تکرر التلميح في کتاب الله المجيد القرآن الکريم للعترة الطاهرة بشکل لا يقبل الشک والترديد في آیات کثيرة تطرق لها الکثير من العلماء والمفسرين من جميع الطوائف والمذاهب علی اختلاف ميولهم واهواهم واجبرتهم الحقيقة علی الافصاح ، وننقل هنا ما تداوله علماء اهل السنة في کتبهم الصحيحة والمعروفة .
سورة النساء
وتطرق فيها لذکر اهل البیت في ثلاث عشرة آية:
(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) النساء:الآية 1.
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام).(قال): نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، وذوي أرحامه، وذلك أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببه ونسبه. (إن الله كان عليكم رقيباً) يعني: حفيظ(1).
(وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء: الآية 29.
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرونا عن القاضي أبي الحسين محمد بن عثمان النصيبي (بإسناده المذكور) عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم).
قال: لا تقتلوا أهل بيت نبيكم، إن الله يقول: (.. تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم). وكان (ابناءنا) الحسن والحسين، وكان (نساءنا) فاطمة، و(أنفسنا) النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي(2).
(أقول): لا يخفى أن هذا وأشباهه من التأويل الذي تعلمه ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنزل عليه الوحي بالتنزيل، والتفسير، والتأويل جميعاً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) النساء: الآية 47.
روى الحافظ القندوزي، (الحنفي) قال: عن محمد الباقر (رضي الله عنه) في قوله تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها)، قال:
(لا يفلت من جيش السفياني الهالكين في خف البيداء إلا ثلاثة نفر، يحوّل الله وجوههم في أقفيتهم، وذلك عند قيام القائم المهدي)(3).
(أقول): هذا من التأويل، وتفسير الآية ورد في الذين لم يؤمنوا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا منافاة بين هذا التأويل، وذاك التفسير، فقد مر: أن للقرآن تفسيراً وتأويلاً، وله ظاهراً وباطناً، وقد دلت أعداد وفيرة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة على ذلك.
(أَمَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتْاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آل إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكُاً عَظِيماً) النساء: الآية 54.
روى عالم الحنفية محمد الصبان المصري في (إسعاف الراغبين) قال: وأخرج بعضهم عن الباقر في قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله..) أنه قال: (أهل البيت هم الناس)(4).
وأخرج نحوه علامة الشوافع السيد الشبلنجي في (نور الأبصار) أيض(5).
وروى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: حدثنا محمد بن الحسين (بإسناده المذكور) عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر في قول الله تعالى: (وآتيناهم ملكاً عظيماً). قلت: ما هذا الملك؟
قال: (أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، فهذا ملك عظيم)(6).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء: الآية 59.
أخرج عالم الأحناف الحافظ سليمان القندوزي في ينابيعه قال: في المناقب عن الحسن بن صالح، عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) في هذه الآية قال:
(أولو الأمر هم الأئمة من أهل البيت)(7).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء: الآية 59.
أخرج عالم الأحناف الحافظ سليمان القندوزي في ينابيعه قال: في المناقب عن الحسن بن صالح، عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) في هذه الآية قال:
(أولو الأمر هم الأئمة من أهل البيت)(7).
(.. فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النساء: الآية 64.
روى الشيخ المحمودي، عن تاريخ دمشق (ج: 20: ص 52) بإسناده المذكور عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(إن الله علمني أسماء أمتي كلها، كما علم آدم الأسماء كلها، ومثل لي أمتي في الطين (لعل المقصود به في عالم الطينة والذر) فمر بي أصحاب الرايات، واستغفرت لعلي وشيعته)(8).
(أقول): أصحاب الرايات يعني: أصحاب المذاهب بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقد ورد في القرآن (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (الإسراء: 71) وورد ذلك في الأحاديث الشريفة المتواترة، وقد نظم ذلك السيد الحميري (عليه الرحمة):
والناس يوم الحشر راياتهم***خمس فمنها هالك أربع
إلى أن يقول:
وراية يقدمها حيدر***ووجهه كالشمس إذ تطلع
إلى آخر أبياته.
(وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) النساء: الآية 68.
روى العلامة البحراني، عن العالم الشافعي، محمد بن إبراهيم الحمويني، بإسناده المذكور عن خُيْمة الجعفي، عن أبي جعفر الباقر أنه قال:
(نحن العلم المرفوع للخلق، من تمسك بنا لحق، ومن تأخر عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله)(9).
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً) النساء: الآيتان 69 و70.
روى الحافظ الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذكور) عن عبد الله بن عباس في قول الله تعالى:
(ومن يطع الله) يعني: في فرائضه.
(والرسول) في سنته.
(فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) يعني: علي بن أبي طالب، وكان أول من صدق برسول الله (صلى الله عليه وآله).
(والشهداء) يعني: علي بن أبي طالب وجعفر الطيار، وحمزة بن عبد المطلب، والحسن والحسين، هؤلاء سادات الشهداء.
(والصالحين) يعني: سلمان وأبو ذر، وصهيب، وخباب، وعمار.
(وحسن أولئك) أي: الأئمة الأحد عشر.
(رفيقاً) يعني: في الجنة.
(وذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً) منزل علي وفاطمة والحسن والحسين، ومنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم في الجنة واحد(10).
(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء: الآية 83.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن ابن معاوية عن محمد الباقر (رضي الله عنه) أنه قال:
(وقال عز وجل: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). فرد أمر الناس إلى أولي الأمر منهم الذين أمر الناس بطاعتهم وبالرد إليهم)(11).
وروى هو عن الصادق (رضي الله عنه) في تفسير كلمة (أولي الأمر) أنه قال:
(فكان علي، ثم صار من بعده حسن، ثم حسين، ثم من بعده علي بن الحسين، ثم من بعده محمد بن علي، وهكذا يكون الأمر، إن الأرض لا تصلح إلا بإمام)(12).
(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء: الآية 115.
روى العلامة البحراني، عن ابن مردويه في معنى هذه الآية قال:
(من بعد ما تبين له الهدى) في أمر علي(13).
(وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) النساء: الآية 159.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي)، بإسناده عن محمد الباقر (رضي الله عنه) في قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليومنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً)، قال:
(إن عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملة - يهودي ولا غيره - إلا آمنوا به (أي: آمنوا بالمهدي كما يدل عليه السياق، وتدل عليه روايات كثيرات أخر) قبل موتهم ويصلي عيسى خلف المهدي عليه السلام)(14).
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ) النساء: الآية 163.
أخرج إمام الحنابلة (أحمد بن حنبل) في مسنده، بسنده المذكور عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(حسين سبط من الأسباط)(15).
وأخرجه ابن الديبغ صاحب (تيسير الوصول) أيض(16).
(أقول): ليس المراد من (أوحينا) في هذه الآية الوحي على شكل واحد، لأنه لا إشكال في كون (الوحي) مقولة بالتشكيك، فكما أن الوحي الذي كان يوحى إلى إبراهيم، لم يكن كالذي أتى الأسباط، أو كالذي أتى النحل(17)، أو كالذي أوحي إلى الحواريين(18)، أو كالذي أوحي إلى أم موسى(19)... إلخ.
فليكن الوحي إلى الحسين (عليه السلام) كواحد من هذه الأقسام ولاشك أن الحسين أعظم قدراً عند الله من الحواريين، ومن أم موسى، ومن أولئك الأسباط.
سورة المائدة
وفيها خمس آيات:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحِلُّوا شَعَائِر اللهِ) المائدة: الآية 2.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) بإسناده عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) أنه قال في خطبة له:
(نحن الشعائر والأصحاب، والخزنة والأبواب)(20).
(أقول): قوله (نحن) يقصد به أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، الذين هو سيدهم، وأولهم، ورئيسهم، بنص أحاديث كثيرة مر بعضها، وسيأتي بعضها الآخر.
