قال الله تعالى وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ و قال سبحانه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و قال وَ مَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ يريد به الجحود للنعمة و حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم
و أوحى الله تعالى إلى داود اشكرني حق شكري فقال إلهي كيف أشكرك حق شكرك و شكري إياك نعمة منك فقال الآن شكرتني حق شكري و قال داود كيف كان آدم شكرك حق شكرك و قد جعلته أبا لأنبيائك و صفوتك و أسجدت له ملائكتك فقال إنه اعترف أن ذلك من عندي فكان اعترافه بذلك حق شكري
و ينبغي للعبد أن يشكر على البلاء كما يشكر من الرخاء
و روي أن الله سبحانه قال يا داود إني خلقت الجنة لبنة من ذهب و لبنة
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 123
من فضة و جعلت سقوفها الزمرد و طينها الياقوت و ترابها المسك الأذفر و أحجارها الدر و اللؤلؤ و سكانها الحور العين أ تدري يا داود لمن أعددت هذا قال لا و عزتك يا إلهي فقال هذا أعددته لقوم كانوا يعدون البلاء نعمة و الرخاء مصيبة
و لا شك أن البلاء من الأمراض و غيرها يوجب العوض على الألم و الثواب على الصبر عليه و يكفر السيئات و يذكر بالنعمة أيام الصحة و يحث على التوبة و الصدقة و هو اختيار الله تعالى للعبد و قد قال سبحانه وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
و عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال مثل المؤمن كمثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ليلقى الله عز و جل و لا خطيئة له
و النعم قد يكون استدراجا فإنها توجب الشكر و الشكر أيضا نعمة يوجب الاعتراف بالتقصير و لا شك أن زيادة النعم و كثرتها ملهية عن الله تعالى و لهذا اختار لأوليائه و عباده الصالحين الفقر و حبس الدنيا عنهم
لأنه قال في بعض وحيه و عزتي و جلالي لو لا حيائي من عبدي المؤمن ما تركت له خرقة يواري بها جسده و إني إذا أكملت إيمان عبدي المؤمن ابتليته بفقر الدنيا في ماله أو مرض في بدنه فإن هو جزع أضعفت ذلك عليه باهيت به ملائكتي و تمام الحديث و إني جعلت عليا ع علما للإيمان فمن أحبه و اتبعه كان هاديا و من تركه و أبغضه كان ضالا إنه لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق
و من الشكر للنعمة أن لا يتقوى به أحد على معصية الله و شكر العوام على المطعم و الملبس و شكر الخاص على ما يختاره سبحانه من بأساء و ضراء و غيره
و روي أن الصادق ع قال لشفيق كيف أنتم في بلادكم فقال بخير يا ابن رسول الله إن أعطينا شكرنا و إن منعنا صبرنا فقال له هكذا كلاب حجازنا يا شفيق فقال له كيف أقول قال له هلا كنتم إذا أعطيتم آثرتم و إذا منعتم شكرتم
و هذه درجته و درجة آبائه و أبنائه ع
و روي أن سبب رفع إدريس إلى السماء أن ملكا بشره بالقبول و المغفرة فتمنى الحياة فقال له الملك لم تمنيت الحياة قال لأشكر الله تعالى فقد كانت حياتي لطلب القبول و هي الآن لبلوغ المأمول قال فبسط الملك جناحه
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 124
و رفعه إلى السماء
و الشاكر يلاحظ المزيد لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و الصابر يشاهد ثواب البلاء فهو مع الله لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فهو أعلى درجة و لهذا فضل معتقد البلوى نعمة على غيره
و روي أن أول من يدخل الجنة الحامدون
و على كل حال فله الحمد على ما دفع و له الشكر على ما نفع.
و روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى ع فقال يا موسى أرحم عبادي المبتلى منهم و المعافى قال يا رب قد عرفت رحمة المبتلى فما بال المعافى قال لقلة شكره
و قوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها أي لا تقوموا بشكرها كلها و ذلك صحيح لأن في اللحظة الواحدة ينظر الإنسان نظرات لا تحصى و يسمع بأذنه حروفا لا تحصى و يتكلم بلسانه كلمات لا تحصى و تسكن منه عروق لا يعلم عددها و تتحرك منه عروق لا يعلم عددها و يتنفس بأنفاس لا تحصى و كذلك تتحرك جوارحه بحركات كثيرة فهذا في اللحظة الواحدة فكيف في يومه و سنته و طول عمره صدق الله العلي العظيم