ترجع قضیة شذوذ النساء الجنسی، أو ما یسمى بالسحاق إلى حین انتشرت فیهن، حتى قرون متقدمة، ابتداء من نساء قوم لوط لحقت هذه الفعلة القبیحة غالب ذكورهم لأول مرة فی التاریخ الإنسانی، ثم تبعهم كثیر من الأمم بعد ذلك، مقتدیة بهم فی اكتفاءالرجال بالرجال، والنساء بالنساء، خاصة من الشعوب الأوروبیة المتعاقبة، عبر تاریخهم الطویل، حتى تورط فی هذه الجریمة كثیر من كبرائهم وساداتهم، رغم ممارسة السلطات الدینیة -فی ذلك الوقت-أشد أنواع العقوبات بحق الشاذین و المنحرفین جنسیًا ،ومع هذا فقد بقی المجتمع العربی -رغم جاهلیته- محفوظًا بشهامته العربیة، وأخلاقه الفطریة من انتشار هذه الرذیلة الخلقیة.
واستمرت المجتمعات البشریة تتوارث هذه الفاحشة جیلا بعد جیل مستنكرة لها، ومعاقبة أصحابها، حتى بدت لهؤلاء الشاذین قوى تنظیمیة مؤثرة، وتجمعات جماهیریة ُتؤید مذهبهم المنحرف، ونهجهم الجنسی الضال، فأخذوا یتنادون من خلال مبدأ الحریة الشخصیة بحقِّهم فی ممارسة العلاقات الجنسیة المثلیة، فأثَّروا فی الرأی العام الذی بدوره أضعف من قوة السلطة القانونیة والتنفیذیة فی مواجهة اندفاع هذا التیار الجنسی الشاذ، فما لبثت القوانین أن تغَّیرت، والمفاهیم أن تبدلت، حتى غدا الشاذون من الجنسین مقبولین اجتماعیًا دون نكیر.
وأصبحت نظرة المجتمعات المنحرفة إلى قضیة العلاقات المثلیة على أنها خبرة تستحق التجریب، فخاضها كثیر من الناس -تحت حمایة القانون- بصورة كبیرة لم یسبق لها مثیل، وقد كان للیهود –كعادتهم فی نشر القبائح- الدور الكبیر وراء تشجیع مسلك الشذوذ الجنسی، لیصبح معترفًا به ضمن القوانین الوضعیة، على الرغم من أنه محرم فی شریعتهم؛ فقد كانوا فی القدیم یعاقبون علیه بقسوة.
ورغم أن انتشار هذه الفاحشة بی ن الذكور أكبر من انتشارها بین الإناث، ولاسیما الفتیات منهن فی المجتمع المسلم؛ لكون مسلك الغوایة الجنسیة وانحرافاتها غالبًا ما تأتی من جهة الذكور، إلا أن المشكلة - مع ذل ك- فی ازدیاد مستمر، وأعداد المنحرفین والمنحرفات فی المجتمعات المسلمة فی تنامٍ خطیر، وحقو قهم المزعومة تتَّجه نحو القوة والتمكین، ولاسیما بعد دعاوى تحریر المرأة، واندفاع النساء نحو المساواة، وهذا من شأنه تقارب حجم الانحرافات بین الجنسین وتشابهها، وقد لوحظ بالفعل فی بعض المجتمعات الإسلامیة المحافظة وجود بعض النساء بمظاهر ذكوریة، مع انطماس معالم هن الأنثویة، مما ینذر بخطر ظهور الشذوذ الجنسی بین النساء فی المجتمعات المحافظة.