(ولا تنافي) بين كون المراد من (الشعائر) في الآية الكريمة هم الأئمة الطاهرون، وبين كون ورودها - سياقاً - في بيان أحكام الحج، لأن الأول تأويل، والثاني تفسير، والأول باطن، والثاني ظاهر.
ويقول مشيراً إلى ذلك الإمام فخر الدين الرازي - فيما يقول -: (إن الإعجاز يكاد ينحصر في هذا المعنى الذي لا يوجد أبداً في كلام البشر) (21).
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيَثاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) المائدة: الآية 12.
روى العلامة البحراني، عن أبي الحسن الفقيه محمد بن علي بن شاذان - في المناقب المائة من طريق العامة - بحذف الإسناد، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
(معاشر الناس من سره أن يقتدي بي فعليه أن يتوالى ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ذريتي فإنهم خزان علمي).
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ما عدة الأئمة؟
قال: (يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه، عدتهم عدة الشهود).
إلى أن قال (صلى الله عليه وآله): (وعدة نقباء بني إسرائيل، قال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً) فالأئمة يا جابر اثني عشر إماماً، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم)(22).
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) المائدة: الآية 14.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) عن أبي الربيع الشامي، عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) في قوله تعالى: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به)، قال:
(سيذكرون ذلك الحظ، وسيخرج مع القائم هنا عصابة منهم)(23).
(أقول): هناك روايات عديدة في كتب عامة المسلمين - على اختلاف مذاهبهم - بهذا المضمون، وهي تقول: أن عيسى (عليه السلام) ينزل ويصلي خلف الإمام المهدي (عليه السلام) ويأمر النصارى بمبايعته، فيؤمن به من النصارى جمع كثير.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة: 35.
اخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) عن كتاب (مودة القربى) للسيد علي الهمداني، قال: وعن علي (كرم الله وجهه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(الأئمة من ولدي، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، هم العروة الوثقى، والوسيلة إلى الله جل وعلا)(24).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتدَّ مِنكُمْ عَن دِيْنِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة:الآية 54.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) قال: عن سليمان بن هارون العجلي قال: سمعت جعفر الصادق (رضي الله عنه) يقول:
(إن صاحب هذا الأمر - يعني القائم المهدي - محفوظ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه وهم الذين قال الله فيهم: (يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)).
(أقول): لا منافاة بين ورود تأويل هذه الآية وتنزيلها تارة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتارة في أصحاب المهدي المنتظر، لأن علياً وأصحاب القائم كلهم مصاديق لهذه الآية، فإن الله يحب علياً وعلي يحب الله، والله يحب أصحاب القائم وهم يحبون الله (غير) أن علياً (عليه السلام) هو المصداق الأكمل، والفرد الأتم لهذه الآية، وأصحاب المهدي المنتظر مصاديق دونه. وكم لمثل ذلك من نظائر في القرآن.
سورة الأنعام
وفيها ثمان آيات:
(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنعام: الآية 27.
روى العلامة البحراني، قال: روى الشيرازي في كتابه، عن أبي معاوية الضرير، عن الأعشى عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
إذا كان يوم القامة أمر الله مالكاً أن يسعر النيران السبع وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمان ويقول: يا ميكائيل مدّ الصراط على متن جهنم، ويقول: يا جبرائيل انصب ميزان العدل تحت العرش، وينادي: يا محمد قرّب أمتك للحساب، ثم يأمر الله تعالى أن يعقد على الصراط سبع قناطر، طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ، وعلى كل قنطرة سبعون ألف ملك قيام، فيسألون هذه الأمة، نساؤهم، ورجالهم، على (القنطرة الأولى) عن ولاية أمير المؤمنين وحب أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف، ومن لم يحب أهل بيت نبيه سقط على أم رأسه في قعر جهنم ولو كان له من أعمال البر عمل سبعين صديق(25).
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاء اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ الْسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُوِرِهمْ ألاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ) الأنعام: 31.
روى الفقيه (الشافعي) جلال الدين السيوطي في تفسيره قال: وأخرج البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن أعرابياً سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: متى الساعة؟
فقال (صلى الله عليه وآله): (إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة).
