الأهل والأقارب
ان لكلٍّ من الزوج والزوجة أقارب واتباع لا يجوز لهما تناسيهم في الجوانب التي يقرّها الشرع المقدس، ولا يحق لأيٍ منهما منع الآخر من التزاور معهم وأداء ما لهم من حقوق.
ان لكلٍّ من الزوج والزوجة أبٌ وامٌ، واخوة واخوات، أعمام وأخوال، عمّاتٌ وخالاتٌ وأبناءُ اخوةٍ وأبناء أخوات أبناء عمومة وأبناء خوال، ولهم اجدادٌ وجدّات وعددٌ من الأقارب النسبيين.
ان التزاور معهم يعدُّ من العبادات ومن الحسنات، والتردد عليهم يعتبر عملًا حسناً، وحل مشكلاتهم يمثل فعلًا يستحق الأجر والثواب.
على الزوجة ان لا تتبرّم حيال أقرباء زوجها وتمتنع عن الترحيب بهم إذا ما قدموا إلى بيت زوجها، أو يكفهر ووجهها في وجوههم حين تقابلهم وتعكّر الأجواء، أو تمارس اسوء من ذلك كلّه إذ تصد زوجها عن التزاور معهم وحل مشكلاتهم.
ان البيت ملك الزوج وقد أناط اللَّه سبحانه وتعالى بالرجل مهمة التصرف بأمواله، وطاعة الزوجة لزوجها من الواجبات الشرعية، وايذاء الزوجة لزوجها يعدُّ من المحرّمات، ومنعها اياه من التزاور مع ابويه واخوته واخواته وسائر اقاربه أمرٌ منافٍ للاخلاق والفطرة والقيم الانسانية، وكذا منع الزوج زوجته من التزاور مع ابويها واقاربها وارحامها يعدُّ عملًا منافياً للمحبة والعواطف الانسانية.
الاسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 406
وإذا ما أصبح المرأة والولد حائلًا دون القيام بأعمال الخير والاحسان والتعبد والتزاور مع الاقارب ومديد العون اليهم فإنّهم- وكما يعبّر القرآن الكريم- يعتبرون عدواً للانسان، ليس بمعنى العدو الذي يطفح قلبه بالضغينة، بل العدو الذي لا يود ان يربى الانسان سعيداً وهانئاً في الدنيا والآخرة، وعلى ربّ الاسرة أن لا يستسلم للنزعات الخاطئة التي تتملك الزوجة والولد إذا ما رام القيام باعمال الخير وحل مشكلات الناس والتزاور مع الارحام ودعوتهم إلى بيته، وابداء المساعدة لابويه واخوته واخواته.
وبطبيعة الحال فان المؤمنات من النساء، اللواتي آمنّ باللَّه واليوم الآخر وتوفر لديهنّ الشعور بالمسؤولية والرغبة في اعمار آخرتهنّ وادركن ان اداء حق الزوج يعتبر واجباً شرعياً، وتأبن بالأخلاق الالهية، فإنّهنّ على اتفاق مع ازواجهنّ في جميع شؤون الحياة والامور الأخلاقية وايتاء الصالحات، بل انّهنّ إذا ما لمسن من ازواجهنّ تهاوناً على هذا الصعيد بادرن إلى حثِّهم وترغيبهم إلى الصالح من الأعمال والتزاور مع الاقارب ومساعدتهم.
أما اللواتي يخالفن ارادة الحق تعالى في التوجهات، أو الأولاد الذين تخالف مآربهم ارادته جلّت قدرته، فهم ممّن عدَّهم القرآن الكريم في عداد الاعداء، وهنا يوجه الباري تعالى في كتابه الاوامر الانسان فيما يخص هذا الجانب، وهذه الاوامر لها صبغة اخلاقية وعاطفية وانسانية فقط، يقول تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1».
ولا فائدة من الاصطدام مع مثل هؤلاء الزوجات والاولاد، ولا داعي
______________________________
(1)- التغابن: 14.
الأسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 407
للجدال والصراع معهم ولا ضرورة تستدعي الغضب والتشاحن، ليبقوا على اصرارهم، وما عليكم الّا الثبات في طريق طاعة اللَّه سبحانه والانفاق والجهاد في سبيله وفعل الصالحات على كافة الاصعدة.
