الصلاة من الواجبات المفروضة علی المسلم أما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك قائم بها بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب، الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرع، المعظم من كان بين يديه، بالسكون والإطراق وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه، والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله...
هذه صورة الصلاة كما يريدها الله وكما يحب أن يكون عليها صاحبها، صورة العبد الكادح إلى ربه، الوافد عليه، صورة الإنسان الضعيف الصغير، يقف بين يدي الله العزيز الكبير. صورة توحي بعظمة الباري عز وجل فيها التوبة والإنابة والخضوع والخشوع. إنها لقاء الشوق والمحبة يعترف المصلي لخالق الكون بالربوبية والإلهية بكل أوصافها: العلم والقوة والرحمة والحكمة والعزة...
الصلاة هي قربان كل تقي وعمود الدين ووجهة يعرج بها المسلم إلى الله ويسأل عنها يوم القيامة، فإن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها... والإمام زين العابدين (عليه السّلام) أعطانا لوحة جميلة في التعليم والتوجيه، يريد أن يصلنا بالله ومن خلال هذه الصلة يعلمنا الأدب مع عزته وجلاله. فعلى المسلم أن يصلي بسكينة ووقار، خاشع الأطراف، حسن المناجاة، لا يشغل فكره بأي شأن من شؤون الدنيا، وعليه أن يسأل الله العلي القدير لينقذه من التبعات والخطيئات، وفك رقبته من النار، فعلى المصلي أن يكون راغباً في ثواب الله، راهباً من عذابه، متضرعاً خاشعاً، خائفاً، فلا يترك لليأس مدخلاً إلى قلبه ولا يترك للرجاء أن يقف مانعاً عن التوجه إلى الله والازدياد من الأعمال الصالحة.
فعلينا أن نؤدي صلاتنا بشروطها وآدابها وخشوعها وأن نؤديها بفاعليتها وروحانيتها وسموها لتكون هذه الصلوات محطات من أجل الوصول إلى رضا الله وطاعته.
حق الصوم:
وأما حق الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار وهكذا جاء في الحديث (الصوم جُنّة من النار)(1) فإن سكنت أطرافك في حجبها رجوت أن تكون محجوباً وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب، فتطلع على ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله، لم تأمن أن تخرق الحجاب، وتخرج منه، ولا قوة إلا بالله...
الصوم هو من العبادات المهمة في الإسلام، هو رياضة روحية يتجرد الإنسان فيه من كل شهوات الدنيا ليحلق في أجواء من الصفاء والروحانية.
تتجسد في الصوم المساواة بين جميع المسلمين يجمعهم شهر رمضان المبارك ويوحد نفوسهم ومشاعرهم، وهو لا يعني الامتناع عن الطعام والشراب فحسب بل هناك وراء ذلك ما هو أعمق وأدق. فعلى الصائم أن يمسك لسانه عن الكذب وقول الباطل، ويمسك سمعه عن سماع الغيبة، وفرجه مما لا يحل له، وبطنه عن تناول الحرام، وبهذا يكون الصوم (جنة) من النار ومنجى من عذاب الله وعقابه. أما إذا تعدت هذه الجوارح والأعضاء وظائفها الشرعية وانحرفت عن خطها السوي فإنها توصل بصاحبها إلى ما لا تحمد عقباه.
حق الصدقة:
وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الأشهاد، فإذا علمت ذلك، كنت بما استودعته سراً أوثق بما استودعته علانية، وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كل حال، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بأشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليه.
ثم لم تمنن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأن ذلك دليلاً على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتّن بها على أحد ولا قوة إلا بالله..لقد رغب الإسلام بكل الصدقات والهبات والتبرعات والمسلم إذا عاش مع الناس بحاجاتهم وقضاياهم وتفاعل معهم عاطفياً وعملياً سوف يتحول إلى عنصر عطاء. والعطاء إذا خرج عن نفس طيبة يتحسس بآلام الناس وينفس عنهم كربتهم ويرفع عنهم عوزهم سوف يتحول العمل إلى عبادة تعادل الصلاة والصوم.
لذلك أكد الإمام على الصدقة واعتبرها ذخراً عند الله للمتصدق وهو إنما يقدمها لنفسه، فإنه يجدها حاضرة يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون. كما أكد الإمام (عليه السّلام) على ضرورة إعطاء الصدقة في السر، وأن تكون خالية من المن لأن ثوابها يعود على منفقها ولا يضيع عند الله تعالى وهي لا تحتاج إلى الأشهاد ولا إلى الوثائق وكلما كانت سراً كانت أكثر ثواباً وأبعد عن الظهور والكبرياء، أما إذا أعطيت جهاراً وأمام الملأ من الناس فإنها تخرج عن هدفها المحدد لها وهو التوجه نحو الله والتماس رضاه. قال تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(2).
ونظراً لأهمية الصدقة في السر فقد كان الإمام (عليه السّلام) يعول مائة بيت في يثرب، وهم لا يعلمون من هو الذي يعيلهم.
حق الهدي:
وأما حق الهدي فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنعاً وكنت إنما تقصد إلى الله واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد يخلقه التيسير، ولم يرد بهم التعسير، وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن(3) لأن الكلفة والمؤونة في المتدهقنين، فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما، ولا مؤونة عليهما، لأنهما الخلقة، وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله....
الهدي من فريضة الحج تمتاز بطابعها السياسي العبادي وهو ما يذبحه حجاج بيت الله الحرام من الأنعام في مكة أو في منى وقد أكد الإمام (عليه السّلام) على أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى غير مشفوع بأي سبب آخر ومظاهر فاسدة كالرياء وطلب السمعة لأن الله تعالى يتقرب إليه باليسير من الأعمال لا بالعسير وبالتذلل لا بالتكبر.
والحاج يهرق دماً ضحية تعبيراً عن تتويج تلك الأعمال العبادية المأمور بها بثورة دامية ينفذها المسلم إذا احتاج هذا الدين دماءً طاهرة من أجل الجهاد في سبيل الله.
والهدي يرمز إلى العطاء الكريم والفداء العظيم والمسلم على استعداد دائم لهذا العطاء والفداء.. يقدمه خالياً من كل الشوائب التي تفسد قبوله.
ثم بيّن لنا الإمام قاعدة إسلامية هامة وهي اليسر استمدها من القرآن الكريم. قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر...)(4).
ومن حقوق الأفعال تحدث (عليه السّلام) عن حقوق الأئمة.
المصادر :
1- جُنّة: أي وقاية من النار
2- سورة البقرة: الآية 262
3- التدهقن: التكبر والتجبر
4- سورة البقرة: الآية 185
source : rasekhoon