قال رسول الله ص إن من أفضل الأعمال بعد الفرائض إدخال السرور على المؤمن
و قال أمير المؤمنين ع من سر لنا وليا فقد وصل لنا رحما
و قال ع فقراء شيعتنا حجة على أغنيائهم
و روي عن الصادق ع أنه قال من رفع أخاه رفع الله قدره ثم قال من أحوج أخاه إلى عدوه أحوجه الله تعالى عز و جل إلى شرار خلقه و ضيق عليه في رزقه
و قال ع من ترك حاجة لأخيه المؤمن و لم يقضها له من ماله و جاهه و يده و رجله و لسانه أوجب الله عز و جل عليه ثلاث حوائج لرجل منافق يكيده فيها و لا يأجره الله عليها
و قال من سأله أخوه المؤمن حاجة و عنده قضاؤها و لم يقضها بأنعم الله عنده فقد كفر بها و باء بغضب و مأواه جهنم و بئس المصير
و قال من سر مؤمنا فقد سرني و من سرني فقد سر رسول الله ص و من سر رسول الله فقد سر الله عز و جل و من سر الله أدخله الجنة
و عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله ع ما حق المؤمن على المؤمن قال سبعة حقوق واجبات ما فيها حق إلا و هو عليه واجب إن خالفه خرج من ولاية الله و ترك طاعته و لم يكن لله عز و جل فيه نصيب قال قلت جعلت فداك حدثني ما هي قال يا معلى إني شفيق عليك أخشى أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل قلت لا قوة إلا بالله قال أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك و الحق الثاني أن تمشي في حاجته و تبتغي رضاه و لا تخالف قوله و الحق الثالث أن تصله بنفسك و مالك و يدك و رجلك و لسانك و الحق الرابع أن تكون عينه و وليه و مرآته و قميصه
أعلام الدين ص : 255
و الحق الخامس أن لا تشبع و يجوع و لا تلبس و يعرى و لا تروى و يظمأ و الحق السادس أن تكون لك امرأة و خادم و ليس لأخيك امرأة و لا خادم أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه و تصنع طعامه و تمهد فراشه فإن ذلك كله إنما جعل بينك و بينه و الحق السابع أن تبر قسمه و تجيب دعوته و تشهد جنازته و تعوده في مرضه و تشخص بدنك في قضاء حاجته و لا تحوجه إلى أن يسألك و لكن تبادر إلى قضاء حوائجه فإذا فعلت ذلك به وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولاية الله عز و جل
عن علي ع أن النبي ص قال في وصيته يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان و أبواب الجنة مفتحة له من أسبغ وضوءه و أحسن صلاته و أدى زكاة ماله و كف غضبه و سجن لسانه و استغفر لذنبه و أدى النصيحة لأهل بيت نبيه
و قال رسول الله ص ما من مؤمن يصوم شهر رمضان إلا أوجب الله تبارك و تعالى له سبع خصال أولها يذوب الحرام في جسده و الثانية يقرب من رحمة الله عز و جل و الثالثة قد كفي خطيئة أبيه آدم و الرابعة يهون الله عليه سكرات الموت و الخامسة أمان من الجوع و العطش يوم القيامة و السادسة يطعمه الله عز و جل من طيبات الجنة و السابعة يعطيه الله عز و جل براءة من النار قال صدقت يا محمد
و روي عن العالم أنه قال و الله ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة إلا بحسن ظنه بالله عز و جل و رجائه له و حسن خلقه و الكف عن اغتياب المؤمنين
أعلام الدين ص : 256
