عربي
Sunday 16th of June 2024
0
نفر 0

علم الالهام

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين اكتب ما أملي عليك ، قال علي عليه السلام يا نبي الله وتخاف ـ علي ـ النسيان ؟
علم الالهام


عن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين اكتب ما أملي عليك ، قال علي عليه السلام يا نبي الله وتخاف ـ علي ـ النسيان ؟
قال لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك لكن اكتب لشركائك . قال : قلت ومن شركائي يا نبي الله ، قال الآئمة من ولدك بهم يسقي أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف البلاء عنهم وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم وأومى بيده إلى الحسن ثم أومى بيده إلى الحسين ثم قال الآئمة من ولدك (1) .
عن بكر بن كرب قال كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فسمعنا ، يقول أما والله عندنا ما لا نحتاج إلى الناس وإن الناس يحتاجون إلينا إن عندنا الصحيفة سبعون ذراعاً بخط علي واملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها من كل حلال وحرام وإنكم لتأتون فتدخلون علينا فنعرف خياركم من شراركم (2) .
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال إن عندنا صحيفة من كتب علي طولها سبعون ذراعاً فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها ، وسألته عن ميراث العلم ما بلغ أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التي تتكلم فيه الناس مثل الطلاق والفرايض ؟
فقال إن علياً كتب العلم كله القضاء والفرايض ، فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلا فيه نمضيها (3) .
وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السلام قال : قال أبو جعفر إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن جبرائيل أتى رسول الله بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب وأمر إذا حضره أجله أن يدفعها إلى علي بن أبي طالب فيعمل بما فيه ولا يجوزه إلى غيره وأن يأمر كل وصي من بعده أن يفك خاتمه ويعمل بما فيه ولا يجوز غيره (5) .
وعن علي بن ميسرة عن أبي أراكة قال كنا مع علي عليه السلام فحدثنا أن علياً ورث من رسول الله السيف وبعض يقل البغلة ، وبعض يقول ورث صحيفة في حمائل السيف إذ خرح علي عليه السلام ونحن في حديثه فقال أيم الله لو انبسط ويؤذن لي لحدثتكم حتى يحول الحول لا أعبد حرفاً وأيم الله إن عندي لصحف كثيرة قطايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة وما ورد على العرب أشد عليهم منها وإن فيها لستين قبيلة من العرب مبهرجة ما لها في دين الله من نصيب (6) .
وعن محمد بن حكيم عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال إنما هلك من كان قبلكم بالقياس إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه حلاله وحرامه فجاءكم مما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته وإنها مصحف عند أهل بيته حتى أن فيه لأرش خدش الكف ، ثم قال : إن أبا حذيفة لعنه الله ممن يقول قال علي وأنا قلت (7) لا يخفى أن أبا حنيفة كان يعمل بالقياس وكانت بينه وبين الإمام الصادق عليه السلام عدة مناظرات وقد تتلمذ في أواخر عمره على الإمام الصادق حتى قال كلمته المشهورة ( لو لا السنتان لهلك النعمان ... ) .
ومن الصحف التي عندهم هي صحف إبراهيم موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفيضت إليه صحف إبراهيم وموسى فائتمن عليها صلى الله عليه وآله وسلم علياً وائتمن عليها الحسن وائتمن عليها الحسين حتى انتهت إلينا (8) .
وعن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم في حديث بريهة حين سئل موسى ابن حعفر عليه السلام فقال يا بريهة كيف علمك بكتاب الله ؟