وفي الحقيقة فان بعض النساء متزمتات في هذا الجانب، فهنّ قد حُرمنَ رحمة اللَّه ويحاولن حرمان الآخرين منها وكذلك فان بعض الرجال متشددون ايضاً ازاء زوجاتهم في هذا المجال، وتشدوهم هذا لا مبر له ولا فائدة منه سوى الحرمان من رحمة اللَّه وفضله.
فما السبب الذي يدفع بالبعض من النساء الى الوقوف بوجه ازواجهنّ ومنع اقربائه من دخول بيته وان لا يذهب هو لزيارتهم أو ان يمتنع عن اعانتهم مالياً وبالمقابل يتردد اقرباء الزوجة على البيت- الذي هو ملك الزوج ويخضع لتصرفه، ولا بد من ان يكون تردد الآخرين على هذه الدار باذنه- وتجري الامور وفقاً لما تشتهيه الزوجة وتمضي اشهر وسنوات والرجل يعيش حسرة عدم دخول ابويه أو اخوته واخواته إلى داره فيما ينثال اقرباء المرأة على الدار طيلة هذه الاشهر والسنين.
ألا يمثل ذلك ظلماً بحق الزوج وأقاربه؟ انّه الظلم، تلك الحالة النفسية الخطرة التي من ابتُليَ بها لعنه اللَّه وأبعده عن رحمته وساءت عاقبته في الآخرة.
وهل من الأخلاق ان يمنع بعض الازواج زوجاتهم من الذهاب إلى بيوت آبائهنّ أو اخوانهن واخواتهن ويتعاملون معهنّ كالأسير المرتهن؟
لا شك بأنّها اخلاقٌ شيطانية يرفضها الحق تعالى وتؤدي بالتالي إلى حرمان المرء من رحمة اللَّه عزوجل.
لقد تطرق القرآن الكريم بما يقرب من ثلاث وثلاثين مرة إلى اقارب الانسان واوصى بهم، عدا الآيات المتعلقة بصلة الرحم.
الاسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 408
ونظراً إلى ان المؤمن مأمور بالاقتداء بسيرة رسول اللَّه (صلى الله عليه و آله) والتأسي به في جميع المجالات، فإنّ أحد واجباته يتمثل في هداية اقاربه وانذارهم إذا كانوا بحاجة للهداية والانذار، والإنسان بحاجة إلى ذلك حتى آخره عمره. قال تعالى:
«وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «1».
ما اجمله من عملٍ إذ يقوم الانسان بين الفينة والاخرى- إذا كان قادراً- بجمع أقاربه وأقارب زوجته في بيته وتقديم المواعظ لهم وتعريفهم مسائل الحلال والحرام وتحذيرهم عواقب الطالح من الأعمال والأخلاق وتعليمهم المسائل الفقية والشرعية؟
ان هداية الناس إلى المعارف الالهية عملٌ يناظرُ عمل الأنبياء والأئمة وفيه من الاجر والثواب ما يدهش العقول.
يروى ان العلّامة المجلسي (رحمه الله) كان مواظباً على هذا العمل فيجمع زوجته وأولاده وأقاربه في ليالي الجمعة، ويراه واجباً عليه، لان انفاق العلم كانفاق المال عملٌ حسنٌ يحظى بقبول الحق تعالى.
وقد قرن تعالى في كتابه الاحسان إلى القربى إلى جانب طاعة اللَّه والاحسان إلى الوالدين، وبذلك يبين عظمة الاحسان إلى الاقارب:
«... لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى» «2».
ان الانسان مجبولٌ على حبِّ المال والثروة، ولولا حبّ المال لما توجه أحدٌ نحو العمل والفن والصناعة والتجارة والزراعة، والمال الذي يأتي عن طريق الكد يصبح معشوق الانسان.
والقرآن الكريم يدعو المؤمن إلى التخلّي عن هذا المعشوق من أجل حلِ
______________________________
(1)- الشعراء: 214.
(2)- البقرة: 83.
الأسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 409
مشكلات ذوي القربى وتسيير حياتهم، وينفق ماله لاقاربه وارحامه رغم حبّه له، إذن أن بذل المال لذوي القربى يعدّ من علامات الصادقين: «. وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى» «1».
من الضروري ان يحصل القربى سواء من النسب أو الحسب وكلٌّ حسب موقعه وقربه على جزءٍ من إرث المرء، وهنا تأمّلوا هذه الآية التي تعدُّ وثيقةً تدعم جميع الحقائق: «وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى» «2».
ان اداء حق القربى والمحافظة على كرماتهم من الأهمية لدى اللَّه تعالى إلى الحد الذي يأمر به الانسان ان يلتزم العدالة في القول ازاء القربى فيقول تعالى:
«وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى» «3».
فاحتقارهم والاستخفاف بهم بالقول والفعل يعتبر عملًا مخالفاً للشرع المقدس ومنافياً للاخلاق وتجاوزاً على الكرامة.
ان اللَّه سبحانه وتعالى يأمر بالتزام العدل وبذل الاحسان وفي هذا المجال فهو يخص بالذكر ذوي القربى إذ يقول: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى...» «4».
إن تقصير الاغنياء وذوي الثروة عن الانفاق على اقربائهم والعطاء لهم هو مما يرفضه الحق تعالى ويأنفه الشرع المقدس والعقل والمنطق والأخلاق والفطرة، يقول تعالى:
«وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى...» «5».
______________________________
(1)- البقرة: 177.
(2)- النساء: 8.
(3)- الانعام: 152.
(4)- النحل: 90.
(5)- النور: 22.
الاسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 410
وإذا ما شهدتم في المحاكم فعليكم الشهادة بالعدل وتجنب كتمانها وان كان ذلك يعود بالضرر عليكم أو على الوالدين والاقربين، يقول تعالى:
«... كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» «1».
ويجب عدم الاستغفار للقربى إذا كانوا من المشركين ومبتعدين عن اللَّه سبحانه صادقين عن دينه، يقول تعالى:
«ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى» «2».
وفي القرآن الكريم ورد الأمر بعدم التوادد مع الآباء والامهات والاولاد والأقارب إذا كانوا اعداءً للَّهورسوله «3».
وماخلا هذين الموردين، أي عدم الاستغفار للمشركين من القربى وعدم محبتهم، فإن أقرباء المرء هم لحمه ودمه، ولا يحقّ للزوج أو الزوجة ان يمنع احدهما الآخر عن التزاور مع أقربائه ومواصلتهم، لا سيما المرأة فلا يحق لها حرمان زوجها من هذا الفيض الوفير والخير العظيم الذي يوازي بالاجر طاعة الحق تعالى.
ان وصيتي إلى الازواج هي ان يتعاملوا مع اولي القربى على ضوء ما جاء في الآيات الثلاث والعشرين من كتاب اللَّه باحترام اقرباء بعضهم البعض والتزاور والتواصل معهم واعانتهم بما يستطيعون من المال إذا كانوا بحاجة لذلك.
وعلى الزوجة التزام الحذر من اثارة غضب الرجل لان غضبه وغيضه- استناداً إلى ما جاء في الروايات- بمثابة غضب الربّ وغيضه، والمرأة التي لا
______________________________
(1)- النساء: 135.
(2)- التوبة: 113.
(3)- المجادلة: 22.
الاسرة و نظامها فی الاسلام، ص: 411
يرضى عنها زوجها لا يُقبل منها عملٌ واجبٌ كان أو مستحب «1».
قال الامام الصادق (عليه السلام):
«ملعونة ملعونةٌ امرأةٌ تؤذي زوجها وتغُمُّهُ» «2».
ان جانباً من ايذاء الزوج يرتبط بالموقف ازاء اقاربه، إذ تعاند الزوجة زوجها بلا مبرر منطقي أو شرعي، وبذلك تحرم نفسها من رحمة اللَّه عزوجل.
______________________________
(1)- البحار: 100/ 244.
(2)- نفس المصدر: ص 253.
«الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»
الرعد/ 21
28
الأسرة و نظامها فی الإسلام