و الله تبارك و تعالى لا يعذب عبدا بعد التوبة و الاستغفار إلا بسوء ظنه و تقصيره في رجائه لله عز و جل و سوء خلقه و اغتيابه للمؤمنين و ليس يحسن ظن عبد مؤمن بالله عز و جل إلا كان عند ظنه به لأن الله تعالى كريم يستحي أن يخلف ظن عبده و رجاءه فأحسنوا الظن بالله و ارغبوا إليه فإن الله تعالى يقول الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً
و قد روي أن الله تعالى قال أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا
و قال أمير المؤمنين ص الثقة بالله حصن لا يتحصن به إلا مؤمن و التوكل عليه نجاة من كل سوء و حرز من كل عدو
و روي أن الله تعالى إذا حاسب الخلق يبقى رجل قد فضلت سيئاته على حسناته فتأخذه الملائكة إلى النار و هو يتلفت فيأمر الله برده فيقول له لم تتلفت و هو أعلم به فيقول يا رب ما كان هذا حسن ظني بك فيقول الله تعالى ملائكتي و عزتي و جلالي ما أحسن هذا عبدي ظنه بي يوما و لكن انطلقوا به إلى الجنة لادعائه حسن الظن
و روي أن الله تعالى يقول حين يجمع بين الناس و لبعضهم على بعض حقوق و له قبله تبعات عبادي ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم فهبوا لبعضكم تبعات بعض و ادخلوا الجنة جميعا برحمتي
و بالجملة إن الله سبحانه و تعالى أمر بمكارم الأخلاق من العفو و الحلم و الكرم و التجاوز و العطف و الرحمة و الإغضاء و رغب في ذلك و أحب فاعله و مقت تاركه فهو سبحانه أحق بأن يعمل بما أمر به و أحبه أ فيأمر بهذه الخصال الحميدة الجميلة و لا يعمل بها حوشي من ذلك و جل و علا.
أعلام الدين ص : 257
و لقد أحسن من قال هذه الأبيات في هذا المعنى
أيا رب هب أني أسأت و أذنبت أ لم يكفني قولي فعلت و أخطأت
أ ما جاز في شرع السمو بأنكم تعفون عني إذ عرفت و أقررت
فقد قلت هذا القول مني لدونكم فغض عن الذنب الجموح بما قلت
و ليس كريم من رضي إذ منحته وفائي و لكن من تغاضى و قد خنت
فما زال حسن العفو منكم سجية على سفه التكرار مني و إن تبت
إذا جاءك العبد المطيع لخشية من النار أو بخل تقضى به الوقت
عمدت إلى درع من الحلم صاغه رجائي بعفو منكم فتدرعت
فأطفأت نار الخوف ثم ببرد ما ظننت بكم فيما رجوت و أملت
إذا كانت الذات القديمة عفوها قديم و ما صرت و كان و قد صرت
فسوف أرجيه و إن بعد المدى علي و إن جلت ذنوبي إذا مت
و لو لم يكن من ذاتك العفو شاهدا أمرت به بين الورى كنت قد خفت
و لكن وزنت العفو منكم بأخذكم على الجرم فاسترجحته فترجحت
فلي الفخر في الدنيا و إن كنت آبقا إذا كنت لي مولى سعدت و أسعدت
و كيف أرى نارا و قد ظفرت يدي بمن قال كن من غير ما لم يكن كنت
و شيمته عفو و حلم و نائل و لطف و إحسان رأيت و شاهدت
فأنت غنائي إن قضمت من الحصى شقا في اختيار منكم أو تنعمت
و قال آخر
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك رب كما أمرت تضرعا فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ و يستجير المجرم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا و جميل عفوك ثم إني مسلم
و قال آخر
من لي سواك فأدعوه و آمله و غير نعماك أرجوها و أرتقب