إن موقف الشریعة الإسلامیة -بل جمیع الشرائع السماویة-یخالف موقف القوانین الوضعیة فی التعامل مع هذه الفاحشة، حیث اعتبرتها الشریعة محرمة بالإجماع، وأدخلتها فی باب الزنا، وجعلتها ضمن كبائر الذنوب، حتى وإن لم یكن فیها ح د منصوص علیه، فقد ادب المجتمع المسلم النساء والفتیات المتعاطیات لهذه الفاحشة بما یردعهن عن التمادی فیها، كما أن عقوبة الله الكونیة للمنحرفین من هذا الضرب من النا س: لم تتخلَّف عن الشاذات فی هذا العصر، حتى هَلكْن كما هلك أضرابه ن من الشاذین بمرض "الإیدز" المحیر.
وقد ثبت یقینًا أن الدین الحق، ومسالك التدین هی العلاج الناجح لمثل هذه الشذوذات السلوكیة، إ ذا لم یكن هناك خلل فی أصل الخلقة ؛إذ لا یجدی فی حل هذه المعضلة النفسیة الجنسیة: الحقن بالهرمونات،ولا الصع ق بالكهرباء، ولا الاختلاط بالجنس الآخر -كما یریده البعض- فإن غالب مواقع انتشار هذه الشذوذات الجنسیة فی الأوساط الاجتماعیة التی تحبذ الاختلاط بین الجنسین وتقره.
إن جذور معضلة ا لشذوذ الجنسی عند الفتیات ترجع فی أصل الأمر إلى البیئة الاجتماعیة أكثر من رجوعها إلى أی سبب آخر، ومبدأ ذلك حین تتوجه الفتاة فی فورة نموها الجنسی بالإعجاب المفرط،الممتزج بالعاطفة الهائمة نحو شخص من نفس الجنس، تتخذه -بصورة عفویة- موضوعًا جنسیًا لها، فی نفس الوقت الذی تحاول فیه إخفاء میولها الطبیعیة نحو الجنس الآخر الذی حالت بینها وبین الاقتران بأحدهم بصورة مشروعة الظروف الاجتماعیة والاقتصادیة القاهرة .
فُتظْهر النفور من جنس الذكور عامة، وكل ما یتعلق بهم بصورة خاصة، وُتقْبل بالحب الفیاض - مندفعة بعواطفها ورغباتها الغریزیة - نحو زمیلة متألِّقة ُتصادقها، أو معلمة بارعة ُتلازمها، وتبقى العلاقة بینهما إلى هذا الحد طبیعیة ، ما لم تتعمق الصلات بینهما إلى حد الالتصاق الجسدی، والتلامس البدنی، وكشف العورات وتناولها،فتتلبس حینئذ إحداهن بال سادیة العدوانیة، والأخرى بالماز وشیة السلبیة،وعندها تكون بدایة الانحراف الأكبر بفقدان الفتاة لهویتها الجنسیة.
إن نظام الإسلام التربوی عند معالجته مثل هذه الانحرافات الخلقیة: یتناولها من مبادئ أصولها الانحرافیة، فیقطع جذورها من أساسها، ویبنی مكانها ما یتلاءم مع أهداف منهجه، وطهارة مسلكه ،ومن هنا: أمر ابتداء بالتفریق المطلق بین المراهقات فی المضاجع، ونهى عن المباشرة بینهن بالأجساد، وأمرهن بستر العورات، وغض البصر عما یتلذذ به وإن لم یكن عورة، وأباح - إلى جانب هذه الضوابط - الزواج المبكر كأوسع ما یكون؛ حتى تندفع شحنتا الفتاة النفسیة والجنسیة النامیتان نحو الجنس الآخر بصورة مشروعة؛ فإن العلاقة قویة بین ترك الزواج وبین شذوذ الفتیات الجنسی.
