنازعات وفض الخصومة لدى حكام الجور : قال أبو حنيفة - واسمه سعيد بن بيان (6) - : مر بنا المفضل بن عمر وأنا وختن لي نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه وأصلح بيننا بأربعمائة درهم ، فدفعها إلينا حتى إذا استوثق كل واحد منا صاحبه قال المفضل : أما إنها ليست من مالي ، ولكن أبا عبد الله الصادق أمرني : إذا تنازع رجلان من أصحابنا أن أصلح بينهما وأفتديهما من ماله ، فهذا مال أبي عبد الله الصادق . وهكذا يكشف لنا عظيم اهتمامه بجمع الكلمة وعدم الفرقة أولا ، وإنهاء الخصومات على يد من أقامه من قبله لذلك ثانيا . لأنه (عليه السلام) منع عن المرافعة إلى حكام الجور وأمر بمقاطعتهم ، وقد أقام جماعة من كبار أصحابه حكاما من قبله ، ينظرون في الخصومات ، ويحكمون بحكم الله عز وجل ، وقد أمر الإمام الصادق بالرجوع إليهم ، والمرافعة عندهم وقال : أيما رجل كانت بينه وبين أخ له مماراة في حق ، فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه ، فأبى إلا أن يرفعه إلى هؤلاء ، كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل فيهم : *(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)* . وكان يعلن (عليه السلام) بأن المرافعة إلى أولئك الحكام إثم ، وأن حكمهم غير نافذ ، لأن الحكومة للإمام العادل بالحكم ، العالم بالقضاء ، كالنبي أو وصيه ، وهو (عليه السلام) أحق بالحكم ، فأمر بالرجوع لمن جعله من قبله للحكم بين المتنازعين . وقد ورد عنه (عليه السلام) أنه قال : إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، وأيما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم .
والمراد بقوله : بغير حكم الله ، مطلق ما يحكمون به ، سواء كان الحكم بالحق أم بالباطل ، لأنهم حكام جور ، وليس لهم حق الحكومة بأحكام الله ، فحكمهم غير حكم الله . وكما كان ينهى عن المرافعة إليهم ، كان ينهى عن معاونتهم والعمل لهم ، حتى في البناء وكراية الأنهر ، وقال في جواب من سأله عن ذلك : ما أحب أن أعقد لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء ، إن الظلمة وأعوان الظلمة في سرادق من نار ، حتى يحكم الله بين العباد . نهيه عن الولاية للظالمين : وطلب منه مولى من موالي جده علي بن الحسين (عليه السلام) أن يكلم والي المدينة - وهو داود بن علي - أن يدخل في بعض الولايات . فقال (عليه السلام) : ما كنت لأفعل . فظن الرجل أن امتناع الإمام (عليه السلام) كان خوفا من أن يظلم أحدا ، فحلف له بالأيمان المغلظة أنه يعدل ولا يجور ، فكان جواب الإمام (عليه السلام) أن قال له : تناول السماء أيسر عليك من ذلك . وقد أشرنا من قبل إلى مواقفه ضد الحكام وأحكامهم ، وإعلانه المقاطعة لهم ، وعلى هذا النهج سار أتباعه ، وطبعت مدرسته بهذا الطابع ، فكانت عرضة للخطر من قبل حكام الجور ، ولكنها واصلت كفاحها في سبيل ترسيخ مبادئها وإعلاء كلمة الحق ، وكان يحرص الحرص الشديد على إزالة الشحناء من القلوب ، وبث روح الأخوة ، فهو ينهى عن التهاجر والمقاطعة . قال المفضل : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول :
لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة ، وربما استوجب ذلك كلاهما . فقال له معتب : جعلت فداك ، هذا حال الظالم ، فما بال المظلوم ؟ ! قال (عليه السلام) : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ، ولا يتغافل عن كلامه ، سمعت أبي يقول : إذا تنازع اثنان فعاد أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتى يقول له : أي أخي أنا الظالم . حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه ، فإن الله حكم وعدل يأخذ للمظلوم من الظالم . وقال جابر بن عون : إن رجلا قال لجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : إن بيني وبين قوم منازعة في أمر ، وإني أريد أن أتركه ، فيقال لي : إن تركك له ذلة . فقال (عليه السلام) : إن الذليل هو الظالم . حثه على صلة الرحم : وهو (عليه السلام) يحاول أن يزيل من القلوب ضغائن الأحقاد التي تبعث على الكراهة والفرقة ، وكان هو (عليه السلام) من حسن سيرته ومكارم أخلاقه يصل من قطعه ، ويعفو عمن أساء إليه ، كما ورد أنه وقع بينه وبين عبد الله بن الحسن كلام ، فأغلظ عبد الله في القول ، ثم افترقا وذهبا إلى المسجد ، فالتقيا على الباب ، فقال الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن الحسن : كيف أمسيت يا أبا محمد ؟ فقال عبد الله : بخير - كما يقول المغضب - . قال الصادق (عليه السلام) : يا أبا محمد ، أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب ؟ ثم تلى قوله تعالى : *(والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)* .