أوليتني نعما جلت مواهبها أضاء لي عندها المعروف و الحسب
أخرجتني بعظيم اللطف من عدم معرضا لثواب منك يكتسب
رفعتني بعد ما قد كنت منخفضا فصرت بين الورى تسمو بي الرتب
أعلام الدين ص : 258
فلا أطيق لما أوليت من نعم شكرا و لكنني أبكي و أنتحب
ذلا و خوفا من التقصير يا ملكي فهب و شيمة أهل الفضل أن يهبوا
لكن قلبي بما أجريت معترف فرضا عليه يراه لازما يجب
فاصفح إلهي فهذا الظن فيك على حسناك حتى يزول الهم و الكرب
و قال آخر يخاطب الله تعالى
أجللك عن تعذيب مثلي على ذنبي و لا ناصر لي غير نصرك يا ربي
أنا عبدك المحقور في عظم شأنكم من الماء قد أنشأت أصلي و من ترب
و نقلتني من ظهر آدم نطفة أجد و في قعر حريج من الصلب
و ألقيتني من ضيق قعر بمنكم و إحسانكم أهوي إلى الواسع الرحب
فحاشاك في تعظيم شأنك و العلى تعذب محقورا بإحسانكم ربي
لأنا رأينا في الأنام معظما تجلى عن المحقور في القتل و الضرب
و أرفده مالا و لو شاء قتله لقطعه بالسيف إربا على إرب
و أيضا إذا عذبت مثلي و طائعا تنعمه فالعفو فيكم لمن تحبي
فإني متى ما زنته بعقابكم و أخذكم بالجرم مني يرجح بي
فما هو إلا لي فمنذ رأيته لكم شيمة أعددته المحو للذنب
و أطمعتني لما رأيتك غافرا و وهاب قد سميت نفسك في الكتب
فإن كان شيطاني أعان جوارحي عصتكم فمن توحيدكم ما خلا قلبي
فتوحيدكم فيه و آل محمد سكنتم به في حبة القلب و اللب
و جيرانكم هذي الجوارح كلها و أنتم فقد أوصيت بالجار ذي الجنب
و أنصار أبناء العرب تحمي نزيلها و جيرانها و التابعين من الخطب
فلم لا أرجي فيك يا غاية المنى حمى مانعا إذ صح هذا من العرب
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه و رضوانه الحسن بن أبي الحسن الديلمي أعانه الله على طاعته و تغمده الله برأفته و رحمته إني حيث ذكرت ما ذكرت من التخويف و الترهيب اقتضت الحال ذكر أسباب الترغيب و ما جاء في ذلك من سعة رحمة الله و عظيم كرمه و أوسع حلمه و عفوه و نتيجة حسن الظن به لينبسط الرجاء
أعلام الدين ص : 259
بذلك كما اشتد الخوف. و الذي آمركم به أيها الإخوان أن يشتد خوفكم و يعظم حذركم فإن ذلك ادعى للنجاة و أضرب لكم مثل رجلين توجها في طريق فسألا عنها فقال لهما قوم إنها كثيرة المرعى و الكلأ غزيرة الماء عظيمة الأمن و قال آخرون بل هي طريق موحش قليل الماء و الكلأ و المرعى مخوف شديد الخطر فأخذ أحدهما بقول من شهد بالمخافة فتزود و أكثر من الزاد و الماء و العدد و ما يؤنسه و كل ما تحصل به السلامة و الأمن و سكن الآخر و اطمأن إلى قول من أخبره بسلامة الطريق و أمنها و كثرة كلئها و مرعاها فلما سارا فيها وجدها الذي تزود على ما حذرها ففاز بالنجاة و السلامة بكثرة الأزواد و هلك و عطب الذي لم يتزود و ندم حيث لم تنفعه الندامة. و لو قدرنا أنهما لو وجدا الطريق على ما وصفها الواصفون لها بالأمن و كثرة الماء و المرعى أ كان يضر الذي عمل بالحزم و احتاط لنفسه بالزاد. فتيقظوا رحمكم الله و تفكروا في المثل و انظروا فيه فإنه عبرة لأولي الألباب و تبصرة لمن أناب و عرف الصواب.