وإضافة إلى هذه الضوابط والتوجیهات المتعددة فقد لعن الشارع الحكیم المسترجلات من الفتیات ال سادیات، المتشبهات بالرجال فی أخلاقهن وسلوكهن، وأمر الفقهاء بحبسهن لیكتفی المجتمع شرهن، كما رفضت الشریعة مبدأ وجود جنس ثالث غیر الذكر والأنثى، بل حتى الخنثى فإنه یغلَّب لیلحق بأحد الجنسین، فلیس فی المجتمع الإنسانی إلا ذكورًا أو إنا ثًا؛ كل ذلك حتى یبقى السلوك الجنسی محفوظًا بكل ملابساته الاستمتاعیة فی مساره الطبیعی، یؤد ی المهمة التناسلیة -التی من أجلها ركِّبت الشهوة- بكفایة تضمن بقاء النوع مستخْلفًا فی الأرض جیلا بعد جیل.
إن من المسلَّم به: أن دافع الغریزة الجنسیة من أقوى دوافع الإنسان، والغریزة بطبعها الفطری عمیاء خادعة، لا تعرف التمییز بین النافع والضار، أو الحلال والحرام، إلا ما یشبع نهمتها على أی وجه كان من الوجوه، كما أن درجة عنفها، وطبیعة أدائها لا تخضع لتطورالحیاة الاجتماعیة وتغیراتها المادیة أو المعنویة.
فإن أفعال الغریزة ثابتة لا تتغیر، والإنسان فی كل عصر هو ا لإنسان -ذكوره وإناثه- لاتقبل غرائزه الخروج عن طبیعتها فی تطور أو تجدید، وما زالت القضیة الجنسیة -بصفة خاص ة- قضیة الإنسان منذ العصور المتقدمة، ومحور كثیر من اهتماماته ومعاناته، حتى إنها كانت فی بعض الشعوب میدان عبادة وتقدیس، وقد سبق من خبرات الناس الصحیحة:
أنه ما من "سبیل إلى نزع الأخلاق من شعب من الشعوب أنجع وأجدى من ترك شبیبته نهبًا للغرائز دونما ضبط أو قی د"، فالسلامة من فتنة الشهوات: سلامة من نصف الشر، كما أن السلامة من فتنة الشبهات:سلامة من نصف الشر الآخر.
ومنهج التربیة الإسلامیة فی تعامله مع الإنسان لا یكتفی بمجرد تحریم السلوك الخلقی المنحرف؛ بل یجتثُّ من أول الأمر الأسباب المؤدیة إلیه، فیطالب المجتمع ابتداء بتطهیر مؤسساته كلها من أسباب الفتنة الجنسیة، ومثیراتها الشهوانیة؛ حتى یتوافر للأفراد، -بصورة عامة - المناخ الصحی الملائم لنمو وازدهار سلوكهم الخ لقی السوی، وهذا لا یتحقق على الوجه الصحیح -خاصة فی هذا العص ر- إلا من خلال ثلاث وسائل رئیسة على النحو الآتی:
الوسیلة الأولى:
تطهیر وسائل الإعلام من أسباب الفتنة الجنسیة:
بهدف تحریر عنصر الإناث من سجن البیولوجیة الجسدیة،إلى رحاب الإنسانیة الكاملة، وذلك من خ لال كفِّ وسائل الإعلام بشعبها الثلاث: المرئیة، والمسموعة، والمقروءة عن استهواء الفتیات بما تعرضه عبر المشاهد من صور الإغراء الجنسی المثیر، وما تبثه عبر الأثیر من السماع الفاحش الصاخب المحرك للطباع، وما تنشره عبر المطبوعات من الأدب الإباحی المكشوف.
فإذاك ان المجتمع صادقًا فی حرصه على العفَّة التی دعیها، وملتزمًا بالقوانین الأخلاقیة التی یتنادى بها: فكیف یفسر تنازله الشائن عن هذه القیم الأخلاقیة بإباحة عرض أجساد الفتیات عاریة فی الأفلام ودور الرقص، وعبرالمجلات المصورة، والإعلانات التجاریة؟ ثم بعد ذلك یت رك الفتاة الشابة فی خضم هذا الزخم الإعلامی الفاحش المثیر لتحلَّ هذه المعضلة الاجتماعیة بنفسها.