قال: يا رسول الله! وكيف إضاعتها؟
قال (صلى الله عليه وآله): (إذا وُسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)(26).
وروى هو أيضاً قال: وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: أتى رجل فقال: يا رسول الله متى الساعة؟
قال (صلى الله عليه وآله): (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل).
قال: فلو علمتنا أشراطها (أي: علاماتها)؟
قال (صلى الله عليه وآله): (تقارب الأسواق).
قال: وما تقارب الأسواق؟
قال (صلى الله عليه وآله): (أن يشكو الناس بعضهم إلى بعض قلة إصابتهم. ويكثروا البغي، وتفشو الغيبة، ويعظم رب المال، وترتفع أصوات الفساق في المساجد، ويظهر أهل المنكر، ويظهر البغاء)(27).
وقال السيوطي: وأخرج أحمد بن حنبل والبخاري، ومسلم، وابن ماجه عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
(يكون بين يدي الساعة أيام فيرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج)(28).
(أقول): استفاضت الروايات كثيراً بوقوع مثل هذه الأمور قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) فضياع الأمانة، ووصول الأمور إلى غير أهلها، وكثرة ولد الزنا، وتفشي الغيبة، وتعظيم أصحاب الأموال، وارتفاع أصوات الفساق في المساجد، وغلبة أهل المنكر، وغلبة البغاء في الدور والقصور، وارتفاع العلم، ونزول الجهل (الظاهر كونه بمعنى السفاهة) وكثرة الهرج.
هذه كلها من علامات ظهور المهدي (عليه السلام) فيكون المراد بـ(الساعة) في الآية الكريمة هي ساعة ظهور المهدي، أو الأعم منها ومن ساعة القيامة، لاشتراك الساعتين في كثير من المقدمات والعلامات. أو تكون إحداهما من الظهر، والأخرى من البطن.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمَ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الأنعام:الآية 40.
روى السيوطي (الفقيه الشافعي) قال: وأخرج الحاكم وصححه عن واثلة بن الأسقع: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
(لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدجال، ونزول يأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر (عدن)، تسوق الناس إلى المحشر، تحشر الذر والنمل)(29).
(أقول): دلالة هذا الحديث على كون الآية الكريمة من الآيات الواردة بشأن الإمام المهدي (عليه السلام) إنما هي من جهة أن هذه العلامات مذكورة في أحاديث مبثوثة ومتعددة - من ضمن علامات ظهور المهدي (عليه السلام) - فيكون ذكرها هنا تفسيراً (للساعة) دليلاً على أن المراد بـ(الساعة) هي ساعة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ويشهد له التصريح في أحاديث عديدة، بأن الساعة هي ساعة قيام القائم.
(وليعلم) أن الآيات المذكورة إنما تكون عشراً إذا عدت (ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تحشر الذر والنمل) ثلاث آيات، أو إذا عدت هذه آيتين، وعد (نزول يأجوج ومأجوج) أيضاً آيتين، وإلا فتكون الآيات أقل من العشر، ويكون الراوي قد نسي بعضها.
(ولعل) قوله (صلى الله عليه وآله): (تسوق الناس إلى المحشر) معناه الحروب الطاحنة التي تجمع الناس إلى الموت، لأن الموت هو الحشر، لكونه أوله ومبتدأه، كما ورد في الحديث الشريف: (إذا مات ابن آدم قامت قيامته).
(وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الأنعام: الآية 87.
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن موسى بن إسحاق (بإسناده المذكور) عن سعد، عن أبي جعفر قال:
(آل محمد الصراط الذي دلّ الله عليه)(30).
(أقول): لا ينافي هذا صدر الآية الكريمة من كونها في الأنبياء والمرسلين، لوجهين:
(أحدهما): أنه إذا كان الصراط الذي دل الله عليه - محصوراً بدلالة (أل) الداخلة على الخبر المفيد للحصر - هم آل محمد، كان مورد الآية من مصاديق ذلك.
