حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال : كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الاَحاديث أي في الصفات ، حتى أخرج مرة إلى عبادان فجاء وهو يرويها ، فسمعت عباد بن صهيب يقول : إن حماداً كان لا يحفظ ، وكانوا يقولون إنها دست في لحيته . وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه . .وأنكر مالك أحاديث التشبيه واعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل (1)
أبو أحمد بن عدي : حدثنا أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر ، قال قال ابن القاسم : سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا : إن الله خلق آدم على صورته . والحديث الذي جاء : إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد . فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد ! فقيل له : أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال : من هو ؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد . قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الاَشياء ، ولم يكن عالماً . وذكر أبا الزناد فقال : لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات . رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا : حدثنا ابن القاسم .
قلت : أنكر الاِمام ذلك لاَنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور ، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الاَول والثاني لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه ! (2)
وهذا النص يدل بوضوح على أن الاَمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم، وأن الاِمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتى مات . وأن أجواء هذه الاِعتقادات كانت محدودة بالدولة بخلاف الجو العام للمسلمين الذي يعيش فيه الاِمام مالك .
نماذج من الاَحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب
حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة ، إذ لو رواه الثقات كان مردوداً والرسول منزه أن يحكي عن الله عز وجل ما يستحيل عليه ، وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء . أنبأنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد العرار ( القزاز ) قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر ، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال حدثنا نعيم بن حماد ، قال حدثنا ابن وهب ، قال حدثنا عمرو بن الحرث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل امرأة أبي أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه في مخصر عليه نعلان من ذهب في وجهه مراس من ذهب .
أما نعيم فقد وثقه قوم وقال ابن عدي : كان يضع الحديث ، وكان يحيى بن معين يهجنه في روايته حديث أم الطفيل وكان يقول : ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا وليس نعيم بشيء في الحديث .(3)
وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي : ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل ، قال مهنى : سألت أحمد عن هذا الحديث فحول وجهه عني وقال : هذا حديث منكر هذا رجل مجهول عنى مروان . قال : ولا يعرف أيضاً عمارة .
نعيم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل ـ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب . قال أبو عبدالرحمن النسائي : ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى(4)
قال عبد الخالق بن منصور : رأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول : ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا . وقال أبو زرعة النصري : عرضت على دحيم ما حدثناه نعيم بن حماد ، عن الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن ابن أبي زكريا ، عن رجاء بن حيوة ، عن النواس : إذا تكلم الله بالوحي . الحديث فقال لا أصل له . فأما خبر أم الطفيل فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره حدثنا نعيم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل امرأة أُبي بن كعب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا . فهذا خبر منكر جداً .(5)
من طريق نعيم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل إمرأة أُبي أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة له نعلان من ذهب على وجهه مراس من ذهب ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال : موضوع ، نعيم وثقه قوم وقال ابن عدي : يضع ، وصفه ابن عدي بسبب هذا الحديث ، ومروان كذاب ، وعمارة مجهول ، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال : منكر . وفي الميزان 4 ـ 92 : مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الزرقي : ضعفه أبوحاتم ، وقال أبوبكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه : سمعت النسائي يقول : ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله ! قاله في حديث أم الطفيل . وأورده في الميزان 4 ـ 229 في ترجمة نعيم بن حماد في جملة الاَحاديث التي أنكرت عليه . وقال الحافظ في الاِصابة 4 ـ 470 في ترجمة أم الطفيل بعد أن أورده عن الدار قطني من طريق مروان بن عثمان . . . ومروان متروك ، قال ابن معين : ومن مروان حتى يصدق .
عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود .
هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتهم به محمد بن يونس وهو الكديمي ، وكان وضاعاً للحديث . قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث !
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أسكن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار . قال : فيهبط تبارك وتعالى إلى الجنة في كل جمعة في كل سبعة آلاف يعني سنة مرة . قال وفي وحيه : وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيهبط عز وجل إلى مرج الجنة فيمد بينه وبين الجنة حجاباً من نور فيبعث جبريل إلى أهل الجنة فيأمر فليزوروه ، فيخرج رجل من موكب عظيم حوله صفق أجنحة الملائكة ودوي تسبيحهم والنور بين أيديهم أمثال الجبال فيمد أهل الجنة أعناقهم فيقولون : من هذا قد أذن له على الله عز وجل فتقول الملائكة : هذا المجبول بيده والمنفوخ فيه من روحه والمعلم الاَسماء والمسجود له من الملائكة الذي أبيح له الجنة ، هذا آدم .