فتشاهد وتستمع وتقرأ - ومع ذلك- تبقى ضمن حدود الآداب والأخلاق الاجتماعیة المرعیة، وهذا من أشد أنواع التناقض الاجتماعی، الذی ترفضه أبسط مبادئ التربیة، وتمجه أضعف العقول.
الوسیلة الثانیة:
تطهیر المعرفة العلمیة والثقافیة من أسباب الفتنة الجنسیة:
بحیث تنسجم المعرفة التربویة بكل فعالیاتها الفكریة والسلوكیة مع منهج التربیة الإسلامیة، فلا یجد المربون فی مناهج التربیة ما یخالف مبادئ الإسلام، أو یتعارض مع أسلوبه فی معالجة مشكلات الشباب الأخلاقیة والسلوكیة.
إلا أن الناظر فی مجال التربیة وعلم النفس یجده میدانًا رحبا عند كثیر من التربویین؛ یؤصلون من خلاله أخطاء الشباب الجنسیة والعاطفیة، تحت ستار الدراسات النفسیة والتربویة، كما یجد فی مجال الثقافة والفكر من یؤید هذه الا تجاهات الجنسیة السقیمة، ویدعمها بالحجة العقلیة والمنطقیة، ثم یجد بعد هذا فی مجال التشریع الإسلامی من یتبرع - باسم الدین- لأسلمة هذه الأفكار والسلوكیات الجنسیة المنحرفة، ویضفی علیها ثوب الشرعیة الدینیة، ویهون على نفوس الشباب وضمائرهم أمر ارتكابها، إضافة إلى وجود قوى عالمیة، ذات ثقل كبیر تقف وراء عولمة بعض المصطلحات الجدیدة، ضمن مفاهیم تتناسب معها، مثل: العائلة، الإجهاض، الحریة، الثقافة الجنسیة.
إن منهج التربیة الإسلامیة بطبیعته الربانیة المتمیزة لا یقبل الشِّركة، فإما أن ینفرد بتربیة الأجیال وفق نهجه وطب یعته الخاصة، وإما أن تتنازع التربیة أهواء الذین لا یعلمون، من رواد العقد النفسیة، والفتنة الجنسیة.
الوسیلة الثالثة:
تطهیر المرافق العامة من أسباب الفتنة الجنسیة:
بحیث لا تجد الفتاة فی الحیاة الاجتماعیة العامة ومناشطها المختلفة، الجادة منها والترفیهیة: ما یح رضها -بصورة من الصو ر-على ارتكاب الفواحش، أو یثیر غریزتها، أو یجعل من بدنها، أوصوتها من خلال تبرجها واختلاطها: أداة للإثارة الجنسیة، والاستمتاع الباطل، فإن المباعدة بین أنفاس الذكور والإناث: دین یتَّبع، وإلزام الشواب من النساء بما وقع الخلاف فی جواز كشفه من أبدانهن فضلا عن المجمع على ستره- حقٌ یحتذى، ومسؤولیة یقوم بها السلطان؛ فقد أثبتت التجربة الواقعیة والتاریخیة أن المجتمعات التی تلتزم فیها النساء الحجاب الكامل، والتی یقلُّ فیها الاحتكاك بین الجنسین: أنها مجتمعات سلیمة من مظاهر وانحرافات السلوك الجنسی بأنواعها المختلفة.
إن هذه الوسائل الثلاث إذا راعاها المجتمع، وألزم بها مؤسساته المختلفة فغالبًا ما ُتدرأ عن مثل هذا المجتمع أسباب الفتنة الجنسیة، وتبقى قضیة الجنس فی حدودها الزوجیة، ضمن نطاق الأسرة، تؤدی دورها فی التناسل والتكاثر دون انحرافات خلقیة، أو معاناة اجتماعیة تخرج أفراد المجتمع عن حدودهم الطبیعیة.
source : rasekhoon