فقال عبد الله : فلا تراني بعدها قاطعا رحما . وكان يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تقطع رحمك وإن قطعك . وجاء إليه رجل فشكا أقاربه ، فقال (عليه السلام) : اكظم غيظهم . فقال الرجل : إنهم يفعلون ويفعلون . فقال (عليه السلام) : أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظر الله إليكم ! ! وقال (عليه السلام) : إن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله ، إن لي أهلا قد كنت أصلهم وهم يؤذوني ، وقد أردت رفضهم . فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الله يرفضكم جميعا . قال الرجل : وكيف أصنع ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، فإذا فعلت ذلك كان الله عز وجل لك عليهم ظهيرا . فكان (عليه السلام) يصل رحمه ويبذل لهم النصح ، ويدعوهم إلى ما فيه صلاح أنفسهم ، وإصلاح الأوضاع التي اضطرب حبل استقامتها في عصرهم ، وكان يصل فقراءهم بالليل سرا وهم لا يعرفونه ، كما كان (عليه السلام) يبذل النصح لجميع المسلمين ، ويدعوهم إلى الالتزام بأوامر الدين . وكان يحث في كثير من تعاليمه على مساعدة الضعفاء ومعاونة المعوزين ، وصلة الفقراء والمساكين ، ويقوم هو بنفسه بصلتهم ومعاونتهم ، ويوزع عليهم من ماله ، وإذا جن الليل قام بصدقة السر ، يطوف على بيوت الفقراء . قال هشام بن الحكم (رحمه الله) : كان أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) إذا أعتم (7) وذهب من الليل شطره ، أخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فيحمله ، ثم يذهب فيه إلى أهل الحاجة من أهل المدينة ، فيقسمه فيهم ، وهم لا يعرفونه ، فلما مضى أبو عبد الله فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان هو أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) . حثه على مساعدة الضعفاء وأبناء السبيل : وقال له رجل من أصحابه : جعلت فداك ، بلغني أنك تفعل في عين زياد (اسم ضيعة له) شيئا أحب أن أسمعه منك . فقال (عليه السلام) : نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم . ليدخل الناس ويأكلوا . وكنت آمر أن يوضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة ، كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى ، يلقى لكل نفس منهم مد من رطب . وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم : الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر ، أن يجئ فيكون لكل إنسان مد ، فإذا أوفيت القوام والوكلاء أجرتهم أحمل الباقي إلى المدينة . ففرقت في أهل البيوت والمستحقين على قدر استحقاقهم . وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار ، وكانت غلتها أربعة آلاف دينار . وقال مصادف : كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ما بين مكة والمدينة ، فمررنا على رجل في أصل شجرة ، وقد ألقى بنفسه . فقال (عليه السلام) : مل بنا إلى هذا الرجل ، فإني أخاف أن يكون قد أصابه العطش . فملنا إليه ، فإذا هو رجل من النصارى طويل الشعر ، فسأله الإمام : أعطشان أنت ؟ فقال : نعم . فقال الإمام : انزل يا مصادف فاسقه . فنزلت وسقيته ثم ركب وسرنا . فقلت له : هذا نصراني ، أفتتصدق على نصراني ؟ فقال : نعم ، إذا كانوا بمثل هذه الحالة . ولشدة اهتمامه بمساعدة الضعفاء ، وقضاء حوائج المؤمنين ، كان يرى (عليه السلام) أن الإعراض عن المؤمن المحتاج للمساعدة استخفاف به ، والاستخفاف بالمؤمن استخفاف بهم (عليهم السلام) . وجاء ذلك موضحا في قوله ، وقد كان عنده جماعة من أصحابه : ما لكم تستخفون بنا ؟ فقام إليه رجل من أهل خراسان فقال : معاذ الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك . فقال (عليه السلام) : إنك أحد من استخف بي . فقال الرجل : معاذ الله أن أستخف بك ! ! فقال له (عليه السلام) : ويحك ، ألم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة ، وهو يقول لك : احملني قدر ميل ، فقد والله أعييت . فوالله ما رفعت له رأسا ، لقد استخففت به ، ومن استخف بمؤمن فبنا استخف ، وضيع حرمة الله عز وجل . وقال صفوان الجمال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فدخل عليه رجل من أهل مكة - يقال له ميمون - فشكا إليه تعذر الكراء عليه . فقال (عليه السلام) : قم فأعن أخاك . فقمت معه فيسر الله كراه ، فرجعت إلى مجلسي ، فقال أبو عبد الله : ما صنعت في حاجة أخيك ؟ فقلت : قضاها الله ، بأبي أنت وأمي . فقال (عليه السلام) : أما إنك إن تعن أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع في البيت .
ودخل عليه عمار الساباطي ، فقال له : يا عمار ، إنك رب مال كثير فتؤدي ما افترض الله عليك من الزكاة ؟ قال : نعم . قال (عليه السلام) : فتخرج الحق المعلوم من مالك ؟
قال : نعم . قال (عليه السلام) : فتصل قرابتك ؟ قال : نعم . قال : فتصل إخوانك ؟ قال : نعم . قال (عليه السلام) : يا عمار ، إن المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والديان حي لا يموت . يا عمار ، ما قدمت فلم يسبقك ، وما أخرت فلن يلحقك . وقال الشقراني : خرج العطاء أيام المنصور ، فوقفت على الباب متحيرا ، وإذا بجعفر بن محمد قد أقبل ، فذكرت له حاجتي ، فدخل ثم خرج وإذا بعطائي في كمه وناولني إياه وقال : إن الحسن من كل أحد حسن وإنه منك أحسن ، وإن القبيح من كل أحد قبيح ، وإنه منك أقبح لمكانك منا . قال ابن الجوزي : وإنما قال له جعفر ذلك ، لأن الشقراني كان يشرب الشراب ، فمن مكارم أخلاق جعفر أنه رحب به وقضى حاجته مع علمه بحاله ووعظه على وجه التعريض ، وهذا من أخلاق الأنبياء . وقال يوما لبعض أصحابه : ما بال أخيك يشكوك ؟ ! فقال : يشكوني إذ استقصيت عليه حقي . فجلس الإمام مغضبا وقال : كأنك إذا استقصيت عليه حقك لم تسئ ؟ أرأيت ما حكى الله عن قوم يخافون سوء الحساب ؟ أخافوا أن يجور عليهم ؟ لا ، ولكن خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب ، فمن استقصى فقد أساء . قال زرارة : قلت لأبي عبد الله : إن لي على رجل دينا وقد أراد أن يبيع داره فيعطيني . فقال الصادق (عليه السلام) : أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه ، أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه . وكان يسأل القادمين عليه من أصحابه عن معاونة بعضهم بعضا . قال محمد ابن زيد الشحام : رآني أبو عبد الله وأنا أصلي فأرسل ودعاني ، فقال لي : من أين أنت ؟ قلت : من الكوفة ، فقال : من تعرف من الكوفة ؟ فذكرت له رجلين . قال : وكيف صنيعهما إليك . قلت : وما أحسن صنيعهما إلي ! فقال (عليه السلام) : خير المسلمين من وصل وأعان ونفع ، ما بت ليلة قط وفي مالي حق يسألنيه الله تعالى . ثم قال : أي شيء معك من النفقة ، قلت : عندي مائتا درهم . قال : أرنيها ، فأتيته ، فزاد فيها ثلاثين درهما ودينارين ، ثم قال (عليه السلام) : تعش عندي ، فتعشيت عنده . قال زيد : فلما كان من السنة القابلة لم أذهب إليه ، فأرسل إلي فدعاني ، فقال (عليه السلام) : ما لك لم تأتني البارحة ؟ قلت : لم يأتني رسولك . فقال (عليه السلام) : فأنا رسول نفسي إليك ما دمت مقيما في هذه المدة . قال محمد بن زيد : فقلت له : علمني دعاء . قال : اكتب ، بسم الله الرحمن الرحيم . يا من أرجوه لكل خير ، وآمن سخطه عند كل عثرة ، يا من يعطي الكثير بالقليل ، ويا من يعطي من سأله تحننا منه ورحمة ، ويا من أعطى من لم يسأله ومن لم يعرفه ، صل على محمد وأهل بيته ، وأعطني بمسألتي إياك خير الدنيا وجميع خير الآخرة ، فإنه غير منقوص ما أعطيت ، وزدني من سعة فضلك يا كريم .