و روي عن الصادق ع أنه قال رسول الله ص غضوا أبصاركم و احفظوا ألسنتكم و حصنوا فروجكم و كفوا أيديكم و اعلموا أن الأيام صحائف أعمالكم فلا تخلدوا إلى الأيام و نعيمها و رب مستدرج بالإحسان إليه مفتون بحسن القول فيه مغرور بالستر عليه
و اعلموا أيدكم الله أن العقل لو ترك من هوى صاد و مألف معتاد و أنفة من انقياد لساق المرء إلى الرشاد و هجم به على الصلاح و السداد و لكن تعوق عن إدراك الحق أمور يجب أن يحذرها العاقل النحرير منها ترك التعلم و تقليد الآباء و المربين و اتباع السادة المنعمين. و منها النشوء بين أهل بلدتهم و اتباعهم في فاسد معتقدهم. و منها محبة العز و القدرة و اتباع عالي الكلمة و الإمرة و هذا مما تميل إليه الطباع و تشتهيه النفوس و قد يكون هذا من وجهين أحدهما الانضمام إلى ذي سلطان لعزه و الأخذ بمذهبه لعلو أمره و شأنه. و الآخر تقدم يحصل للإنسان في مذهب باطل يتبعه عليه من الضعفة قوم
أعلام الدين ص : 260
لا بصيرة لهم فيصير رئيسا عليهم و يصعب عليه مفارقة عز التقدم عليه. و منها محبة أسهل المذاهب ذي الرخص في ارتكاب الفواحش و اللذات استصعابا للعلم و استثقالا للعمل و ميلا إلى الراحة و رغبة في الإباحة و لهذا يسرع كثير من الناس إلى مذاهب الغلاة و المسقطين للتكليف و الأعمال و قد جذبهم إلى ذلك انضمامهم في المودات و المخالطات فبادر نحوهم الراغب في هذا الشأن و انضم إليهم كل فقير محتاج قليل الدين. و منها اتباع الأكثر و الكون في جملة السواد الأعظم استيحاشا من القلة و هذا مما ضلت به الحشوية. و منها الاشتغال بأمور الدنيا عن الدين و الانقطاع إلى مخالطة التجار و المتكسبين حتى تلهي الإنسان دنياه عن النظر في الآخرة فلا يجعل لنفسه وقتا من زمانه يهتم فيه لأمر دينه. و منها عدم مجالسة العلماء و ترك الاطلاع في الدلائل العقليات و استماع أقوال الجاهلية الأغنياء و الاقتصار على الحكايات و الخرافات. و منها أن الجاهل يرى التقليد في الدين أروح له من طلب العلوم و البحث فيها و هذا يورث العمى و الصمم. و منها قبول قول آحاد أخبار السمع التي لا توجب علما و لا عملا حتى تألفه النفس و يميل إليه الطبع فلا يكاد الإنسان يرتاح إلا إليه و لا يعتمد إلا عليه. و منها محبة المذهب الغريب. و منها الأخذ بالقول المستطرف العجيب لا سيما إذا كان مصونا بين أهله مكتوما عند العاملين به حتى يظن المعتمد عليه أنه قد ظفر بالبغية و وجد الدرة المكنونة و هذا يحول بين المرء و الرشاد و يسوقه إلى الضلال و الفساد فإن اجتمع له مع هذا الجهل سببان أو أسباب عظمت به المحنة و الرزية و تعذر عليه الصواب ثم إن العادة هي الآفة الكبرى و الداهية العظمى و هي الطبع الثاني و الخلق الثابت. فاحترز يا أخي من هذه الأخطار وفقك الله و سددك و هداك و أرشدك و لا تأنس بشيء منها عن إدراك الحقائق و كن فطنا متيقظا حذرا متحفظا
أعلام الدين ص : 261
ناظرا متأملا حاكما عادلا متفطنا للمحبة و البغضة هاجرا للهوى و العصبية باحثا عن الحق غير مراع لأحد من الخلق ناصحا لنفسك في الاجتهاد سائلا الله تعالى في التوفيق للسداد فإنك متى فعلت ذلك اتضحت لك سبل رشادك و سهل عليك صعب مرادك و انفتحت لك الأبواب و ظهر لك الحق و الصواب ففزت بمنزلة العارفين و عملت حينئذ عمل المحقين فإن الله تعالى يقول في الذكر المسطور إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
أعلام الدين ص : 262