قال أنا به عالم . قال فكيف ثقتك بتأويله ؟

قال ما أوثقني بعلمي فيه ، قال فابتدأ موسى عليه السلام في قراءة الإنجيل فقال بريهة والمسيح ـ صيغة قسم ـ لقد كان يقرأها هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ثم قال إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة قال هشام فدخل بريهة والمرأة على أبي عبد الله وحكى هشام الكلام الذي يجري بين موسى وبين بريهة فقال بريهة جعلت فداك أين لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ فقال هي عندنا وراثة من عندهم مقرؤها كما قرؤها ونقولها كما قالوها والله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري ، فلزم بريهة أبا عبد الله عليه السلام حتى مات (9) .
وعن ليث المرادي أنه حدثه عن سدير بحديث فأتيته فقلت فإن ليث المرادي حدثني عن بحديث فقال ما هو قلت جعلت فداك حديث اليماني قال نعم كنت عند أبو عبد الله عليه السلام فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبو جعفر عن اليمن فأقبل يحث فقال له أبو جعفر عليه السلام هل تعرف صخرة في موضع كذا وكذا قال نعم ورايتها فقال الرجل ما رأيت رجلاً أعرف بالبلاد منك فلما قام الرجل قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الفضل تلك الصرخة التي حيث غضب موسى فألقى الألواح فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلما بعث الله رسوله أدته إليه وهي عندنا (10) .
وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال لما تقدم علي الكوفة صلى بهم أربعين صباحاً فقرأ بهم سبح اسم ربك الأعلى ، فقال المنافقون والله ما يحس أن يقرأ ابن أبي طالب القرآن ولو أحسن أن يقرأ بنا غير هذه السورة ، قال فبلغه ذلك فقال ويلهم إني لأعرف ناسخة ومنسوخة ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله وحروفه من معانية والهل ما حرف نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا وأنا أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل ، ويلهم أما يقرأون أن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى . والله عندي ورثتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إبراهيم وموسى ، ويلهم ، والله إني أنا الذي أنزل الله في ( وتعيها إذن واعية ) (11) فإنا كنا عند رسول الله فخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا ماذا قال آنفا (12) .
ومن جملة الكتب التي ورثوها ، مصحف فاطمة عليها السلام وهي ليست قرآن أو أحكام بل فيها علم غزير وهو علم ما سيكون .
عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول تظهر الزنادقة في سنة ثمانية عشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة . قال فقلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام فقال إن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل إليها ملكاً يسلي عنها غمها يحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فأعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال : ثم قال أما أنه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون (13) .
وعن علي ابن رئاب عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر ، فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له ما الجامعة ؟ فقال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وفيها .
قال له فمصحف فاطمة ؟ فسكت طويلاً ثم قال إنكم تبحثون عما تريدون وعما لا تريدون . إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس وسبعين يوماً وقد دخلها حزن شديداً على أبيها وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة (14) .
ويعلم من الحديث أن مصحف فاطمة ليس كما يزعمه المخالفون أنه قرآن آخر غير الذي بأيدي الناس حتى يكفرون الشيعة به ، ولا هو كتاب مسائل في الحلال والحرام ، بل إنه علم ما يكون ...
وعن أبي بصير ، قال دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسألة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبد الله عليه السلام ستراً بيني بين بيت آخر فاطلع في ثم قال يا أبا محمد سل عما بدا لك . قال قلت : جعلت فداك أن الشيعة يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم علياً عليه السلام باباً يفتح منه ألف باب . قال فقال : أبو عبد الله عليه السلام يا أبا محمد علم والله رسول الله علياً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب .
قال : قلت له والله هذا لعلم فنكت ساعة في الأرض ثم قال إنه لعلم وما هو بذلك ثم قال يا أبا محمد وإن عندنا الجماعة وما يدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك وما الجامعة ؟
قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واملأ من فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام ، كل شيء يحتاج الناس إليه حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إلي ، فقال بأذن لي يا أبا محمد ؟ قال : قلت جعلت فداك إنما أنا لك أصنع ما شئت قال فغمزني بيده ، فقال حتى ارش هذا كأنه ـ مغضب ـ قال : قلت جعلت فداك هذا والله العلم . قال إنه لعلم وليس بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال إن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جل بعير . قال : قلت جعلت فداك ما الجعفر ؟ قال وعاء أحمر أو أدم أحمر فيه علم النبيين والوصيين ، قلت هذا والله العلم ، قال إنه لعلم ، وماهو بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة . قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد وإنما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها قال قلت هذا والله ه العلم . قال إنه لعلم وليس بذاك . قال ثم سكت ساعة ثم قال إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة . قال : قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال : إنه لعلم وما هو بذاك ، . قال : قلت جعلت فداك فأي شيء هو العلم ؟ قال ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر ، والشيء إلى يوم القيامة (15) .