وذكر نحو هذا في إبراهيم ومحمد وقال : ثم يخرج كل نبي وأمته فيخرج الصديقون والشهداء على قدر منازلهم حتى يحفوا حول العرش فيقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته : مرحباً بعبادي . وذكر حديثاً طويلاً لا فائدة في ذكره .
وهو حديث موضوع لا نشك فيه والله عز وجل متنزه عن أن يوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فكافأ الله من وضع هذا . وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو متروك الحديث وضرار بن عمرو قال يحيى: ليس بشيء ولا يكتب حديثه ، وقال الدار قطني: ذاهب متروك . ويحيى بن عبد الله قال ابن حبان : يأتي عن الثقاة بأشياء معضلات .
عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، قال : والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون وترفع الحجب بينه وبينهم وينظرون إليه وينظر إليهم ، وذلك قوله تعالى : ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيا . هذا حديث لا يصح وفيه ميمون بن شياه قال ابن حبان : يتفرد بالمناكير عن المشاهير ، لا يحتج به إذا انفرد . وفيه صالح المري ، قال النسائي : متروك الحديث .
. . . قال سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى يتجلى لاَهل الجنة في مقدار كل يوم على كثيب كافور أبيض . هذا حديث لا أصل له وجعفر وجده وعاصم مجهولون .
. . . عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله : سلام قولاً من رب رحيم ، قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يزالون كذلك حتى يحتجب فيبقى نوره وبركته عليهم وفى دارهم .
هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدار طرقه كلها على الفضل بن عيسى الرقاشي ، قال يحيى : كان رجل سوء . ثم في طريقه الاَول والثاني عبدالله بن عبيد ، قال العقيلي : لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه . وفي طريقة الثالث محمد بن يونس الكديمي وقد ذكرنا أنه كذاب ، وقال ابن حبان : كان يضع الحديث .(6)
ـ وقال الشاطبي في الاِعتصام : ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين ولا بالحديث الذي يذكرونه على منابرهم وهو إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا إلا كذا حتى يطلع الفجر . فإن هذا حديث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي سبرة ، وقد قال فيه ابن معين والاِمام أحمد أنه يضع الحديث . نقل ذلك محشي سنن ابن ماجة عن الزوائد . ووافقه الذهبي في الميزان في الاِمام أحمد ، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه : ليس حديثه بشيء ، وقال الناس : متروك .(7)
ـ وقال ابن خزيمة :
وقد روى الوليد بن مسلم خبراً يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الاَخبار أنه خبر صحيح من وجه النقل وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث ، وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتى لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الاَخبار ، وقد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه على طلاب العلم بالاِحتجاج بالخبر الواهي وإني خائف من خالقي جل وعلا إذا موهت على طلاب العلم بالاِحتجاج بالاَخبار الواهية وإن كانت الاَخبار حجة لمذهبي .
روى الوليد قال حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر ، قال ثنا خالد ابن اللجلاج ، قال حدثني عبدالرحمن بن عائش الحضرمي ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملاَ الاَعلى . . إلخ . (8)
ـ وقال المزي في تهذيب الكمال :
عبدالرحمان بن عائش الحضرمي ويقال : السكسكي الشامي مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه ، روي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي في أحسن صورة وقيل : عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : عنه عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : غير ذلك .
وقال أبو زرعة الدمشقي : سألت عبدالرحمن بن إبراهيم قلت له : لعبدالرحمان بن عائش حديث سوى : رأيت ربي في أحسن صورة ؟ فقال لي عبدالرحمن بن إبراهيم : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبدالرحمان بن عائش قال : الفجر فجران . . . فذكر الحديث .
وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً : قلت لاَحمد بن حنبل إن ابن جابر يحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي في أحسن صورة ، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبدالله بن عباس فأيهما أحب اليك قال : حديث قتادة هذا ليس بشيء والقول ما قال ابن جابر .
وقال أبوحاتم الرازي : هو تابعي وأخطأ من قال له صحبة .
وقال أبو زرعة : الرازي ليس بمعروف . روى له الترمذي وقد وقع لنا حديثه بعلو .(9)
ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 440 ـ 441
فصل : في بيان أربعة أحاديث باطلة تتعلق بالكرسي :
الحديث الاَول : روي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : وسع كرسيه السموات والاَرض قال : كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره .
وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً ! وما هو إلا هراء يجل مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ابن عباس رضي الله عنهما أن يفوها به ، إلا إن حكياه عن اليهود في مقام ذم عقائدهم الباطلة وذكر فساد ما يقولون ! وقد رواه مرفوعاً الخطيب البغدادي في تاريخه 9 ـ 251 وابن الجوزي في العلل المتناهية 1 ـ 22 ورواه موقوفاً الطبراني في الكبير 12 ـ39 والحاكم 2 ـ 282 والمجسم الكذاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب ( العرش ) قال ابن كثير في تفسيره 1 ـ 317 كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره وهو غلط ، ثم قال بعد ذلك بقليل وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك ، عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً ولا يصح أيضاً .
قلت : الصحيح عندنا في هذا الحديث أنه إسرائيلي مأخوذ من كعب الاَحبار لاَن أبا هريرة وابن عباس رضوان الله عليهما رويا عن كعب الاَحبار كما في تهذيب الكمال للحافظ المزي 24 ـ 190 فإذا علمت ذلك فستعرف خطأ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 6 ـ 323 حيث اكتفى بالتصريح بأن رجاله رجال الصحيح ، وكذا الاِمام الحاكم في المستدرك صحح الموقوف أيضاً على شرط الشيخين ، وأقره الذهبي رحمهم الله فلا تغفل عن هذا ، لاَن هؤلاء رحمهم الله كثيراً ما يصححون فيرد تصحيحهم .
وقد روي نحو هذا الحديث عن أبي موسى الاَشعري موقوفاً كما في الاَسماء والصفات ص 404 للحافظ البيهقي رحمه الله وقد تأول هذا النص البيهقي هناك بقوله : ذكرنا أن معناه فيما نرى أنه ـ أي الكرسي ـ موضوع من العرش موضع القدمين من السرير ، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه .
وفي أثر أبي موسى هذا ذكر للاَطيط!وقد صرح الحفاظ بأنه لايصح حديث في الاَطيط وقد اعترف الشيخ المتناقض ( يقصد الاَلباني ) بذلك في ضعيفته 2 ـ 257 و 307 !
وفتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري .
السؤال هو : هل سبق للشيخ أن ضعف أحاديث في البخاري وضعفها في كتاب ما ؟ وإن حصل ذلك فهل سبقك إلى ذلك العلماء ؟ نرجو الجواب مع الاِشارة جزاك الله خيراً .
جواب : حدد لي ذلك . . إلى ماذا . . لاَن سؤالك يتضمن شيئين . . هل سبق لك أن ضعفت شيئاً من أحاديث البخاري وهل جمعت ذلك في كتاب . . فلما ذكرت هل سبقك إلى ذلك . . ماذا تعني : إلى تضعيف أو إلى تأليف .
سؤال : إلى الاِثنين .
جواب : أما أنه سبق لي أن ضعفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الاِعتراف بها ولا يجوز إنكارها . ذلك لاَسباب كثيرة جداً أولها : المسلمون كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم . . كلهم ( . . . ) يجمعون على أنه لا عصمة لاَحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . . وعلى هذا ، من النتائج البديهية أيضاً أن أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف على رسمه ، لابد أن يرسخ في ذهنه أنه لا بد أن يكون فيه شيء من الخطأ ، لاَن العقيدة السابقة أن العصمة من البشر لم يحظ بها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم .من هنا يروى عن الاِمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال : أبى الله أن يتم إلا كتابه . فهذه حقيقة لا تقبل المناقشة .
هذا أولاً . . هذا كأصل . . أما كتفريع ، فنحن من فضل الله علينا وعلى الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يشكرون . قد مكنني الله عز وجل من دراسة علم الحديث أصولاً وفروعاً وتعليلاً وتجريحاً ، حتى تمكنت إلى حد كبير بفضل الله ورحمته أيضاً أن أعرف الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع ، من دراستي لهذا العلم .
على ذلك طبقت هذه الدراسة على بعض الاَحاديث التي جاءت في صحيح البخاري فوجدت نتيجة هذه الدراسة أن هناك بعض الاَحاديث التي تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة في صحيح البخاري ، فضلاً عن صحيح مسلم .
هذا جوأبي عما يتعلق بي أنا . .
أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد ، فأقول والحمد لله سبقت من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامي جداً بنحو ألف سنة .
فالاِمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الاَحاديث . . أما أنا فلم يبلغ بي الاَمر أن أنتقد عشرة أحاديث . ذلك لاَنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم . . ذلك لاَننا نحن بحاجة أكبر إلى تتبع الاَحاديث التي وجدت في السنن الاَربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها . بينما الاِمام البخاري والاِمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الاَحاديث التي أودعوها في الصحيحين من مئات الاَلوف من الاَحاديث . هذا جهد عظيم جداً . . ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شيء أن أتوجه أنا إلى نقد الصحيحين ( . . . ) وأدع الاَحاديث الموجودة في السنن الاَربعة وغيرها ، غير معروف صحيحها من ضعيفها .
لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الاَحاديث في الصحيحين أو في أحدهما ، فينكشف لي أن هناك بعض الاَحاديث الضعيفة . لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الاَحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث ، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله .
هذا الاِمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري ، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد .
ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله . . أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث ، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح .
من النوع الاَول مثلاً حديث ابن عباس قال : تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم .
هذا حديث ليس من الاَحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم ، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما .
والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبدالله بن عباس لاغبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته ، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته .
مثلاً من رجال البخاري اسمه : فليح بن سليمان ، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيء الحفظ . فهذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد ، يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد . فحديث ابن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً . . لا . . كلهم ثقات . لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الاَول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس ، ذلك لاَنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة ، فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما محلان .(10)
إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الاَول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً ، وهو كما ترون كلمات محدودات ( تزوج ميمونة وهو محرم ) أربع كلمات . . مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري .
النوع الثاني ، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم . . من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء . إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري : فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وقال ابن قيم الجوزية ، وقال شيخه ابن تيمية ، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون : هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول عليه السلام . . . وإنما هو من كلام أبي هريرة .
إذاً الجواب تم حتى الآن عن الشطر الاَول . . أي انتقدت بعض الاَحاديث وسبقت من أئمة كثيرين .
أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت ، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد . هذا جواب ما سألت . . .
الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم ، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً . . الذي ليس عنده مرجح آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري ، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله على قول من دونه كمسلم مثلاً على شهرته بعلمه ، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما . هذا من المرجحات بلا شك .
الآن نأتي إلى مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو : التخصص في العلم . . .
تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه ، هناك مثلاً طب عام هناك طب خاص . رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلى الطبيب العام بل إلى المختص . وهذا مثال واضح جداً . رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الاَمثلة كلها . وإنما يسأل عالماً بالشرع . وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع ، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلى أقسام : علماء بما يسمى اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا فيجعلك في حيرة ، على كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية . لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي على الراجح من أقوال العلماء بناء على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الاَئمة السلف ، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الاَول . وهكذا .
الآن ندخل في ما نحن بصدده . الآن كما قلت اختلف الاَقوال وبعضهم يرد على بعض . الشيء الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي ، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً ، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم ـ عفواً لطالب العلم ـ أن ينطلق منها .
عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة . . عندنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلى الشعب الاَردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف ، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه : لا علم عنده بالتوحيد .
أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملاَ علمه العالم الاِسلامي .
إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوى . فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل . هذا الرجل ابن اليوم في العلم ، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين ، ولا من العلماء الضالين ، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم . فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين : إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم . . صحابيان اختلفا ، رجل من الاَولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالاِسلام ، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم . . لكن هؤلاء من السابقين الاَولين . فهنا نفس القضية تمشي تماماً . . رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله . . وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخرى .
إذاً من هنا يأخذ الاِنسان منهج ممن يتلقى العلم ، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملاَ بعلمه الدنيا .
نأتي الآن إلى صلب سؤالك . . والله اختلفت الاَقوال الآن بعضهم يرد على بعض.. وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الاَسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء المغشوشين مثل السقاف . . تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم . . في طلب العلم ، وربما لا يصدق عليه ذلك ! !
أهل البيت عليهم السلام ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه
ـ روى المجلسي :أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .(11)
ـ وروى الكليني :محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع عليه السلام : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى . قال وسألته : هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه ؟ فوقع عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب . انتهى . ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 4 ص 43 (12)
ـ وروى الكليني : أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي ، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والاَحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرة : إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية . فقال أبو الحسن عليه السلام : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والاِنس : لا تدركه الاَبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء أليس محمد ! قال : بلى . قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول : لا تدركه الاَبصار ، ولا يحيطون به علماً ، وليس كمثله شيء ، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر ! أما تستحيون ! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر !
قال أبو قرة : فإنه يقول : ولقد رآه نزلة أخرى .
فقال أبو الحسن عليه السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال : ما كذب الفؤاد ما رأى ، يقول : ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، فآيات الله غير الله ، وقد قال الله : ولا يحيطون به علماً ، فإذا رأته الاَبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة !
فقال أبو قرة : فتكذِّب بالروايات !
فقال أبو الحسن عليه السلام : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها . وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً ، ولا تدركه الاَبصار ، وليس كمثله شيء . (13)
وقال في هامشه : إعلم أن الاَمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال : فذهب المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسماً ! وذهب الاَشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان . وذهب المعتزلة والاِمامية إلى امتناعها في الدنيا والآخرة ، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والاَخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقاً كما ستعرف ، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي قدس سره كتاباً أسماه : كلمة حول الرؤية فجاء ـ شكر الله سعيه ـ وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الاِنصاف ونحن نذكر منه بعض الاَدلة العقلية :
منها : أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه ، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي ، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الاَشاعرة وغيرهم .
ومنها : أن الرؤية التي يقول الاَشاعرة بإمكانها ووقوعها ، إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي ، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً ، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الاَشاعرة وغيرهم .
ومنها : أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها ، وأهل التنزيه من الاَشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة ، كما ينزهونه عن الاِشارة إليه بإصبع أو غيرها .
ومنها : أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي ، ومنزهوا الله تعالى من الاَشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شيء ما بذاته جل وعلا .
ومنها : أن الاِستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً ، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها ، فالاَول كالاَجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة ، والثاني كقول القائل : أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر . والثالث : كالاَلم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الاِنسان من نفسه بفطرته ، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً . انتهى . وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص 33 حديث أبي قرة المتقدم . ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 4 ص 36 وقال في ص 37
قوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى الفؤاد .
قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل ، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الاَمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذباً لاَنه عرفه بقلبه كما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه . والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً ، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال : رأيته بفؤادي ، وقرأ : ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه . أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة .
قوله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى ، قال الرازي : يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة : الاَول الرب تعالى والثاني جبرئيل عليه السلام والثالث الآيات العجيبة الاِلَهية . انتهى . أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزوله صلى الله عليه وآله ونزول مرئية . فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه :
الاَول : أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ ،وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق . وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله : ما كذب الفؤاد ما رأى قال : رأى جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح . وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة : ولقد رآه نزلة أخرى قال : رأى جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الاَصلية .
الثاني : ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر ، وهو قريب من الاَول لكنه أعم منه .
الثالث : أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لافساد فيه .
الرابع : أن يكون على تقدير ارجاع الضمير إليه عليه السلام وكون المرئي هو الله تعالى والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الاِنكشاف .
وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالى : ليس كمثله شيء ، فهو إما لاَن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً ، أو لاَن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه قوله عليه السلام : حيث قال ، أي أولاً قبل هذه الآية ، وإنما ذكر عليه السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً ، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها .
قوله عليه السلام : وما أجمع المسلمون عليه ، أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً . والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الاَخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها .
ثم اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الاَكثر وهي أن الاَشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية ، حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الاَشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية ، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب ، فأشار عليه السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضاً ، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى ، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى .
الاِمام الكاظم والاِمام الرضا عليهما السلام يكشفان تحريف حديث النزول
ـ قال الصدوق :حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قدس سره قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام قال : ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج بل يحتاج إليه ، وهو ذو الطول لا إلَه إلا هو العزيز الحكيم . أما قول الواصفين : إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، فظن بالله الظنون فهلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين .
ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني ، عن عبدالعظيم بن عبد الله الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال عليه السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك ، إنما قال صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاَخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي : هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ، يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء . حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله . (14)
المصادر :
1- ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 3 ص 15
2- الذهبي في سيره ج 8 ص 103
3- الموضوعات ج 1 ص 124 ـ 125
4- الذهبي في ميزان الاِعتدال ج 4 ص 269
5- السير ج 10 ص 602
6- ابن الجوزي في الموضوعات ج 1 ص 290 و 259 / ج 3 ص 260
7- الشاطبي في الاِعتصام ج 1 هامش ص 39
8- ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 214
9- المزي في تهذيب الكمال ج 17 ص 202
10- فتاوى الاَلباني ص 524 ـ 535
11- المجلسي في بحار الاَنوار ج 4 ص 38
12- الكليني في الكافي ج 1 ص 95 باب في إبطال الرؤية
13- الكليني في الكافي ج 1 ص 95
14- الصدوق في كتابه التوحيد ص 183 ص 176
source : rasekhoon