ثم رفع يده فقال : يا ذا المن والطول ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا ذا النعماء والجود ، ارحم شيبتي من النار . ثم وضع يديه على لحيته ، ولم يرفعهما ، حتى امتلأ كفه دموعا . وقال مصادف : كنت عند أبي عبد الله الصادق فدخل رجل فسلم عليه ، فسأله الإمام : كيف من خلفت من إخوانك ؟ فأجاب الرجل وأحسن الثناء وأطراهم . فسأله الإمام : كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم ؟ فقال الرجل : قليلة . قال الإمام : كيف مساعدة أغنيائهم لفقرائهم ؟ فقال الرجل : قليلة . قال الإمام : كيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ فقال الرجل : إنك تذكر أخلاقا قل ما هي فيمن عندنا . قال الإمام : فكيف يزعم هؤلاء أنهم شيعتنا ؟ ! قال إسحاق بن عمار : دخلت على أبي عبد الله الصادق فنظر إلي بوجه قاطب ، فقلت : ما الذي غيرك لي ؟ قال (عليه السلام) : الذي غيرك لإخوانك ، بلغني - يا إسحاق - أنك أقعدت ببابك بوابا يرد عنك الفقراء . فقلت : جعلت فداك ، إني خفت الشهرة . فقال (عليه السلام) : ألا خفت البلية . قال إسحاق بن إبراهيم : كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، إذ دخل عليه رجل من خراسان فقال : يا ابن رسول الله ، أنا من مواليكم ، وبيني وبينكم شقة بعيدة ، وقد قل ذات يدي ، ولا أقدر أن أتوجه إلى أهلي إلا أن تعينوني ، فنظر أبو عبد الله وقال : أما تسمعون ما يقول أخوكم ؟ إنما المعروف ابتداء ، فأما ما أعطيت بعد ما سأل إنما هو مكافأة لما بذل من ماء وجهه ، أفيبيت ليلته متأرقا متململا بين اليأس والرجاء ، لا يدري أين يتوجه بحاجته ، فيعزم على القصد إليك ، فأتاك وقلبه يجب (وجب القلب : خفق باضطراب) ، وفرائصه ترتعد ، وقد نزل دمه في وجهه ، وبعد هذا فلا يدري أينصرف من عندك بكآبة الرد ، أم بسرور النجح ، فإن أعطيته رأيت أنك قد وصلته ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي فلق الحب ، وبرأ النسمة ، وبعثني بالحق نبيا ، لما يتجشم من مسألته إياك أعظم مما ناله من معروفك . قال إسحاق : فجمعوا له خمسمائة درهم ودفعوها إليه . وكان (عليه السلام) يوجه المجتمع بتعاليمه إلى جميع مهمات الحياة ، ويحث الإنسان على عزة النفس وعدم الإهانة لها فيقول : إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ، ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا ، أما تسمع قول الله تعالى : *(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)* ، فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا ، إن المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستقل منه بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل من دينه شيء . حثه على العمل وطلب الرزق الحلال : وقد حث (عليه السلام) في جملة من تعاليمه على طلب المال من حله ، ويدعو أصحابه إلى التكسب في الأسواق ، ويجعل ذلك عزا للإنسان . يقول المعلى بن خنيس : رآني أبو عبد الله (عليه السلام) وقد تأخرت عن السوق ، فقال لي : اغدو إلى عزك . وقال لآخر - وقد ترك غدوه إلى السوق - : ما لي أراك وقد تركت غدوك إلى عزك ؟ ! !