لقد اشتمل الحديث على عدة فقرات مهمة وهي :

إن الإمام الصادق عليه السلام بين أن الرسول علم علياً ألف باب ومن كل باب يفتح له ألف باب ، لا كما قال أبو بصير باب واحد ...
ثم بين الإمام سلام الله عليه الجامعة وطولها سبعون ذراعاً وإنه من املاء الوحي على الرسول وقد خطه الإمام علي بيمينه ، وإن فيها كل المسائل الشرعية من الحلال والحرام ما كبر وصغر .
ثم بين سلام الله عليه الجفر وإنه وعاء علم النبيين سواء على شكل كتاب مخطوط فيه آثارهم ووصاياهم أو أنه سر مكنون مستودع في ذلك الوعاء .
ثم بين مصحف فاطمة عليها السلام وأن حجمه ثلاث أضعاف حجم القرآن الكريم وقد توهم البعض أنه ( القرآن ) الذي نزل على صدر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن حجمه الحقيقي هو ثلاث مرات ، وهو ليس كذلك ، بل الإمام عين حجم هذا المصحف لا إنه هو القرآن الحقيقي ، وفرق بين أن يقول هو القرآن وبين أن يمثل حجمه بالقرآن وهذا لا يخفى على أدنى شخص يعرف اللغو أو شيئاً من البلاغة .
والعبارة صريحة منه عليه السلام قال : والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد . إنما هو شيء املاها الله وأوحى إليها ...
وقد طبل المخالفون والمغرضون ، فقالوا إن الشيعة تزعم أن لديها القرآن الأصلي وهو الذي يسمى بمصحف فاطمة . وبعضهم قال إن الشيعة تدعى أن لها قرآنين أحدهما أكبر من الآخر . وإلى غير ذلك من أكاذيبهم وطعونهم ثم بين الإمام الصادق عليه السلام في آخر فقرة من الحديث أن عنده علم ما كان علم ما كائن أي أخبار المستقبل .
أقول : دلت الأخبار الكثيرة على أن فاطمة كانت تسمع صوتاً ولا ترى له شخصاً فعلم أنها كانت محدثة ، تحدثها الملائكة وهكذا الأئمة عليهم السلام وهذا ليس غلو في حقهم ، بل إنما أمر خصه الله بهم على وجه التكريم .
وعن حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله من أهل بيتي اثنا عشر محدثاً . فقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه سبحان الله كان محدثاً ـ كالمنكر لذلك ـ فأقبل عليه أبو جعفر عليه السلام فقال أما والله إن ابن أمك بعد وقد كان يعرف ذلك . قال فلما قال ذلك سكت الرجل . فقال أبو جعفر هي التي هلك فيها أبو الخطاب لم يدر تأويل المحدث والنبي (16) .
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : كان علي محدثاً وكان سلمان محدثاً قال : قلت فما آية المحدث ؟ قال يأتيه فينكت في قلبه كيت وكيت (17) .
وعن علي بن جعفر الحضرمي عن سليم بن قيس أنه سمع علياً عليه السلام يقول إن أوصياني من ولدي مهديون كلنا محدثون فقلت يا أمير المؤمنين من هم ؟ قال الحسن والحسين عليهما السلام ثم ابني علي بن الحسين عليهم السلام . قال : وعلي يومئذ رضيع ثم ثمانية من بعده واحداً بعد واحد وهم الذين أقسم الله بهم فقال ( ووالد وما ولد ) ، أما الوالد فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء قلت : يا أمير المؤمنين عليه السلام أيجتمع إمامان ؟
قال : لا إلا واحدهما مصمت لا ينطق حتى يمضى الأول . قال سليم الشامي سألت محمد بن أبي بكر ، قلت كان علي عليه السلام محدثاً ؟ قال نعم . قلت : وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء ؟ قال أما تقرأ ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) ؟ قلت فأمير المؤمنين محدث ؟ قال نعم وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبيه (18) .
يدل هذا الحديث وحديث حمران عن أبي جعفر عليه السلام أن فاطمة عليها السلام كانت محدثة وأن سلمان الفارسي كان أيضاً محدث .
وقد عرفت أن ذلك من علوهم في الصفاء ومنزلتهم في الإيمان والتقوى وما نالوا هذه المنزلة إلا بطاعتهم لله وعبوديتهم الخالصة له سبحانه ، فأكرمهم الله ، بأن جعل لهم ملائكة تحدثهم فيأنسون بأنسهم في الحديث الذي يكون على شكل القذف في القلب أو الوقر في السمع .
عن الحسن بن محبوب عن الأحوال قال سمعت زرارة يسأل أبا جعفر الباقر عليه السلام قال أخبرني عن الرسول والنبي والمحدث ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام الرسول الذي يأتيه جبرائيل قبلاً فيراه يكلمه فهذا الرسول . وأما النبي فإنه يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم عليه السلام ونحو ما رآى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرائيل من عنده بالرسالة كان محمداً صلى الله عليه وآله وسلم حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرائيل ويكلمه بها قبلاً ، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه ، ويحدثه من غير أن يكون رآه في اليقظة ، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه (19) .