(ثانيهما): ما ورد في الأحاديث الشريفة العديدة الدالة على أن الله تعالى أخذ على الأنبياء تولي محمد وأهل بيته، ومجتمعهم، مما لا مجال لذكرها في هذا المختصر وتطلب من مظانها.
(فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) الأنعام: الآية 89.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) قال: عن جعفر بن محمد (رضي الله عنه) قال:
(إن صاحب هذا الأمر - يعني: القائم المهدي - محفوظ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه، وهم الذين قال الله فيهم: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين))(31).
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الأنعام: الآية 115.
أخرج الحافظ (الحنفي) سليمان القندوزي (بسنده المذكور) عن عدة من المشايخ الثقات الذين كانوا مجاورين للإمامين سيدنا علي الهادي، وأبي محمد الحسن العسكري، قالوا، سمعناهما يقولان:
(إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق الإمام أنزل قطرة من ماء الجنة في ماء المزن، فتسقط في ثمار الأرض وبقلتها، فيأكلها أبو الإمام فتكون نطفته منها، فإذا استقرت النطفة في الرحم فيمضى لها أربعة أشهر يسمع الصوت، وكتب على عضده: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم). فإذا ولد قام بأمر الله، ورفع له عمود من نور، ينظر منه الخلائق، وأعمالهم وسرائرهم، والعمود نصبت بين عينيه حيث تولى ونظر)(32).
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) الأنعام: الآية 153.
قال العلامة البحراني: أسند الشيرازي - من أعيان العامة - إلى قتادة عن الحسن البصري في قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً)، قال:
يقول: هنا طريق علي بن أبي طالب وذريته طريق مستقيم، ودين مستقيم، (فاتبعوه) وتمسكوا به فإنه واضح لا عوج فيه(33).
(أقول): المقصود من (ذريته) عترته الأئمة الطاهرون الأحد عشر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
(هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيَمانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيَمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ) الأنعام: الآية 158.
روى الحافظ القندوزي (الحنفي) عن أبي هريرة رفعه قال:
لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت آمن الناس كلهم أجمعون، فيؤمئذ (لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً). للشيخين وأبى داود(34).
وروى الحافظ القندوزي نفسه، عن أبي سعيد الخدري رفعه، في قوله تعالى: (أو يأتي بعض آيات ربك) طلوع الشمس من مغربها. للترمذي(35).
(أقول): قد كثرت الروايات في أن من علامات ظهور (المهدي من آل محمد) ورجعته طلوع الشمس من مغربها، وهذا أمر ثابت عند المطلعين على الأحاديث الشريفة.
المصادر :
1- شواهد التنزيل: ج1 ص135.
2- شواهد التنزيل: ج1 ص142.
3- ينابيع المودة: ص506.
4- إسعاف الراغبين: ص109.
5- نور الأبصار: ص112.
6- شواهد التنزيل: ج1 ص147.
7- ينابيع المودة: ص114.
8- حاشية شواهد التنزيل: ج1 ص379.
9- غاية المرام: ص246.
10- شواهد التنزيل: ج1 ص154.
11- ينابيع المودة: ص321.
12- المصدر نفسه.
13- غاية المرام: ص437.
14- ينابيع المودة: ص506.
15- مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج4 ص172.
16- تيسير الوصول: ج3 ص276.
17- سورة النحل: 68.
18- سورة المائدة: 111.
19- سورة طه 83 والقصص 7.
20- ينابيع المودة: ص213.
21- التفسير الكبير، للفخر الرازي، إشارات كثيرة بهذا المعنى.
22- غاية المرام: ص244.
23- ينابيع المودة ص506.
24- ينابيع المودة: ص446.
25- غاية المرام: ص259.
26- الدر المنثور: ج6 ص50.
27- الدر المنثور: ج6 ص50 - 51.
28- المصدر نفسه.
29- تفسير الدر المنثور: ج6 ص60.
30- شواهد التنزيل: ج1 ص61.
31- ينابيع المودة: ص507.
32- ينابيع المودة: ص462,
33- غاية المرام: ص434.
34- ينابيع المودة.
35- المصدر نفسه.
source : rasekhoon