فهو (عليه السلام) يدعو لكسب المال من حله لينال المرء عزة في نفسه ولا يكون كلا على الناس فيهان . ولقد أخبر عن رجل قال : لأقعدن ولأصلين ، ولأصومن ولأعبدن الله ، فأما رزقي فيأتيني . قال (عليه السلام) : هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم . وقال له رجل : إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها . قال (عليه السلام) : ماذا تحب أن تصنع بها ؟ فقال الرجل : أوسع بها على نفسي وعيالي ، وأصل بها قرابتي ، وأتصدق وأحج وأعتمر . فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة . وكان هو بنفسه يطلب الرزق الحلال . قال أبو عمر الشيباني : رأيت أبا عبد الله الصادق وبيده مسحاة يعمل في حائط له والعرق يتصبب ، فقلت : جعلت فداك ، أعطني أكفك . فقال لي : إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة . وقال المفضل بن قرة : دخلنا على أبي عبد الله في حائط له (أي بستان) وبيده مسحاة يفتح بها الماء وعليه قميص ، وكان يقول : إني لأعمل في بعض ضياعي وإن لي من يكفيني ليعلم الله أني أطلب الرزق الحلال . وخرج (عليه السلام) في يوم صائف شديد الحر فاستقبله عبد الأعلى - مولى آل سام - في بعض طرق المدينة ، فقال له : يا ابن رسول الله ، حالك عند الله عز وجل ، وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم ! ! فقال (عليه السلام) : يا عبد الأعلى ، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك .
نبذ من أعماله وأقواله عليه السلام
كان (عليه السلام) يعلم الناس قولا وعملا لأنه ناصح مرشد بأقواله وأفعاله يدعو إلى الخير ويهدي إلى سبيل الرشاد ، بلغه عن رجل من أصحابه أنه وقع بينه وبين أمه كلام ، فأغلظ لها ، فلما دخل عليه من الغد ابتدأه قائلا : يا مهزم ، ما لك وخالدة (اسم أمه) أغلظت في كلامها البارحة ، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته ، وأن حجرها مهد قد عمرته ، وأن ثديها وعاء قد شربته ؟ فقال : بلى ، قال (عليه السلام) : فلا تغلظ لها . ودخل عليه صالح بن سهل - وكان يذهب مذهب الغلاة - فلما نظر إليه قال : يا صالح إنا والله عبيد مخلوقون ، لنا رب نعبده . وإن لم نعبده عذبنا . فترك صالح ما كان يذهب إليه . وكان عبد العزيز القزار ممن يذهب لهذا المذهب ، فلما دخل على الإمام (عليه السلام) قال له : يا عبد العزيز ، ضع لي ماء أتوضأ به . قال عبد العزيز : ففعلت . فلما دخل قلت في نفسي : هذا الذي قلت فيه ما قلت ؟ ! ! فلما خرج قال (عليه السلام) : يا عبد العزيز ، لا تحمل البناء فوق ما لا يطيق ، إنا عبيد مخلوقون . وهكذا كان (عليه السلام) يرشد للحق ويدعو إلى سبيل الرشاد ويعظ جلساءه . ويوجه بأقواله وأعماله من شذ عن الطريق السوي ، ويعلن براءته مما يدعى فيهم من الغلو ، ويقول أمام الملأ : إنا عبيد مخلوقون لرب ، إن عصيناه عذبنا . وكان مجلسه يكتظ بمختلف الطبقات ، من علماء الفرق وأهل الآراء ، فهو يلقي عليهم دروسا توجيهية بأقواله وأفعاله . قال سدير الصيرفي : كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز في مجلس أبي عبد الله ، إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة ، فهربت مني ، فما علمت في أي بيت من الدار هي . فهو بهذا يرد مزاعم أولئك المنحرفين عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) ويدعون حبهم ، ويزعمون أنهم يوحى إليهم ، وأنهم يعلمون الغيب الذي هو لله وحده ، فأوضح (عليه السلام) لجلسائه بطلان هذه المزاعم ليحملوا ذلك عنه ، وينشروه في البلاد النائية ، لأنه شديد الاهتمام بأمر الغلاة ، وإعلان الحرب عليهم ، وهم ليسوا من شيعته ، وإنما هم أعداء له ، يريدون الإساءة له والوقيعة في أتباعه . وسأله رجل من جلسائه فقال : إن قوما من مواليكم يلمون بالمعاصي ويقولون : نرجو . فقال (عليه السلام) : كذبوا ليسوا لنا بموال ، أولئك قوم ترجحت بهم الأماني ، من رجا شيئا عمل له ، ومن خاف شيئا هرب منه . وكان (عليه السلام) يؤوي الضيف ويدعو الغرباء إلى ضيافته ويكرمهم ، ومن حسن أخلاقه لا يود أن يسارع الضيف في رحلته ، ويمنع خدمه من المعاونة لهم في رحلتهم ، وهذا من مفاخر العرب ، ولهم فيه أشعار كثيرة ، وعندما يسأله ضيوفه عن سبب ذلك يقول : إنا أهل بيت لا نعين أضيافنا على الرحلة من عندنا . كما إنه يبذل الطعام ويدعو إلى بذله ، وسأله محمد بن قيس فقال : إني لا أتغدى ولا أتعشى إلا ومعي اثنان أو ثلاث أو أكثر . فقال (عليه السلام) : فضلهم عليك أكثر من فضلك عليهم .
فقال محمد : جعلت فداك ، كيف ؟ ! وأنا أطعمهم طعامي ، وأنفق عليهم ، ويخدمهم خادمي . فقال (عليه السلام) : إذا دخلوا عليك دخلوا بالرزق الكثير ، وإذا خرجوا خرجوا بالمغفرة . وقال رجل من الجالسين عنده : إن المنصور مذ صارت الخلافة إليه لا يلبس إلا الخشن ، ولا يأكل إلا الجشب . فقال (عليه السلام) : يا ويحه ، مع ما مكن الله له من سلطان ! ! فقيل : إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا للأموال . فقال (عليه السلام) : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ماله مع دينه . ولما أحضره المنصور في مجلسه وقع الذباب على وجه المنصور حتى ضجر ، فقال المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ؟ فقال (عليه السلام) : ليذل به الجبارين . فوجم لقوله . وقد أدب أصحابه بآداب الإسلام ، في جمع الكلمة وعدم الفرقة ، وحسن الصحبة لمن يصحبونه . قال أبو بصير : سمعت أبا عبد الله الصادق يقول : اتقوا الله وعليكم بالطاعة لأئمتكم ، قولوا ما يقولون ، واصمتوا عما صمتوا فإنكم في سلطان من قال الله تعالى : *(وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)* ، فاتقوا الله فإنكم في هدنة ، صلوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وأدوا الأمانة إليهم ، وعليكم بحج البيت ، فإن في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة . وقال أبو الربيع الشامي : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) والبيت غاص ، فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق ، فلم أجد موضعا أقعد فيه ، فجلس أبو عبد الله وكان متكئا ثم قال : يا شيعة آل محمد ، إنه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه ، ومن لم يحسن صحبة من صحبه ، ومخالقة من خالقه ، ومرافقة من رافقه . يا شيعة آل محمد ، اتقوا الله ما استطعتم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . وقال (عليه السلام) للمفضل : من صحبك ؟ قال : رجل من إخواني . قال (عليه السلام) : فما فعل ؟ قال المفضل : منذ دخلت المدينة لم أعرف مكانه . فقال لي : أما علمت أن من صحب مؤمنا أربعين خطوة سأله الله عنه يوم القيامة . ودخل عليه رجل فقال : يا بن رسول الله ، أخبرني بمكارم الأخلاق ، فقال (عليه السلام) : هي العفو عمن ظلمك ، وصلة من قطعك ، وإعطاء من حرمك . وقال يوما لأصحابه : إنا لنحب من كان عاقلا فهما حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا ، إن الله عز وجل خص الأنبياء بمكارم الأخلاق ، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ، ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى الله عز وجل ، وليسأله إياها . فقال له ابن بكير : جعلت فداك ، وما هن ؟ قال (عليه السلام) : هن الورع والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة والبر وأداء الأمانة . وهكذا كان (عليه السلام) يلقي على الناس نصائحه ويغتنم الفرص في التوجيه والإرشاد لما فيه صلاح أنفسهم ، وبذلك يصلح المجتمع . فهو (عليه السلام) طوال حياته يهدي إلى الخير ويدعو إلى سبيل الرشاد في امتثال أوامر الله والوقوف عند نواهيه . وقد بذل جهده (عليه السلام) في بذل النصح لجميع المسلمين لينتصر المجتمع الإسلامي على ميوله ونزعاته ، عندما تهذب النفوس من درن الرذائل ، وتتحول عن شهواتها . ولم يترك الإمام (عليه السلام) طريقا للنصح إلا سلكه في أقواله وأفعاله ، ولم يدع بابا للتوجيه إلا سلكه ، ويدفع بالناس إلى التحلي بفضائل الأعمال ، ويحث على الورع والتقوى والاجتهاد في الطاعة والألفة والمحبة والتعاون ومناصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم وأخذ الحق للضعيف من القوي ، وقال غير مرة : ما قدست أمة لم تأخذ لضعيفها من قويها بحقه . كما أنه (عليه السلام) كان يوصي من يريد السفر من أصحابه ، أو الوفود القادمين عليه من البلاد النائية بالمروة ، ثم يشرحها لهم بقوله : هي كثرة الزاد وطيبه ، وبذله لمن كان معك ، وكتمانك على القوم بعد مفارقتك إياهم ، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله ، ثم يقول : والذي بعث جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق نبيا ، إن الله عز وجل يرزق العبد على قدر المروة ، وإن المعونة تنزل على قدر المؤونة ، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء . ويوصيهم بعد ذلك بما أوصى لقمان ابنه ، إذ يقول : إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك بينهم ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت ، وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدت على الحق فاشهد لهم ، وأجهد رأيك إذا استشاروك ، ولا تجب في مشورة حتى تقوم بها ، فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الأمانة . وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإن تصدقوا أو أعطوا قرضا فاعط معهم ، واسمع لمن هو أكبر منك سنا ، وإذا أمروك بأمر أو سألوك شيئا فقل نعم ولا تقل لا ، فإن لا عي ولؤم ، وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في الأمر فقفوا وتوامروا ، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه ولا تسترشدوه ، فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب ، لعله أن يكون عين اللصوص ، . . . الخ . إلى هنا نكتفي بهذا العرض اليسيرعن سيرته وأخلاقه (عليه السلام) .
المصادر :
1- الامام الصادق / محمد ابو زهرة
2- الامام الصادق / محمد ابو زهرة ص99
3- الامام الصادق / محمد ابو زهرة ص75
4- تأريخ ابن عساكر 5 : 320
5- القرباتي : 128 ، وكشف الغمة للإربلي 1 : 223 .
6- وهو غير أبي حنيفة النعمان بن ثابت : إمام المذهب الحنفي
7- أعتم الرجل : دخل في العتمة ، وهي ظلام الليل ، أو ثلثه الأول ، وقيل : وقت صلاة العشاء
source : rasekhoon