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كنت بالمدينة فلما شدوا على دوابهم وقع في نفسي شي من أمر الحدث فأتيت أبا جعفر عليه السلام فاستأذنت فقال من هذا قلت زرارة ، قال ادخل ، ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يملي على علي عليه السلام فنام نومة ونعس فلما رجع نظر إلى الكتاب فمد يده قال من أملى هذا عليك قال أنت قال لا بل جبرائيل (20) .
عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أنا والمغيرة بن سعيد جالسين في المسجد فأتانا الحكم بن عيينه فقال سمعت من أبي جعفر عليه السلام حديثاً ما سمعه أحد قط فسألناه فأبى أن يخبرنا به فدخلنا عليه فقلنا إن الحكم بن عيينة أخبرنا أنه سمع منك ما لم يسمعه منك أحد قط فأبى أن يخبرنا به فقال نعم وجدنا علم علي عليه السلام في آية من كتاب الله : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) فقلنا ليست هكذا هي ، فقال في كتاب علي وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، فقلت وأي شيء المحدث فقال ينكت في أذنه فيسمع طنيناً كطنين الطست فقلت إنه نبي ثم قال لا مثل الخضر ومثل ذي القرنين (21) .
أقول سبق في كيفية أخذ العلم بواسطة الإلهام أو بأمر الملك . والنكت في القلب والأذن واحد ، حيث أن الأذن طريق محسوس وموصل إلى القلب ، والقلب وعاء للخطابات والمعرفة ، لهذا كانت الخطابات القرآنية تصور القلوب وهي وعاز الفهم ، والفقه ، والمعرفة ، والإيمان والكسب ، والطهارة ، والقساوة ، والزيغ ، والمرض ، والخشوع ، والنفاق ... الخ .
اتضح من كل ما تقدم أن الأئمة عليهم السلام لم يعلموا الغيب ولم يقل أحد منهم بذلك أما علمهم بالمغيبات وأخبارهم بما يجري على شيعتهم وما سيقع من الحوادث ، فقد عرفت إنما كان من العلم الذي ورثوه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن الصحف التي كانت عندهم .
قال الزجاج كما يحكيه الشيخ الطوسي في معنى الآية : ( وعنده مفتاح الغيب لا يعلمه إلا هو ... ) قال : يريد عنده الوصله إلى علم الغيب وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه افتح علي .
وقال ابن عمر مفتاح الغيب خمس ثم قرأ : ( إن الله عنده علم الساعة ... ) الآية قال الشيخ الطوسي : وتأويل الآية إن الله تعالى عالم بكل شيء من مبتدات الأمور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصوب وأصلح ويؤخر ما تأخيره أصوب وأصلح وإنه الذي يفتح باب لمن يريد من الأنبياء والأولياء ، لأنه لا يعلم الغيب سواه ولا يقدر أحد أن يفتح باب العلم به للعباد إلا الله (22) .
أم ما ورد في أن مفاتيح الغيب خمس فهي كما يذكرها الطبرسي ( قدس ) في تفسيره لقوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة ) . قال : أي استأثره سبحانه ولم يطلع عليه أحد من خلقه فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه أو ينزل الغيث ، فيما يشاء من زمان أو مكان والصحيح أن معناه ويعلم نزول الغيث في مكانه وزمانه كما جاء في الحديث أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، ويقرأ هذه الآية : ( ويعلم ما في الأرحام ) أي ويعلم ما في أرحام الحوامل ، أذكر أم أنثى ، أصحيح أم سقيم ، واحد أو أكثر ؟ ( وما تدري نفس ماذا تكسب غد ) أي ماذا تعمل في المستقبل وقيل ما يعلم بقاءه غداً فكيف يعلم تصرفه ، ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) أي في أي أرض يكون موته وقيل إنه إذا رفع خطوة لم يدر أنه يموت قبل أن يضع الخطوة أم لا . وإنما قال بأي أرض لأنه أراد بالأرض المكان ...
والمحب الحقيقي لا بد أن يسلك الطريق والمنهج السليم ، ولا بد ان يترفع عن الغلو في حق أهل البيت عليهم السلام ، قد يظن المغالي إنما يحسن صنعاً في محبوبه ، وما درى أنه قد يخرج بغلوه ذاك من ربقة الإيمان بل من كونه مسلماً فيقع في الشرك أو الكفر ، أعاذانا الله منه ...
نعم قد يتوهم البعض فيقول :
ومن أحد مصاديق الخروج عن الحد المعقول في موضوع علم الغيب وإن الأئمة عليهم السلام يعلمون على الإطلاق وإن علمهم احاط باللوح المحفوظ بل إنهم أفضل من اللوح المحفوظ و ... هو قول الحافظ رجب ابن محمد البرسي الحلي صاحب كتاب ( مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين ) حيث قال :
... وكيف لا يطلعون على الغيب وعلمه واجب لهم من وجوه :
الأول : إن الله سبحانه سطر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون ثم أبرز إلى كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه إلى ظهور الشريعة التي يأتي بعده حتى ختمت الرسل بخاتمهم وختمت الشرايع بخاتمها ، فوجب أن يكون عندهم ما سبق وما لحق إلى يوم القيامة (23) . أقول وهذا كلام متين ليس فيه غلو ولم يخرج عن الحد المعقول .
نعم إنهم يطلعون على قدر ما اطلعهم الله عليه ، أما كونهم يعلمون كل الغيب على وجه الاستقلال فهذا باطل .
وقال ... وماذا عرف الناس من معنى على العلي ، إنما شاهدوا منه ليثاً خلائلاً ، وهذا صائلاً وهزبراً صلائلاً وعصباً قائلاً وبليغاً قالبلاً إلى أن يقول ... يؤيد هذا المدعي ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين أنه قال يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله وحجاب الله وآية الله ، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء .
ويكتب على عضده ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ) (24) فهو الصدق والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب (25) ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه من شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطي منطق الطير عند ولايته .
فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادي له بالسلطنة ويذعن له بالأمره ، ويحكم له بالطاعة وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، وإنه تمام الدين ورجح الموازين (26) ...
وقال في موضع آخر من كتابه :
فصل ثم صرح لنا أن الوالي هو المحيط بكل شيء فهو محيط بالعالم والله من ورائهم محيط ، فقال : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ... ) (27) فأخبرنا سبحانه أن جميع ما جرى به قلمه وخطه في اللوح الحفيظ مما في الأرض والسماء ، هو الإمام المبين وعلي ، فاللوح المحفوظ علي وهو أعلى وأفضل من اللوح بوجوه .
الأول : إن اللوح وعاء الخط وظرف المسطور والإمام محيط بالسطور ، وأسرار السطور فهو أفضل من اللوح .
الثاني : إن اللوح المحفوظ بوزن مفعول ، والإمام المبين بوزن فعيل ، وهو بمعنى فاعل فهو علام بأسرار اللوح واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول .
الثالث : إن الوالي المطلق ولايته شاملة للكل ومحيط بالكل ، واللوح داخل فيها فهو دال على اللوح ودال عليه وعالم بما فيه (28) ...
المصادر :
1- بصائر الدرجات 188 الحديث 22 .
2- بصائر الدرجات 162 الحديث الأول من الباب 12 .
3- بصائر الدرجات 163 الحديث 7 نفس الباب .
4- بصائر الدرجات 164 الحديث 12 .
5- بصائر الدرجات 166 الحديث 24 .
6- بصائر الدرجات 166 الحديث 24 .
7- بصائر الدرجات 167 الحديث 3 .
8- بصائر الدارجات 157 / الحديث 10 .
9- بصائر الدرجات 156 / الحديث 4 .
10- بصائر الدرجات 157 / الحديث 7 .
11- سورة الحاقة ، الآية : 12 .
12- بصائر الدرجات 155 ، الحديث 3 .
13- بصائر الدرجات 177 ، الحديث 18 .
14- المصدر السابق 173 ، الحديث 6 .
15- بصائر الدرجات 171 / الحديث 3 .
16- بصائر الدرجات 340 / الجديث 4
17- أمالي ابن الشيخ 360 .
18- بصائر الدرجات 392 ، الحديث 16 .
19- بصائر الدرجات 390 ، الحديث 9 .
20- بصائر الدرجات 342 .
21- بصائر الدرجات 344 .
22- مجمع البيان 2 / 311 .
23- مشارق أنوار اليقين ص 68 ط حجريه
24- سورة الأنعام ، الآية : 115
25- المجلسي في البحار 25 / 269 ، الهامش
26- مشارق الأنوار ص 117 ط حجرية .
27- سورة يس ، الآية : 12 .
28- مشارق أنوار اليقين ص 129 ، ط حجرية .


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخروج من القبر
ما أكثر الضجيج و أقل الحجيج
تـمهيد
صفات رب العالمين واسماؤه
شهداء الأعمال في الآخرة (2)
التقیة والإکراه
الدنيا والتقوی
منع كتابة الحديث
الصحابة عند الشيعة
النقطة الثانية حقيقة الوجوب والاستحباب او ...

 
user comment